الخسوف وعلامات الساعة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
** في صحيح مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: «مَا تَذَاكَرُونَ؟» قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: " إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ -فَذَكَرَ- الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ "

** قوله في الحديث: (وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ) هذا في رواية مسلم، وعند الطبراني عن سليمان بن يسار قال سمعت أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (سيكون بعدي خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب) فقالت: يا رسول الله يخسف بالأرض وفيها الصالحون؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كان أكثر أهلها الخبث).

** والخسف ذهاب الشيء وغيابه، ومنه خسوف القمر، وخسف الله بفلان الأرض غيبه فيها، وخسف المكان انشقت الأرض وغاب فيها.

** وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستعيذ من الخسف لأنه عذاب فعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هَؤُلَاءِ اَلْكَلِمَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ اَلْعَافِيَةَ فِي دِينِي, وَدُنْيَايَ, وَأَهْلِي, وَمَالِي, اَللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي, وَآمِنْ رَوْعَاتِي, وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ, وَمِنْ خَلْفِي, وَعَنْ يَمِينِي, وَعَنْ شِمَالِي, وَمِنْ فَوْقِي, وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي .. قال وكيعٌ: يعني الخَسْفَ [أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ, وَابْنُ مَاجَهْ, وأبو داود وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِمُ]. واستعاذ من الخسف لأن الأخذ من أسفل أشنع

** وقد توعد الله تعالى الكفار بالخسف، قال عز وجل:

// {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [النحل:45] ..  لكنه حلمه.

// {أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً} [الإسراء:68]

// {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك:16]

// {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40]

// {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} [سبأ:9]

والخسف وقع في الأمة غير الذي قبل قيام الساعة بسبب كثرة الذنوب

** عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَكُونُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ [قذف بالحجارة أو نحوها تأتي من السماء])، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: (نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الخُبْثُ) [الترمذي وصححه الألباني]

** روى البخاري عن سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

// وفي البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ... وهو من العصاة الذين لا تأكل الأرض جسده.

** وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر) [الطبراني عن سهل بن سعد]

** وعَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: (لَيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَتُضْرَبُ عَلَى رُءُوسِهِمُ الْمَعَازِفُ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ). [سنن البيهقي]

** وروى الترمذي عن أَبي صَخْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ فُلَانًا يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ فَلَا تُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (يَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَوْ فِي أُمَّتِي خَسْفٌ أَوْ مَسْخٌ أَوْ قَذْفٌ فِي أَهْلِ القَدَرِ) [صححه الألباني]

** وروى مسلم عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ قَالَ دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَأَنَا مَعَهُمَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلَاهَا عَنْ الْجَيْشِ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ [أي جيش ليفتك به] فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ: (يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ).

// وروى مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: عَبَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَنَامِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتَ شَيْئًا فِي مَنَامِكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ فَقَالَ: (الْعَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ بِالْبَيْتِ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ [بيداء المدينة] خُسِفَ بِهِمْ) فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ قَالَ نَعَمْ فِيهِمْ الْمُسْتَبْصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ) .. وفي الحديث فضيلة التباعد عن أهل المعاصي والظلم، وفيه أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في عقوبات الدنيا.

** وَعَنْ بُقَيْرَةَ امْرَأَةَ الْقَعْقَاعِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: (يَا هَؤُلاَءِ، إِذَا سَمِعْتُمْ بِجَيشٍ قَدْ خُسِفَ بِهِ قَرِيبًا [أي قريب من المدينة] فَقَدْ أَظَلَّتِ السَّاعَةُ). [رَوَاهُ أحمد الْحُمَيْدِيُّ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ].

** عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: (يَا أَنَسُ إِنَّ النَّاسَ يُمَصِّرُونَ أَمْصَارًا وَإِنَّ مِصْرًا مِنْهَا يُقَالُ لَهُ الْبَصْرَةُ أَوْ الْبُصَيْرَةُ فَإِنْ أَنْتَ مَرَرْتَ بِهَا أَوْ دَخَلْتَهَا فَإِيَّاكَ وَسِبَاخَهَا [الأرض التي تعلوها الملوحة فلا تنبت] وَكِلَاءَهَا [ما كان على شاطئ النهر، وهو الموضع التي تربط فيه السفن] وَسُوقَهَا وَبَابَ أُمَرَائِهَا [لكثرة الظلم الواقع منهم] وَعَلَيْكَ بِضَوَاحِيهَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهَا خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَرَجْفٌ، وَقَوْمٌ يَبِيتُونَ يُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ) [أبو داود وصححه الألباني]

** وقد حدثت خسوفات على مر التاريخ وهي غير الخسوفات الثلاثة العظمى بين يدي الساعة.

// قال تعالى في شأن قارون: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} [القصص:81]

// قال القرطبي: وقد وقع بعضها في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكره بن وهب، وذكر أبو الفرج بن الجوزي أنه وقع بعراق العجم زلازل وخسوفات هلك بسببها خلق كثير ... وقد وقع ذلك عندنا بشرق الأندلس فيما سمعناه من بعض مشايخنا بقرية يقال لها «قطرطندة» من قطر دانية سقط عليها جبل هناك فأذهبها، وأخبرني أيضا بعض أصحابنا أن قرية من أعمال برقة يقال لها «ترسة» أصابها زلزلة شديدة هدت حيطانها وسقفها على أهلها فماتوا تحتها ولم ينج منهم إلا قليل.

// وقال ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» في حوادث سنة ست وأربعين وثلاثمائة:

فيها كان بالري ونواحيها زلازل عظيمة خارجة عن الحد ثم خسف ببلاد الطَّالَقان في ذي الحجة فلم يفلت من أهلها إلا نحو ثلاثين رجلا، وخسف بمائة وخمسين قرية من قرى الري واتصل الخسف إلى حلوان فخسف بأكثرها وقذفت الأرض عظام الموتى وتفجرت منها المياه، وتقطع بالري جبل، وعلقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف نهار ثم خسف بها، وانخرقت الأرض خروقا عظيمة وخرج منها مياه نتنة ودخان عظيم هكذا نقل الحافظ أبو الفرج بن الجوزي في تاريخه.

وفيها نقص البحر ثمانين ذراعا وظهر فيه جبال وجزائر وأشياء لم تعد

// وذكر ابن كثير أنه في سنة خمس وعشرين وأربعمائة كثرت الزلازل بمصر والشام فهدمت شيئاً كثيراً، ومات تحت الهدم خلق كثير، وانهدم من الرملة ثلثها، وتقطع جامعها تقطيعاً، وخرج أهلها منها هاربين فأقاموا بظاهرها ثمانية أيام، ثم سكن الحال فعادوا إليها، وخُسف بقرية البارزاد وبأهلها وبقرها وغنمها، وساخت في الأرض، وكذلك قرى كثيرة هنالك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply