من أحكام الصيام والمفطرات المعاصرة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فيقول الله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]‏. ‏وقال تعالى: ﴿ ‏شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَفَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍأُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَوَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْوَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

 

إن الله سبحانه شرع لعباده صيام رمضان وجعله أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، فكان لزامًا على كل مسلم أن يتعلم ما يتعلق بالصيام من الأحكام حتى يعبد الله تعالى على بصيرة وليؤدي الواجب عليه عن علم ومعرفة، وفرق بين من يتعبد الله تعالى عن علم وإدراك، وبين من يبني عبادته على مشاهدة الناس وما يتناقلونه أو يدعونه.

 

وقد قرر أهل العلم أنه يجب على المكلف تعلم ما تصح به عبادته، ومن هذا المنطلق أسوق في هذه العجالة جملة من أهم مسائل الصيام وأحكامه التي لا غنى للمسلم والمسلمة عنها مع بيان المفطرات المعاصرة بشكل مختصر.

 

الصوم: هو التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس‏.

 

وفرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وصام الرسول صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات إجماعًا.

 

ويثبت دخول شهر رمضان برؤية هلاله بشهادة عدل ثقة قوي البصر. لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه". رواه أبو داود بسند صحيح.

 

فإن غم الهلال لغيم ونحوه أو لم يره أحد، وجب إكمال عدة شهر شعبان ثلاثين يومًا. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين". رواه البخاري ومسلم.

 

ولأن الشهر لا يزيد عن ثلاثين، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا"، قال الراوي يعني: تسعًا وعشرين وثلاثين " رواه أبو داود بسند صحيح.

 

والأعمال بالنيات، فينوي بهذا الصيام أداء الواجب والتقرب إلى الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري. فمن صام بلا نية أو نوى الحمية والتخفيف أو تقليد الناس فحسب لم يصح صيامه.

 

ويجب على المكلف أن يبيت نية الصوم من الليل وقبل طلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له". رواه أبو داود بسند صحيح وعند النسائي: (مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ).

 

ويجوز أن تكون النية في أي جزء من الليل ولو قبل الفجر بلحظة‏.

 

والنية هي عزم القلب على الصيام من الغد، والتلفظ بها بدعة وكل من علم أن غدًا من رمضان وهو يريد صومه فقد نوى، وكذا الأكل والشرب بنية الصوم قاله شيخ الإسلام.

 

ولا يضر إن أتى بعد النية بمناف للصوم كالأكل والشرب لأن الله أباحهما إلى آخر الليل فلو بطلت بهما فاتمحلها.

 

ويجب الصيام بطلوع الفجر الصادق،‏ أما مايفعله بعضهم من الامتناع قبل عشرة دقائق أو أكثر فإنه بدعة منكرة لا أصل لها لقوله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187].

 

ويستمر وقت الصوم إلى غروب الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء الليل من ها هنا وذهب النهار من ها هنا وغابت الشمس فقد أفطر الصائم". أخرجه البخاري ومسلم.

 

والصوم واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خال من الموانع، والموانع الحيض والنفاس.

فلا يصح الصيام من الكافر الأصلي ولا المرتد.

 

ولايصح من حائض ولا نفساء - لقوله صلى الله عليه وسلم: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم" رواه البخاري. ولو صامتا حال وجود الدم فإنهما تأثمان وعليهما القضاء ولو نزل عليها دم الحيض قبل الغروب بلحظة قضت ذلك اليوم.

 

ولا يجب الصيام على الصبي ما لم يبلغ، لكن يستحب لوليه أن يأمره بالصيام عند استطاعته عليه تمرينًا له على الطاعة، ويتأكد ذلك عند اقتراب البلوغ، وقد عمل الصحابة رضي الله عنهم بهذا الأدب، قالت الربيع بنت معوذ: "كنا نصومه ونصوم صبياننا الصغار، ونجعل لهم اللعبة من العهن، ونذهب بهم إلى المسجد، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار". أخرجه البخاري ومسلم.

 

ولا يجب الصيام على المجنون ولا قضاء عليه. عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق ". رواهابن حبان وهو صحيح.

 

ومن أغمي عليه في جميع النهار فلا يصح صيامه ويلزمه القضاء، أما من أغمي عليه جزءًا من النهار فصومه صحيح بشرط ألا يتناول مفطرًا.

 

وكذا من اختل شعوره لمدة طويلة فلم يصم ثم عاد إليه فلاقضاء عليه لأن لم يكن مكلفًا، والمغمى عليه حكمه حكم المجنون والمعتوه، إن استردوعيه لا قضاء عليه، إلا إن كان الإغماء مدة يسيرة كاليوم أو اليومين أو الثلاثة على الأكثر فلا بأس بالقضاء احتياطًا وأما إن طالت المدة فهو كالمعتوه لا قضاءعليه‏.‏

 

والمسافر لا يجب عليه الصيام وله الفطر ثم القضاء، وإن صام حال سفره أجزأه ولا شيء عليه، فيجوز الفطر للمسافر، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184].

 

والعلة في الفطر السفر وليست المشقة، فكل سفر يجوز فيه الفطر ولو كان سفرا مريحًا بالطائرة أو بغيرها‏.‏

 

وأيهما الأفضل الفطر أم الصيام؟. ذهب بعض العلماء إلى أن الأرفق به هو الأفضل فأيهما شاء فعل؛ ولكن القول بأن الفطر أفضل قول قوي، لما رواه الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته". وهذه رخصة.

 

لكن لو صام مع المشقة صحَّ صيامه، لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر. عن أبي الدرداء أنه قال لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد الحر وإن الرجل ليضعيده على رأسه من شدة الحر وما في القوم أحد صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة. رواه ابن ماجة وصححه الألباني رحمه الله.

 

ويحرم الصيام على من خُشي عليه الهلاك أو من شق عليه الصيام بسبب السفر. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأفطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن ناسًا صاموا فقال: " أولئك العصاة ". أخرجه مسلم.

 

والسفر المبيح للفطر ما عده الناس في عرفهم سفرًا وهو قريب من ثمانين كيلًا، ومن سافر لأجل الفطر حرم عليه الفطر كما ذكره أهل العلم.

 

ويجوز للمريض الفطر إن كان لا يستطيع الصيام وحصل له بسبب صومه مشقة أو زيادة مرض أو تأخر برء بشهادة طبيب ثقة في علمه ودينه، فلا يجوز له الصيام، لما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا ضرر ولا ضرار". ويجب عليه أنيقضي إن برأ‏.‏

 

أما إن كان المريض ممن لا يرجى زوال مرضه فيطعم عن كل يوم مسكينًا، وكذا الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]،‏ قال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية: " ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا ". رواه البخاري.

 

والمرأة الحامل يجب عليها الصوم حال حملها إلا إذا إن خافت الحامل على نفسها أو جنينها من صوم رمضان أفطرت وعليها القضاء فقط، شأنها في ذلك شأن المريض الذي لا يقوى على الصوم أو يخشى منه على نفسه مضرة، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ .

 

وكذا المرضع إذا خافت على نفسها إن أرضعت ولدها في رمضان، أو خافت على ولدها إن صامت ولم ترضعه أفطرت وعليها القضاء فقط عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلاةِ، وَالصَّوْمَ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ). صححه الألباني في صحيح النسائي. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم حكم الحامل والمرضع كالمسافر، والمسافر يفطر ويقضي فكذلك الحامل والمرضع.

 

فالصواب أن الحامل والمرضع تلحقان بالمريض وليستا في حكم الشيخ الكبير العاجز بل هما في حكم المريض فتقضيان إذا استطاعتا ذلك ولو تأخر القضاء " أ. هـ. وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله. وقال به من الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه واختاره جماعة من العلماء منهم الشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمها الله.

 

مفسدات الصيام والمفطرات المعاصرة:

ونحن نذكرها هنا لأنه يجب على الصائم العلم بها وليحذرها خلال وقت النهار من رمضان، وهي كالآتي:

أولًا: الجماع، وهو أعظمها إثمًا وأغلظها تبعة، وأقبحها في ميزان الشرع، حين يعمد المسلم فيأتي شهوته في الوقت المحرم ويعصي ربه الذي أمره بالإمساك عنه وعن سائر المفطرات، ومن جامع بطل صومه مطلقًا، فإن كان في شهر رمضان ولم يكن مسافرًا وجب عليه كفارة مغلظة وقضاء ذلك اليوم، والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد وجب عليه صيام شهرين متتابعين لا يقطعها بفطر إلا لعيد أو عذر شرعي، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا. لحديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ‏: ‏ " بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ‏: ‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ‏.‏ قَالَ‏: ‏ مَا لَكَ قَالَ‏: ‏ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏: ‏ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لَا.‏ قَالَ‏: ‏ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ: لا فَقَالَ ‏: ‏ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏...)‏.

 

ومن جامع ناسيا فلا شيء عليه لعموم قوله تعالى: ﴿ ربنا لا تؤاخذنا عن نسينا أو أخطانا ﴾ [البقرة: 286]، ‏وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ ‏: ‏ إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ‏.‏

 

إنزال المني باختياره من غير جماع سواء كان بسبب التقبيل أو اللمس أو الاستمناء، أما الإنزال بالاحتلام من النائم فلا يفسد الصوم لأنه ليس باختياره، ولا يفسد الصيام خروج المذي وحده بأي سبب كان على الصحيح وكذلك لا يفسد الصوم بالودي.

 

ومن المفسدات: نزول دم الحيض والنفاس، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"؛ رواه البخاري ومسلم. أما دم الاستحاضة فلا يؤثر في الصيام.

 

الأكل والشرب عامدًا، وكذا السعوط وهو إيصال الماء ونحوه إلى الجوف عن طريق الأنف لقوله صلى الله عليه وسلم: "بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا‏". أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن والدارمي. ويعفى عنه إذا أكل أو شرب خطأ أو نسيانًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ". متفق عليه.

 

القيء عمدًا: ‏ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ‏ ‏(‏مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ‏)‏‏.‏

 

ومن المفطرات: إخراج الدم بالحجامة لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) أخرجه أحمد وأبو داود. وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وقد اختلف العلماء في ذلك، والمشهور أنها تفطر الصوم، وأن آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم أنها تفطر الصائم؛ وهذا القول رجحه جماعة من أهل العلم، وأفتت به اللجنة الدائمة، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله. فالأولى للمؤمن أن يتباعد عنها أثناء الصيام يحتاط لدينه، ولا يحتجم إلا في الليل.

 

ومثله سحب الدم الكثير بتبرع ونحوه، أما أخذ الدم القليل من الوريد للتحليل أو غيره، فالصحيح أنه لا يفطر الصائم، لكن إذا كثر فالأولى تأجيله إلى الليل، فإن فعله في النهار فالأحوط القضاء تشبيهًا بالحجامة، كما أفتى به ابن باز رحمه الله.

 

أما خروج الدم بغير اختياره بالرعاف أو خلع السن أو شق الجرح والدمامل فلا يؤثر في الصيام؛ لأنها ليست حجامة ولا بمعناها.

 

والفصدُ يُفسِدُ الصَّومَ، وهو أحَدُ الوَجهينِ في مذهَبِ الحَنابِلة، واختاره ابنُ تيميةَ، وابنُ عُثيمين، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ؛ وذلك قياسًا على الحِجامة.

 

القطرة في الأنف: القطرة في الأنف تفطر لحديث لقيط بن صبرة: "بالغ بالاستنشاق إلا أن تكون صائمًا ". فلا يجوز للصائم أن يقطر في أنفه ما يصل إلى معدته.

 

وقطرة العين لا تفطر، وهو قول الشيخ ابن باز وابن عثيمين.

 

وكذا القطرة في الأذن فلا تفطر، ولو وجد طعمها فيحلقه.

 

فالتقطير في العين والأذن والاكتحال جائز، ولو وجد لها طعمًا في حلقه؛ لأنها ليست منفذًا إلى الجوف، وليست في معنى المفطرات على الصحيح من أقوال أهل العلم.

 

وغاز الأكسجين: لا يفطر، لأنه هواء يذهب إلى الرئتين فهو كما لوتنفس الهواء الطبيعي.

 

وبخَّاخ الربو: لا يفطر، وهو قول الشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهم االله واللجنة الدائمة لأنه لا يشبه الأكل والشرب، بل يشبه سحب الدم للتحليل والإبر غير المغذية.

 

وبخاخ الأنف له حكم بخاخ الفم.

 

الأقراص التي توضع تحت اللسان لعلاج بعض الأزمات القلبية، والتي تمتص مباشرة بعد وضعها بوقت قصير، ويحملها الدم إلى القلب، فتوقف أزماته المفاجئة، ولا يدخل إلى الجوف شيء من هذه الأقراص. هذه الأقراص لا تفطر الصائم؛ لأنه لا يدخل منها شيء إلى الجوف، بل تمتص في الفم. وليست هذه الأقراص أكلًا ولا شربًا ولا في معناهما.

 

منظار المعدة لا يفطر، لكونه جامدًا لا يغذي، وهذا ما اختاره الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-، ولا يمكن اعتبار عملية إدخال المنظار أكلًا لا لغةً، ولا عرفًا، فهي عملية علاج ليس أكثر.

 

أما إذا وضع الطبيب على المنظار مادة دهنية مغذية لتسهيلدخول المنظار فهنا يفطر الصائم بهذه المادة لا بدخول المنظار، لأنها مفطرة بذاتها، فهي مادة مغذية دخلت المعدة، وهذا يفطر بلا إشكال.

 

التخدير: الذي لا يستغرق كل النهار ليس من المفطرات التي تفسد الصوم لعدم وجود ما يقتضي التفطير. قال شيخ الإسلام لا يشترطوجود الإمساك في جميع النهار، بل اكتفينا بوجوده في بعضه؛ لأنه داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "يدع طعامه وشهوته من أجلي" أما التخدير الذي يستغرق كل النهار فهو مفطر.

 

الحقنة الجلدية أو العضلية لا تفطر، لأنها ليست أكلًا، ولا شربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب.

 

الحقنة الوريدية المغذية: تفطر الصائم.

 

إدخال القسطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين للتصوير أو العلاج أو غير ذلك، لا يفطر لأنه ليس أكلًا، ولا شربًا، ولا في معناهما، ولا يدخل المعدة، فهو أولى بعدم التفطير من الإبر الوريدية، وهذا ما أخذ به المجمع الفقهي.

 

منظار البطن أو تنظير البطن وهو إدخال منظار من خلال فتحة صغيرة في جدار البطن إلى التجويف البطني، لإجراء العمليات الجراحية، كاستئصال المرارة، أو الزائدة، أو تشخيص بعض الأمراض، أو لأخذ عينات، ونحو ذلك. فلا يصل إلى داخل المعدة. وهذا لا يفطر، لأن ما يوضع في الجرح لا يصللمحل الطعام، ولأن المسلمين كانوا يجرحون في الجهاد وغيره مأمومة وجائفة، فلو كانهذا يفطر لبُين لهم، فلما لم ينه الصائم عن ذلك علم أنه لم يجعله مفطرًا.

 

وغسيل الكُلى يفطر به الصائم إن كان الدواء يحتوي على مواد مغذية، ولا يتوقف الأمر على تنقية الدم لأن هذه المواد بمعنى الأكل والشرب، فالجسم يتغذى بها ويتقوى. أما إذا لم يكن معه مواد مغذية فإنه لا يظهر ما يوجب التفطير به. فمجرد تنقيته للدم من المواد الضارة ليس فيه ما يوجب الفطر به.

 

الغسول المهبلي (دوش مهبلي). لا يفطر، لأن المهبل ليس منفذًا إلى الجوف، وليس في النصوص ما يدل على التفطير به، وكل ما جاء في النصوص فيما يتعلق بالمهبل من المفطرات هو الجماع، ولا علاقة له لا شرعًا ولا لغةً ولا عرفًا بالغسول المهبلي.

 

وحكم التحاميل (اللبوس)، والمنظار المهبلي، وأصبع الفحص الطبي حكم المسألة السابقة تمامًا، حكمًا وتعليلًا.

 

الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية لا تفطر.

 

ومن أصبح جنبًا صح صيامه، ويغتسل لصلاة الفجر ويصلي، لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنبًا من جماع غير احتلام ثم يصومه". وهو قول جمهور أهل العلم.

 

ولو دخل وقت الفجر والمسلم على جنابة فإن صومه صحيح، وليس من شرط الصيام الطهارة من الحدث الأكبر أو الأصغر، ولكن تجب المبادرة إلى الاغتسال ليصلي الفجر مع جماعة المسلمين في المسجد.

 

والحائض حكمها حكم الجنب، لكن عليها أن تتبين من زوال العذر وانقضائه قبل الفجر‏.‏ ولو انقطع حيض الحائض من الليل فقدمت السحور على الغسل، فلا حرج عليها حتى لو طلع الفجر‏‏، لكن ليس لها تأخير الغسل إلى طلوع الشمس لئلا تفوتها صلاة الصبح.

 

ويكره للصائم المبالغة في المضمضة والاستنشاق عند الوضوء خشية أن يصل إلى جوفه شيء من الماء فيفسد صومه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا". رواه أصحاب السنن وابن خزيمة وصححه.

 

وتكره له القبلة، فقد تثير شهوة تجرّ إلى إفساد الصوم. أما إذا لم تثر الشهوة فلا بأس بها، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه: "كان يقيل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه". وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل في شهر الصوم. رواه مسلم. كما يكرهإدامة النظر بشهوة إلى الزوجة، وكثرة التفكير في الجماع.

 

ويكره تذوق الطعام إلا بطرف اللسان.

ويباح للصائم السواك طول النهار ولا فرق بين قبل الزوال أو بعده.

ويباح للصائم التبرد بالماء من شدّة الحر، سواء صبه على جسده، أو انغمس فيه، شرط ألا يدخل شيء إلى جوفه.

ويباح له السفر لحاجة مباحة، وإن كان يعلم أن سفره سيلجئه إلى الإفطار.

ويباح له التطيب والتعطر.

ويعفى عن الصائم إذا بلع ريقه ولو كثر.

ويعفى عنه إذا دخل شيء جوفه غلبةً دون اختيار، كالذباب وغبار الطريقودخان الحطب، وسائر الأبخرة لمشقة التحرز منها.

 

وهناك مسائل مهمة يجدر التنبيه إليها وبيانها:

المسألة الأولى: من فعل شيئًا من المفطرات ناسيًا أو مكرهًا أو جاهلًا بالحكم أو بالوقت فلا شيء عليه؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286].

 

المسألة الثانية: أن من أفطر في رمضان لعذر ثم مات قبل أن يتمكن من القضاء فلا قضاء عليه ولا كفارة، لأنه لم يصدر منه تفريط، كما لو مرض في رمضان وأفطر ثم استمر به المرض حتى توفي من مرضه، أما من تمكن من القضاء ولم يقض فيسن لوليه أو أحد أقاربه أن يصوم عنه، لما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه))، وهذا عام في كل صيام واجب، سواء كان نذرًا أو فرضًا، على الصحيح من كلام العلماء.

 

المسالة الثالثة: من أكل في أول النهار لسبب شرعي ثم زال سبب الفطر فله أن يأكل بقية اليوم، قال ابن مسعود رضي الله عنهم: من أكل في أول النهار فليأكل آخر النهار‏. ‏فعلى هذا من أكل أولالنهار بسبب شرعي فليتم أكله، كمريض برئ أثناء النهار أو مسافر حضر إلى أهله وهو مفطر.

 

المسالة الرابعة: من أفطر لعذر الشيخوخة والكبر وجب عليه الإطعام والأفضل أن يطعم عن كل يوم بيومه، ولو أخر الإطعام إلى آخر الشهر جاز ‏- ‏ويطعم عن كل يوم مسكينا مسلمًا وجبة مشبعة‏ -‏ ويجوز أن يطعم نفس المسكين عن كل أيامه‏.‏ على ألا يكون ممن تلزمه نفقتهم من أقاربه أو غيرهم كالخدم والعمال ونحوهم.‏

 

من أخر القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر. فله حكمان‏: ‏

فإن أخره لعذر فعليه القضاء فقط، أما إن أخره بغير عذر فعليه التوبة والقضاء وإطعام عن كل يوم مسكينًا كما ورد عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنه جميعًا. ومقدار الكفارة نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو بر أو غيرها، ويبلغ مقدار نصف الصاع حوالي كيلو ونصف على التقريب.

 

وإلى هنا انتهى ما أردنا من الكلام عن شيء من أحكام الصيام والمفطرات المعاصرة.

 

أسال الله العليم الخبير أن يفقهنا في ديننا، وأن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يحسن لنا العاقبة والخاتمة، والحال والمآل، إن سميع مجيب.
                                                           وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply