من المتكلم آنفًا


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى الصَّلاَةِ وَرَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- يُصَلِّي، فَقَالَ حِينَ انْتَهَى إِلَى الصَّفِّ: «اللهمَّ آتِنِي أَفَضْلَ مَا تُؤْتِي عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ»، قَالَ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم الصَّلاَةَ-، فَقَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ آنِفًا؟ قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ الله، قَالَ: إِذًا يُعْقَرُ جَوَادُكَ وَتُسْتَشْهَدُ في سبيل الله.

وفي رواية أبي يعلى: إِذًا يُعْقَرُ جَوَادُكَ وتقتل في سبيل الله.

وفي رواية: فقال: إِذًا يُعْقَرُ جَوَادُكَ وتهراق مهجتك في سبيل الله.

[قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وتعليق الذهبي قي التلخيص: على شرط مسلم،، وقال الألباني: ضعيف - «التعليق الرغيب» (2/ 199). وقال شعيب الأرنؤوط: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن مسلم بن عائذ]

** وعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (أن يُعْقَرَ جَوَادُكَ, ويُهْرَاقَ دَمُكَ) [رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب 1365]

** قَالَ أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَالْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قال: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رَضِيَ الله عَنْهُمَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-: إِيَّاكُمْ والظُّلْمُ فَإِنَّ الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ [القبيح من القول]، وَلاَ التَّفَحُّشَ [أي تكلف إيجاد الفحش]، وَإِيَّاكُمْ والشُّحَّ، فَإِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الشُّحّ، أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ، فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ، فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ، فَفَجَرُوا، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ رَبُّكَ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-: الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ: هِجْرَةُ الْحَاضِرِ وَهِجْرَةُ الْبَادِي، فَأَمَّا الْبَادِي فَيُجِيبُ إِذَا دُعِيَ وَيُطِيعُ إِذَا أُمِرَ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَهُوَ أَعْظَمُهُمَا بَلِيَّةً [الشدة والمصيبة والفتنة] وَأَفْضَلُهُمَا أَجْرًا،، وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ: فَنَادَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الشُّهَدَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ أَنْ يُعْقَرَ جَوَادُكَ وَيُهْرَاقُ دَمُكَ.

[رواه أبو داود مختصرا والحاكم واللفظ له وقال صحيح على شرط مسلم]

قوله: (أن تهجر) أي تترك، فأريد بالهجرة الترك، وفيه أن ترك المعاصي خير من ترك الوطن، فإن المقصود الأصلي من ترك الوطن هو ترك المعاصي، (هجرة الحاضر) أي المقيم بالبلاد والقرى (والبادي) المقيم بالبادية، (فَيُجِيبُ إِذَا دُعِيَ) أي لا حاجة في حقه إلى ترك الوطن بل حضوره في الجهاد يكفي (وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَهُوَ أَعْظَمُهُمَا بَلِيَّةً وَأَفْضَلُهُمَا أَجْرًا) لما روى في الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْمُسلم إِذا كَانَ يخالط النَّاس ويصبر على أذاهم خير من الْمُسلم الَّذِي لَا يخالط النَّاس وَلَا يصبر على أذاهم).[رواه أحمد وغيره]

قال المناوي: ومن ثم عدوا من أعظم أنواع الصبر «الصبر على مخالطة الناس وتحمل أذاهم»، واعلم أن اللّه لم يسلطهم عليك إلا لذنب صدر منك فاستغفر اللّه من ذنبك، واعلم أن ذلك عقوبة منه تعالى، وكن فيما بينهم سميعاً لحقهم أصم عن باطلهم نطوقاً بمحاسنهم صموتاً عن مساوئهم، لكن احذر مخالطة متفقهة الزمان ذكره الغزالي، وقال الذهبي في الزهد: مخالطة الناس إذا كانت شرعية فهي من العبادة وغاية ما في العزلة التعبد فمن خالطهم بحيث اشتغل بهم عن اللّه وعن السنن الشرعية فذا بطال فليفرّ منهم، واستدل به البعض على أن حج التطوع أفضل من صدقة النفل لأن الحج يحتاج لمخالطة الناس، قال حجة الإسلام: وللناس خلاف طويل في العزلة والمخالطة أيهما أفضل مع أن كلاً منهما لا ينفك عن غوائل تنفر عنها وفوائد تدعو إليها وميل أكثر العباد والزهاد إلى اختيار العزلة وميل الشافعي وأحمد إلى مقابله، واستدل كل لمذهبه بما يطول، والإنصاف أن الترجيح يختلف باختلاف الناس فقد تكون العزلة لشخص أفضل والمخالطة لآخر أفضل فالقلب المستعد للإقبال على اللّه: العزلة له أولى، والعالم بدقائق الحلال والحرم مخالطته للناس ليعلمهم وينصحهم في دينهم أولى وهكذا، ألا ترى إلى تولية النبي صلى اللّه عليه وسلم لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما من أمرائه، وقوله لأبي ذر إني أراك رجلاً ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تتأمر على اثنين .. الحديث 

** يقول الشيخ محمد الغزالي: "ومن هوان الدنيا على الله أن ترك كلاب المترفين فيها تشبع مع المترفين، وأن ترك حملة الوحي فيها يهونون مع الوحي! وفي هذا الحديث حتى الجواد يقتل مع صاحبه .. أصابه من الشهادة مسها القاني! ولو كان مربوطا بعربة بضاعة لعاش دهرا.

وكذلك أبى ربك أن يسترجع المختارين من عباده –بعدما أدوا رسالتهم في الحياة- أبى أن يتركوا هذه الحياة سالمين من طعناتها الفاجرة وجراحاتها الغادرة.

فمزق عِلج من المجوس أحشاء عمر، وعدا مأفون غر على حياة علي، وتآمرت دولة الأوغاد على قتل حسن البنا .. ولن تزال سلسلة الشهداء تطول حلقة حلقة ما بقي في الدنيا صراع بين الضياء والظلام".

** قال تعالى في سورة الحج: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{58} لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ{59}

قال أهل العلم: مراتب حسن الأرزاق متفاونة تفاوت حسن حال المرزوقين، فلا تقتضي الآية تساوي المقتول والمتوفى على كل حال، فللمقتول في سبيل الله مزية على الميت بما أصابه في ذات الله تعالى فهو أفضل منه، ويدل عليه دلائل كثيرة منها قوله عليه السلام لما سئل أي الجهاد أفضل: "أن يعقر جوادك ويهراق دمك"، وأيضاً المقتول في سبيل الله يجيء وريح دمه ريح المسك والميت لم ينل ذلك، وأيضاً المقتول يتمنى الرجعة إلى الدنيا ليقتل في سبيل الله مرة ثانية لما يرى من فضل الشهادة وليس كذلك الميت، وأيضاً القتل في سبيل الله يكفر كل ذنب ولم يرد ذلك في الموت، وأيضاً الميت في سبيل الله يغسل، والمقتول لا يغسل، وأيضاً الشهيد المقتول يشفع ولم يرد ذلك في الميت، وأيضاً الشهيد يرى الحور العين قبل أن يجف دمه وليس كذلك الميت. [تفسير روح البيان].
                                                           وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply