خطر نشر المنكرات بقصد التحذير منها عبر مواقع التواصل


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

مما لا ريب فيه أن العالم اليوم يمر بتغيرات تقنية تزداد تطورا يوما بعد يوم، فقد برزت شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) كأقوى وسيلة اتصال في الوقت الحاضر، فعن طريق هذه الشبكة تحولت المجتمعات إلى مجتمعات معلوماتية، وأصبح العالم من خلالها قرية صغيرة يسهل الربط بين أفرادها؛ فنتج عن ذلك تغيرات دينية وأخلاقية وثقافية واجتماعية، وخاصة بعد ظهور ما يعرف بمواقع التواصل الاجتماعي مثل: اليوتيوب،وتويتر، والفيس بوك،والواتساب، والتليجرام، وانستقرام، والسناب شات.

ومن خلال هذه المواقع استسهل الكثير من مستخدميها نشر المنكرات سواء مقاطع تصويرية أو صوتية بشتى أنواعها؛ سواء كانت هذه المقاطع خاصة بعقائد فاسدة، أو أفكار منحرفة، أو بدع فاسدة، أو نشر مقاطع إباحية، وغيرها مما يخدش الديانة والحياء.

وهناك من ظن أن من طرق إنكار المنكر نشر المقاطع التي تُصوَّر فيها بعض المنكرات أو بعض الحوادث التي تخل بالأمن بشكل عارض، ويظن أنه بهذا العمل قد أحسن، وهو في الحقيقة قد أساء !

 

وقد أمر الشارع من وقع في معصية أن يستر على نفسه، ولا يخبر بها أحدًا؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ،  مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ " رواه مالك في الموطأ، قال ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: " وفيه أيضًا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة ".

ليس هذا فحسب بل دعانا الشارع الحكيم إلى التجاوز عن العورات والستر على أصحاب المعاصي والسيئات، وجعل ذلك من الأخلاقيات الطيبة التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم، فالله تعالى لا يحب أن يجاهر الإنسان بكلام السوء ولا بإشاعة السوء، قال تعالى: " لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ". سورة النساء 148، 149.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا".(أخرجه أحمد في مسنده برقم (8103)،والبُخاري في صحيحه برقم6064).

فستر الذنوب والمعاصي ليس خاصا بمن وقع فيها، بل بمن شاهدها، فهو مأمور بسترها وعدم إشاعتها في المجتمع؛ لما في ذلك من إفساد عظيم.

فنشر المنكرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بقصد التحذير منها مخالف لمقاصد الشريعة التي من أعظمها: تحقيق مصالح العباد، ودرء كل مفسدة تضرُّ بهم، ومن المصالح التي شهد لها الشرع: اعتبار مآلات التصرفات والحكم على الفعل بالنظر إلى نتائجه التي تنتهي إليه.

وقد شرع الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحفاظ على الضروريات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. ومن ذلك نشر الفضيلة في المجتمع، وتكثيرها، ووأد الرذيلة وعدم إظهارها ليسلم المجتمع من شرها. (خطر نشر المنكرات بقصد التحذير منها، عبد الرحمن بن عبد الله السند، ط الأولى 1440 هـ، ص:27 بتصرف).

فلا شك أن التكتم على المنكرات، وعدم إظهارها، فيه صيانة للمجتمع أن يعتاد رؤيتها، أو يتأثر بها؛ لأن إشاعة الجريمة في المجتمع دافع إلى استمرائها، واستسهال الوقوع فيها، ومحرض إلى النظر بنظرة سوء، ولربما وقع المنكر في مكان ما، فساهمت هذه المواقع في انتشاره، وتناقله الصغار والكبار، ولربما كان في هذه المنكرات تطاول على الذات الإلهية، أو مقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو صحابته الكرام أو بعضهم، أو تعليق على منكر أخلاقي لا تقره الشريعة، وإنما حدث بشكل عارض غير دائم. (المرجع السابق ص: 48 بتصرف).

وقد تحصل للإنسان بنقل المنكر ونشره وإذاعته فتنة في نفسه أو لغيره، وقد كان معافى من ذلك.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: " فقد تحصل للعبد فتنة بِنَظر منهي عنه وهو يظن أنه نَظَر عِبرة" (مجموع الفتاوى 15/344).

ولا يظن ظان أن معنى ذلك أن نترك شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه المنكرات التي قد تظهر في المجتمع؛ سواء كانت منكرات عقدية أو أخلاقية أو أمنية لا يمكن تركها دون إنكار بالطريق الشرعي، فإنكار المنكر له شروط وضوابط منها على سبيل الذكر لا الحصر:

1-   معرفة مراتب المصالح والمفاسد، وإلا أدى إنكار المنكر إلى منكر أعظم منه، وقد يؤدي إلى توسيع دائرة المنكر بعد أن كان في حدود ضيقة.

2-   مراعاة المآلات، فلابد أن يدرك العاقبة المترتبة على فعله، فالنظر إلى نتيجة فعله حاكم على تصرفه، واعتبار المآلات مقصود شرعا.

يقول ابن القيم – رحمه الله -:" شرع النبي – صلى الله عليه وسلم – لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإن كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله " (أعلام الموقعين 1/12 ).

وخلاصة ما سبق : " لا تذكر الشر فيندثر واذكر الخير فينتشر "

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply