قبل الساعة 2


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بينَ يدَي السَّاعةِ: تسليمُ الخاصَّةِ، وفُشُوُّ التَّجارةِ حتَّى تُعينَ المرأةُ زوجَهَا علَى التَّجارةِ، وقَطعُ الأرحامِ، وفُشُوُّ القلَمِ، وظُهورُ الشَّهادةِ بالزُّورِ، وكِتْمانُ شَهادةِ الحقِّ) [صحيح الأدب المفرد  للألباني]

 

** قوله (تسليمُ الخاصَّةِ): عن طَارِقٍ قال: كنا مع عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ فَجَاءَ إذْنُهُ فقال: "قد قَامَتْ الصَّلاَةُ" فَقَامَ وَقُمْنَا معه فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَرَأَى الناس رُكُوعًا في مُقَدِّمِ الْمَسْجِدِ فَكَبَّرَ وَرَكَعَ وَمَشَى، وَفَعَلْنَا مِثْلَ ما فَعَلَ فَمَرَّ رَجُلٌ مُسْرِعٌ، فقال: "عَلَيْك السَّلاَمُ أَبَا عبد الرحمن" فقال: "صَدَقَ اللَّهُ عز وجل وَبَلَّغَ رَسُولُهُ"، فلما صَلَّيْنَا رَجَعَ فَوَلَجَ أَهْلَهُ وَجَلَسْنَا مَكَانَنَا نَنْتَظِرُهُ حتى يَخْرُجَ فقال بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يَسْأَلُهُ؟ فقال طَارِقٌ: "أنا أَسْأَلُهُ" فَسَأَلَهُ طَارِقٌ فقال: "سَلَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْك فَرَدَدْت عليه صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ" قال: فَرَوَى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ما بين يَدَيْ السَّاعَةِ تَسْلِيمُ الْخَاصَّةِ وَفَشْوُ التِّجَارَةِ حتى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا على التِّجَارَةِ وَقَطْعُ الأَرْحَامِ وَظُهُورُ شَهَادَةِ الزُّورِ وَكِتْمَانُ شَهَادَةِ الْحَقِّ)

 ** عن علقمة أنه كان مع مسروق وابن مسعود بينهما فجاء أعرابي فقال: "السلام عليك يا ابن أم عبد" فضحك عبد الله بن مسعود، فقال: مم تضحك؟ فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنَّ من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ السَّلاَمَ بِالْمَعْرِفَةِ، وَأَنْ يَمُرَّ الرَّجُلُ بِالْمَسْجِدِ ثُمَّ لاَ يُصَلِّي فيه)

** عن مَسْرُوقٍ قال: دخل الْمَسْجِدَ رَجُلٌ وابن مَسْعُودٍ في الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ رَجُلٌ. فقال: "السَّلاَمُ عَلَيْك يا أَبَا عبد الرحمن" فقال له: "وَعَلَيْك، اللَّهُ أَكْبَرُ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قال رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ لاَ يُسَلِّمَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ إِلاَّ لِمَعْرِفَةٍ أو من مَعْرِفَةٍ أو أَنْ يَمُرَّ بِالْمَسْجِدِ عَرْضِهِ وَطُولِهِ ثُمَّ لاَ يُصَلِّيَ فيه رَكْعَتَيْنِ وَمِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُطَاوِلَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ أو قال الْعُرَاةُ الْحُفَاةُ في بُنْيَانِ الْمَدَرِ وَأَنْ يَبْعَثَ الشَّابُّ الشَّيْخَ بَرِيدًا بين الأفقين) أي يرسله في حوائجه

** قوله (وفُشُوُّ التَّجارةِ حتَّى تُعينَ المرأةُ زوجَهَا علَى التَّجارةِ) وهذا من الانشغال الزائد بالدنيا.

** قوله: (وفُشُوُّ القلَمِ) أراد ظهور الكتاب وكثرة الكُتاب، روى المبارك بن فضالة عن الحسن قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم، ويفيض المال، ويظهر القلم، ويكثر التجار) قال الحسن: "لقد أتى علينا زمان إنما يقال: تاجر بني فلان، وكاتب بني فلان، ما يكون في الحي إلا التاجر الواحد والكاتب الواحد" .. قال الحسن: "والله إن كان الرجل ليأتي الحي العظيم فما يجد به كاتبا".

** قوله: (وظُهورُ الشَّهادةِ بالزُّورِ، وكِتْمانُ شَهادةِ الحقِّ)

الشاهد حامل الشهادة ومؤديها لأنه مشاهد لما غاب عن غيره، وقيل مأخوذة من الإعلام من قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} أي علم.

قال الثعلبي: "الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه بخلاف ما هو به، فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق".

قال أبو عمر: قد جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ظهور شهادة الزور وكتمان شهادة الحق من أشراط الساعة، عائبا لذلك وموبخا عليه، فإذا كان كتمان شهادة الحق عيبا وحراما، فالبدار إلى الإخبار بها قبل أن يسأل عنها فيه الفضل الجسيم والأجر العظيم إن شاء الله.

وقيل في قوله عز وجل: {ولا تتبعوا الهوى أن تعدلوا} أي: لا تتبعوا الهوى فراراً من إقامة الشهادة. فأما إذا دعي للتحمل، وثم من يتحملها، فيستحب أن يجيب إليه إن كان من أهله ولا يجب عليه، فإن لم يكن ثم من يتحملها، فعليه الإجابة إليه، وهو من باب فروض الكفايات كرد السلام، والصلاة على الجنائز، والجهاد.

** عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) .. (ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ).

// قيل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يشهدون ولا يستشهدون) أي لعلم الناس أنه لا شهادة عندهم فهو كناية عن شهادة الزور، وكذلك قوله: (يحلفون ولا يستحلفون) أي لا يطلب منه الحلف لجرأته على الله، وأراد أن يحلف على شيء هو فيه آثم، بدليل أنه قد روي في بعض الروايات: (ثم يفشوا الكذب)

** عن زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ هو الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها) [رواه مسلم] .. دل على أن خير الشهداء من يأتي بالشهادة لمن هي له قبل أن يسأله، إلا أنه يعارضه حديث عمران وفيه (ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون) في سياق الذم لهم .. ولما تعارضا اختلف العلماء في الجمع بينهما على ثلاثة أوجه:

- الأول:: أن المراد بحديث زيد إذا كان عند الشاهد شهادة بحق لا يعلم بها صاحب الحق فيأتي إليه فيخبره بها أو يموت صاحبها فيخلف ورثة فيأتي إليهم فيخبرهم بأنه عنده لهم شهادة وهذا أحسن الأجوبة وهو جواب يحيى بن سعيد شيخ مالك

- الثاني:: أن المراد بها شهادة الحسبة، وهي ما لا تتعلق بحقوق الآدميين المختصة بهم محضا، ويدخل في الحسبة ما يتعلق بحق الله تعالى أو ما فيه شائبة منه: كالصلاة، والوقف، والزكوات، والكفارات، ورؤية هلال رمضان، والطلاق، والعتاق ونحوها، وحديث عمران المراد به الشهادة في حقوق الآدميين المحضة من: البيوع، والقصاص، وحد القذف ونحوها، فلا تصح شهادة الشاهد فيه إلا بعد تقدم الدعوى، ومسألة الحاكم شهادته بعد طلب المدعي.  

- الثالث أن المراد بقوله (أن يأتي بالشهادة قبل أن يسألها) المبالغة في الإجابة فيكون لقوة استعداده كالذي أتى بها قبل أن يسألها كما يقال في حق الجواد إنه ليعطي قبل الطلب

وهذه الأجوبة مبنية على أن الشهادة لا تؤدى قبل أن يطلبها صاحب الحق، ومنهم من أجاز ذلك عملا برواية زيد، وتأويل حديث عمران بأحد تأويلات:

- الأول: أنه محمول على شهادة الزور أي يؤدون شهادة لم يسبق لهم بها علم .. حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم.

- الثاني: أن المراد إتيانه بالشهادة بلفظ الحلف نحو أشهد بالله ما كان إلا كذا .. وهذا جواب الطحاوي

- الثالث: أن المراد به الشهادة على ما لا يعلم مما سيكون من الأمور المستقبلة فيشهد على قوم بأنهم من أهل النار وعلى قوم بأنهم من أهل الجنة من غير دليل كما يصنع ذلك أهل الأهواء .. حكاه الخطابي والأول أحسنه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply