صافي بن صياد 3


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

** وحاله بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رواه مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ قَالَ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ قَالَ وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِي فَقُلْتُ إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ فَلَوْ وَضَعْتَهُ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ قَالَ فَفَعَلَ قَالَ فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ فَقَالَ اشْرَبْ أَبَا سَعِيدٍ فَقُلْتُ إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ مَا بِي إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ أَوْ قَالَ آخُذَ عَنْ يَدِهِ فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلًا فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ مِمَّا يَقُولُ لِي النَّاسُ يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ كَافِرٌ وَأَنَا مُسْلِمٌ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِي بِالْمَدِينَةِ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلَا مَكَّةَ وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ ثُمَّ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ الْآنَ قَالَ قُلْتُ لَهُ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ.

// وفي رواية لمسلم: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ الْآنَ حَيْثُ هُوَ وَأَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ قَالَ وَقِيلَ لَهُ أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ قَالَ فَقَالَ لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ.


** والصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم قد اختلفوا في أمر ابن صياد، وهل هو الدجال أم لا؟ وانقسموا إلى فريقين:

1/ منهم من قال: إن ابن صياد هو الدجال، وهم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبو ذر رضي الله عنهم أجمعين، فكانوا يقطعون بأن ابن صياد هو الدجال، وتابعهم على هذا التصريح: القرطبي الذي قال في تذكرته: "الصحيح أن ابن صياد هو الدجال".

ومال الشوكاني رحمه الله إلى أن ابن صياد هو الدجال، وقد مال ابن بطال إلى القول بأن ابن صياد هو الدجال وكذلك ظاهر كلام النووي يشير إلى ميله للقول بأن ابن صياد هو الدجال.

وهؤلاء احتجوا بأن عمر -رضي الله عنه- كان يحلف عند النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ابن صياد هو الدجال، ولم ينكر عليه ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد روى البخاري في صحيحه، عن محمد بن المنكدر قال: "رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال"، قلت: "تحلف بالله؟"، قال: "إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم ينكره النبي -صلى الله عليه وسلم-".

أما ما ذكر من خبر ابن صياد من أنه أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل مكة والمدينة، وكان له من الولد ما ذكرنا، فقد سأل أبو سلمة جابراً رضي الله عنهم عن ذلك، فشهد جابر رضي الله عنهم أن الدجال هو ابن صياد. فقال أبو سلمة: "إنه قد مات؟"، قال: "وإن مات"، قلت: "فإنه أسلم"، قال: "وإن أسلم"، قلت: "فإنه دخل المدينة"، قال: "وإن دخل المدينة".

ففي كلام جابر إشارة إلى أن أمره ملبس، وأنه يجوز أن يكون ما ظهر من أمره إذ ذاك لا ينافي ما توقع منه بعد خروجه في آخر الزمان.

وقال النووي رحمه الله: "أما احتجاجه بأنه مسلم، والدجال كافر، وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له هو، وأنه لا يدخل مكة والمدينة، وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة، فلا دلالة له فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته، وخروجه في الأرض".

ومن أسباب تمسك ابن عمر رضي الله عنهم وغيره بالقول: بأن ابن صياد هو الدجال: المواقف التي حدثت مع ابن عمر وابن صياد من انتفاخ ابن صياد حتى ملأ الطريق لما سمع من ابن عمر كلاماً أغضبه.

وكذلك نفور عين ابن صياد، وسؤال ابن عمر له عن ذلك، وضربه له بعصا كانت في يده دون شعور من ابن عمر لهذا التصرف، ولكن هل حلف وقسم عمر رضي الله عنهم أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ابن صياد هو الدجال، وسكوت الرسول عن هذا القسم دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقر بأن ابن صياد هو الدجال؟ وهل في هذا القسم حجة؟

تكلم ابن دقيق العيد رحمه الله على مسألة التقرير، فقال ما ملخصه: "إذا أخبر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر ليس فيه حكم شرعي، فهل يكون سكوته صلى الله عليه وسلم دليلاً على مطابقة ما في الواقع كما وقع لعمر في حلفه على أن ابن صياد هو الدجال فلم ينكر عليه، فهل يدل عدم إنكاره على أن ابن صياد هو الدجال كما فهمه جابر، حتى صار يحلف عليه، ويستند إلى حلف عمر، أو لا يدل؟ فيه نظر، قال: والأقرب عندي أنه لا يدل؛ لأن مأخذ المسألة ومناطها هو العصمة من التقرير على باطل، وذلك يتوقف على تحقق البطلان، ولا يكفي فيه عدم تحقق الصحة، إلا أن يدعي مدع أنه يكفي في وجوب البيان عدم تحقق الصحة، فيحتاج إلى دليل وهو عاجز عنه، نعم التقرير يسوغ الحلف على ذلك، على غلبة الظن؛ لعدم توقف ذلك على العلم، وقال السفاريني فيما ورد عن بعض الصحابة من أن ابن صياد هو الدجال قال: "وفي ذلك عدة أحاديث وآثار صحيحة إلا أنها ليست صريحة، ولا نصا في أن ابن صياد هو الدجال".

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply