لو عشت عامًا آخر


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

لو عشت عامًا آخر – بدر الثوعي

"هيلين كيلر" فتاة أصيبت بمرض حرمها البصر والسمع في شهرها الخامس، ثابرت حتى تعلمت النطق على يد معلمتها الآنسة "آن سوليفان جون" في سن العاشرة، تخرجت في الجامعة بتفوق ثم تفرغت للكتابة؛ وكان من روائع ما كتبت "لو أبصرت ثلاثة أيام" وهو كتيب لطيف تسرد فيه أمنياتها لو أعطيت بصرًا لمدة ثلاثة أيام. [1]

في نهاية كل عام يراودني سؤال على طريقة كيلر؛ ماذا "لو عشت عاما آخر"، أحسب أن الأمنيات ككرة الثلج؛ كلما سارت كبرت، وأنّني لابدّ مشغول؛ فإن لم يكن بالمعالي شغلتني نفسي -بنفس الكمية والهم والطاقة- بالسفاسف والصغائر .. حسنًا؛ لو عشت عامًا آخر سأعيد النظر في علاقتي بربي، أتمنى أن أكون له كما يحب سبحانه، وسأحاول أن أكون ابنًا طيبًا و وزوجًا كريمًا وأخًا نبيلًا وأبًا لطيفًا، سأقضي وقتًا أكبر مع عائلتي الصغيرة، أما صداقاتي التي خنقها خيط الاغتراب والسفر فسأعيدها سيرتها الأولى، وربما تخففت من وسائل التواصل لأصطلح مع مشاريعي القديمة .

 

لو عشتُ عامًا آخر .. سأعيد تقييم الأشياء بحجمها الحقيقي دون تضخيم أو تحقير، لن أجعل الصراعات تحدد حجم قناعاتي، ولا سبيل التعاطي معها، سأعيش الحزن والفرح والملل والسعادة كما هي؛ سأمنح لكل شعور وقته الطبيعي الكافي .

لو عشت عاما آخر .. سأقول "آسف" لكل من أخطأت بحقه، سأمارس حقي البشري في حب الحياة، في التفكير ببراءة، في الاستلقاء كالطفل لتأمل السماء وعد النجوم .. "أحبك": كلمة كبلها مر السنين وسورة الخجل، ستنطلق كطفلة عابثة، لتطوق من حولي كوطن كبير .

لو عشتُ عامًا آخر .. سأواصل البحث عن المعنى في مطاوي كل فكرة، وفي تفاصيل كل لحظة، سأعيد الأصل لمكانه، والاستثناء لمكانه، لن أمد سجادة الاستثناء طويلًا لأقي قدميّ شوك الضمير .

لو عشتُ عامًا آخر .. سأنظر لفكرة الثبات والتغيير بعين الوصف المحايد الذي لا يمدح ولا يذم إلا بمتعلقه، فالثبات لمجرد الثبات جمود، والتغيير لمجرد التغيير وهن في العقل والشخصية .

 

ماذا بعد؟ سأتأنق في ملبسي وأرجع جسمي إلى سابق لياقته، لن أنسى الاهتمام بتسريحة شعري، و نوع عطري، سأتلطف أكثر مع من عرفت ومن لم أعرف؛ ولن أتأول لنفسي تصرفات الغضب أو التجاهل أو الحدة أو كسر الخواطر .

لو عشتُ عامًا آخر .. سأكون ممتنًا لمن جمعتني بهم مجالس العلم في مساق والجيل الصاعد والأمالي الفجرية وزوادة وناصية وتكايا، للشباب والشابات الذي تركوا زهرة الحياة وأقبلوا على التعلم الجاد، لمشرفي البرامج والمبادرات ومتطوعيها من قادة ومصممين ومسؤولي محتوى وتحرير وتفريغ ووسائل تواصل ممن تحملوا صحبتي، أرجو أن يبلغهم امتناني وفخري.

لو عشت عاما آخر .. سأكون ممتنًا لكل من عرفت في حياتي، لكل يد ربتت على كتفي ذات حزن، لكل من آنسني في غربتي، لكل عصا اتكأت عليها في كربتي، لكل من عرفت في حياتي الواقعية وفي مواقع التواصل، لله -ربي- أولا وآخرًا .

 لو عشتم عاما آخر ؟

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

* هذا النص أنشره نهاية كل عام بتعديلات وإضافات تبعًا لأمنيات الإنسان وتغير أفكاره ومعطياته .

[1]نشرته باسم "if i had three days to see”، وترجم أكثر من مرة بتفاوت في العناوين وجودة الترجمة، منها : ترجمة الدكتور عبدالهادي التازي .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply