حلقة 51: علاج المشعوذين - الاحتفالات بالموالد - حضور بعض المشايخ والعلماء الاحتفالات البدعية - اجتماع العلماء لحل قضايا الأمة

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

1 / 50 محاضرة

حلقة 51: علاج المشعوذين - الاحتفالات بالموالد - حضور بعض المشايخ والعلماء الاحتفالات البدعية - اجتماع العلماء لحل قضايا الأمة

1- يوجد امرأة في قرية وملقبة مصاصة، يذهب إليها الرجال والنساء وكل واحد يشتكي مرض في بطنه أو ظهره أو صدره، وكل واحد يعطيها مبلغ مائة ريال، وإذا كان المريض يشتكي من بطنه ترقده على ظهره، وتمص بطنه بفمها، يعني تعمل فمها على بطنه أو صدره أو ظهره، وتمص مثل المحجم بدون أن تستعمل شيء بفمها، وبعد ذلك تخرج من فمها حصى أو عرق أو غير ذلك، هل هذا الأمر صحيح؟

فهذه المرأة المسؤول عنها يظهر أنها دجالة، وأنها تعمل أعمالاً تغر بها الناس ليظنوا بأن عندها علماً، وأن عندها شيئاً خارقاً، أو شيئاً لا يعرفه الأطباء، فتعمل ما ذكر من مص بطن الرجل، ثم إخراج أشياء من فمها كحصى ونحوه ، فهذه إما أن تكون تستخدم الجن، وتلعب على أبصار الحاضرين، فتوهم أنها تخرج من بطنه شيئاً وليس هناك شيء، وإنما وهم تزوير على أعين الناس، وسحر لأعينهم كما فعل السحرة في وقت موسى -عليه الصلاة والسلام- مع فرعون، وإما أن تكون تجعل في فمها شيء عند مجيء المريض من حصى أو غيره وتخرجه عندما تمص بطنه لتري الناس أن هذا خرج من بطنه ، والذي نرى في هذه وأمثالها أنه لا يجوز أن يذهب إليها، ولا أن تستطب؛ لأن هذه وأشباها من المشعوذين، وممن يتلاعب على الناس بالكذب، أو باستخدام الجن، وتعاطي ما حرم الله -عز وجل- من الشرك وغيره من المنكرات التي تفعل مع الجن بسؤالهم عن مرض الشخص الذي يراد تطببها فيه. فالحاصل أن هذه المرأة يظهر من عملها هذا أنها دجالة ، وأنها متلاعبة ، وأنها كذابة ، أو مستخدمة للجن ، فلا يجوز إتيانها ولا أشباهها، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح : (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً). أخرجه مسلم في الصحيح. وفي لفظٍ آخر: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-). فهذه وأشباهها من العرافين الذين يكذبون، ويتعاطون أموراً لا صحة لها، بل هي أشياء مكذوبة أو مأخوذة عن الجن لتغرير الناس، وإدخال السوء عليهم من دون أن يعلموا الحقيقة ، -والله المستعان-.    
 
2- بخصوص إقامة الموالد والاحتفال بها مثل المولد النبوي الشريف، وقد تفضلتم بالإجابة بعدم إقامة مثل هذه الموالد وغيرها لما ورد في الكتاب والسنة، وعلينا أن نتبع ما أمرنا به ونهى عنه الله ورسوله، وأنا عن نفسي مقتنع بذلك تمام الاقتناع، ولكن نشاهد في مصر الإسلامية أن أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ يحضرون هذه الاحتفالات والموالد، أمثال الحسين، السيدة زينب، البدوي، وغيرهم، بل حتى عندنا في صعيد مصر كثير، وسؤالي الأول هو: ما هو الصواب في هذا الموضوع؟
الصواب هو ما سمعت فيما ذكرت ، نقلت عن جوابي السابق، وأن هذه الموالد التي يحتفل بها الناس بدعة لا أصل لها ، ولا ينبغي للعاقل وطالب العلم أن يغتر بفعل الناس ، فإن فعل الناس لا يقاس عليه ، ولا يحتج به ، وإنما يحتج بما قاله الله ورسوله ، فأقوال الناس وأعمال الناس واحتفالاتهم كلها تعرض على الكتاب والسنة، فما وافق كتاب الله أو سنة رسوله الصحيحة -عليه الصلاة والسلام- فهو المتبع، وهو الحق، وما خالفهما وجب رده وإن فعله الناس ، قال الله -تعالى- : وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [(103) سورة يوسف]. وقال -تعالى- : وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [(116) سورة الأنعام]. وقال -تعالى- : وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [(20) سورة سبأ]. فالحاصل أن أفعال الناس وأقوال الناس ليست ميزاناً توزن بها الأحكام وتعرف بها الأحكام الشرعية، وإنما الميزان هو ما قاله الله -جل وعلا- : فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [(59) سورة النساء]. وفيما قال سبحانه : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [(10) سورة الشورى]. هذا هو الميزان ، الميزان هو ما قاله الله ورسوله ، فالاحتفالات بالموالد ليس لها أصل في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- ، وقد مضى على المسلمين قرون كثيرة لم يحتفلوا بها في الموالد، فلم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته وهو خاتم النبيين ليس بعده نبي بعده يعلمنا ، هو خاتم النبيين ، وهو أنصح الناس -عليه الصلاة والسلام- ، وهو أعلم الناس ، وأخشى الناس ، وأتقاهم لله ، عليه الصلاة والسلام ، فلو كان الاحتفال بمولده -صلى الله عليه وسلم- أو بالموالد الأخرى أمراً مشروعاً لبينه للأمة عليه الصلاة والسلام، أو فعله بنفسه ، حتى يقتدى به ، ثم لو تركه بنفسه عليه الصلاة والسلام لأنه غير واجب ، ولكن هو سنة في نفسه لفعله الصحابة أخذاً من فعله أو من قوله عليه الصلاة والسلام فلم يفعله -صلى الله عليه وسلم- ، ولم يدعو إليه ، ولم يأمر به، ولا فعله صحابته ، لا الخلفاء الراشدون ، ولا غيرهم ، ثم جاء القرن الثاني ، قرن التابعيين ، وكبار أتباع التابعين فلم يفعلوه ، وجاء بعدهم القرن الثالث فلم يفعلوه ، فدل ذلك على أنه بدعة ، لقوله -صلى الله عليه وسلم- : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) . وقوله : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). وكان يقول في خطبته -عليه الصلاة والسلام- : (أما بعـد : فخير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة). هكذا كان يقول في الخطبة -عليه الصلاة والسلام- في خطبته يوم الجمعة، -اللهم صلي عليه وسلم-، فلو كانت الاحتفالات بالموالد أمراً مطلوباً أو أمراً مشروعاً لما فات على أولئك الأخيار والسادة ثم حظي به ووفق له من بعدهم ، فإن القرون السابقة قد اشتملت على الحق ، ولا يمكن أن يكون الحق في غيرها، وتحرم هي من الحق، بل قال -عليه الصلاة والسلام- : (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة). وهؤلاء القرون في هذه الطائفة في القرون الأولى ، القرن الأول ثم الثاني ثم الثالث ، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- : (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم). الحديث.. فلا يجوز أبداً أن يعتقد أحد أن الحق يفوت هذه القرون الفاضلة العظيمة ثم يدركه ويحوزه من بعدهم ، هذا لا يقوله من يؤمن بالله واليوم الآخر . فالحاصل أن الاحتفالات بالموالد ، مولد النبي - صلى الله عليه وسلم- ، مولد الحسين ، مولد البدوي ، مولد فلان ، مولد البدوي، إلى غير ذلك كلها بدع لا أصل لها ، وإنما من أحدثها ، أحدثها في القرن الرابع وما بعده، كما ذكر ذلك صحيح الإبداع في مضار الابتداع ، وذكر أن الذين بدؤوا بإحداثها هم حكام مصر، الفاطميون ، وحكام المغرب ، الذين انتسبوا إلى آل البيت كذباً وليسوا منهم في شيء ، بل قال أبو العباس وابن تيمية شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- إن ظاهرهم ..... وباطنهم الكفر المحض. فالحاصل أنهم هم الذين أحدثوا هذا في القرن الرابع ثم أحدثه بعدهم أناس آخرون من الشيعة ومن غير الشيعة ، ممن ينتسبون إلى أهل السنة غلطاً وجهلاً، ولا ينبغي لعاقل أن يرتضى بهذا الأمر الذي فعله كثير من الناس. وهذه أيضاً المساجد تبنى على القبور ، والقباب توضع على القبور ، فهل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر أن هذا شرع وأن هذا سنة وأنها قربة؟ هو بدعة منكرة، ومع ذلك وجد في الناس ، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- : (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وقال -عليه الصلاة والسلام- : (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك). أخرجه مسلم في الصحيح. وقال جابر -رضي الله عنه- : نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه). فأخبر جابر -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تجصيص القبور وعن البناء عليها ، وهي الآن تجصص ويبنى عليها وتوضع عليها القباب والمساجد ، فهل يقول من يعرف الحق أن هذا جائز أو أنه مشروع لأن الناس فعلوه ، بل هو بدعة ومن وسائل الشرك ولو فعله الناس. اتخاذ المساجد قبور والبناء عليها ، واتخاذ القباب عليها ، وتجصيصها ، كل هذا محرم ، كل هذا من وسائل الشرك ولو فعله الناس، كذلك كثير من الجهلة يأتون القبور المعظمة ويدعونها ويستغيثون بأهلها ويطلبون منها المدد ، هل يقول قائل أن هذا جائز؟ لأن الناس فعلوا هذا ، أو لأن كثير من الناس فعلوا هذا ، لا يقول هذا من يعرف الدين ، فإن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات وطلب المدد من الأموات هو فعل الجاهلية الأولى ، وفعل أهل الشرك المعروف سابقاً ، وهو من الشرك الأكبر ، ومع ذلك فعله كثير من الجهال عند القبور ، عند قبر الحسين ، وعند قبر غير الحسين ، وعند قبر البدوي ، وربما فعله بعض الجهال عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة فهل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر أن هذا جائز ؟ أو أن هذا قربة ، أو أنه لا بأس به ، بل هو من الشرك ، ومن عبادة غير الله ، ومن عمل الجاهلية الأولى، وإن فعله الكثير من الناس ، فينبغي لكل مسلم أن يعقل هذا وأن ينتبه لهذا الأمر.
 
3- نشاهد في مصر الإسلامية أن أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ يحضرون هذه الاحتفالات؟
هذا كذلك كون بعض العلماء يشهد بعض البدع لا يستنكر هذا ، وهل أهلك الناس إلا علماء السوء وعلماء الجهل، هل أهلكت اليهود إلا بعلماء السوء فيها ، وهل هلكت النصارى إلا بعلماء السوء فيها ، وأغلاطهم، وهذه الأمة كذلك ، إنما هلك أكثرهم بسبب علماء السوء، علماء الجهل ، والعالم وإن كان كبيراً وعظيماً قد يغلط، فيغتر بغلطه بعض الناس ، وزلة العالم لها خطر عظيم ، كما أوصى الصحابة وغيرهم بالحذر من زلة العالم ، فإذا أزل عالم بفعله أو بقوله وإن كان يشار إليه بالعلم ، لكن غلط في مسألة من المسائل مثل حضور في الاحتفالات ، تأول في ذلك ، أو قصد أن ينصحهم ، أو يبين شيئاً من أمور الدين فحضر ، وغاب عنه أن حضوره قد يحتج به فلا يكون هذا حجة إذا حضر العالم بعض الاجتماعات المنكرة أو بعض الاحتفالات المنكرة لا يكون هذا حجةً على جوازها ، فقد يكون له عذر، وقد يكون جهل هذا الأمر وقت حضوره وإن كان عنده علوم وعنده فضل، فلا ينبغي أن يغتر بأغلاط العلماء وزلات العلماء، لا قولاً ولا فعلاً ، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.  
 
4-  لماذا لا يحدث اجتماع مثلاً بين العلماء جميعاً وشرح وجه الحقيقة حتى يغير ما يحدث في جميع البلدان الإسلامية من هذه العادات؟
قد جرى اجتماعات كثيرة، وبُحث هذا الموضوع في اجتماعات كثيرة، ولكن لا تزال العقول تختلف في فهمها، ولا يزال من ينظر في المسائل العلمية يحصل بينهم خلاف في وجهة النظر، فبعضهم يستحسنها لأن فيها دراسة لسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبعضهم يقول لأن فيها فرصة لتوعية الناس، وتعليمهم بعض أمور الدين، وبعضهم يحتج بأشياء أخرى، ولكن من نظر في الأدلة الشرعية عرف أن هذه الأمور التي احتجوا بها لا وجه لها، وأن الواجب منع هذا الاحتفالات، وفي الإمكان أن يعلم الناس أحكام الشرع في المجالس العلمية، والحلقات العلمية، وفي دراسة السيرة النبوية من دون حاجة إلى هذه الاحتفالات، فليست هذه الاحتفالات هي الوسيلة للتعليم، بل هناك وسائل أخرى من الإذاعة والصحافة والحلقات العلمية التي يوضح فيها أحكام الشرع، وتوضح فيها سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- من دون الحاجة إلى هذه البدع.  

1K مشاهدة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply