وقفات من حياة والدي عبدالله الخليفة


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عندما كنا صغارًا...كنا نقرأ جزء يوميًا بعد صلاة الفجر بالتناوب فإذا جاء آخر الشهر

ختمنا...

کنا نقول يارب توافق الختمة خميس ولا جمعة حتى مانتأخر عن المدرسة لأن بعدها وقفة دعاء

الجائزة الكبرى عند التقرير الشهري أن نحصل في القرآن والتوحيد على الدرجة الكاملة وكان يطلب سجل الحلقة اللي في البيت من المعلمة ويتابع أداءنا ويكافئنا.

على كثرة مشاغله وعظم مسؤولياته كان يلعب معنا في البيت ويجري لنا مسابقات حركية ويضع لها جوائز...ودائمًا مانتذاكر معه مواقفها المضحكة ونحكيها لأبنائنا ..

لم يكن يعتمد على حفظنا في الحلقة ..كان يراجع لنا .. ويضع الجوائز النقدية ... وقد حفّظنا سورة الأحزاب وكانت جائزتها ألف ريال لمن تسمعها بدون خطأ ولا تردد...ويقول لنا إنها مهمة للمرأة وللتربية حيث حوت أحكام الحجاب وفضحت المنافقين وحثت على صلة الرحم..

عندما كبر جدي محمد (والده) رحمهما الله...صار يتردد يوميًا إلى مسجده ليصلي التراويح إمامًا نيابة عنه لسنوات...كنت أرافقه أنا وبعض أخواتي وكان على الطريق كشكات آيس كريم سنابل...كان يقول من تسمع كذا بدون خطأ لها آيس كريم..فكنا كل يوم نراجع سورة قبل نمشي للرياض ونسمعها..

سبحان من جعل له هيبة وجاهًا لم يسع لهما..كنا نجلس الإجازات الصيفية في القصيم عند أخوالي..فكان يأتي لزيارتنا كل رأس شهر تقريبًا..فإذا جاء كأن القرية سيزورها أمير..كنا أطفال صغار وأسمعهم يقولون (يبي يجي عبدالله المحمد) وتبدأ الاستعدادات من كل رجال الجماعة ويتسابقون لضيافته وإكرامه

..وكان يتفقد موالي العائلة هناك ويكرمهم ويبحث في أحوالهم...فكانوا يأتون إليه من القصيم في كل أزمة تواجههم..وكم سعى للإصلاح بينهم وخدم مصالحهم..

الرحلة السنوية إلى مكة والمدينة ثم القصيم

حفظنا شوارع مكة وآثارها وطبائع أهلها، عرفنا بوابات الحرم، اعتدنا على المناسك وأحكامها،كنا نطوف معه سبع فإذا انتهينا قال: تبون ناخذ ثاني؟؟ وأحيانًا نطوف ثلاث متتالية لقلة الزحام

كل بقعة في مكة تحكي ذكرياتنا معه منذ أن كنا صغارًا،فإذا جاء يوم السفر ذهب بنا للسوق وقال اشتروا لصديقاتكم هدايا.

معظم إن لم يكن كل محارمه قد حجوا معه..منذ وعينا الحياة لم يترك الحج سنويًا ولا العمرة في رمضان هو وعمي الشيخ إبراهيم القرعاوي يحفظه الله

إذا اقترب وقت الحج بدأ الناس بالإتصال فلان يبي يحج فرض فلانة ما أفرضت..فكان يأخذ مايسعه مركبه (الجمس) ويحج بهم ..وقد حج معه كثير من أبناء الخرج .

كان شديد الزهد بعيدًا عن الدنيا..يكره المظاهر ويضيق منها...وكان له مكان وثقل عند ولاة الأمر والأسرة المالكة ولكنه لم ينظر لهذا الأمر إلا فيما يخدم المصالح العامة للبلد أو للهيئة أو جمعية التحفيظ...وسيقت له فرص الثراء فردها غير مبال بها...

في الإجازات عندما نجتمع ونسهر الليل ويكثر الضجيج...يصلي الليل في الصالة ويرفع صوته بالقراءة مذكرًا لنا بالقدوة ومربيًا

وبين كل تسليمة وتسليمة يرفع صوته

هل من دااااع فأستجيب له..

أو يقول (والمستغفرين بالأسحاار).

عندما كان يعمل في الهيئة تأتي بعض القضايا الصعبة والمداهمات فكان أحيانا يبقى في المكتب ليومين، ويعود في وقت متأخر من الليل مشيًا، وكانت أمي تحذره من ذلك خوفًا من مكروه يصيبه أو اعتداء من أهل الجنايات،=

= فإذا وصل توضأ وقام يصلي..يتصل بعض الأعضاء لمشاورته في أمر على الثابت قبل الجوالات..فترد أمي وتقول يصلي اتصل بعد قليل...ولا يزال كذلك حتى يؤذن الفجر .

 

تعرض للأذى في سبيل الله..وعرفنا بعض المواقف بالصدفة، أو من الناس.. بينما لم يحدثنا عنها.

على كبر سنه لم أره يصلى جالسًا كان يقف متكئًا على عکازه منحن ظهره ويواصل القراءة لأكثر من نصف ساعة مكررًا بعض الآيات رافعًا صوته بها..مستعيذًا أو داعيًا بينها..لم يترك قيام الليل أبدًا .

الصلاة..كانت قرة عينه

ونسأل الله أن يكتبه رجل قلبه معلق بالمساجد

كان رحمه الله يطيل المكوث في المسجد لساعات...وتتوالى اتصالات أمي خوفًا من هبوط السكر عليه فيقول في جيبي تمر إن دخت أكلت منهن!!!

فإذا رجع من المسجد دخل وتوضأ وكبر يصلي في محرابه بالبيت..فإذا سلم نادی أحدنا وأخرج قصاصات الورق وطلب تفسير آية أو تدبر آيه مما دونه فيها...وأحيانا نزوره من العصر إلى الليل ولا نراه لبقائه في المسجد..حتى العامل أعطاه نسخة مفتاح لأنه يبقى طويلًا..

كان يسأل أطفالنا إذا اجتمعوا عنده وش جديد حفظكم ؟ رباهم وحببهم بالقرآن حتى إنهم يقولون يالله نلعب حلقة.. فيمسك أحدهم مكان المعلمة ويقرءون ويسمعون ويسجلونها فإذا جاء أطلعوه على استماراتهم...فلا يبقى شئ لم يجلبه لهم من الحلوى والكيك وكل مايحبون كجائزة لهم.

بعد إصابته بآخر جلطة لم يعد يقوم من سريره...فكان والسواك ولوح التيمم المصحف والمكبر على قدميه ولا يسمح لنا بأخذها على الطاولة بجانبه.. وكأنه يرتاح بوجودها معه..

في آخر ساعات حياته رحمه الله كان يردد ( إن الله يحب المحسنين ) وهو بين صحواته ثم يغمى عليه.. وفي لحظاته الأخيرة قرأ أواخر البقرة ثم قال لأخي اقرأها علي ..فلما وصل واعف عنا قال كررها .. وبدأ يقول آميين آميين.

تأثر أطفالنا لوفاته كثيرًا ..وحصلت مواقف مبكية منهم .. فجمعهم أخي محمد وقال: بابا عبدالله راح لله..يقول احفظوا القرآن وتعالوا عندي عشان تلبسونني التاج ونروح للجنة

اتصل بنامع أخي فيديو يوم وفاته ظهرًا على برنامج دو،كنت في المدرسة، تكلمنا معه أنا وبعض إخوتي وأخواتي،كان مبتسمًا راضيًا يحمد الله ويقول أنا بخير، وصانا على المساكين الذين يتعاهدهم..ثم قال لاتهجرون مصلاي ومصحفي...وكأنه يشعر بالوداع..

وكانت هذه آخر مشاهدة..وآخر ماسمعت منه رحمه الله.

اللهم اجعلنا وذرياتنا صدقة جارية له ..

واجعل كل من ذكره بخير رفيقًا له في جنتك

واجزه عما قدم للإسلام والمسلمين خير ماتجزي به المحسنين...

كان هناك مبدأ التزم به والدي وما حاد عنه حتى توفاه الله

وهو ركل حطام الدنيا وعدم الاحتفاء به ولو طرق بابه وجلس في مجلسه ..

مرة أراد أحد كبار العقاريين في الرياض الإستفادة من قربه من أحد الأمراء فطلب منه أن يعرض على الأمير رغبتهم بشراء أرض له تقدر بمليار ريال ولثقتهم بوالدي كتب مع الطلب شيك باسمه ب٢٠ مليون عربون شراء

وله أن يطلب ما يشاء بحال موافقته،

رفض أبي الطلب بدون تردد، فعرضوا عليه أن مبلغ السعي يذهب للتحفيظ إن أراد فرفضه كذلك

وترددوا عليه شهرا كاملا عله يوافق فلم يلن لهم...

فانتقلوا لرجل آخر بنفس العرض !

لقد صدق فيه حديث أنس بن مالك

قال: قال رسول الله : (من كانت الآخرة هَمَّهُ جعل الله غِنَاهُ في قَلْبِه وجمع له شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْياوهي رَاغِمَةٌ، ومن كانت الدُّنْيَا هَمَّهُ جعل الله فَقْرَهُ بين عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عليه شَمْلَهُ،ولم يَأْتِهِ من الدُّنْيَا إلاما قُدِّرَ له).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply