تفسير سورة الحج

رجوع
<div class="wrapper" style="padding:10px;">
 <h1 class="title">سورة الحج - تفسير السعدي</h1>
 
  
 <div class=Section1 dir=RTL>
  
 <p><h1>&quot; يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم &quot; </h1></p>
  
 <p>يخاطب الله الناس
 كافة, بأن يتقوا ربهم, الذي رباهم بالنعم الظاهرة والباطنة. <br>
 فحقيق بهم, أن يتقوه, بترك الشرك, والفسوق, والعصيان, ويمتثلوا أوامره, مهما
 استطاعوا. <br>
 ثم ذكر ما يعينهم على التقوى, ويحذرهم من تركها, وهو: الإخبار بأهوال القيامة,
 فقال: &quot; إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ &quot; لا يقدر قدره,
 ولا يبلغ كنهه. <br>
 ذلك بأنها إذا وقعت الساعة, رجفت الأرض, وزلزلت زلزالها, وتصدعت الجبال, واندكت,
 وكانت كثيبا مهيلا, ثم كانت هباء منبثا. <br>
 ثم انقسم الناس ثلاثة أزواج. <br>
 فهناك تنفطر السماء, وتكور الشمس والقمر, وتنتثر النجوم, ويكون من القلاقل
 والبلابل, ما تنصدع له القلوب, وتوجل منه الأفئدة, وتشيب منه الولدان, ويذوب له
 الصم الصلاب, ولهذا قال: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى
 الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد &quot; </h1>
  
 <p>&quot; يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا
 أَرْضَعَتْ &quot; مع أنها مجبولة على شدة محبتها
 لولدها, خصوصا في هذه الحال, التي لا يعيش إلا بها. <br>
 &quot; وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا &quot; من
 شدة الفزع والهول. <br>
 &quot; وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى &quot; .
 <br>
 أي: تحسبهم - أيها الرائي لهم - سكارى من الخمر, وليسوا سكارى. <br>
 &quot; وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ &quot; : فلذلك
 أذهب عقولهم, وفرغ قلوبهم, وملأها من الفزع, وبلغت القلوب الحناجر, وشخصت الأبصار.
 <br>
 في ذلك اليوم, لا يجزي والد عن ولده, ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. <br>
 و &quot; يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ
 وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ
 يُغْنِيهِ &quot; وهناك يعض الظالم على يديه, يقول يا ليتني اتخذت مع
 الرسول سبيلا, يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا, وتسود حينئذ وجوه وتبيض وجوه. <br>
 وتنصب الموازين, التي يوزن بها مثاقيل الذر, من الخير والشر. <br>
 وتنشر صحائف الأعمال, وما فيها من جميع الأعمال والأقوال, والنيات, من صغير وكبير,
 وينصب الصراط على متن جهنم. <br>
 وتزلف الجنة للمتقين, وبرزت الجحيم للغاوين. <br>
 إذا رأتهم من مكان بعيد, سمعوا لها تغيظا وزفيرا. <br>
 وإذا ألفوا منها مكانا ضيقا مقرنين, دعوا هنالك ثبورا. <br>
 ويقال لهم: &quot; لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا
 وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا &quot; . <br>
 وإذا نادوا ربهم, ليخرجهم منها, قال &quot; اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا
 تُكَلِّمُونِ &quot; . <br>
 قد غضب عليهم الرب الرحيم وحضرهم العذاب الأليم, وأيسوا من كل خير, ووجدوا أعمالهم
 كلها, لم يفقدوا منها نقيرا ولا قطميرا. <br>
 هذا, والمتقون في روضات الجنات يحبرون, وفي أنواع اللذات يتفكهون, وفيما اشتهت
 أنفسهم خالدون. <br>
 فحقيق بالعاقل, الذي يعرف أن كل هذا أمامه, أن يعد له عدته, وأن لا يلهيه الأمل,
 فيترك العمل, وأن تكون تقوى الله شعاره, وخوفه دثاره, ومحبة الله, وذكره, روح
 أعماله. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد
 &quot; </h1>
  
 <p>أي: ومن الناس طائفة وفرقة, سلكوا طريق الضلال, وجعلوا يجادلون بالباطل
 الحق, يريدون إحقاق الباطل, وإبطال الحق. <br>
 والحال, أنهم في غاية الجهل ما عندهم من العلم شيء. <br>
 وغاية ما عندهم, تقليد أئمة الضلال, من كل شيطان مريد, متمرد على الله وعلى رسله,
 معاند لهم, قد شاق الله ورسوله, وصار من الأئمة الذين يدعون إلى النار. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير &quot;
 </h1>
  
 <p>&quot;
 كُتِبَ عَلَيْهِ &quot; أي: قدر على هذا الشيطان
 المريد &quot; أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ &quot; أي: اتبعه &quot; فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ &quot; عن الحق, ويجنبه الصراط المستقيم
 &quot; وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ &quot; . <br>
 وهذا نائب إبليس حقا, فإن الله قال عنه &quot; إِنَّمَا يَدْعُو
 حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ &quot; فهذا الذي يجادل في
 الله, قد جمع بين ضلاله بنفسه, وتصديه إلى إضلال الناس. <br>
 وهو متبع, ومقلد لكل شيطان مريد, ظلمات بعضها فوق بعض. <br>
 ويدخل في هذا, جمهور أهل الكفر والبدع, فإن أكثرهم مقلدة, يجادلون بغير علم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم
 من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما
 نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد
 إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها
 الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج &quot; </h1>
  
 <p>يقول تعالى &quot; يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ
 فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ &quot; أي: شك واشتباه, وعدم علم بوقوعه, مع أن
 الواجب عليكم, أن تصدقوا ربكم, وتصدقوا رسله في ذلك. <br>
 ولكن إذا أبيتم إلا الريب, فهاكم دليلين عقليين, تشاهدونهما, كل واحد منهما, يدل
 دلالة قطعية على ما شككتم فيه, ويزيل عن قلوبكم الريب. <br>
 أحدهما: الاستدلال بابتداء خلق الإنسان, وأن الذي ابتدأه, سيعيده فقال فيه: &quot; فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ &quot; وذلك بخلق أبي
 البشر, آدم عليه السلام. <br>
 &quot; ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ &quot; أي: مني, وهذا أبتداء
 أول التخليق. <br>
 &quot; ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ &quot; أي: تنقلب تلك النطفة,
 بإذن الله, دما أحمر. <br>
 &quot; ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ &quot; أي: ينتقل الدم مضغة,
 أي: قطعة لحم, بقدر ما يمضغ. <br>
 وتلك المضغة تارة تكون &quot; مُخَلَّقَةٍ &quot; أي: مصور
 منها خلق الآدمي. <br>
 &quot; وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ &quot; تارة, بأن تقذفها
 الأرحام, قبل تخليقها. <br>
 &quot; لِنُبَيِّنَ لَكُمْ &quot; أصل نشأتكم, مع قدرته
 تعالى, على تكميل خلقه في لحظة واحدة, ولكن ليبين لنا, كمال حكمته, وعظيم قدرته,
 وسعة رحمته. <br>
 &quot; وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ
 مُسَمًّى &quot; , ونقر. <br>
 أي: نبقي في الأرحام من الحمل, الذي لم تقذفه الأرحام, ما نشاء إبقاءه إلى أجل
 مسمى وهو مدة الحمل. <br>
 &quot; ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ &quot; من بطون أمهاتكم &quot; طِفْلًا &quot; لا تعلمون شيئا, وليس لكم قدرة. <br>
 وسخرنا لكم الأمهات, وأجرينا لكم في ثديها, الرزق. <br>
 ثم تنقلون, طورا بعد طور, حتى تبلغوا أشدكم, وهو كمال القوة والعقل. <br>
 &quot; وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى &quot; من قبل أن يبلغ
 سن الأشد. <br>
 ومنكم من يتجاوزه فيرد إلى أرذل العمر, أي: أخسه وأرذله, وهو: سن الهرم والتخريف,
 الذي به يزول العقل, ويضمحل, كما زالت باقي القوة, وضعفت. <br>
 &quot; لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا &quot; أي:
 لأجل أن لا يعلم هذا المعمر شيئا, مما كان يعلمه قبل ذلك, وذلك لضعف عقله. <br>
 فقوة الآدمي محفوفة بضعفين, ضعف الطفولية ونقصها, وضعف الهرم ونقصه. <br>
 كما قال تعالى: &quot; اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ
 ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ
 ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ &quot; .
 <br>
 والدليل الثاني, إحياء الأرض بعد موتها, فقال الله فيه: &quot;
 وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً &quot; أي: خاشعة مغبرة لا نبات فيها, ولا
 خضرة. <br>
 &quot; فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ &quot; أي:
 تحركت بالنبات &quot; وَرَبَتْ &quot; أي: ارتفعت بعد
 خشوعها وذلك لزيادة نباتها. <br>
 &quot; وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ &quot; أي: صنف من
 أصناف النبات &quot; بَهِيجٍ &quot; أي: يهيج الناظرين,
 ويسر المتأملين. <br>
 فهذان الدليلان القاطعان, يدلان على هذه المطالب الخمسة, وهي هذه.</p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 ذَلِكَ &quot; الذي أنشأ الآدمي من ما وصف لكم,
 وأحيا الأرض بعد موتها. <br>
 &quot; بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ &quot; أي الرب
 المعبود, الذي لا تنبغي العبادة إلا له. <br>
 وعبادته هي الحق, وعبادة غيره باطلة. <br>
 &quot; وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى &quot; كما ابتدأ
 الخلق, وكما أحيا الأرض بعد موتها. <br>
 &quot; وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ &quot; كما
 أشهدكم من بديع قدرته, وعظيم صنعته, ما أشهدكم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور &quot;quot;
 </h1>
  
 <p>&quot; وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا &quot; فلا وجه لاستبعادها. <br>
 &quot; وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ &quot; فيجازيكم
 بأعمالكم حسنها وسيئها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير
 &quot; </h1>
  
 <p>المجادلة المتقدمة للمقلد, وهذه المجادلة للشيطان المريد, الداعي إلى
 البدع. <br>
 فأخبر أنه &quot; يُجَادِلُ فِي اللَّهِ &quot; أي: يجادل
 رسل الله وأتباعهم بالباطل ليدحض به الحق. <br>
 &quot; بِغَيْرِ عِلْمٍ &quot; صحيح &quot;
 وَلَا هُدًى &quot; أي: غير متبع في جداله هذا من يهديه, لا عقل مرشد, ولا
 متبوع مهتد. <br>
 &quot; وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ &quot; أي: واضح بين, فلا له
 حجة عقلية ولا نقلية. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم
 القيامة عذاب الحريق &quot; </h1>
  
 <p>إن هي إلا شبهات, يوحيها إليه الشيطان &quot; وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ
 لِيُجَادِلُوكُمْ &quot; مع هذا &quot; ثَانِيَ عِطْفِهِ
 &quot; أي: لاوي جانبه وعنقه, وهذا كناية عن كبره عن الحق, واحتقاره للخلق.
 <br>
 فقد فرح بما معه من العلم الغير النافع. <br>
 واحتقر أهل الحق, وما معهم من الحق. <br>
 &quot; لِيُضِلَّ &quot; الناس أي: ليكون من دعاة الضلال. <br>
 ويدخل تحت هذا جميع أئمة الكفر والضلال. <br>
 ثم ذكر عقوبتهم الدنيوية والأخروية فقال: &quot; لَهُ فِي
 الدُّنْيَا خِزْيٌ &quot; أي: يفتضح هذا في الدنيا قبل الآخرة. <br>
 وهذا من آيات الله العجيبة, فإنك لا تجد داعيا مى دعاة الكفر والضلال, إلا وله من
 المقت بين العالمين, واللعنة, والبغض, والذم, ما هو حقيق به, وكل بحسب حاله. <br>
 &quot; وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ &quot;
 أي نذيقه حرها الشديد, وسعيرها البليغ, وذلك بما قدمت يداه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد &quot; </h1>
  
 <p>&quot; ذَلِكَ &quot; ما ذكر من
 العذاب الدنيوي والأخروي. <br>
 وما فيه من معنى البعد (وهو معنى اللام في &quot; ذلك &quot; الموضوعة
 للدلالة على البعد) للدلالة على كون الكافر في الغاية القصوى من الهول والفظاعة. <br>
 &quot; بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ &quot; أي: بسبب ما اقترفته
 من الكفر والمعاصي. <br>
 &quot; وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ &quot; أي:
 والأمر أنه تعالى ليس بمعذب عبيده بغير ذنب من قبلهم. <br>
 والمعنى الإجمالي: أنه يقال للكافر الموصوف بتلك الأوصاف في الآيتين السابقتين:
 ذلك الذي تلقاه من خزى وعذاب إنما كان بسبب افترائك وتكبرك لأن الله عادل لا يظلم,
 ولا يسوي بين المؤمن والكافر, والصالح والفاجر, بل يجازي كلا منهم بعمله. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن
 أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين &quot; </h1>
  
 <p>أي: ومن الناس من هو ضعيف الإيمان, لم يدخل
 الإيمان قلبه, ولم تخالطه بشاشته. <br>
 بل دخل فيه, إما خوفا, وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن. <br>
 &quot; فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ &quot; أي:
 إن استمر رزقه رغدا, ولم يحصل له من المكاره شيء, اطمأن بذلك الخير, لا إيمانه. <br>
 فهذا, ربما أن الله يعافيه, ولا يقيض له من الفتن, ما ينصرف به عن دينه. <br>
 &quot; وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ &quot; من حصول مكروه,
 أو زوال محبوب &quot; انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ &quot; أي:
 ارتد عن دينه. <br>
 &quot; خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ &quot; أما في
 الدنيا, فإنه لا يحصل له بالردة ما أمله الذي جعل الردة رأسا لماله, وعوضا عما يظن
 إدراكه فخاب سعيه, ولم يحصل له, إلا ما قسم له. <br>
 وأما الآخرة, فظاهر, حرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض والأرض, واستحق النار. <br>
 &quot; ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ &quot; أي:
 الواضح البين. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot; يَدْعُو &quot; هذا الراجع
 على وجهه &quot; مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا
 يَنْفَعُهُ &quot; . <br>
 وهذا صفة كل مدعو ومعبود, من دون الله, فإنه لا يملك لنفسه ولا لغيره, نفعا ولا
 ضرا. <br>
 &quot; ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ &quot; الذي بلغ
 في البعد إلى حد النهاية, حيث أعرض عن عبادة النافع الضار, الغني المغني. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير &quot; </h1>
  
 <p>وأقبل على عبادة مخلوق مثله أو دونه, ليس
 بيده من الأمر شيء بل هو إلى حصول ضد مقصوده أقرب. <br>
 ولهذا قال: &quot; يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ
 &quot; فإن ضرره في العقل والبدن, والدنيا والآخرة, معلوم &quot;
 لَبِئْسَ الْمَوْلَى &quot; أي هذا العبود &quot;
 وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ &quot; أي: القرين الملازم على صحبته. <br>
 فإن المقصود من المولى والعشير, حصول النفع, ودفع الضرر. <br>
 فإذا لم يحصل شيء من هذا, فإنه مذموم ملوم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها
 الأنهار إن الله يفعل ما يريد &quot; </h1>
  
 <p>لما ذكر تعالى المجادل بالباطل, وأنه على قسمين, مقلد, وداع ذكر أن
 المتسمي بالإيمان أيضا على قسمين, قسم لم يدخل الإيمان قلبه كما تقدم. <br>
 والقسم الثاني: المؤمن حقيقة, صدق ما معه من الإيمان بالأعمال الصالحة فأخبر تعالى
 أنه يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار. <br>
 وسميت الجنة جنة, لاشتمالها على المنازل والقصور والأشجار والنباتات التي تجن من
 فيها, ويستتر بها, من كثرتها. <br>
 &quot; إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ &quot; فمهما
 أراده تعالى, فعله من غير ممانع ولا معارض. <br>
 ومن ذلك, إيصال أهل الجنة إليها, جعلنا الله منهم بمنه وكرمه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى
 السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ &quot; </h1>
  
 <p>أي من كان يظن أن الله لا ينصر رسوله, وأن
 دينه سيضمحل, فإن النصر, من الله ينزل من السماء &quot;
 فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ &quot; النصر عن
 الرسول. <br>
 &quot; فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ &quot; أي:
 ما يكيد به الرسول, ويعمله من محاربته, والحرص على إبطال دينه, ما يغيظه من ظهور
 دينه. <br>
 وهذا استفام بمعنى النفي, أي: إنه لا يقدر على شفاء غيظه, بما يعمله من الأسباب. <br>
 ومعنى هذه الآية الكريمة: يا أيها المعادي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم, الساعي
 في إطفاء دينه, الذي يظن بجهله, أن سعيه سيفيده شيئا. <br>
 إعلم أنك, مهما فعلت من الأسباب, وسعيت في كيد الرسول, فإن ذلك لا يذهب غيظك, ولا
 يشفي كمدك, فليس لك قدرة في ذلك. <br>
 ولكن سنشير عليك برأي, تتمكن به من شفاء غيظك, ومن قطع النصر عن الرسول, إن كان
 ممكنا. <br>
 ائت الأمر من بابه, وارتق إليه بأسبابه. <br>
 اعمد إلى حبل من ليف أو غيره, ثم علقه في السماء, ثم اصعد به, حتى تصل إلى الأبواب
 التي ينزل منها النصر, فسدها, وأغلقها, واقطعها, فبهذه الحال تشفي غيظك. <br>
 فهذا هو الرأي والمكيدة, وما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك أنك تشفي بها غيظك ولو
 ساعدك من ساعدك من الخلق. <br>
 وهذه الآية الكريمة, فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه, ولرسوله, وعباده
 المؤمنين, ما لا يخفى, ومن تأييس الكافرين, الذين يريدون أن يطفئوا نور الله
 بأفواههم, والله متم نوره, ولو كره الكافرون أي: وسعوا مهما أمكنهم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد &quot; </h1>
  
 <p>أي: وكذلك لما فصلنا في هذا القرآن ما
 فصلنا, جعلناه آيات بينات, واضحات, دالات على جميع المطالب والمسائل النافعة, ولكن
 الهداية بيد الله. <br>
 فمن أراد الله هدايته, اهتدى بهذا القرآن, وجعله إماما له وقدوة, واستضاء بنوره. <br>
 ومن لم يرد الله هدايته, فلو جاءته كل آية, ما آمن, ولم ينفعه القرآن شيئا, بل
 يكون حجة عليه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين
 أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد &quot; </h1>
  
 <p>يخبر تعالى عن طوائف أهل الأرض, من الذين
 أوتوا الكتاب, من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين, ومن المجوس, ومن المشركين
 أن الله سيجمعهم جميعهم ليوم القيامة ويفصل بينهم بحكمه العدل, ويجازيهم بأعمالهم,
 التي حفظها وكتبها, وشهدها, ولهذا قال: &quot; إِنَّ اللَّهَ عَلَى
 كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ &quot; ثم فصل هذا الفصل بينهم بقوله: &quot; هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ &quot; كل
 يدعي أنه الحق. <br>
 &quot; فَالَّذِينَ كَفَرُوا &quot; يشمل كل كافر, من
 اليهود, والنصارى, والمجوس, والصابئين, والمشركين. <br>
 &quot; قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ &quot; أي:
 يجعل لهم ثياب من قطران, وتشعل فيها النار, ليعمهم العذاب, من جميع جوانبهم. <br>
 &quot; يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ &quot; الماء
 الحار جدا, يصهر ما في بطونهم من اللحم والشحم والأمعاء, من شدة حره, وعظيم أمره. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولهم مقامع من حديد &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ &quot; بيد
 الملائكة الغلاظ الشداد, تضربهم فيها وتقمعهم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب
 الحريق &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا &quot; فلا يفتر عنهم العذاب, ولا هم ينظرون, ويقال لهم توبيخا: &quot; ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ &quot; أي: المحرق للقلوب
 والأبدان. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها
 الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير &quot; </h1>
  
 <p>&quot; إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
 الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ &quot; . <br>
 ومعلوم أن هذا الوصف لا يصدق على غير المسلمين, الذين آمنوا بجميع الكتب, وجميع
 الرسل. <br>
 &quot; يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ &quot; أي:
 يسورون في أيديهم, رجالهم ونساؤهم, أساور الذهب. <br>
 &quot; وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ &quot; فتم نعيمهم
 بذلك, من أنواع المأكولات اللذيذات المشتمل عليها, لفظ الجنات, وذكر الأنهار
 السارحات. <br>
 أنهار الماء واللبن والعسل والخمر, وأنواع اللباس, والحلي الفاخر. <br>
 وذلك بسبب أنهم هدوا &quot; إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ
 &quot; الذي أفضله وأطيبه كلمة الإخلاص, ثم سائر الأقوال الطيبة, التي
 فيها, ذكر الله, أو إحسان إلى عبادة الله. <br>
 &quot; وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ &quot; أي:
 الصراط المحمود. <br>
 وذلك, لأن جميع الشرع كله, محتو على الحكمة والحمد, وحسن المأمور به, وقبح المنهي,
 وهو الدين الذي, لا إفراط فيه ولا تفريط, المشتمل على العلم النافع, والعمل
 الصالح. <br>
 أو, وهدوا إلى صراط الله الحميد, لأن الله, كثيرا ما يضيف الصراط إليه, لأنه يوصل
 صاحبه إلى الله. <br>
 وفي ذكر &quot; الحميد &quot; هنا, ليبين أنهم نالوا الهداية,
 بحمد ربهم, ومنته عليهم. <br>
 ولهذا يقولون في الجنة &quot; الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا
 لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ &quot; .
 <br>
 واعترض تعالى بين هذه الآيات, بذكر سجود المخلوقات له, جميع من في السماوات
 والأرض, والشمس, والقمر, والنجوم, والجبال, والشجر, والدواب, الذي يشمل الحيوانات
 كلها, وكثير من الناس, وهم المؤمنون. <br>
 &quot; وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ &quot; أي: وجب
 وكتب, لكفره, وعدم إيمانه, فلم يوفقه للإيمان, لأن الله أهانه. <br>
 &quot; وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ &quot; ولا
 راد لما أراد, ولا معارض لمشيئته. <br>
 فإذا كانت المخلوقات كلها, ساجدة لربها, خاضعة لعظمته, مستكينة لعزته, عانية
 لسلطانه, دل على أنه وحده, الرب المعبود, والملك المحمود, وأن من عدل عنه إلى
 عبادة سواه, فقد ضل ضلالا بعيدا, وخسر خسرانا مبينا. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه
 للناس سواء العاكف فيه والبادي ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم &quot; </h1>
  
 <p>يخبر تعالى عن شناعة ما عليه المشركون الكافرون بربهم, وأنهم جمعوا بين
 الكفر بالله ورسوله, وبن الصد عن سبيل الله, ومنع الناس من الإيمان, والصد أيضا,
 عن المسجد الحرام, الذي ليس ملكا لهم ولا لآبائهم, بل الناس فيه سواء, المقيم فيه,
 والطارئ إليه. <br>
 بل صدوا عنه أفضل الخلق محمدا وأصحابه, والحال أن المسجد الحرام, من حرمته
 واحترامه وعظمته, أن من يرد فيه بإلحاد بظلم, نذقه من عذاب أليم. <br>
 فمجرد الإرادة للظلم والإلحاد في الحرم, موجب للعذاب, وإن كان غيره لا يعاقب العبد
 عليه إلا بعمل الظلم. <br>
 فكيف بمن أتى فيه أعظم الظلم, من الكفر والشرك, والصد عن سبيله ومنع من يريده
 بزيارة, فما ظنكم أن يفعل الله بهم؟!! وفي هذه الآية الكريمة, وجوب احترام الحرم,
 وشدة تعظيمه, والتحذير من إرادة المعاصي فيه, وفعلها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي
 للطائفين والقائمين والركع السجود &quot; </h1>
  
 <p>يذكر تعالى عظمة البيت الحرام وجلالته وعظمة بانيه وهو خليل الرحمن
 فقال: &quot; وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ
 &quot; أي: هيأناه له, وأنزلنا إياه. <br>
 وجعل قسما من ذريته من سكانه, وأمره الله ببنيانه. <br>
 فبناه على تقوى الله, وأسسه على طاعة الله. <br>
 وبناه هو وابنه إسماعيل, وأمره أن لا يشرك به شيئا, بأن يخلص لله أعماله, ويبنيه
 على اسم الله. <br>
 &quot; وَطَهِّرْ بَيْتِيَ &quot; أي: من الشرك والمعاصي,
 ومن الأنجاس والأدناس وإضافة الرحمن إلى نفسه, لشرفه, وفضله, ولتعظم محبته في
 القلوب, وتنصب إليه الأفئدة من كل جانب, وليكون أعظم لتطهيره وتعظيمه, لكونه بيت
 الرب للطائفين به والعاكفين عنده, المقيمين لعبادة من العبادات من ذكر, وقراءة وتعلم
 علم وتعليمه, وغير ذلك من أنواع القرب. <br>
 &quot; وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ &quot; أي: المصلين, أي:
 طهره لهؤلاء الفضلاء, الذين همهم, طاعة مولاهم, وخدمته والتقرب إليه عند بيته. <br>
 فهؤلاء, لهم الحق ولهم الإكرام, ومن إكرامهم تطهير البيت لأجلهم ويدخل في تطهيره,
 تطهيره من الأصوات اللاغية والمرتفعة التي تشوش المتعبدين, بالصلاة والطواف. <br>
 وقدم الطواف على الاعتكاف والصلاة, لاختصاصه بهذا البيت. <br>
 ثم الاعتكاف, لاختصاصه بجنس المساجد. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج
 عميق &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ &quot; أي:
 أعلمهم به, وادعهم إليه, وبلغ. <br>
 دانيهم وقاصيهم, فرضه وفضيلته. <br>
 فإنك إذا دعوتهم, أتوك حجاجا: وعمارا, رجالا, أي: مشاة على أرجلهم من الشوق. <br>
 &quot; وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ &quot; أي: ناقة ضامر, تقطع
 المهامه والمفاوز. <br>
 وتواصل السير, حتى تأتي إلى أشرف الأماكن. <br>
 &quot; مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ &quot; أي: من كل بلد
 بعيد. <br>
 وقد فعل الخليل عليه السلام, ثم من بعده ابنه محمد صلى الله عليه وسلم. <br>
 فدعيا إلى حج هذا البيت, وأبديا في ذلك وأعادا. <br>
 وقد حصل ما وعد الله به. <br>
 أتاه الناس, رجالا وركبانا من مشارق الأرض, ومغاربها. <br>
 ثم ذكر فوائد زيارة بيت الله الحرام, مرغبا فيه فقال: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما
 رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ &quot; أي: لينالوا
 ببيت الله, منافع دينية, من العبادات الفاضلة, والعبادات التي لا تكون إلا فيه. <br>
 ومنافع دنيوية, من التكسب: وحصول الأرباح الدنيوية, وكل هذا أمر مشاهد, كل يعرفه. <br>
 &quot; وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ
 عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ &quot; وهذا من المنافع
 الدينية والدنيوية أي: ليذكروا اسم الله, عند ذبح الهدايا, شكرا لله على ما رزقهم
 منها, ويسرها لهم. <br>
 فإذا ذبحتموها &quot; فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ
 الْفَقِيرَ &quot; . <br>
 أي: شديد الفقر. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق &quot; </h1>
  
 <p>&quot; ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ &quot; أي: يقضوا نسكهم, ويزيلوا الوسخ والأذى, الذي لحقهم في حال الإحرام &quot; وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ &quot; التي أوجبوها على أنفسهم,
 من الحج, والعمرة والهدايا. <br>
 &quot; وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ &quot; أي:
 القديم, أفضل المساجد على الإطلاق. <br>
 والمعتق: من تسلط الجبابرة عليه. <br>
 وهذا أمر بالطواف, خصوصا بعد الأمر بالمناسك له عموما, لفضله, وشرفه, ولكونه
 المقصود, وما قبله وسائل إليه. <br>
 ولعله - والله أعلم أيضا - لفائدة أخرى, وهو: أن الطواف مشروع كل وقت, وسواء كان
 تابعا لنسك, أم مستقلا بنفسه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام
 إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 ذَلِكَ &quot; أي: ما ذكرنا لكم من تلكم الأحكام,
 وما فيها من تعظيم حرمات الله وإجلالها, وتكريمها, لأن تعظيم حرمات الله, من
 الأمور المحبوبة لله, المقربة إليه, التي من عظمها وأجلها, أثابه الله ثوابا
 جزيلا, وكانت خيرا له, في دينه, ودنياه وأخراه, عند ربه. <br>
 وحرمات الله: كل ما له حرمة, وأمر باحترامه, من عبادة أو غيرها, كالمناسك كلها,
 وكالحرم والإحرام, وكالهدايا, وكالعبادات التي أمر الله العباد بالقيام بها. <br>
 فتعظيمها يكون إجلالا بالقلب, ومحبتها, وتكميل العبودية فيها, غير متهاون, ولا
 متكاسل, ولا متثاقل. <br>
 ثم ذكر منته وإحسانه, بما أحله لعباده, من بهيمة الأنعام, من إبل وبقر, وغنم,
 وشرعها من جملة المناسك, التي يتقرب بها إليه, فعظمت منته فيها من الوجهين. <br>
 &quot; إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ &quot; في القرآن
 تحريمه من قوله: &quot; حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
 وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ &quot; الآية. <br>
 ولكن الذي من رحمته بعباده, أن حرمه عليهم, ومنعهم منه, تزكية لهم, وتطهيرا من
 الشرك به, وقول الزور, ولهذا قال: &quot; فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ
 &quot; أي الخبث القذر &quot; مِنَ الْأَوْثَانِ &quot; أي
 الأنداد, التي جعلتموها آلهة مع الله, فإنها أكبر أنواع الرجس. <br>
 والظاهر أن &quot; من &quot; هنا ليست لبيان الجنس, كما
 قاله كثير من المفسرين, وإنما هي للتبعيض, وأن الرجس عام في جميع المنهيات
 المحرمات. <br>
 فيكون منهيا عنها عموما, وعن الأوثان التي هي بعضها خصوصا. <br>
 &quot; وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ &quot; أي: جميع
 الأقوال المحرمات, فإنها من قول الزور. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء
 فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق &quot; </h1>
  
 <p>أمرهم أن يكونوا &quot; حُنَفَاءَ
 لِلَّهِ &quot; مقبلين عليه, وعلى عبادته, معرضين عما سواه. <br>
 &quot; غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ &quot; فمثله
 &quot; فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ &quot; أي: سقط
 منها &quot; فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ &quot; بسرعة &quot; أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ &quot; أي:
 بعيد, كذلك المشركون. <br>
 فالإيمان بمنزلة السماء, محفوظة مرفوعة. <br>
 ومن ترك الإيمان, بمنزلة الساقط من السماء, عرضة للآفات والبليات. <br>
 فإما أن تخطفه الطير فتقطعه أعضاء, كذلك المشرك إذا ترك الاعتصام بالإيمان تخطفته
 الشياطين من كل جانب, ومزقوه, وأذهبوا عليه دينه ودنياه. <br>
 وإما أن تأخذه عاصفة شديدة من الريح فتعلو به في طبقات الجو فتقذفه بعد أن تتقطع
 أعضاؤه في مكان بعيد جدا. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب &quot; </h1>
  
 <p>أي: ذلك الذي ذكرناه لكم, من تعظيم حرماته وشعائره. <br>
 والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة, ومنها المناسك كلها, كما قال تعالى &quot; إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ &quot; ومنها
 الهدايا والقربان للبيت. <br>
 وتقدم أن معنى تعظيمها, إجلالها, والقيام بها, وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه
 العبد. <br>
 ومنها الهدايا, فتعظيمها, باستحسانها واستسمانها, وأن تكون مكملة من كل وجه. <br>
 فتعظيم شعائر الله, صادر من تقوى القلوب. <br>
 فالمعظم لها, يبرهن على تقواه, وصحة إيمانه, لأن تعظيمها, تابع لتعظيم الله
 وإجلاله. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 لَكُمْ فِيهَا &quot; أي: في الهدايا &quot; مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى &quot; هذا في الهدايا
 المسوقة, من البدن ونحوها, ينتفع بها أربابها, بالركوب, والحلب ونحو ذلك, مما لا
 يضرها &quot; إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى &quot; مقدر, موقت وهو
 ذبحها, إذا وصلت &quot; مَحِلُّهَا &quot; وهو &quot; الْبَيْتِ الْعَتِيقِ &quot; أي المحرم كله &quot; منى &quot; وغيرها. <br>
 فإذا ذبحت, أكلوا منها, وأهدوا, وأطعموا البائس الفقير. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة
 الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين &quot; </h1>
  
 <p>أي: ولكل أمة من الأمم السالفة, جعلنا منسكا. <br>
 أي: فاستبقوا إلى الخيرات وسارعوا إليها, ولننظر أيكم أحسن عملا. <br>
 والحكمة في جعل الله لكل أمة منسكا, إقامة ذكره, والالتفات لشكره. <br>
 ولهذا قال: &quot; لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا
 رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ &quot; .
 <br>
 وإن اختلفت أجناس الشرائع, فكلها متفقة على هذا الأصل, وهو: ألوهية الله, وإف