بين النبل والتدين


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

من دلائل عظمة الإسلام عندي أنه لا يعارض بين النبل وبين التدين، فأنت تفتح كتب الفقه من الطهارة إلى الإقرار؛ فلا تجد أمرًا واحدًا يدعوك للؤم، ولو من باب الاختبار.

تأمل معي هذه اللفتة الجمالية النفسية؛ يقول سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "لا تحقرنّ من المعروف شيئًا، ولو بشسع النعل، ولو أن تعطي الحبل، ولو أن تؤنس الوحشان"[1]

يقول ابن منظور: "والوحشة: الهم، والوحشة: الخلوة، والوحشة: الخوف"[2]

أي: أنت تؤجر بإيناسك لمن استوحش بهمّ، أو وحدة، أو خوف.

ومن لطيف ما يرويه بعض المتأخرين؛ أنه كان بفاس وقف يقوم على بذل مرتب لرجل يصعد المآذن بعد العشاء فيدعو وينشد ويبتهل؛ اسمه "مؤنس الوحشان"، يبلغ صوته الوحيد في داره فيسعد، والمسافر المنفرد فيأنس.

وفي حديث طويل قال عمر -رضي الله عنه- "لأقولن شيئًا أضحك به النبي صلى الله عليه وآله وسلم"[3]

شرحه النووي -رحمه الله- فقال ضمن ذلك: "وأن الإنسان إذا رأى صاحبه مهمومًا حزينًا يستحب له أن يحدثه بما يضحكه أو يشغله ويطيب نفسه"[4]

ومن تأمل أوضاعنا وجد أننا في زمن امتدت به أسباب الضيق؛ فالأزمات الاقتصادية، وتسلط الظلمة، وتعقيد أسهل متطلبات الإنسان، ونمط الحياة الذي ينشر الهشاشة الروحية= تجعل من عبادة "إيناس الوحشان" بوابة خير وأجور عظيمة نغفل عنها؛ اللهم أيقظنا.

 

[1]  رواه أحمد (482/ 3) و (56/ 4)

[2] لسان العرب (6/ 368)

[3] رواه مسلم (1478)

[4] شرح النووي على مسلم (10/ 81)

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply