تفسير سورة الأعراف

رجوع
<div class="wrapper" style="padding:10px;">
 <h1 class="title">سورة الأعراف - تفسير السعدي</h1>
 <div class=Section1 dir=RTL>
  
 <p><h1>&quot; المص &quot; </h1></p>
  
 <p>يقول تعالى
 لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم, مبينا له عظمة القرآن</p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى
 للمؤمنين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ &quot; أي: كتاب جليل,
 حوى كل ما يحتاج إليه العباد, وجميع المطالب الإلهية, والمقاصد الشرعية, محكما
 مفصلا. <br>
 &quot; فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ &quot; أي:
 ضيق وشك واشتباه. <br>
 بل لنعلم أنه تنزيل من حكيم حميد, وأنه أصدق الكلام, لا يأتيه الباطل من بين يديه
 ولا من خلفه. <br>
 فلينشرح له صدرك, ولتطمئن به نفسك, ولتصدع بأوامره ونواهيه, ولا تخش لائما
 ومعارضا. <br>
 &quot; لِتُنْذِرَ بِهِ &quot; الخلق, وتعظهم, وتذكرهم,
 فتقوم الحجة على المعاندين. <br>
 ليكن &quot; وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ &quot; كما قال
 تعالى &quot; وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
 &quot; يتذكرون به الصراط المستقيم, وأعماله الظاهرة والباطنة, وما يحول
 بين العبد, وبين سلوكه. <br>
 ثم خاطب اللّه العباد, ولفتهم إلى الكتاب فقال: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا
 ما تذكرون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ &quot; أي: الكتاب الذي أريد إنزاله لأجلكم, وهو: &quot; مِنْ
 رَبِّكُمْ &quot; الذي يريد أن يتم تربيته لكم, فأنزل عليكم هذا الكتاب
 الذي إن اتبعتموه, كملت تربيتكم, وتمت عليكم النعمة, وهديتم لأحسن الأعمال
 والأخلاق, ومعاليها. <br>
 &quot; وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ &quot; أي:
 تتولونهم, وتتبعون أهواءهم, وتتركون لأجلها الحق. <br>
 &quot; قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ &quot; فلو تذكرتم وعرفتم
 المصلحة, لما آثرتم الضار على النافع, والعدو على الوليِّ. <br>
 ثم حذرهم عقوباته للأمم الذين كذبوا ما جاءتهم به رسلهم, فلا يشابهونهم فقال: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا &quot; أي: عذابنا الشديد &quot; بَيَاتًا أَوْ هُمْ
 قَائِلُونَ &quot; أي: في حين غفلتهم, وعلى غرتهم غافلون, لم يخطر الهلاك
 على قلوبهم. <br>
 فحين جاءهم العذاب, لم يدفعوه عن أنفسهم, ولا أغنت عنهم آلهتهم, التي كانوا
 يرجونهم, ولا أنكروا ما كانوا يفعلونه من الظلم والمعاصي. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا
 كُنَّا ظَالِمِينَ &quot; كما قال تعالى: &quot; وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا
 بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا
 يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ
 وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا
 ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا
 خَامِدِينَ &quot; .</p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين &quot; </h1>
  
 <p>وقوله &quot; فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ
 إِلَيْهِمْ &quot; أي: لنسألن الأمم, الذين أرسل اللّه إليهم المرسلين, عما
 أجابوا رسلهم, &quot; وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا
 أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ &quot; الآيات. <br>
 &quot; وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ &quot; عن تبليغهم,
 لرسالات ربهم, وعما أجابتهم به أممهم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; فَلَنَقُصَّنَّ
 عَلَيْهِمْ &quot; أي: على الخلق كلهم ما عملوا &quot; بِعِلْمٍ &quot; منه تعالى لأعمالهم. <br>
 &quot; وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ &quot; في وقت من الأوقات,
 كما قال تعالى: &quot; أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ &quot; .
 <br>
 وقال تعالى &quot; وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ
 وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ &quot; .</p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون &quot; </h1>
  
 <p>ثم ذكر الجزاء على الأعمال فقال: &quot; وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ &quot; إلى قوله: &quot; بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ &quot; . <br>
 أي: والوزن يوم القيامة يكون بالعدل, والقسط, الذي لا جور فيه ولا ظلم بوجه. <br>
 &quot; فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ &quot; بأن رجحت كفة
 حسناته على سيئاته. <br>
 &quot; فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ &quot; أي: الناجون
 من المكروه, المدركون للمحبوب الذين حصل لهم الربح العظيم, والسعادة الدائمة. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا
 يظلمون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ &quot; بأن رجحت
 سيئاته, وصار الحكم لها. <br>
 &quot; فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ &quot; إذ
 فاتهم النعيم المقيم, وحصل لهم العذاب الأليم. <br>
 &quot; بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ &quot; فلم
 ينقادوا لها, كما يجب عليهم ذلك. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون
 &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى - ممتنا على عباده بذكر المسكن
 والمعيشة &quot; وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ &quot; أي:
 هيأناها لكم, بحيث تتمكنون من البناء عليها وحرثها, ووجوه الانتفاع بها. <br>
 &quot; وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ &quot; مما
 يخرج من الأشجار والنبات, ومعادن الأرض, وأنواع الصنائع والتجارات, فإنه هو الذي
 هيأها, وسخر أسبابها. <br>
 &quot; قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ &quot; اللّه, الذي أنعم
 عليكم بأصناف النعم, وصرف عنكم النقم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا
 إلا إبليس لم يكن من الساجدين &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى, مخاطبا لبني آدم: &quot; وَلَقَدْ
 خَلَقْنَاكُمْ &quot; بخلق أصلكم ومادتكم التي منها خرجتم, من أبيكم آدم
 عليه السلام &quot; ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ &quot; في أحسن
 صورة, وأحسن تقويم. <br>
 وعلمه تعالى ما به تكمل صورته الباطنة, أسماء كل شيء. <br>
 ثم أمر الملائكة الكرام, أن يسجدوا لآدم, إكراما واحتراما, وإظهارا لفضله,
 فامتثلوا أمر ربهم. <br>
 &quot; فَسَجَدُوا &quot; كلهم أجمعون, &quot;
 إِلَّا إِبْلِيسَ &quot; أبى أن يسجد له, تكبرا عليه. <br>
 وإعجابا بنفسه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار
 وخلقته من طين &quot; </h1>
  
 <p>فوبخه اللّه على ذلك وقال: &quot; مَا مَنَعَكَ أَلَّا
 تَسْجُدَ &quot; لما خلقت بيديَّ, أي: شرفته, وفضلته بهذه الفضيلة, التي لم
 تكن لغيره, فعصيت أمري, وتهاونت بي؟ &quot; قَالَ &quot; إبليس
 معارضا لربه: &quot; أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ &quot; . <br>
 ثم برهن على هذه الدعوى الباطلة بقوله له: &quot; خَلَقْتَنِي مِنْ
 نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ &quot; . <br>
 وموجب هذا, أن المخلوق من نار, أفضل من المخلوق من طين لعلو النار على الطين,
 وصعودها. <br>
 وهذا القياس من أفسد الأقيسة, فإنه باطل من عدة أوجه. <br>
 منها: أنه في مقابلة أمر اللّه له بالسجود, والقياس إذا عارض النص, فإنه قياس
 باطل, لأن المقصود بالقياس, أن يكون الحكم الذي لم يأت فيه نص, يقارب الأمور
 المنصوص عليها, ويكون تابعا لها. <br>
 فأما قياس يعارضها, ويلزم من اعتباره إلغاء النصوص, فهذا القياس من أشنع الأقيسة. <br>
 ومنها: أن قوله &quot; أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ &quot; بمجردها
 كافية لنقص إبليس الخبيث. <br>
 فإنه برهن على نقصه بإعجابه بنفسه, وتكبره, والقول على اللّه بلا علم. <br>
 وأي نقص أعظم من هذا؟!! ومنها: أنه كذب في تفضيل مادة النار على مادة الطين
 والتراب. <br>
 فإن مادة الطين, فيها الخشوع, والسكون, والرزانة, ومنها تظهر بركات الأرض, من
 الأشجار, وأنواع النبات, على اختلاف أجناسه وأنواعه. <br>
 وأما النار, ففيها الخفة, والطيش, والإحراق. <br>
 ولهذا لما جرى من إبليس ما جرى, انحط من مرتبته العالية إلى أسفل السافلين. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من
 الصاغرين &quot; </h1>
  
 <p>فقال اللّه له: &quot; فَاهْبِطْ مِنْهَا &quot; أي
 من الجنة &quot; فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا
 &quot; لأنها دار الطيبين الطاهرين, فلا تليق بأخبث خلق اللّه وأشرهم. <br>
 &quot; فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ &quot; أي:
 المهانين الأذلين, جزاء على كبره وعجبه, بالإهانة والذل. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال أنظرني إلى يوم يبعثون &quot; </h1>
  
 <p>فلما أعلن عدو اللّه بعداوة اللّه, وعداوة آدم وذريته, سأل اللّه
 النظرة والإمهال إلى يوم البعث, ليتمكن من إغواء ما يقدر عليه من بني آدم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال إنك من المنظرين &quot; </h1>
  
 <p>ولما كانت حكمة اللّه مقتضية لابتلاء العباد واختبارهم, ليتبين الصادق
 من الكاذب, ومن يطيعه, ومن يطيع عدوه, أجابه لما سأل فقال: &quot;
 إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم &quot; </h1>
  
 <p>أي: قال إبليس - لما أبلس, وأيس من رحمة اللّه - &quot;
 فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ &quot; أي: للخلق &quot; صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ &quot; أي: لألزمن الصراط ولأسعى
 غاية جهدي, على صد الناس عنه, وعدم سلوكهم إياه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم
 ولا تجد أكثرهم شاكرين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ
 أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ &quot; أي: من
 جميع الجهات والجوانب, ومن كل طريق يتمكن فيه, من إدراك بعض مقصوده فيهم. <br>
 ولما علم الخبيث أنهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم, وكان جازما ببذل مجهوده
 على إغوائهم, ظن وصدق ظنه فقال: &quot; وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ
 شَاكِرِينَ &quot; فإن القيام بالشكر, من سلوك الصراط المستقيم, وهو يريد
 صدهم عنه, وعدم قيامهم به, قال تعالى: &quot; إِنَّمَا يَدْعُو
 حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ &quot; . <br>
 وإنما نبهنا اللّه على ما قال وعزم على فعله, لنأخذ حذرنا ونستعد لعدونا, ونحترز
 منه بعلمنا, بالطريق التي يأتي منها, ومداخله التي ينفذ منها, فله تعالى علينا
 بذلك, أكمل نعمة. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم
 أجمعين &quot; </h1>
  
 <p>أي: قال اللّه لإبليس لما قال ما قال: &quot; اخْرُجْ
 مِنْهَا &quot; خروج صغار واحتقار, لا خروج إكرام بل &quot;
 مَذْءُومًا &quot; أي: مذموما &quot; مَدْحُورًا &quot; مبعدا
 عن اللّه, وعن رحمته, وعن كل خير. <br>
 &quot; لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ &quot; أي: منك
 ومن تبعك منهم &quot; أَجْمَعِينَ &quot; وهذا قسم من اللّه
 تعالى, أن النار دار العصاة, لا بد أن يملأها من إبليس وأتباعه من الجن والإنس. <br>
 ثم حذر آدم شره وفتنته فقال: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه
 الشجرة فتكونا من الظالمين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ &quot; إلى قوله: &quot; مِنَ الْخَاسِرِينَ &quot; . <br>
 أي أمر اللّه تعالى, آدم وزوجته حواء, التي أنعم اللّه بها عليه, ليسكن إليها, أن
 يأكلا من الجنة حيث شاءا ويتمتعا فيها بما أرادا, إلا أنه عين لها شجرة, ونهاهما
 عن أكلها. <br>
 واللّه أعلم, ما هي, وليس في تعيينها فائدة لنا. <br>
 وحرم عليهما أكلها, بدليل قوله: &quot; فَتَكُونَا مِنَ
 الظَّالِمِينَ &quot; </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال
 ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين &quot; </h1>
  
 <p>فلم يزالا ممتثلين لأمر اللّه, حتى تغلغل إليهما, عدوهما إبليس بمكره,
 فوسوس لهما وسوسة, خدعهما بها, وموه عليهما وقال: &quot; مَا
 نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ
 &quot; أي: من جنس الملائكة &quot; أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ
 &quot; كما قال في الآية الأخرى: &quot; هَلْ أَدُلُّكَ
 عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين &quot; </h1>
  
 <p>ومع قوله هذا أقسم لهما باللّه &quot; إِنِّي لَكُمَا
 لَمِنَ النَّاصِحِينَ &quot; أي: من جملة الناصحين, حيث قلت لكما, ما قلت. <br>
 فاغتر بذلك, وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان
 عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن
 الشيطان لكما عدو مبين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; فَدَلَّاهُمَا &quot; أي:
 أنزلهما عن رتبتهما العالية, التي هي البعد عن الذنوب والمعاصي إلى التلوث
 بأوضارها, فأقدما على أكلها. <br>
 &quot; فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا
 &quot; أي: ظهرت عورة كل منهما بعد ما كانت مستورة. <br>
 فصار للعرى الباطن من التقوى في هذه الحال, أثر في اللباس الظاهر, حتى انخلع,
 فظهرت عوراتهما. <br>
 ولما ظهرت عوراتهما, خجلا, وجعلا يخصفان على عوراتهما, من أوراق شجر الجنة,
 ليستترا بذلك. <br>
 &quot; وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا &quot; وهما بتلك الحال
 موبخا ومعاتبا. <br>
 &quot; أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ
 لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ &quot; فلم اقترفتما
 المنهي, وأطعتما عدوكما؟ </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من
 الخاسرين &quot; </h1>
  
 <p>فحينئذ, من اللّه عليهما بالتوبة وقبولها,
 فاعترفا بالذنب, وسألا من اللّه مغفرته فقالا: &quot; رَبَّنَا
 ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ
 مِنَ الْخَاسِرِينَ &quot; . <br>
 أي: قد فعلنا الذنب, الذي نهيتنا عنه, وأضررنا بأنفسنا, باقتراف الذنب, وقد فعلنا
 سبب الخسار إن لم تغفر لنا, بمحو أثر الذنب وعقوبته, وترحمنا بقبول التوبة
 والمعافاة من أمثال هذه الخطايا. <br>
 فغفر اللّه لهما ذلك &quot; وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ
 اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى &quot; . <br>
 هذا, وإبليس مستمر على طغيانه, غير مقلع عن عصيانه. <br>
 فمن أشبه آدم بالاعتراف, وسؤال المغفرة والندم, والإقلاع - إذا صدرت منه الذنوب -
 اجتباه ربه وهداه. <br>
 ومن أشبه إبليس - إذا صدر منه الذنب, لا يزال يزداد من المعاصي - فإنه لا يزداد من
 اللّه إلا بعدا. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 قَالَ اهْبِطُوا &quot; أي: قال اللّه, مخاطبا
 لآدم وحواء بلفظ الجمع, لأن إبليس هبط من قبل إلى السماء, ثم هبطوا جميعا إلى
 الأرض. <br>
 وكرر الأمر لإبليس, تبعا لهما, ليعلم أنهم قرناء أبدا, لأن إبليس, لا يفارق
 الإنسان, بل يلازمه كل الملازمة ويبذل كل جهده, في إضلال بني آدم. <br>
 وجملة &quot; بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ &quot; في موضع
 نصب على الحال, من الضمير الذي هو الواو, في &quot; اهْبِطُوا
 &quot; . <br>
 وخلاصة المعنى أن اللّه قال لهما وللشيطان: اهبطوا جميعا من الجنة إلى الأرض
 متعادين, ولكم في الأرض, استقرار, وموضع استقرار, تتمتعون وتنتفعون, إلى حين
 انقضاء آجالكم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون &quot; </h1>
  
 <p>أي: لما أهبط اللّه آدم وزوجته وذريتهما إلى الأرض, أخبرهما بحال
 إقامتهم فيها, وأنه جعل لهم فيها حياة, يتلوها الموت, مشحونة بالامتحان والابتلاء,
 وأنهم لا يزالون فيها, يرسل إليهم رسله, وينزل عليهم كتبه, حتى يأتيهم الموت,
 فيدفنون فيها. <br>
 ثم إذا استكملوا, بعثهم اللّه, وأخرجهم منها إلى الدار التي هي الدار </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس
 التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون &quot; </h1>
  
 <p>ثم امتن عليهم بما يسر لهم, من اللباس
 الضروري, واللباس الذي المقصود منه, الجمال. <br>
 وهكذا سائر الأشياء, كالطعام, والشراب, والمراكب, والمناكح ونحوها. <br>
 قد يسر اللّه للعباد ضروريها, ومكمل ذلك, وبين لهم أن هذا, ليس مقصودا بالذات,
 وإنما أنزله اللّه, ليكون معونة لهم على عبادته وطاعته, ولهذا قال: &quot; وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ &quot; من اللباس
 الحسي, فإن لباس التقوى, يستمر مع العبد, ولا يبلى ولا يبيد, وهو جمال القلب
 والروح. <br>
 وأما اللباس الظاهري, فغايته أن يستر العورة الظاهرة, في وقت من الأوقات. <br>
 أو يكون جمالا للإنسان, وليس وراء ذلك منه نفع. <br>
 وأيضا, فبتقدير عدم هذا اللباس, تنكشف عورته الظاهرة, التي لا يضره كشفها, مع
 الضرورة. <br>
 وأما بتقدير عدم لباس التقوى, فإنها تنكشف عورته الباطنة, وينال الخزي والفضيحة. <br>
 وقوله: &quot; ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ
 يَذَّكَّرُونَ &quot; أي: ذلك المذكور لكم من اللباس, مما تذكرون به, ما
 ينفعكم ويضركم, وتستعينون باللباس الظاهر على الباطن. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع
 عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا
 الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى, محذرا لبني آدم, أن يفعل بهم
 الشيطان كما فعل بأبيهم: &quot; يَا بَنِي آدَمَ لَا
 يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ &quot; بأن يزين لكم العصيان, ويدعوكم إليه,
 ويرغبكم فيه, فتنقادون له &quot; كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ
 الْجَنَّةِ &quot; وأنزلهما من المحل العالي, إلى أنزل منه. <br>
 فإياكم يريد أن يفعل بكم كذلك, ولا يألو جهده عنكم, حتى يفتنكم, إن استطاع. <br>
 فعليكم أن تجعلوا الحذر منه في بالكم, وأن تلبسوا لأمة الحرب بينكم وبينه, وأن لا
 تغفلوا عن المواضع التي يدخل منها إليكم. <br>
 &quot; إِنَّهُ &quot; يراقبكم على الدوام, و &quot; يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ &quot; من شياطين الجن &quot; مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ
 أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ &quot; . <br>
 فعدم الإيمان, هو الموجب لعقد الولاية بين الإنسان والشيطان. <br>
 &quot; إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا
 وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ
 يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل
 إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى, مبينا لقبح حال المشركين, الذين يفعلون الذنوب, وينسبون
 للّه أنه أمرهم بها. <br>
 &quot; وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً &quot; وهي: كل ما
 يستفحش ويستقبح, ومن ذلك: طوافهم بالبيت, عراة. <br>
 &quot; قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا &quot; وصدقوا
 في هذا. <br>
 &quot; وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا &quot; وكذبوا في هذا,
 ولهذا رد اللّه عليهم هذه النسبة فقال: &quot; قُلْ إِنَّ اللَّهَ
 لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ &quot; أي: لا يليق بكماله وحكمته, أن يأمر
 عباده بتعاطي الفواحش, لا هذا الذي يفعله المشركون ولا غيره. <br>
 &quot; أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ &quot; وأي
 افتراء أعظم من هذا!!! </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له
 الدين كما بدأكم تعودون &quot; </h1>
  
 <p>ثم ذكر ما يأمر به فقال: &quot; قُلْ أَمَرَ رَبِّي
 بِالْقِسْطِ &quot; أي: بالعدل في العبادات والمعاملات, لا بالظلم والجور. <br>
 &quot; وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ &quot; أي:
 توجهوا إلى اللّه, واجتهدوا في تكميل العبادات, خصوصا &quot;
 الصلاة &quot; أقيموها, ظاهرا وباطنا, ونقوها من كل نقص ومفسد. <br>
 &quot; وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ &quot; أي:
 قاصدين بذلك وجهه وحده لا شريك له. <br>
 والدعاء يشمل دعاء المسألة, ودعاء العبادة أي: لا تريدوا ولا تقصدوا من الأغراض في
 دعائكم, سوى عبودية اللّه ورضاه. <br>
 &quot; كَمَا بَدَأَكُمْ &quot; أول مرة &quot;
 تَعُودُونَ &quot; للبعث. <br>
 فالقادر على بدء خلقكم, قادر على إعادته, بل الإعادة, أهون من البدء. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء
 من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 فَرِيقًا &quot; منكم &quot; هُدًى
 &quot; اللّه, أي: وفقهم للهداية, ويسر لهم أسبابها, وصرف عنهم موانعها. <br>
 &quot; وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ &quot; أي:
 وجبت عليهم الضلالة, بما تسببوا لأنفسهم, وعملوا بأسباب الغواية. <br>
 &quot; إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
 اللَّهِ &quot; ومن يتخذ الشيطان وليا من دون اللّه, فقد خسر خسرانا مبينا.
 <br>
 فحين انسلخوا من ولاية الرحمن, واستحبوا ولاية الشيطان, حصل لهم النصيب الوافر, من
 الخذلان, ووكلوا إلى أنفسهم فخسروا أشد الخسران. <br>
 &quot; وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ &quot; لأنهم
 انقلبت عليهم الحقائق, فظنوا الباطل حقا, والحق باطلا. <br>
 وفي هذه الآيات, دليل على أن الأوامر والنواهي, تابعة للحكمة والمصلحة. <br>
 حيث ذكر تعالى, أنه لا يتصور أن يأمر بما تستفحشه وتنكره العقول. <br>
 وأنه لا يأمر إلا بالعدل والإخلاص. <br>
 وفيه دليل على أن الهداية, بفضل اللّه ومنه, وأن الضلالة بخذلانه للعبد, إذ تولى -
 بجهله وظلمه - الشيطان, وتسبب لنفسه بالضلال. <br>
 وأن من حسب أنه مهتد, وهو ضال, فإنه لا عذر له, لأنه متمكن من الهدى. <br>
 وإنما أتاه حسبانه, من ظلمه بترك الطريق الموصل إلى الهدى. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا
 إنه لا يحب المسرفين &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى - بعد ما أنزل على بني آدم لباسا
 يواري سوءاتهم وريشا -: &quot; يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ
 عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ &quot; أي: استروا عوراتكم عند الصلاة كلها, فرضها
 ونفلها, فإن سترها زينة للبدن, كما أن كشفها, يدع البدن قبيحا مشوها. <br>
 ويحتمل أن المراد بالزينة هنا, ما فوق ذلك, من اللباس النظيف الحسن. <br>
 ففي هذا, الأمر بستر العورة في الصلاة, وباستعمال التجميل فيها, ونظافة السترة من
 الأدناس والأنجاس. <br>
 ثم قال &quot; وَكُلُوا وَاشْرَبُوا &quot; أي: مما رزقكم
 اللّه من الطيبات &quot; وَلَا تُسْرِفُوا &quot; في ذلك. <br>
 والإسراف, إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي, ولشره في المأكولات التي تضر
 بالجسم. <br>
 وإما أن تكون بزيادة الترفه والتنوق في المآكل, والمشارب, واللباس وإما بتجاوز
 الحلال إلى الحرام. <br>
 &quot; إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ &quot; فإن
 السرف يبغضه اللّه, ويضر بدن الإنسان ومعيشته, حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن
 يعجز عما يجب عليه من النفقات. <br>
 ففي هذه الآية الكريمة, الأمر بتناول الأكل والشرب, والنهي عن تركهما, وعن الإسراف
 فيهما. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي
 للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون
 &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى - منكرا على من تعنت, وحرم ما
 أحل اللّه من الطيبات:- &quot; قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ
 الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ &quot; من أنواع اللباس, على اختلاف أصنافه,
 والطيبات من الرزق, من مأكل, ومشرب, بجميع أنواعه. <br>
 أي: من هذا الذي يقدم على تحريم ما أنعم اللّه على العباد, ومن ذا الذي يضيق
 عليهم, ما وسعه اللّه؟!!. <br>
 وهذا التوسيع من اللّه لعباده, بالطيبات, جعله لهم ليستعينوا به على عبادته, فلم
 يبحه إلا لعباده المؤمنين, ولهذا قال: &quot; قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ
 آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ &quot; أي
 لا تبعة عليهم فيها. <br>
 ومفهوم الآية, أن من لم يؤمن باللّه, بل استعان بها على معاصيه, فإنها غير خالصة
 له ولا مباحة, بل يعاقب عليها, وعلى التنعم بها, ويسأل عن النعيم يوم القيامة. <br>
 &quot; كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ &quot; أي: نوضحها
 ونبينها &quot; لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ &quot; لأنهم الذين
 ينتفعون بما فصله اللّه من الآيات, ويعلمون أنها من عند اللّه, فيعقلونها
 ويفهمونها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير
 الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون
 &quot; </h1>
  
 <p>ثم ذكر المحرمات, التي حرمها اللّه في كل شريعة من الشرائع فقال: &quot; قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ &quot; أي:
 الذنوب الكبار, التي تستفحش وتستقبح, لشناعتها وقبحها, وذلك, كالزنا, واللواط,
 ونحوهما. <br>
 وقوله &quot; مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ &quot; أي:
 الفواحش التي تتعلق بحركات البدن, والتي تتعلق بحركات القلوب, كالكبر, والعجب
 والرياء, والنفاق, ونحو ذلك. <br>
 &quot; وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ &quot; أي:
 الذنوب التي تؤثم, وتوجب العقوبة في حقوق اللّه. <br>
 والبغي على الناس, في دمائهم, وأموالهم, وأعراضهم. <br>
 فدخل في هذا, الذنوب المتعلقة بحق اللّه, والمتعلقة بحق العباد. <br>
 &quot; وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ
 سُلْطَانًا &quot; أي: حجة, بل أنزل الحجة والبرهان على التوحيد. <br>
 والشرك, هو: أن يشرك مع اللّه في عبادته, أحد من الخلق. <br>
 وربما دخل في هذا, الشرك الأصغر, كالرياء, والحلف بغير اللّه, ونحو ذلك. <br>
 &quot; وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ &quot;
 في أسمائه وصفاته وأفعاله, وشرعه. <br>
 فكل هذه قد حرمها اللّه, ونهى العباد عن تعاطيها, لما فيها من المفاسد الخاصة
 والعامة, ولما فيها من الظلم والتجرؤ على اللّه, والاستطالة على عباد اللّه. <br>
 وتغيير دين اللّه وشرعه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون
 &quot; </h1>
  
 <p>أي: وقد أخرج اللّه بني آدم إلى الأرض, وأسكنهم فيها, وجعل لهم أجلا
 مسمى, لا تتقدم أمة من الأمم على وقتها المسمى, ولا تتأخر, لا الأمم المجتمعة, ولا
 أفرادها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى
 وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون &quot; </h1>
  
 <p>لما أخرج اللّه بني آدم من الجنة, ابتلاهم بإرسال الرسل, وإنزال الكتب
 عليهم, يقصون عليهم آيات اللّه, ويبينون لهم أحكامه. <br>
 ثم ذكر فضل من استجاب لهم, وخسار من لم يستجب لهم فقال: &quot;
 فَمَنِ اتَّقَى &quot; ما حرم اللّه, من الشرك, والكبائر, والصغائر. <br>
 &quot; وَأَصْلَحَ &quot; أعماله الظاهرة والباطنة &quot; فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ &quot; من الشر الذي قد يخافه
 غيرهم &quot; وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ &quot; على ما مضى. <br>
 وإذا انتفى الخوف والحزن, حصل الأمن التام, والسعادة, والفلاح الأبدي. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها
 خالدون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا &quot; أي: لا آمنت بها قلوبهم, ولا انقادت لها جوارحهم. <br>
 &quot; أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
 &quot; كما استهانوا بآياته, ولازموا التكذيب بها, أهينوا بالعذاب الدائم
 الملازم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم
 نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون
 الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين &quot; </h1>
  
 <p>أي: لا أحد أظلم &quot; مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ
 كَذِبًا &quot; بنسبة الشريك له, والنقص له, والتقول عليه ما لم يقل. <br>
 &quot; أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ &quot; الواضحة المبينة
 للحق المبين, الهادية إلى الصراط المستقيم. <br>
 فهؤلاء, وإن تمتعوا بالدنيا, ونالهم نصيبهم مما كان مكتوبا لهم في اللوح المحفوظ -
 فليس ذلك بمغن عنهم شيئا, يتمتعون قليلا, ثم يعذبون طويلا. <br>
 &quot; حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ
 &quot; أي: الملائكة الموكلون بقبض أرواحهم, واستيفاء آجالهم. <br>
 &quot; قَالُوا &quot; لهم في تلك الحالة- توبيخا وعتابا - &quot; أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ &quot; من
 الأصنام والأوثان, فقد جاء وقت الحاجة, إن كان فيها منفعة لكم, أو دفع مضرة. <br>
 &quot; قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا &quot; أي: اضمحلوا وبطلوا,
 وليسوا مغنين عنا من عذاب اللّه من شيء. <br>
 &quot; وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ
 &quot; مستحقين للعذاب المهين الدائم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار
 كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا
 هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون &quot; </h1>
  
 <p>فقالت لهم الملائكة &quot; ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ &quot;
 أي: في جملة أمم. <br>
 &quot; قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
 &quot; أي: مضوا على ما مضيتم عليه, من الكفر والاستكبار, فاستحق الجميع
 الخزي والبوار, والخلود &quot; فِي النَّارِ &quot; . <br>
 كلما دخلت أمة من الأمم العاتية النار &quot; لَعَنَتْ أُخْتَهَا
 &quot; كما قال تعالى &quot; ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
 يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا &quot; . <br>
 &quot; حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا &quot; أي:
 اجتمع في النار, جميع أهلها, من الأولين والآخرين, والقادة, والرؤساء, والمقلدين
 الأتباع. <br>
 &quot; قَالَتْ أُخْرَاهُمْ &