غربة المجد الإسلامي


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  

أنا الغريبُ وأهلي أُمَّةُ العربِ =

والمسلمون بأصقاعِ المدى نسبي

كأنَّني عن نهارِ الفتحِ محتجبٌ  = 

فلم أَرَ  اليومَ إلا ظلمةَ الكُرَبِ

وكنتُ أمتلكُ الدنيا ، فلو سُئلتْ  =

عن غيرِ فخريَ لم تنطقْ ولم تجبِ

وما انثنيتُ ، فزهوي في مرابعِكم  =

كالنُّورِ يسري بأُفقٍ غيرِ محتجبِ

أنا العروبةُ والإسلامُ طرَّزني=

بأجملِ الحُللِ الفيحاءِ في الحقبِ

أصالتي من سنى دفَّاقِ مصحفِه  =

فليس تذوي ، ولم تأفلْ ، ولم تخبِ

ورايتي معْ طلوعِ الشمسِ إذْ بزغتْ =

تطوفُ بالنِّعمِ الأخرى ، وبالرَّغبِ

أسعى ، فأوقفتموني في مفاسدِكم =

على مهازلِ سوقٍ بائرٍ خَرِبِ

وعشتُ في مضضِ الأكدارِ يخنقني= 

خطبٌ تثاقلَ في نفسي وفي عصبي

وفوقَ شوكِ الأسى أمشي لراحتكم  =

وكم أعاني من الأرزاءِ والوصبِ

وصرتُ أنقلُ من همٍّ إلى وجع=ٍ  

خطوي ، ومن لهبٍ عاتٍ إلى لهبِ

يذوبُ في وهْجِه قلبي بمُتَّئَدٍ=  

من الكآبةِ والأشجانِ والنُّوبِ

فمن خريفٍ جنى مـا اصفرَّ من قيمٍ=

إلى شتاءٍ عوى فيه فـمُ العطبِ

وضعتُ من حيرةٍ في تيهِ حسرتكم = 

وضاعَ سعيي ، فدربي غيرُ مقتربِ

كأنَّني من يتامى العصرِ يمضغُـني= 

شدقُ الليالي بلا ذنبٍ ولا سببِ

وأنقلُ العينَ من سهلٍ إلى جبلٍ =

فلا أرى غيرَ ناعينا على الهضبِ

أفرُّ كالطيرِ لمَّا انسلَّ من قفصٍ= 

إلى شواظِ فضاءٍ ماجَ بالشُّهبِ

تركتُ نهرَ دمي الفوَّارِ تبلعُه=

رُقْبُ الأفاعي ، وكم في الغابِ من رُقُبِ !

وعذْبُ قولي عن الآمالِ قطَّعَه  = 

جهشُ الثَّكالى فما أبقى لمُرتقبِ

وفي الظلامِ أُنادي ليس يسمعني=   

إلاَّ الخليُّ ، وذو هزءٍ وذو لعبِ

تهفو إليكم وفي أسماعِكم صممٌ  =   

فتنثني ـ كلماتي ـ حيثُ لم تثبِ

وللعزائمِ في أحنائكم كللٌ =

أناخَ حولَ ضجيجِ اللهوِ والطَّربِ

وأفدحُ الخطبِ : مجروحٌ تداعبُه =

بنتُ الهوى ، ودماءُ الأهلِ في صببِ

تلهون ـ بئسَ ـ وللأحداثِ زلزلةٌ =

على مضاربِ فخرٍ ـ آهِ ـ منتَهَبِ

طوى على مهجٍ مافي تقلُّبِها  =

إلاَّ مُدَى ظالمٍ مستهترٍ  و غبي

وفي الضلوعِ نهارٌ ضجَّ ملتهبًا  =

بكلِّ جرحٍ سخينٍ دون مستَلَبِ

وإنْ هجعتُ فليلي كلُّه قلقٌ  =

حتى الرؤى في مطافِ الحلمِ لم تطبِ

حُمَّى من الأرقِ الملحاحِ جمرتُها  = 

عبرَ الوتينِ كوهجِ النارِ في الحطبِ

وقد ثويتُ بظلِّ الهـمِّ يسترني = 

فما رآني أخي ـ في غمرِه ـ وأبي

وقد هتفتُ وقومي في تردُّدِهم = 

فضاعَ صوتي بما في الدربِ من صخبِ

فوامصيبةَ مَنْ هانوا ومَن وهنوا = 

ومَنْ رضوا بالأذى والذلِّ والسَّلبِ

ميدانُهم عربداتٌ أو هوى عبِثٍ =

يدينُ للزيفِ واللذاتِ والكذبِ

فأين علياؤُهم والعنفوانُ بها =

والبيضُ يوم اللقا ، والذكرُ في الكتبِ ؟؟

وأين فرسانُهم في كلِّ نازلةٍ  =

وفي منازلةِ الأعداءِ بالقُضُبِ ؟؟

وأين أبرارُهم والأولياءُ على =

مغنى محاريبِهم بالقُربِ والقُربِ ؟؟

وأين تكبيرُهم تعنو الجبالُ له=

ويستجيبُ الصَّدى في كلِّ مُنتّدَبِ ؟؟

وينجلي الأفقُ عن إيثارِهم قيمًا  =

تُغني أخا حاجةٍ بالخيرِ والنَّشبِ

أكادُ أُنكرُ مجدا كان يصحبُهم =

لولا المصاحفُ عند العُجمِ والعربِ

أينفضون غبارَ الوهْنِ عن هممٍ = 

لايرهبون ولا يعنون للنُّوبِ ؟!

فدعوةُ اللهِ أغنتْ أُمتي فسعتْ =

بين الأنامِ بما يسمو مدى الحقبِ

سيستعيدون راياتٍ مرفرفةً  = 

على خميسٍ شجاعٍ مؤثرٍ لجبِ

ويهزمون أعاديهم ، فلا سلمتْ=  

يـدٌ تخونُ عهودَ اللهِ بالهربِ

شدَّتْ على صهواتِ الفتحِ عزَّتهم  =

تعدو بها الخيلُ من نصرٍ إلى غلبِ

فوجهُها نضرٌ في كلِّ مكرمةٍ  =

وأهلُها من بطونِ العزِّ في النسبِ

وليس تخشى جيوشَ البغيِ إنَّ لها=

مايدفعُ الظلمَ رغمَ الموجِ والعُبُبِ

فما تعرَّتْ غصونُ الفخرِ إذْ عصفتْ= 

ريحُ الخطوبِ ، ولم تُسقطْ سوى الشَّذبِ

وما أضرَّتْ بها فاللهُ يكلؤُها=

والله يحمي بنيها من أذى الرُّقُبِِ

والعزُّ يسكبُ في أحناءِ أربُعِها= 

من الرحيقِ المصفَّى فاضَ كالسُّحُبِ

ستخرجُ الطيرُ من أعشاشِها لترى=

رحيلَ مافي مغانيها من الغُرُبِ

فالدِّينُ يبقى بأنوارٍ ومرحمةٍ=  

والكفرُ يفنى مع الطغيانِ والذَّهبِ

الناشرون على الدنيا حضارتَهم=

فشمسُها عن رحابِ الأرضِ لم تغبِ

الحاملون لواءَ الحقِّ يرمقُهم =

أهلُ المآسي لصبحٍ مشرقٍ شنبِ

تبعثروا ـ ويحهم ـ واللهوُ أقعدهم=

بلا عزيمةِ مَنْ ينأى عن الريبِ

فلا تراهم رأوا في الخطبِ رأيَهُمُ= 

ولا هُمُ ابتعدوا عن سوءِ منقَلَبِ

فتلك بلدانُهم باتتْ مقطَّعةً = 

نهبَ الغزاةِ ، ومرمى الشرِّ عن كثبِ

ذرني على كلِّ شلوٍ في مقاتلهم =

أذرفْ دمًا قبلَ دمعِ العينِ والعتبِ

لأحرقَنَّ ثيابًـا صاغَ زخرفَها =

حبُّ الحياةِ ، وكرهُ السّيفِ واليلبِ

واحسرتاه على قومٍ لهم نسبٌ =

في الأوَّلينَ من الإقدامِ والرُّتبِ

عروبتي بكتابِ اللهِ عزَّتُها=

وفي سِواهُ ، عراها الذُّلُّ لم يغبِ !!

وما استفامَ فخارُ العربِ في حقبٍ= 

إلا على منهج القرآنِ في الحقبِ

وما العروبةُ إلا جسمُ مغتربٍ =

مقرَّحٍ لفحتْهُ الريحُ بالوصبِ

وليس تنهضُ من ديجورِ كبوتها=

إلا على ساعدٍ من روحِها الضَّربِ

فكيفَ تُنكرُ علياها عروبتُنا =

وكيف تشمخُ في الدنيا بلا حسبِ ؟

وليس في الوَهَنِ الممقوتِ عزَّتُها =  

وإنما العزُّ بالتقوى وبالأدبِ

               ***

***

للسائلين عن الدربِ الطويلِ ألا =

شدُّوا المطايا ففجري غيرُ مقتربِ !!

بيني وبينَ خطاكم ألفُ داجيةٍ =

وألفُ وادٍ من الأهوالِ والنَّصبِ

وألفُ كهفٍ من الأرزاءِ خبَّأها =

إبليسُ أهوائكم مسعورة اللهبِ

إني أنا المجدُ أنعاكم فما وجدتْ =

عيني لكم أثرا في ساحةِ الغلبِ

قد كنتم الروحَ والريحانَ إذْ عبقا=

ففي روابيكُمُ الفيحاءِ نورُ  نبي r

فهل وجدتُم بدارِ الهونِ راحتكم ؟=

أم غـرَّكم ما بظلِّ العيشِ من قصبِ ؟

وكان سيفُ علاكم في يَدَيْ بطلٍ =

فكيف ترضون بالأسيافِ من خشبِ ؟!

ويحَ الرجال الذين السَّاحُ تعرفُهم =

يوم التلاحمِ ذا رمحٍ وذا قُضُبِ

وإنْ مشى الموتُ في إعصارِ ملحمةٍ =

أتوا إليه بلا خوفٍ ولا رُعُبِ

وتشهدُ الأنجمُ اللألاءُ أنَّـكُمُ  =

خيرُ البريَّةِ في روحٍ وفي أُهُبِ

وكم هتفتُ وأعياني بساحتكم =

طولُ الوجومِ ، وطولُ الحزنِ والعتبِ

وكم بكيتُ وقلبي فيه من ألمٍ =

على منازلِكم أخوتْ على النُّوبِ

فياخسارةَ قومٍ : جمرُ غضبتِكم= 

أمسى رمادًا فواحزني و واغضبي

أكادُ من برزخِ الأقدارِ أخرجُ لو =

شاءَ الإلهُ بقلبٍ جدِّ مكتئبِ

لقد قطعتُم حبالَ العهدِ فانصرمتْ=

بيضُ الليالي بعصرٍ شائكٍ أشبِ

هلاَّ رجعتُم إلى الدَّيانِ خالصةً  =

قلوبُكم من غثاءِ الزُّورِ والرِّيبِ

إذنْ : لعدتُم كما كنتم جحاجحةً= 

ويومها يامُنى قلبي وياطربي !

أرى البلادَ بلادَ المسلمين على =

خيرٍ وفخرٍ إذا نودوا لمنتسَبِ

وفي حنايا قلوبِ المسلمين هوىً =

لأعذبِ الصِّيغِ الحسنى لمنتخِبِ

كأنَّني ألمحُ الفجرَ القريبَ بهم =

أتى بحُلوِ النَّدى والسَّعدِ والرَّغبِ

وتشرئبُ إليهم في المدى أُممٌ =

من مستجيرٍ ومن عانٍ و منتحبِ

يا أُمَّةً أهملتْ راياتِ رفعتِها=

ولم تزلْ خافقاتٍ في عُلا الشُّهبِ

قومي اسجُري بلهيبِ العزمِ ما صنعتْ= 
 

يـدُ التواني ، وبالدينِ الحنيفِ ثبي

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply