تفسير سورة النحل

رجوع
 
<div class="wrapper" style="padding:10px;">
 <h1 class="title">سورة النحل - تفسير السعدي</h1>
 
  
 <div class=Section1 dir=RTL>
  
 <p><h1>&quot; أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون &quot;
 </h1></p>
  
 <p>يقول
 تعالى - مقربا لما وعد به محققا لوقوعه - &quot; أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا
 تَسْتَعْجِلُوهُ &quot; . <br>
 فإنه آت, وما هو آت, فإنه قريب. <br>
 &quot; سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ &quot; من نسبة الشريك, والولد,
 والصاحبة, والكفء, وغير ذلك, مما نسبه إليه المشركون, مما لا يليق بجلاله, أو
 ينافي كماله. <br>
 ولما نزه نفسه عما وصفه به أعداؤه, ذكر الوحي الذي ينزله على أنبيائه, مما يحب
 اتباعه, في ذكر ما ينسب لله, من صفات الكمال فقال: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا
 أنه لا إله إلا أنا فاتقون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ &quot; أي: بالوحي الذي به حياة الأرواح &quot; عَلَى مَنْ
 يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ &quot; ممن يعلمه صالحا. <br>
 لتحمل رسالته. <br>
 وزبدة دعوة الرسل كلهم ومدارها, على قوله: &quot; أَنْ أَنْذِرُوا
 أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا &quot; . <br>
 أي: على معرفة الله تعالى وتوحده, في صفات العظمة, التي هي صفات الألوهية, وعبادته
 وحده لا شريك له, فهي التي أنزل بها كتبه, وأرسل بها رسله, وجعل الشرائع كلها تدعو
 إليها, وتحث وتجاهد من حاربها, وقام بضدها. <br>
 ثم ذ كر الأدلة والبراهين على ذلك فقال:</p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 خَلْقِ السَّمَاوَاتِ &quot; إلى &quot;
 لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ &quot; . <br>
 هذه السورة, تسمى سورة النعم, فإن الله ذكر في أولها, أصول النعم وقواعدها, وفي
 آخرها, متمماتها ومكملاتها. <br>
 فأخبر أنه خلق السماوات والأرض بالحق, ليستدل بهما العباد على عظمة خالقهما, وما
 له من نعوت الكمال, ويعلموا أنه خلقهما سكنا لعباده الذين يعبدونه, بما يأمرهم به,
 في الشرائع التي أنزلها على ألسنة رسله, ولهذا نزه نفسه عن شرك المشركين به فقال: &quot; تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ &quot; أي: تنزه وتعاظم عن
 شركهم, فإنه الإله حقا, الذي لا تنبغي العبادة, والحب, والذل, إلا له تعالى. <br>
 ولما ذكر خلق السماوات والأرض, ذكر خلق ما فيهما. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين &quot; </h1>
  
 <p>وبدأ بأشرف ذلك وهو الإنسان فقال: &quot; خَلَقَ
 الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ &quot; لم يزل يدبرها, ويربيها, وينميها, حتى
 صارت بشرا تاما, كامل الأعضاء الظاهرة والباطنة. <br>
 قد غمره بنعمه الغزيرة, حتى إذا استتم, فخر بنفسه وأعجب بها &quot;
 فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ &quot; . <br>
 يحتمل أن المراد: فإذا هو خصيم لربه, يكفر به, ويجادل رسله, ويكذب بآياته. <br>
 ونسي خلقه الأول, وما أنعم الله عليه به, من النعم, فاستعان بها على معاصيه. <br>
 ويحتمل أن المعنى: أن الله أنشأ الآدمي من نطفة. <br>
 ثم لم يزل ينقله من طور إلى طور, حتى صار عاقلا متكلما, ذا ذهن ورأي, يخاصم
 ويجادل. <br>
 فليشكر العبد ربه الذي أوصله إلى هذه الحال, التي ليس في إمكانه القدرة على شيء
 منها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ &quot; أي لأجلكم, ولأجل منافعكم ومصالحكم. <br>
 ومن جملة منافعها العظيمة &quot; لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ &quot; مما
 تتخذون من أصوافها وأوبارها, وأشعارها, وجلودها, من الثياب, والفرش, والبيوت. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَ &quot; لكم فيها &quot; مَنَافِعُ &quot; غير ذلك &quot; وَمِنْهَا
 تَأْكُلُونَ &quot; . <br>
 &quot; وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ
 تَسْرَحُونَ &quot; أي: في وقت رواحها وسكونها, ووقت حركتها وسرحها. <br>
 وذلك أن جمالها, لا يعود إليها منه شيء, فإنكم, أنتم الذين تتجملون بها, بثيابكم,
 وأولادكم, وأموالكم, وتعجبون بذلك. <br>
 &quot; وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ &quot; من الأحمال
 الثقيلة, بل وتحملكم أنتم &quot; إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا
 بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ &quot; ولكن الله, ذللها لكم. <br>
 فمنها ما تركبونه, ومنها ما تحملون عليه ما تشاءون, من الأثقال, إلى البلدان
 البعيدة, والأقطار الشائعة. <br>
 &quot; إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ &quot; إنه سخر
 لكم ما تضطرون إليه وتحتاجونه. <br>
 فله الحمد, كما ينبغي لجلال وجهه, وعظيم سلطانه, وسعة جوده وبره. <br>
 &quot; وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا
 وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ &quot; <br>
 &quot; وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ &quot; سخرناها
 لكم &quot; لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً &quot; . <br>
 أي: تارة تستعملونها للضرورة في الركوب, وتارة لأجل الجمال والزينة. <br>
 ولم يذكر الأمر, لأن البغال والحمير, محرم أكلها. <br>
 والخيل لا تستعمل - في الغالب - للأكل, بل ينهى عن ذبحها لأجل الأكل, خوفا من
 انقطاعها, وإلا فقد ثبت في الصحيحين, أن النبي صلى الله عليه وسلم, أذن في لحوم
 الخيل. <br>
 &quot; وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ &quot; مما يكون بعد
 نزول القرآن من الأشياء, التي يركبها الخلق في البر, والبحر, والجو, ويستعملونها
 في منافعهم ومصالحهم فإنه لم يذكرها بأعيانها, لأن الله تعالى لم يذكر في كتابه,
 إلا ما يعرفه العباد, أو يعرفون نظيره. <br>
 وأما ما ليس له نظير في زمانهم, فإنه لو ذكر لم يعرفوه, ولم يفهموا المراد به. <br>
 فيذكر أصلا جامعا, يدخل فيه ما يعلمون, وما لا يعلمون. <br>
 كما ذكر نعيم الجنة, وسمى منه ما نعلم ونشاهد نظيره, كالنخل والأعناب والرمان. <br>
 وأجمل ما لا نعرف له نظيرا في قوله &quot; فِيهِمَا مِنْ كُلِّ
 فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ &quot; . <br>
 فكذلك هنا, ذكر ما نعرفه, من المراكب, كالخيل, والبغال, والحمير, والإبل, والسفن. <br>
 وأجمل الباقي في قوله &quot; وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
 &quot; . <br>
 ولما ذكر تعالى, الطريق الحسنى, وأن الله قد جعل للعباد, ما يقطعونه به من الإبل
 وغيرها, ذكر الطريق المعنوي الموصل إليه فقال: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ &quot; أي:
 الصراط المستقيم, الذي هو أقرب الطرق وأخصرها, موصل إلى الله, وإلى كرامته. <br>
 وأما الطريق الجائر في عقائده وأعماله, وهو: كل ما خالف الصراط المستقيم, فهو قاطع
 عن الله, موصل إلى دار الشقاء. <br>
 فسلك المهتدون الصراط المستقيم بإذن ربهم, وضل الغاوون عنه, وسلكوا الطرق الجائرة.
 <br>
 &quot; وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ &quot; ولكنه
 هدى بعضا, كرما وفضلا, ولم يهد آخرين, حكمة منه وعدلا. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون
 &quot; </h1>
  
 <p>ينبه الله تعالى بهذه الآية الإنسان على عظمة قدرته وحثهم على التفكر
 حيث ختمها بقوله &quot; لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ &quot; على
 كل قدرة الله, الذي أنزل هذا الماء من السحاب الرقيق اللطيف, ورحمته, حيث جعل فيه
 ماء غزيرا منه يشربون, وتشرب مواشيهم, ويسقون منه حروثهم, فتخرج لهم الثمرات
 الكثيرة, والنعم العزيزة</p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن
 في ذلك لآيات لقوم يعقلون &quot; </h1>
  
 <p>أي: سخر لكم هذه الأشياء لمنافعكم, وأنواع مصالحكم, بحيث لا تستغنون
 عنها أبدا. <br>
 فبالليل تسكنون وتنامون, وتستريحون. <br>
 وبالنهار تنتشرون في معايشكم, ومنافع دينكم ودنياكم. <br>
 وبالشمس والقمر, من الضياء, والنور, والإشراق, وإصلاح الأشجار والثمار, والنبات,
 وتجفيف الرطوبات, وإزالة البرودة الضارة للأرض, وللأبدان, وغير ذلك من الضروريات
 والحاجيات, التابعة لوجود الشمس والقمر. <br>
 وفيهما, وفي النجوم, من الزينة للسماء والهداية, في ظلمات البر والبحر, ومعرفة
 الأوقات, وحساب الأزمنة, ما تتنوع دلالاتها, وتتصرف آياتها. <br>
 ولهذا جمعها في قوله &quot; إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
 يَعْقِلُونَ &quot; أي: لمن لهم عقول يستعملونها في التدبر والتفكر, فيما
 هي مهيأة له, مستعدة, تعقل ما تراه, وتسمعه. <br>
 لا كنظر الغافلين الذين حظهم من النظرة, حظ البهائم, التي لا عقل لها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون
 &quot; </h1>
  
 <p>أي: فيما ذرأ الله ونشر للعباد, من كل ما على وجه الأرض, من حيوان,
 وأشجار, ونبات, وغير ذلك, مما تختلف ألوانه, وتختلف منافعه آية على كمال قدرة
 الله, وعميم إحسانه, وسعة بره, وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له, وحده لا شريك
 له. <br>
 &quot; لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ &quot; أي: يستحضرون في
 ذاكرتهم, ما ينفعهم من العلم النافع, ويتأملون ما دعاهم الله إلى التأمل فيه, حتى
 يتذكروا بذلك, ما هو دليل عليه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية
 تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون &quot; </h1>
  
 <p>أي: هو وحده لا شريك له &quot; الَّذِي سَخَّرَ
 الْبَحْرَ &quot; وهيأه لمنافعكم المتنوعة. <br>
 &quot; لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا &quot; وهو,
 السمك, والحوت, الذي تصطادونه منه. <br>
 &quot; وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا &quot; فتزيدكم
 جمالا وحسنا إلى حسنكم. <br>
 &quot; وَتَرَى الْفُلْكَ &quot; أي: السفن والمراكب &quot; مَوَاخِرَ فِيهِ &quot; أي تمخر في البحر العجاج الهائل,
 بمقدمها, حتى تسلك فيه من قطر إلى آخر, تحمل المسافرين وأرزاقهم, وأمتعتهم,
 وتجاراتهم, التي يطلبون بها الأرزاق وفضل الله عليهم. <br>
 &quot; وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ &quot; الذي يسر لكم هذه
 الأشياء وهيأها, وتثنون على الله الذي من بها. <br>
 فلله تعالى الحمد والشكر, والثناء, حيث أعطى العباد من مصالحهم ومنافعهم, فوق ما
 يطلبون, وأعلى ما يتمنون, وآتاهم من كل ما سألوه, لا نحصي ثناء عليه, بل هو كما
 أثنى على نفسه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون
 &quot; </h1>
  
 <p>أي: &quot; وَأَلْقَى &quot;
 الله تعالى لأجل عباده &quot; فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ
 &quot; وهي: الجبال العظام لئلا تميد بهم وتضطرب بالخلق, فيتمكنون من حرث
 الأرض والبناء, والسير علهيا. <br>
 ومن رحمته تعالى أن جعل فيها أنهارا, يسوقها من أرض بعيدة, إلى أرض مضطرة إليها
 لسقيهم وسقي مواشيهم وحروثهم, أنهارا على وجه الأرض, وأنهارا في بطنها يستخرجونها
 بحفرها, حتى يصلوا إليها فيستخرجونها بما سخر الله لهم من الدوالي والآلات ونحوها.
 <br>
 ومن رحمته أن جعل في الأرض سبلا أي: طرقا توصل إلى الديار المتنائية. <br>
 &quot; لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ &quot; السبيل إليها حتى
 إنك تجد أرضا مشتبكة بالجبال, مسلسلة فيها, وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك
 للسالكين. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون &quot; </h1>
  
 <p>لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات
 العظيمة, وما أنعم به من النعم العميمة, ذكر أنه لا يشبهه أحد ولا كفء له ولا ند
 له, فقال: &quot; أَفَمَنْ يَخْلُقُ &quot; جميع المخلوقات,
 وهو الفعال لما يريد &quot; كَمَنْ لَا يَخْلُقُ &quot; شيئا,
 لا قليلا, ولا كثيرا. <br>
 &quot; أَفَلَا تَذَكَّرُونَ &quot; فتعرفون أن المنفرد
 بالخلق, أحق بالعبادة كلها. <br>
 فكما أنه واحد في خلقه وتدبيره, فإنه واحد في إلهيته وتوحيده, وعبادته. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم &quot; </h1>
  
 <p>وكما أنه ليس له مشارك, إذ أنشأكم وأنشأ غيركم, فلا تجعلوا له أندادا
 في عبادته, بل أخلصوا له الدين. <br>
 &quot; وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ &quot; عددا
 مجردا عن الشكر &quot; لَا تُحْصُوهَا &quot; فضلا عن كونكم
 تشكرونها. <br>
 فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد, بعدد الأنفاس واللحظات, من جميع أصناف
 النعم, مما يعرف العباد, ومما لا يعرفون, وما يدفع عنهم من النقم, فأكثر من أن
 تحصى. <br>
 &quot; إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ &quot; يرضى منكم
 باليسير من الشكر, مع إنعامه الكثير. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والله يعلم ما تسرون وما تعلنون &quot; </h1>
  
 <p>وكما أن رحمته واسعة, وجوده عميم, ومغفرته
 شاملة للعباد, فعلمه محيط بهم. <br>
 &quot; يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ &quot; بخلاف
 من عبد من دونه. <br>
 فإنهم &quot; لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا &quot; قليلا ولا
 كثيرا &quot; وَهُمْ يُخْلَقُونَ &quot; . <br>
 فكيف يخلقون شيئا مع افتقار في إيجادهم إلى الله تعالى؟!! </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون &quot; </h1>
  
 <p>ومع هذا, ليس فيهم من أوصاف الكمال شيء, لا علم, ولا غيره. <br>
 &quot; أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ &quot; فلا تسمع, ولا
 تبصر, ولا تعقل شيئا, أفنتخذ هذه آلهة من دون رب العالمين. <br>
 فتبا لعقول المشركين, ما أضلها, وأفسدها, حيث ضلت في أظهر الأشياء فسادا. <br>
 وسووا بين الناقص من جميع الوجوه فلا أوصاف كمال, ولا شيء من الأفعال, وبين الكمال
 من جميع الوجوه الذي له كل صفة كمال, وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها. <br>
 فله العلم المحيط بكل الأشياء, والقدرة العامة, والرحمة الواسعة, التي ملأت جميع
 العوالم. <br>
 والحمد والمجد والكبرياء والعظمة, التي لا يقدر أحد من الخلق, أن يحيط ببعض أوصافه
 ولهذا قال: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم
 مستكبرون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ &quot; وهو: الله الأحد
 الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يكن له كفوا أحد. <br>
 فأهل الإيمان والعقول, أحلته قلوبهم وعظمته, وأحبته حبا عظيما, وصرفوا له كل ما
 استطاعوا من القربات البدنية والمالية, وأعمال القلوب وأعمال الجوارح, وأثنوا عليه
 بأسمائه الحسنى, وصفاته, وأفعاله المقدسة. <br>
 &quot; فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ
 مُنْكِرَةٌ &quot; لهذا الأمر العظيم الذي لا ينكره إلا أعظم الخلق, جهلا
 وعنادا, وهو: توحيد الله &quot; وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ &quot; عن
 عبادته. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot; لَا جَرَمَ &quot; أي: حقا
 لا بد &quot; أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا
 يُعْلِنُونَ &quot; من الأعمال القبيحة &quot; إِنَّهُ لَا
 يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ &quot; بل يبغضهم أشد البغض, وسيجازيهم من جنس
 عملهم &quot; إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين
 &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى - مخبرا عن شدة تكذيب المشركين
 بآيات الله: &quot; وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ
 رَبُّكُمْ &quot; أي: إذا سألوا عن القرآن والوحي, الذي هو أكبر نعمة أنعم
 الله بها على العباد. <br>
 فماذا قولكم به؟ وهل تشكرون هذه النعمة وتعترفون بها, أم تكفرون وتعاندون؟ فيكون
 جوابهم أقبح جواب وأسمجه, فيقولون عنه: إنه &quot; أَسَاطِيرُ
 الْأَوَّلِينَ &quot; أي: كذب اختلقه محمد على الله, وما هو إلا قصص
 الأولين التي يتناقلها الناس, جيلا بعد جيل, منها الصدق ومنها الكذب. <br>
 فقالوا هذه المقالة, ودعوا أتباعهم إليها, وحملوا, وزرهم, ووزر من انقاد لهم إلى
 يوم القيامة. <br>
 وقوله: &quot; وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ
 عِلْمٍ &quot; أي: من أوزار المقلدين الذين لا علم عندهم, إلا ما دعو إليه,
 فيحملون إثم ما دعوهم إليه. <br>
 وأما الذين يعلمون, فكل مستقل بجرمه, لأنه عرف ما عرفوا. <br>
 &quot; أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ &quot; أي: بئس ما حملوا
 من الوزر المثقل لظهورهم, من وزرهم, ووزر من أضلوه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم
 السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ &quot; برسلهم, واحتالوا بأنواع الحيل, على رد ما جاءوهم به, وبنوا من مكرهم,
 قصورا هائلة. <br>
 &quot; فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ &quot; أي:
 جاءها الأمر من أساسها وقاعدتها. <br>
 &quot; فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ &quot; فصار
 ما بنوه عذابا, عذبوا به. <br>
 &quot; وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ &quot;
 وذلك أنهم ظنوا أن هذا البنيان سينفعهم, ويقيهم العذاب, فصار عذابهم فيما
 بنوه وأصلوه. <br>
 وهذا من أحسن الأمثال, في إبطال الله مكر أعدائه. <br>
 فإنهم فكروا وقدروا فيما جاءت به الرسل لما كذبوهم, وجعلوا لهم أصولا وقواعد من
 الباطل, يرجعون إليها, ويردون بها ما جاءت به الرسل. <br>
 واحتالوا أيضا, على إيقاع المكروه والضرر بالرسل ومن تبعهم. <br>
 فصار مكرهم وبالا عليهم, فصار تدبيرهم فيه تدميرهم. <br>
 وذلك لأن مكرهم سيئ &quot; ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله &quot; .
 <br>
 هذا في الدنيا, ولعذاب الآخرة أحرى, ولهذا قال: &quot; ثُمَّ
 يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ &quot; أي يفضحهم على رءوس الخلائق, ويبين
 لهم كذبهم, وافتراءهم على الله. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم
 قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ &quot; أي: تحاربون وتعادون الله وحزبه لأجلهم, وتزعمون أنهم شركاء لله. <br>
 فإذا سألهم هذا السؤال, لم يكن لهم جواب, إلا الإقرار بضلالهم, والاعتراف بعنادهم
 فيقولون &quot; ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين
 &quot; . <br>
 &quot; قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ &quot; أي:
 العلماء الربانيون &quot; إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ &quot; أي:
 يوم القيامة &quot; وَالسُّوءَ &quot; أي: سوء العذاب &quot; عَلَى الْكَافِرِينَ &quot; . <br>
 وفي هذا فضيلة أهل العلم, وأنهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا, ويوم يقوم الأشهاد,
 وأن لقولهم, اعتبارا عند الله وعند خلقه. <br>
 ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة, وفي القيامة فقال: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل
 من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ &quot; أي: تتوفاهم في هذه الحال, التي كثر فيها ظلمهم وغيهم, قد علم ما يلقى
 الظلمة في ذلك المقام, من أنواع العذاب والخزي والإهانة. <br>
 &quot; فَأَلْقَوُا السَّلَمَ &quot; أي: استسلموا, وأنكروا
 ما كانوا يعبدون من دون الله وقالوا: &quot; مَا كُنَّا نَعْمَلُ
 مِنْ سُوءٍ &quot; . <br>
 فيقال لهم: &quot; بَلَى &quot; كنتم تعملون السوء, و &quot; إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ &quot; فلا
 يفيدكم الجحود شيئا. <br>
 وهذا في بعض مواقف القيامة, ينكرون ما كانوا عليه في الدنيا, ظنا منهم أنه ينفعهم.
 <br>
 فإذا شهدت عليهم جوارحهم, وتبين ما كانوا عليه أقروا, واعترفوا. <br>
 ولهذا لا يدخلون النار, حتى يعترفوا بذنوبهم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين &quot; </h1>
  
 <p>فإذا دخلوا أبواب جهنم, فكل أهل عمل يدخلون
 من الباب اللائق بحالهم. <br>
 &quot; فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ &quot; نار
 جهنم, فإنها مثوى الحسرة والندم, ومنزل الشقاء والألم, ومحل الهموم والغموم, وموضع
 السخط من الحي القيوم. <br>
 لا يفتر عنهم من عذابها, ولا يرفع عنهم يوما من أليم عقابها, قد أعرض عنهم الرب
 الرحيم, وأذاقهم العذاب العظيم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في
 هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين &quot; </h1>
  
 <p>لما ذكر الله قيل المكذبين بما أنزل الله,
 ذكر ما قاله المتقون, وأنهم اعترفوا وأقروا, بأن ما أنزل الله نعمة عظيمة, وخير
 عظيم امتن الله به على العباد, فقبلوا تلك النعمة, وتلقوها بالقبول والانقياد,
 وشكروا الله عليها, فعلموها, وعملوا بها. <br>
 &quot; لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا &quot; في عبادة الله تعالى,
 وأحسنوا إلى عباد الله, فلهم &quot; فِي هَذِهِ الدُّنْيَا
 حَسَنَةً &quot; رزق واسع, وعيشه هنية, وطمأنينة قلب, وأمن, وسرور. <br>
 &quot; وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ &quot; من هذه الدار,
 وما فيها من أنواع اللذات والمشتهيات, فإن هذه, نعيمها قليل, محشو بالآفات, منقطع.
 <br>
 بخلاف نعيم الآخرة, ولهذا قال: &quot; وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون
 كذلك يجزي الله المتقين &quot; </h1>
  
 <p>جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
 لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ &quot; أي: مهما تمنت أنفسهم, وتعلقت به إرادتهم,
 حصل لهم على أكمل الوجوه وأتمها. <br>
 فلا يمكن أن يطلبوا نوعا من أنواع النعيم, الذي فيه لذة القلوب, وسرور الأرواح,
 إلا وهو حاضر لديهم, ولهذا يعطي الله أهل الجنة, كل ما تمنوه عليه حتى إنه يذكرهم
 أشياء من النعيم, لم تخطر على قلوبهم. <br>
 فتبارك الذي, لا نهاية لكرمه, ولا حد لجوده, الذي ليس كمثله شيء في صفات ذاته,
 وصفات أفعاله, وآثار تلك النعوت, وعظمة الملك والملكوت. <br>
 &quot; كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ &quot; لسخط
 الله وعذابه, بأداء ما أوجبه عليهم, من الفروض, والواجبات, المتعلقة بالقلب,
 والبدن, واللسان, من حقه, وحق عباده, وترك ما نهاهم الله عنه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة
 بما كنتم تعملون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ &quot; مستمرين
 على تقواهم &quot; طَيِّبِينَ &quot; أي: طاهرين مطهرين من
 كل نقص ودنس, يتطرق إليهم, ويخل في إيمانهم. <br>
 فطابت قلوبهم بمعرفة الله ومحبته, وألسنتهم بذكره, والثناء عليه, وجوارحهم بطاعته
 والإقبال عليه. <br>
 &quot; يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ &quot; التحية
 الكاملة, خاصة لكم, والسلامة من كل آفة. <br>
 وقد سلمتم من كل ما تكرهون &quot; ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا
 كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ &quot; من الإيمان بالله, والانقياد لأمره. <br>
 فإن العمل هو السبب والمادة, والأصل في دخول الجنة, والنجاة من النار. <br>
 وذلك العمل, حصل لهم برحمة الله ومنته, لا بحولهم وقوتهم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل
 الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى: هل ينظر هؤلاء الذين جاءتهم الآيات, فلم يؤمنوا, وذكروا,
 فلم يتذكروا. <br>
 &quot; إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ &quot; لقبض
 أرواحهم &quot; أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ &quot; بالعذاب
 الذي سيحل بهم, فإنهم قد استحقوا وقوعه فيهم. <br>
 &quot; كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ &quot; كذبوا
 وكفروا, ثم لم يؤمنوا, حتى نزل بهم العذاب. <br>
 &quot; وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ &quot; إذ عذبهم &quot; وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ &quot; فإنها
 مخلوقة لعبادة الله, ليكون مآلها إلى كرامة الله, فظلموها, وتركوا ما خلقت له,
 وعرضوها للإهانة الدائمة, والشقاء الملازم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا &quot; أي:
 عقوبات أعمالهم وآثارها. <br>
 &quot; وَحَاقَ بِهِمْ &quot; أي: نزل &quot;
 مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ &quot; فإنه كانوا إذا أنذرتهم رسلهم
 بالعذاب, استهزأوا به, وسخروا ممن أخبر به فحل بهم ذلك الأمر الذي سخروا منه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا
 آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا
 البلاغ المبين &quot; </h1>
  
 <p>أي: احتج المشركون على شركهم بمشيئة الله, وأن الله لو شاء, ما أشركوا,
 ولا حرموا شيئا من الأنعام, التي أحلها كالبحيرة, والوصيلة والحام, ونحوها, من
 دونه. <br>
 وهذه حجة باطلة, فإنها لو كانت حقا, ما عاقب الله الذين من قبلهم, حيث أشركوا به,
 فعاقبهم أشد العقاب. <br>
 فلو كان يحب ذلك منهم, لما عذبهم. <br>
 وليس قصدهم بذلك, إلا رد الحق الذي جاءت به الرسل, وإلا فعندهم علم, أنه لا حجة
 لهم على الله. <br>
 فإن الله أمرهم ونهاهم, ومكنهم من القيام بما كلفهم, وجعل لهم قوة ومشيئة تصدر
 عنها أفعالهم. <br>
 فاحتجاجهم بالقضاء والقدر, من أبطل الباطل. <br>
 هذا, وكل أحد يعلم بالحس, قدرة الإنسان على كل فعل يريده, من غير أن ينازعه منازع.
 <br>
 فجمعوا بين تكذيب الله وتكذيب رسله, وتكذيب الأمور العقلية, والحسية. <br>
 &quot; فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
 &quot; أي: البين, الظاهر, الذي يصل إلى القلوب, ولا يبقى لأحد على الله
 حجة. <br>
 فإذا بلغتهم الرسل أمر ربهم ونهيه, واحتجوا عليهم بالقدر, فليس للرسل من الأمر
 شيء, وإنما حسابهم على الله عز وجل. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت
 فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان
 عاقبة المكذبين &quot; </h1>
  
 <p>يخبر تعالى, أن حجته قامت على جميع الأمم, وانه ما من أمة متقدمة أو
 متأخرة, إلا وبعث الله فيها رسولا وكلهم متفقون على دعوة واحدة, ودين واحد, وهو:
 عبادة الله وحده لا شريك له &quot; أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ
 وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ &quot; . <br>
 فانقسمت الأمم, بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها, قسمين. <br>
 &quot; فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ &quot; فاتبعوا
 المرسلين, علما, وعملا. <br>
 &quot; وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ &quot; فاتبع
 سبيل الغي. <br>
 &quot; فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ &quot; بأبدانكم وقلوبكم &quot; فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ &quot; فإنكم
 سترون من ذلك, العجائب, فلا تجد مكذبا, إلا كان عاقبته الهلاك. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot; إِنْ
 تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ &quot; وتبذل جهدك في
 ذلك &quot; فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ &quot; ولو
 فعل كل سبب لم يهده إلا الله. <br>
 &quot; وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ &quot; ينصرونهم من
 عذاب الله ويقونهم بأسه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه
 حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون &quot; </h1>
  
 <p>يخبر تعالى عن المشركين المكذبين لرسوله,
 أنهم &quot; أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ &quot; أي:
 حلفوا أيمانا مؤكدة مغلظة على تكذيب الله, وأنه لا يبعث الأموات, ولا يقدر على
 إحيائهم, بعد أن كانوا ترابا. <br>
 قال تعالى مكذبا لهم: &quot; بَلَى &quot; سيبعثهم,
 ويجمعهم, ليوم لا ريب فيه &quot; وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا &quot; لا
 يخلفه ولا يغيره &quot; وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
 يَعْلَمُونَ &quot; ومن جهلم العظيم, إنكارهم البعث والجزاء. <br>
 ثم ذكر الحكمة في الجزاء والبعث فقال: &quot; لِيُبَيِّنَ لَهُمُالَّذِي
 يَخْتَلِفُونَ فِيهِ &quot; من المسائل الكبار والصغار, فيبين حقائقها
 ويوضحها. <br>
 &quot; وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا
 كَاذِبِينَ &quot; حتى يروا أعمالهم حسرات عليهم. <br>
 وما نفعتهم آلهتهم, التي يدعون مع الله من شيء, لما جاء أمر ربك وحين يرون ما
 يعبدون, حطبا لجهنم, وتكور الشمس والقمر, وتتناثر النجوم, ويتضح لمن يعبدها, أنها
 عبيد مسخرات, وأنهن مفتقرات إلى الله في جميع الحالات, وليس ذلك على الله بصعب ولا
 شديد, فإنه إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون, من غير منازعة ولا امتناع, بل يكون
 على طبق ما أراده وشاءه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة
 ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون &quot; </h1>
  
 <p>يخبر تعالى بفضل المؤمنين الممتحنين &quot; وَالَّذِينَ
 هَاجَرُوا فِي اللَّهِ &quot; أي: في سبيله, وابتغاء مرضاته &quot; مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا &quot; بالأذية والمحنة من
 قومهم, الذين يفتنونهم ليردوهم إلى الكفر والشرك, فتركوا الأوطان والخلان,
 وانتقلوا عنها لأجل طاعة الرحمن. <br>
 فذكر لهم ثوابين, ثوابا عاجلا في الدنيا, من الرزق الواسع, والعيش الهنيء, الذي
 رأوه عيانا, بعد ما هاجروا, وانتصروا على أعدائهم, وافتتحوا البلدان, وغنموا منها
 الغنائم العظيمة, فتمولوا, وآتاهم الله في الدنيا حسنة. <br>
 &quot; وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ &quot; الذي وعدهم الله على
 لسان رسوله خير, و &quot; أَكْبَرُ &quot; من أجر الدنيا
 كما قال تعالى &quot; الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا
 فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ
 اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ
 مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا
 أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ &quot; . <br>
 وقوله: &quot; لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ &quot; أي: لو كان
 لهم علم ويقين بما عند الله من الأجر والثواب لمن آمن به وهاجر في سبيله, لم يتخلف
 عن ذلك أحد. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون &quot; </h1>
  
 <p>ثم ذكر وصف أوليائه فقال &quot; الَّذِينَ صَبَرُوا
 &quot; على أوامر الله وعن نواهيه, وعلى أقدار الله المؤلمة, وعلى الأذية
 فيه, والمحن &quot; وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ &quot; أي:
 يعتمدون عليه في تنفيذ محابه, لا على أنفسهم. <br>
 وبذلك تنجح أمورهم, وتستقيم أحوالهم, فإن الصبر والتوكل, ملاك الأمور كلها. <br>
 فما فات أحدا شيء من الخير, إلا لعدم صبره, وبذل جهده فيما أريد منه, أو لعدم
 توكله واعتماده على الله. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن
 كنتم لا تعلمون &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى لنبيه محمد, صلى الله عليه وسلم: &quot;
 وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا &quot; أي: لست ببدع من
 الرسل, فلم نرسل قب