اليومُ الوَطنيُّ


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
_ عباد الله: بالشُّكر تدومُ النِعَمُ وتزداد، وبهِ تُجْتَلبُ الخيراتُ وُتقادُ، يتقلَّبُ المرءُ فِي نِعَمٍ حِسِّيَّةٍ لا تُحصى، ويعيشُ فِي خيراتٍ مَعنويَّةٍ لا تُستقصى، والنَّاسُ مَعَ هٰذِه النِّعَم عَلَىٰ حالَيْن، فَمِنهُم مُستبصرٌ لِهٰذِه النِّعَم حالَ الرَّخاء، يحرسُها بالشُّكر والثَّناء، ويسعى لإدامتها بالذِّكْر والدُّعاء، يُؤدِّي حقَّها بالإقبالِ عَلَىٰ الطَّاعات وأداء الفرائضِ والمُستحبَّات، حَتَّىٰ إذا وقعت عليه المُصيبةُ وحلَّت عليه النَّكبةُ، كانَ أشدَّ شُكرًا وأعظمَ صبرًا.

_ ومِن النَّاس -فِي المُقابل- مَنْ هُوَ مُفرِّطٌ لاهٍ، ومُعرِضٌ سَاهٍ، حَتَّىٰ إذا حلَّتْ عليه المُصيبةُ، وأدركتهُ النِّقمة، كانَ مِن المُتحسِّرين القانطين عَلَىٰ فواتِ هٰذِه النِّعْمَة، وإنَّ أجَلَّ نِعمةٍ أنعمَها اللهُ عَلَىٰ هٰذِه البلاد نعمةُ التَّوحيد والصَّفاء مِن البِدَع، ففي هٰذِه البلاد لا يُوجَدُ قبرٌ يُعبَدُ، أَوْ ضريحٌ يُمجَّدُ، أَوْ كنيسةٌ تُشيَّدُ، أَوْ مولِدٌ يُقامُ، أَوْ مَرقَدٌ يُزَارُ، أَوْ بِدعةٌ ظاهرةٌ، أَوْ مُحدَثاتٌ رائجةٌ، بل السُّنَّةُ قائمةٌ، والدَّعوةُ مُستمِرَّةٌ، ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].

_ وإنَّ مِن أعظم النِّعَم الَّتِي ينبغي عَلَى المُسلِم أن يستشعِرَها: ما يَعيشهُ الفردُ فِي هٰذِه البلاد مِن خيراتٍ كثيرةٍ وآلاءٍ وفيرة، ومن تلك النِّعَم: نعمةُ الأمن والأمان، والسكينةُ والاستقرار الَّتِي ترفدُ فِيهَا بِلادُنا المُباركة، فإنَّ الأمن هُوَ مَطلَبُ كثيرٍ مِن الشعوب والأوطان، ومُبتغَى كثيرٍ مِن الدِّيار والبُلدان، يُسافِرُ المرءُ فِي هٰذِه البلاد مِن شرقها إِلَىٰ غربها، ومن جنوبها إِلَىٰ شمالها فِي ليلٍ أَوْ نهارٍ لا يحملُ سلاحًا، ولا يخافُ عدوًّا، الحدودُ مُؤمَّنَة، والثُّغورُ مُحصَّنَة.

_ يخرجُ المرءُ إِلَىٰ عملهِ أَوْ تجارتِه وهو مُطمئِنٌّ عَلَىٰ أهلهِ وأبنائِه، ثُمَّ ينقلبُ إِلَىٰ أهلهِ وهو مُطمئنٌّ عَلَىٰ تجاراتِهِ ومُمتلكاتِه، ينامُ قريرَ العين طيلةَ ليلِه، وقد سهرَت عيونٌ مِن أجلِه، يُؤدِّي صلواتِهِ وعباداتِهِ مِن غيرِ خوفٍ أَوْ تَرَصُّدٍ أَوْ ترَقُّبٍ، فما أعظمَها مِن نعمةٍ! وما أجلَّها مِن مِنحةٍ! غادر الأمنُ والأمانُ الكثيرَ مِن الأوطان، فضاقَتِ الأرزاقُ، وسُلِبَت الأموالُ، وانتُهِكَت الأعراضُ، وعُطِّلَت الجُمَعُ والجماعاتُ.

_ وإنَّ مِن النِّعَم الَّتِي تعيشُها هذِه البلادُ: وحْدَةَ الكلمة واجتماعَ القلوب والوسطيةَ والاعتدال، فلا أحزابَ أَوْ جماعات، ولا تعصُّبَ أَوْ شعارات، ولا غلُوَّ أَوْ تطرُّف، القلوبُ مُجتمعةٌ، بينما ترزخُ كثيرٌ مِن الشّعوب تحت الفُرقةِ والاختلاف والتحزُّب، حَتَّىٰ أصبحت تلك البلادُ مَسرحًا للفوضى والحروب والدَّمار، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103].

_ وإنَّ مِن النِعَم الَّتِي تعيشُها هٰذِه البلادُ: ما أفاء اللهُ عَلَيْهَا مِن الأرزاق والخيرات والأموال والثروات، بينما يشكُو كثيرٌ مِن بُلدان العالم الفقرَ والعوزَ والجوعَ، فأحسِنُوا -عباد الله- التَّعامُل مَعَ هٰذِه الأرزاق، واعرفوا قدْرَها، ولا تكونوا مِن المُبذِّرِين المُسرفين، فإنَّ النِّعَم دوَّارةٌ فرَّارة، مَنْ رَعاها حقَّ رِعايتَها سكَنَتْ واستقرَّتْ، ومَنْ جحَدَها واستخفَّ بها غادَرَتْ وفرَّتْ.

_ عباد الله: توحيدٌ قائمٌ، وأمنٌ سابغٌ، واجتماعٌ ظاهرٌ، ورزقٌ وافرٌ، قد أحاطتكُم النِّعَمُ، وطوَّقتْكُمُ الْمِنَنُ، فكونوا لها مِن الشَّاكرين ولا تكونوا عنها مِن المُعرِضين، ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: 172]، نفعَنِي اللهُ وإيَّاكُم بكتابِه، وأَجارني وإيَّاكُم مِن أليمِ عقابِه، استغفروه إنَّهُ هُوَ الغفورُ الرحيمُ.

 

(الخُطبَةُ الثَّانِيَةُ)

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَىٰ إحسانِه، والشُّكر لَهُ عَلَىٰ توفيقِه وامتنانِه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تعظيمًا لشأنِه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعي إِلَىٰ جِنانِهِ، والمُحذِّرُ مِن نيرانِه، عليهِ أفضلُ صلاةٍ وأتمُّ تسليم.

عباد الله:

_ إِنَّ أعظمَ ما يُقدِّمُهُ الفردُ لبلادِه ووطنِه: هُوَ أن يكون عضوًا صالحًا بنفسِه مُصلِحًا لغيره، وذلك بإصلاح نفسِهِ وتزكيتِها، وتعظيم خوفِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- فِي قلبِه، ولزوم التَّقوَى الَّتِي تأمرُ بِكُلِّ خيرٍ وفضيلة، وتنهَى عَنْ كُلِّ سوءٍ ورَدِيئة، فإذا حقَّق الإنسانُ التَّقوَى! فإنَّهُ حقَّق المُواطَنَة الصَّالحة، فإذا كانَ المرءُ صالحًا تقيًّا! فإنَّهُ -ولا شَكَّ- سوفَ يكونُ مُواطنًا وفيًّا، مُتعفِّفًا عَنِ المال العام؛ خوفًا مِن الله، مُحافظًا عَلَىٰ المرافق العامَّة؛ استجابةً لأمر الله، مُعرِضًا عَنْ كُلِّ ما فيه أذيةٌ حِسِّيَّةٌ أَوْ مَعنويَّة، استشعارًا لحقوق عباد الله، تقودهُ التَّقوى، ويحثُّهُ المنهجُ الإسلاميُّ القويمُ.

_ وإنَّ مِن أسبابِ صلاح الفرد وإسهامهِ فِي بِناءِ وطنِه: حِرصَهُ عَلَىٰ طلَب الْعِلْمِ النَّافِع فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِما يُؤهِّلُهُ أن يكون مُشارِكًا فِي نهضةِ بلدِه بعقلهِ وفكرِهِ وعطائِه، وفي المُقابل: أن ينأى بنفسِه عَنْ كُلِّ ما يَسُدُّ عقلَه مِن دُروب الجهل والهوى الَّتِي تقودُ إِلَىٰ سلوك الطُّرق المُعوَجَّةِ المُهلكة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.

_ ومن ذلكَ: طُرُق الضَّلال الكثيرة الَّتِي مِن بينها طُرُقُ التَّشدُّدِ والغُلوِّ، وفي المُقابل: التمييعُ والتَّضييع، بل المُسلِم العاقل يكونُ وسَطًا، ينتهجُ ما نهجهُ عُلماءُ الأُمَّة الصُّلحاء الَّذِينَ يأمُرون بِكُلِّ خيرٍ ورُشد، مُتّبعين بذلك سلَفَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ وأذلَّ الشـركَ والمشـركين واحمِ حوزةَ الدِّين، اللهمَّ انصـر المجاهدين الذين يجاهدون لإعلاء كلمتِكَ في كلِّ مكان، اللهمَّ كن لهم عونًا ونصيرًا ومُؤيِّدًا وظهيرًا، اللهمَّ ارحم المستضعفين من المسلمين في كلِّ مكان، اللهمَّ اجعل ولايتنا فيمَن خافكَ واتَّقاكَ واتَّبَع رضاك، اللهمَّ وفق وليَّ أمرنا لكلِّ خير، اللهمَّ ارزقه البطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتُعينه عليه.

اللهمَّ اغفرْ لأمَّهاتِنا، اللهمَّ اغفر لآبائنا، اللهمَّ اغفر للمُسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.

اللهمَّ إنا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغِنى، اللهمَّ إنَّا نعوذُ بك مِنَ الرِّبَا والزِّنَا والزَّلازل والمحن والفِتَن ما ظهَرَ منها وما بطَن، سبحان ربِّك ربِّ العزَّةِ عمَّا يصفونَ، وسلامٌ علَى الْمرُسلينَ، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply