ليت العلمية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

قرأتُ في كتاب "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبدالبر حاشية استملحتها للشيخ أبي الأشبال الزهيري -محقق الكتاب- فرج الله عنه وثبته.

قال بعد أن أورد المصنف أثر علي -رضي الله عنه-:

"الناس ثلاث: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة..."

خرّج الأثر وتبيّن له ضعفه، ثم باح بأمنية تبسمت حين قرأتها؛ قال:

"قلت: وكم أتمنى أن يكون إسناده صحيحًا، ولكن هيهات، فليس كل ما يتمناه المرء يدركه"[1]

هذا التعبير عن مكنون النفس لطيف، وقد جربت ذات الحالة مرّة، ونطقتُ بـ"ليت" كالتي قالها الشيخ.

قرأتُ مسألة في كتاب "المروءة وخوارمها" للشيخ مشهور آل سلمان، ثم أورد لطيفة من كتاب "معرفة القراء الكبار" للذهبي؛ في ترجمة أبي شامة المقدسي، قال:

"كان من فرط ذكائه، وكثرة علمه؛ متواضعًا، مطرحًا للتكلف، ربما ركب الحمار بين المداوير"[2]

فوقع في نفسي أنه لو صحت العبارة : "كان [من] فرط ذكائه" أن المعنى بهذا السياق أن فرط الذكاء وكثرة العلم تهدي المرء للتواضع واطّراح الكلفة، وكان المعنى لطيفًا، وبنيت عليه تحليلات، لكن ثمة صوت بداخلي يقول: قد يكون تحريفًا، و[من] هنا إنما هي [مع]، فيردّ داعي ليت: إنما هي "من فرط ذكائه"، عدتُ للكتاب الأصلي "معرفة القراء الكبار" للذهبي؛ فوجدت الأمر على ما يقوله العقل لا القلب، فالجملة الصحيحة:

"وكان [مع] فرط ذكائه، وكثرة علمه..."[3]

فصررت على أسناني تحسرًا، وتمنيت لو صحّ المعنى الأول ليوافق هواي؛ لكني أردد مع الشيخ الزهيري حسرته قائلًا:

"ولكن هيهات، فليس كل ما يتمناه المرء يدركه"

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

[1] جامع بيان العلم وفضله (1/146)

[2] المروءة وخوارمها ص109

[3] معرفة القراء الكبار ص362

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply