انكسارات الطيبين وصدماتهم في الحياة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أغلب من يرتد قوليًا فقط إلى تأكيد الحاجة إلي الأخلاقيات القاسية: كالأنانية والمكر…إلخ، هم من الطيبين الذين صدموا من أخلاقيات قاسية من النَّاس، فمثل هذا ردة فعل عنيفة في وجدانهم.

‏لكن ثق، أن هذه الأخلاق في الأساس هي طباع تلقائية وليست وسائل اختيارية.

بمعنى أن الإنسان لا يقول في وعيه قبل ممارسة الأنانية مثلاً: سأكون الآن أنانيًا، كوسيلة مؤقته، مثل قوله: سأركب السيارة بدل القطار!

‏وإنما هو لا شعورًا يمارسها كطبع متأصل فيه أو مكتسب مع كثرة التكرار.

‏أما الإنسان الطيب في أصله فمجرد أن يفكر أن يؤذي أحدًا يحس مباشرة بالألم داخله.

ولعل مشكلة بعض الطيبين بالفطرة أن "القوة" تغيب عن قاموسهم لأنهم يعتقدونها قسوة وخشونة، وفي الحقيقة ليست كذلك. فالطيبة لا تتعارض مع القوة، وكذلك المكر والأنانية لا يتعارض مع الضعف.

‏فالطيبون المتزنون هم الذين يستمرون كذلك، لأن طيبتهم محمية بقوتهم، لا يلوثها الأنانيون الماكرون.

وهؤلاء ليس عندهم مثاليات خيالية، بل هم واقعيون وفي نفس الوقت يتحلون بالطيبة مع اليقظة، وينبذون الضعف كما ينبذون المكر والأنانية. ومثل هؤلاء نادرًا ما يصابون بخيبة أمل أو يتحطمون من أخلاقيات الناس، لأنهم يفهمون الحياة الحقيقية ويعرفون تفاوت واختلاف الناس، من طيب طاهر إلى ماكر.

فالفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كمثال، كان قويًا طيبًا، ولم يكن خبًا ولم يكن الخب يقدر أن يخدعه، ولم يكن ليفاجأ بأخلاقيات الناس لأنه كان شخصًا متزنًا بين طيبته وقوته، وهكذا معظم الأشخاص الذين يعيشون حياة متزنة، فيتعلمون مع الخلق بحسب ما يقتضيه الحق ما بين الواجب والفضل.

ومما يحمي نفسية الإنسان الطيب من ردود الأفعال المتقابلة المتضادة، فهم تنوع طبيعة الناس واختلافاتهم الشديدة، من بين طيب أشبه بملاك وما بين خبيث أشبه بشيطان، وبينهما تنوع شديد التعقيد، فإذا أدرك ذلك جيدًا علم أنه يتعامل مع كل إنسان كعالم مستقل، فلا يعمم أحكامه من تجربة واحدة.

 وأعظم حفظ هو حفظ الله للإنسان من تقلبات نفسه ومزاجه ومن أذية الناس وشرهم ومكرهم، وذلك باللجوء إليه ودعائه وسؤاله الحفظ والتبصير والرشاد والهداية، فالله أعلم بما يضر العبد من العبد نفسه، وهو أعلم بما في قدور كل الخلق، ومن اعتصم بالله حقًا فقد لاذ بعظيم لا يخذل عبده.

فإذا أردت السلامة؛ فليكن حسن ظنك بالناس على أحسن وجه، بحيث لا يصل إليهم منك أي شر، وليكن حذرك منهم الغاية بحيث لا يصل شرهم إليك.
                                                          وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply