كلمة في التعاطف


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

هنالك خطاب بارد إلى حد بعيد فيما يخص مسألة ”التعاطف“ يتعامل مع التعاطف على أنه سلبي، اللعب على العواطف، الكلام العاطفي، يروج لهذا الخطاب كثير ممن يدعي اكتشاف الغامض والمثير، ما إن تكشف فظاعة قوله ينسبك إلى التعاطف، تدليلا على أن العاطفة مباينة لمسمى العلم، كان علي الحلبي رحمه الله لما تعرض لقتل المدنيين من الصهاي.. قال يجب ألا يُفعل ذلك، لأنه يؤمّنُك فتقوم تقتله؟ ثم ذكر كلام الإمام أحمد شاكر، وقال رد عليه الإمام ابن باز، ثم عقب الحلبي قائلا: فهذا فرق بين العلم والعاطفة.

 

بمعنى أن شاكر إذ قال بقتل النساء من الأنجليز، فهو عاطفي، لكن رد ابن باز وتعقيبه عليه كلام علمي، فقط لأنه لم يستند لعاطفة، وهذا خطاب أجنبي عن روح الفقه، محاكمة المسائل التحريرات الفقهية بمسمى العاطفة، من كان عاطفيا جانب الصواب ومن لم يكن فهو محق. من أين جاء هذا؟

 

كان بشر بن غياث المريسي والجهم، والجعد بن درهم، ذوي خطاب عقدي موجه للنخبة من المجتمع، مثل مقالات الزنادقة، كانت توجه للوزراء والملوك والسلاطين ونحو ذلك، وكانت شميتكه قد فصلت في هذا في تأريخها لعلم الكلام، لم يكن خطاب هؤلاء الزنادقة عاطفيا، لا من جهة التبديع، ولا التكفير، ولم يسند لأي تعاطف، وإنما كان خطابا جافا، يتناول المعقول تحت مسمى ”الكلام العلمي البحت“.

 

بالنهاية كان الدارمي رضي الله عنه يقول لبشر والثلجي والجهم: يا أعداء الله، وكان أحمد يقول: فقال الجهم عدو الله، وكان وكيع على ما أذكر يقول: أخال اسم الجهم اشتق من جهنم، كانوا ينقلون عاطفتهم العقدية، كما ينقلون مقالاتهم العلمية، في ذات الكتب العقدية، ولم يكن في ذلك مطعن بتحريرهم العلمي وحسبك رد الدارمي، ورد أحمد على الزنادقة والجهمية، ورد السجزي، وغير ذلك كثير.

 

اليوم ينقلب الأمر، عوض التحريض على تعظيم العواطف، معاني النخوة، التواد، الترابط، الجسد الواحد، يقع اختزال لكل هذا في مسمى حركات، هذه الحركة تنشط في الأقصى وهي ليست على أفكاري، إذًا: لأنفّر من التعاطف مع الأقصى، من يتهمني أقول له: أنت أخذك الخطاب العاطفي.

 

حتى أن كثير من الأبواق التي تدعي التشرع، تستهجن إبداء المشاعر والعواطف، لا تكن عاطفيا، دع عنك الخطاب العاطفي، حقا؛ لا يوجد ثورة بدون نظرية ثورة، ما يحصل من أناركية أثره وخيم، دعنا لا ندخل إلى ذلك الجحر كليا، بعيدا عن كل شيء، هنالك بيت بارك الله حوله، وهنالك مسلمون خُذلوا حتى صار إذا قلت لأحدهم من أنت قال لك: أنا المخذول. من أين تخرج أصوات: لا تتعاطف؟ من لم يتعاطف ومن أنكر التعاطف مع المؤمنين ولم يضره ما يضرهم فأمره عظيم، وليراجع كلام ابن تيمية في هذا، قال: فليس منهم!.

 

ما يستفزك، استهجان التعاطف بهذه الصورة الحقيرة لدى من يحسبون على العلم لدى الكثيرين، متناسين أن التعاطف لفظ ومطلب شرعي أصلا.

 

«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر والحمى» متفق عليه.
                                                        وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply