تفسير سورة المؤمنون

رجوع
 
<div class="wrapper" style="padding:10px;">
 <h1 class="title">سورة المؤمنون - تفسير السعدي</h1>
 
  
 <div class=Section1 dir=RTL>
  
 <p><h1>&quot; قد أفلح المؤمنون &quot; </h1></p>
  
 <p>هذا تنويه من
 الله, بذكر عباده المؤمنين, وذكر فلاحهم وسعادتهم, وبأي شيء وصلوا إلى ذلك. <br>
 وفي ضمن ذلك, الحث على الاتصاف بصفاتهم, والترغيب فيها. <br>
 فليزن العبد نفسه وغيره, على هذه الآيات, يعرف بذلك, ما معه, وما مع غيره من
 الإيمان, زيادة ونقصا, كثرة وقلة. <br>
 فقوله &quot; قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ &quot; أي: قد فازوا وسعدوا ونجحوا,
 وأدركوا كل ما يروم المؤمنون الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين الذين من صفاتهم
 الكاملة أنهم &quot; فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ &quot; . <br>
 والخشوع في الصلاة هو: حضور القلب بين يدي الله تعالى, مستحضرا لقربه. <br>
 فيسكن لذلك قلبه, وتطمئن نفسه, وتسكن حركاته ويقل التفاته, متأدبا بين يدي ربه,
 مستحضرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته, من أول صلاته, إلى آخرها, فتنتفي بذلك,
 الوساوس والأفكار الردية. <br>
 وهذا روح الصلاة, والمقصود منها, وهو الذي يكتب للعبد. <br>
 فالصلاة التي لا خشوع فها ولا حضور قلب, وإن كانت مجزية مثابا عليها, فإن الثواب
 على حسب ما يعقل للقلب منها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والذين هم عن اللغو معرضون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ &quot; هو الكلام
 الذي لا خير فيه, ولا فائدة &quot; مُعْرِضُونَ &quot; رغبة
 عنه, وتنزيها لأنفسهم, وترفعا عنه. <br>
 وإذا مروا باللغو, مروا كراما, وإذا كانوا معرضين عن اللغو, فإعراضهم عن المحرم,
 من باب أولى, وأحرى. <br>
 وإذا ملك العبد لسانه وخزنه - إلا في الخير - كان مالكا لأمره, كما قال النبي صلى
 الله عليه وسلم, لمعاذ بن جبل حين وصاه بوصايا قال: &quot; ألا
 أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله, فأخذ بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا
 &quot; . <br>
 فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة, كف ألسنتهم عن اللغو والمحرمات. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والذين هم للزكاة فاعلون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَالَّذِينَ
 هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ &quot; أي مؤدون
 لزكاة أموالهم, على اختلاف أجناس الأموال, مزكين لأنفسهم من أدناس الأخلاق ومساوئ
 الأعمال التي تزكو النفوس بتركها وتجنبها. <br>
 فأحسنوا في عبادة الخالق, في الخشوع في الصلاة, وأحسنوا إلى خلقه بأداء الزكاة. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والذين هم لفروجهم حافظون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ &quot; عن الزنا ومن تمام حفظها تجنب ما يدعو إلى ذلك كالنظر واللمس ونحوهما. <br>
 فحفظوا فروجهم عن كل أحد &quot; إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ
 مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ &quot; من الإماء المملوكات &quot;
 فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ &quot; بقربهما, لأن الله تعالى أحلهما. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ &quot; غير الزوجة
 والسرية &quot; فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ &quot; الذين
 تعدوا ما أحل الله إلى ما حرمه, المتجرئون على محارم الله. <br>
 وعموم هذه الآية, يدل على تحريم المتعة, فإنها ليست زوجة حقيقة مقصودا بقاؤها, ولا
 مملوكة, وتحريم نكاح المحلل لذلك. <br>
 ويدل قوله &quot; أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ &quot; أنه
 يشترط في حل المملوكة, أن تكون كلها في ملكه, فلو كان له بعضها لم تحل, الأنعام
 ليست مما ملكت يمينه, بل هي ملك له ولغيره. <br>
 فإنه لا يجوز أن يشترك في المرأة الحرة زوجان, فلا يجوز أن يشتركا في الأمة
 المملوكة سيدان. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ &quot; . <br>
 أي: مراعون لها, ضابطون, حافظون, حريصون على القيام بها وتنفيذها. <br>
 وهذا عام في جميع الأمانات, التي هي حق لله, والتي هي حق للعباد. <br>
 قال تعالى &quot; إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
 السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا
 وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ &quot; فجميع ما أوجبه الله
 على عبده, أمانة, على العبد حفظها بالقيام التام بها. <br>
 وكذلك يدخل في ذلك, أمانات الآدميين, كأمانات الأموال, والأسرار, ونحوهما. <br>
 فعلى العبد, مراعاة الأمرين, وأداء الأمانتين &quot; إِنَّ اللَّهَ
 يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا &quot; . <br>
 وكذلك العهد, يشمل العهد الذي بينهم وبين العباد, وهي الالتزامات والعقود, التي
 يعقدها العبد, فعليه مراعاتها والوفاء بها, ويحرم عليه, التفريط فيها, وإهمالها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; والذين هم على صلواتهم يحافظون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ &quot; أي: يداومون عليها في أوقاتها وحدودها وأشراطها وأركانها. <br>
 فمدحهم بالخشوع في الصلاة, وبالمحافظة عليها, لأنه لا يتم أمرهم إلا بالأمرين: فمن
 يداوم على الصلاة من غير خشوع, أو على الخشوع من دون محافظة عليها فإنه مذموم
 ناقص. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; أولئك هم الوارثون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; أُولَئِكَ &quot; الموصوفون
 بتلك الصفات &quot; الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ
 الْفِرْدَوْسَ &quot; الذي هو أعلى الجنة ووسطها وأفضلها, لأنهم جعلوا من
 صفات الخير أعلاها وذروتها. <br>
 أو المراد بذلك, جميع الجنة, ليدخل بذلك, عموم المؤمنين, على درجاتهم في مراتبهم,
 كل بحسب حاله. <br>
 &quot; هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ &quot; لا يظعنون عنها, ولا
 يبغون عنها حولا, لاشتمالها على أكمل النعيم وأفضله, وأتمه, من غير مكدر ولا منغص.
 </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين &quot; </h1>
  
 <p>ذكر الله في هذه الآيات أطوار الآدمي وتنقلاته, من ابتداء خلقه إلى آخر
 ما يصير إليه. <br>
 فذكر ابتداء خلق أبي النوع البشري آدم عليه السلام, وأنه &quot;
 مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ &quot; أي: قد سلت, وأخذت من جميع الأرض. <br>
 ولذلك جاء بنوه على قدر الأرض: منهم الطيب والخبيث, وبين ذلك. <br>
 والسهل, والحزن, وبين ذلك. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ثم جعلناه نطفة في قرار مكين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 ثُمَّ جَعَلْنَاهُ &quot; أي: جنس الآدميين &quot; نُطْفَةٍ &quot; تخرج من بين الصلب والترائب, فتستقر &quot; فِي قَرَارٍ مَكِينٍ &quot; وهو: الرحم محفوظة من الفساد
 والريح وغير ذلك. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما
 فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ &quot; التي قد
 استقرت قبل &quot; عَلَقَةٍ &quot; أي: دما أحمر, بعد مضي
 أربعين يوما من النطفة. <br>
 &quot; فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ &quot; بعد أربعين يوما &quot; مُضْغَةٍ &quot; أي: قطعة لحم صغيرة, بقدر ما يمضغ من
 صغرها. <br>
 &quot; فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ &quot; اللينة &quot; عِظَامًا &quot; صلبة, قد تخللت اللحم, بحسب حاجة البدن
 إليها. <br>
 &quot; فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا &quot; أي: جعلنا
 اللحم, كسوة للعظام, كما جعلنا العظام, عمادا للحم, وذلك في الأربعين الثالثة. <br>
 &quot; ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ &quot; نفخ فيه
 الروح, فانتقل من كونه جمادا, إلى أن صار حيوانا. <br>
 &quot; فَتَبَارَكَ اللَّهُ &quot; أي: تعالى, وتعاظم, وكثر
 خيره &quot; أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ &quot; الذي &quot;
 أحسن كل شيء خلقه. <br>
 وبدأ خلق الإنسان من طين وجعل نسله من سلالة من ماء مهين. <br>
 ثم سواه ونفخ فيه من روحه, وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا, ما تشكرون &quot; فخلقه كله حسنا, والإنسان من أحسن مخلوقاته, بل هو أحسنها على
 الإطلاق كما قال تعالى: &quot; لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ
 تَقْوِيمٍ &quot; ولهذا كان خواصه, أفضل المخلوقات وأكملها</p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ثم إنكم بعد ذلك لميتون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ &quot; الخلق, ونفخ
 الروح &quot; لَمَيِّتُونَ &quot; في أحد أطواركم وتنقلاتكم</p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ثم إنكم يوم القيامة تبعثون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ &quot; فتجازون بأعمالكم, حسنها وسيئها. <br>
 قال تعالى: &quot; أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى
 أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ
 فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ
 بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين &quot; </h1>
  
 <p>لما ذكر تعالى خلق الآدمي, ذكر مسكنه, وتوفر النعم عليه, من كل وجه
 فقال: &quot; وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ &quot; سقفا
 للبلاد, ومصلحة للعباد &quot; سَبْعَ طَرَائِقَ &quot; أي:
 سبع سموات طباقا, كل طبقة فوق الأخرى, قد زينت بالنجوم, والشمس, والقمر, وأودع
 فيها من مصالح الخلق, ما أودع. <br>
 &quot; وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ &quot; فكما
 أن خلقنا عام لكل مخلوق, فعلمنا أيضا, محيط بما خلقنا, فلا نغفل مخلوقا, ولا
 ننساه, ولا نخلق خلقا فنضيعه, ولا نغفل عن السماء فتقع على الأرض, ولا ننسى ذرة في
 لجج البحار, وجوانب الفلوات, ولا دابة إلا سقنا إليها رزقا &quot;
 وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ
 مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا &quot; . <br>
 وكثيرا ما يقرن تعالى بين خلقه وعلمه كقوله &quot; أَلَا يَعْلَمُ
 مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ &quot; &quot; بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ
 الْعَلِيمُ &quot; لأن خلق المخلوقات, من أقوى الأدلة العقلية, على علم
 خالقها وحكمته. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به
 لقادرون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً &quot; يكون رزقا لكم ولأنعامكم, بقدر ما يكفيكم. <br>
 فلا ينقصه, بحيث يتلف المساكن, ولا تعيش منه النباتات والأشجار. <br>
 بل أنزله وقت الحاجة لنزوله, ثم صرفه, عند التضرر من دوامه. <br>
 &quot; فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ &quot; أي: أنزلناه
 عليها, فسكن واستقر, وأخرج بقدرة منزله, جميع الأزواج النباتية, وأسكنه أيضا معدا,
 في خزائن الأرض, بحيث لم يذهب نازلا, حتى لا يوصل إليه, ولا يبلغ قعره. <br>
 &quot; وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ &quot; إما
 بأن لا ننزله, أو ننزله, فيذهب نازلا, لا يوصل إليه, أو لا يوجد منه المقصود منه. <br>
 وهذا تنبيه منه لعباده, أن يشكروه على نعمته, ويقدروا عدمها, ماذا يحصل به من
 الضرر, كقوله تعالى: &quot; قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ
 مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ &quot; , &quot; فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ &quot; أي: بذلك الماء &quot; جَنَّاتٍ &quot; أي: بساتين &quot; مِنْ
 نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ &quot; . <br>
 خص تعالى, هذين النوعين, مع أنه ينشر منه غيرهما من الأشجار, لفضلهما, ومنافعهما,
 التي فاقت بها الأشجار, ولهذا ذكر العام في قوله: &quot; لَكُمُ
 &quot; أي: في تلك الجنات &quot; فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ
 وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ &quot; من تين, وأترج, ورمان, وتفاح وغيرها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ &quot; وهي شجرة الزيتون, أي: جنسها. <br>
 خصت بالذكر, لأن مكانها خاص, في أرض الشام, ولمنافعها, التي ذكر بعضها في قوله: &quot; تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ &quot; أي:
 فيها الزيت, الذي هو دهن, يكثر استعماله من الاستصباح به, واصطباغ للآكلين, أي:
 يجعل إداما للآكلين, وغير ذلك من المنافع. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع
 كثيرة ومنها تأكلون &quot; </h1>
  
 <p>أي: ومن نعمه عليكم, أن سخر لكم الأنعام من الإبل, والبقر, والغنم,
 فيها عبرة للمعتبرين, ومنافع للمنتفعين. <br>
 &quot; نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا &quot; من لبن,
 يخرج من بين فرث ودم, لبن, خالص, سائغ للشاربين. <br>
 &quot; وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ &quot; من
 أصوافها, وأوبارها, وأشعارها, وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا, تستخفونها يوم
 ظعنكم, ويوم إقامتكم &quot; وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ &quot; أفضل
 المآكل من لحم وشحم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وعليها وعلى الفلك تحملون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ &quot; أي: جعلها لكم في البر, تحملون عليها أثقالكم إلى بلد, لم تكونوا
 بالغيه, إلا بشق الأنفس. <br>
 كما جعل لكم السفن في البحر, تحملكم, وتحمل متاعكم, قليلا كان, أو كثيرا. <br>
 فالذي أنعم بهذه النعم, وصنف أنواع الإحسان, وأدر علينا من خيره المدرار, هو الذي
 يستحق كمال الشكر, وكمال الثناء, والاجتهاد في عبوديته وأن لا يستعان بنعمه على
 معاصيه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من
 إله غيره أفلا تتقون &quot; </h1>
  
 <p>يذكر تعالى رسالة عبده ورسوله, نوح عليه
 السلام, أول رسول أرسله لأهل الأرض فأرسله إلى قومه, وهم يعبدون الأصنام, فأمر
 بعبادة الله وحده فقال: &quot; يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
 &quot; أي: أخلصوا له العبادة, لأن العبادة, لا تصح إلا بإخلاصها. <br>
 &quot; مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ &quot; فيه إبطال
 ألوهية غير الله, وإثبات الإلهية لله تعالى, لأنه الخالق الرازق, الذي له الكمال
 كله, وغيره بخلاف ذلك. <br>
 &quot; أَفَلَا تَتَّقُونَ &quot; ما أنتم عليه من عبادة
 الأوثان, والأصنام, التي صورت على صور قوم صالحين, فعبدوها مع الله. <br>
 فاستمر على ذلك, يدعوهم سرا وجهارا, وليلا ونهارا, ألف سنة إلا خمسين عاما, وهم لا
 يزدادون إلا عتوا ونفورا. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن
 يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 فَقَالَ الْمَلَأُ &quot; من قومه الأشراف والسادة
 المتبوعون - على وجه المعارضة لنبيهم نوح, والتحذير من اتباعه -: &quot;
 مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ &quot; أي:
 ما هذا إلا بشر مثلكم, قصده حين ادعى النبوة أن يزيد عليكم فضيلة, ليكون متبوعا,
 وإلا فما الذي يفضله عليكم, وهو من جنسكم؟. <br>
 وهذه المعارضة, لا زالت موجودة, في مكذبي الرسل. <br>
 وقد أجاب الله عنها بجواب شاف, على ألسنة رسله كما في &quot; قالوا
 &quot; أي: لرسلهم &quot; إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ
 مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا
 فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا
 بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
 &quot; . <br>
 فأخبروا أن هذا فضل الله ومنته, فليس لكم أن تحجروا على الله, وتمنعوه من إيصال
 فضله علينا. <br>
 وقالوا أيضا: ولو شاء الله لأنزل ملائكة. <br>
 وهذه أيضا معارضة بالمشيئة باطلة, فإنه وإن كان لو شاء لأنزل ملاكة, فإنه حكيم
 رحيم, حكمته ورحمته, تقتضي أن يكون الرسول من جنس الآدميين لأن الملائكة, لا قدرة
 لهم على مخاطبته, ولا يمكن أن يكون إلا بصورة رجل ثم يعود اللبس عليهم كما كان. <br>
 وقولهم: &quot; مَا سَمِعْنَا بِهَذَا &quot; أي بإرسال
 الرسول &quot; فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ &quot; . <br>
 وأي حجة في عدم سماعهم إرسال رسول في آبائهم الأولين؟ لأنهم لم يحيطوا علما, بما
 تقدم, فلا يجعلوا جهلهم حجة لهم. <br>
 وعلى تقدير أنه لم يرسل منهم رسولا, فإما أن يكونوا على الهدى, فلا حاجة لإرسال
 الرسول إذ ذاك. <br>
 وإما أن يكونوا على غيره, فليحمدوا ربهم, ويشكروه أن خصهم بنعمة, لم تأت آباءهم,
 ولا شعروا بها. <br>
 ولا يجعلوا عدم الإحسان على غيرهم, سببا لكفرهم للإحسان إليهم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ &quot; أي: مجنون &quot; فَتَرَبَّصُوا بِهِ &quot; أي:
 انتظروا به &quot; حَتَّى حِينٍ &quot; إلى أن يأتيه الموت.
 <br>
 وهذه الشبه التي أوردوها, معارضة لنبوة نبيهم, دالة على شدة كفرهم وعنادهم, وعلى
 أنهم في غاية الجهل والضلال, فإنها لا تصلح للمعارضة, بوجه من الوجوه, كما ذكرنا,
 بل هي في نفسها متناقضة متعارضة. <br>
 فقولهم: &quot; مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ
 يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ &quot; أثبتوا أن له عقلا يكيدهم به, ليعلوهم,
 ويسودهم, ويحتاج - مع هذا - أن يحذر منه لئلا يغتر به. <br>
 فكيف يلتئم مع قولهم: &quot; إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ
 &quot; وهل هذا إلا من مشبه ضال, منقلب عليه الأمر, قصده: الدفع بأي طريق
 اتفق له, غير عالم بما يقول؟!!. <br>
 ويأبى الله إلا أن يظهر خزي من عاداه وعادى رسله. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال رب انصرني بما كذبون &quot; </h1>
  
 <p>فلما رأى نوح أنه لا يفيدهم دعاؤه إلا فرارا &quot;
 قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ &quot; فاستنصر ربه عليهم, غضبا,
 حيث ضيعوا أمره, وكذبوا رسله وقال: &quot; رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى
 الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا
 عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا &quot; قال تعالى: &quot; وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ &quot; .
 </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار
 التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا
 تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ &quot; عند استجابتنا له,
 سببا, ووسيلة للنجاة, قبل وقوع أسبابه. <br>
 &quot; أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ &quot; أي: السفينة &quot; بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا &quot; أي: بأمرنا لك,
 ومعونتنا, وأنت في حفظنا وكلاءتنا بحيث نراك ونسمعك. <br>
 &quot; فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا &quot; بإرسال الطوفان الذي
 عذبوا به &quot; وَفَارَ التَّنُّورُ &quot; . <br>
 أي: فارت الأرض, وتفجرت عيونا, حتى محل النار, الذي لم تجر العادة إلا ببعده عن
 الماء. <br>
 &quot; فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ &quot; أي:
 أدخل في الفلك من كل جنس من الحيوانات, ذكرا وأنثى, تبقى مادة النسل لسائر
 الحيوانات, التي اقتضت الحكمة الربانية إيجادها في الأرض. <br>
 &quot; وَأَهْلَكَ &quot; أي: أدخلهم &quot;
 إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ &quot; كابنه. <br>
 &quot; وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا &quot; أي:
 لا تدعني أن أنجيهم, فإن القضاء والقدر, قد حتم أنهم مغرقون. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من
 القوم الظالمين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ &quot; أي: علوتم عليها, واستقلت بكم في تيار الأمواج, ولجج اليم, فاحمدوا
 الله على النجاة والسلامة. <br>
 فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين, وهذا تعليم منه له, ولمن معه, أن
 يقولوا هذا شكرا له, وحمدا على نجاتهم من القوم الظالمين في عملهم وعذابهم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ
 &quot; أي: وبقيت عليكم نعمة أخرى, فادعوا الله
 فيها, وهي أن ييسر الله لكم منزلا مباركا. <br>
 فاستجاب الله دعاءه, قال الله: &quot; وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ
 عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ &quot; إلى أن
 قال: &quot; قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ
 عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ &quot; الآية. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 إِنَّ فِي ذَلِكَ &quot; أي: في هذه القصة &quot; لَآيَاتٍ &quot; تدل على أن الله وحده المعبود, وعلى أن
 رسوله نوحا, صادق, وأن قومه كاذبون, وعلى رحمة الله بعباده, حيث حملهم في صلب
 أبيهم نوح, في الفلك لما غرق أهل الأرض. <br>
 والفلك أيضا من آيات الله قال تعالى: &quot; وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا
 آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ &quot; ولهذا جمعها هنا لأنها تدل على عدة
 آيات ومطالب. <br>
 &quot; وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين &quot; </h1>
  
 <p>لما ذكر نوحا وقومه, وكيف أهلكهم قال: &quot; ثُمَّ
 أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ &quot; . <br>
 الظاهر أنهم &quot; ثمود &quot; قوم صالح, عليه السلام لأن
 هذه القصة تشبه قصتهم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره
 أفلا تتقون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ &quot; من
 جنسهم, يعرفون نسبه وحسبه, وصدقه, ليكون ذلك أسرع لانقيادهم, إذا كان منهم, وأبعد
 عن اشمئزازهم فدعا إلى ما دعت إليه الرسل أممهم &quot; أَنِ
 اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ &quot; . <br>
 فكلهم اتفقوا على هذه الدعوة, وهي أول دعوة يدعون بها أممهم, الأمر بعبادة الله,
 والإخبار أنه المستحق لذلك, والنهي عن عبادة ما سواه, والإخبار ببطلان ذلك وفساده.
 <br>
 ولهذا قال: &quot; أَفَلَا تَتَّقُونَ &quot; ربكم,
 فتجتنبوا هذه الأوثان والأصنام. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم
 في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ
 الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا &quot; أي: قال الرؤساء الذين جمعوا بين الكفر والمعاندة, وإنكار البعث
 والجزاء, وأطغاهم ترفهم في الحياة الدنيا, معارضة لنبيهم, وتكذيبا, وتحذيرا منه: &quot; مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ &quot; أي: من جنسكم &quot; يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا
 تَشْرَبُونَ &quot; . <br>
 فما الذي يفضله عليكم؟ فهلا كان ملكا, لا يأكل الطعام, ولا يشرب الشراب. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ &quot; أي: إن تبعتموه وجعلتموه لكم رئيسا, وهو مثلكم إنكم لمسلوبو العقل,
 نادمون على ما فعلتم. <br>
 وهذا من العجب, فإن الخسارة والندامة حقيقة, لمن لم يتابعه, ولم ينقد له. <br>
 والجهل والسفه العظيم, لمن تكبر عن الانقياد لبشر, خصه الله بوحيه, وفضله برسالته,
 وابتلي بعبادة الشجر والحجر. <br>
 وهذا نظير قولهم: &quot; فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا
 نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ
 مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ &quot; . <br>
 فلما أنكروا رسالته وردوها, أنكروا ما جاء به من البعث بعد الموت, والمجازاة على
 الأعمال فقالوا: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ
 مُخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ &quot; أي: بعيد بعيد ما يعدكم به, من البعث, بعد أن تمزقتم, وكنتم ترابا
 وعظاما. <br>
 فنظروا نظرا قاصرا, ورأوا هذا, بالنسبة إلى قدرهم غير ممكن. <br>
 فقاسوا قدرة الخالق بقدرهم, تعالى الله عن ذلك. <br>
 فأنكروا قدرته على إحياء الموتى وعجزوه غاية التعجيز, ونسوا خلقهم أول مرة, وأن
 الذي أنشأهم من العدم, فإعادته لهم بعد البلى, أهون عليه وكلاهما هين لديه. <br>
 فلم لا ينكرون أول خلقهم, ويكابرون المحسوسات, ويقولون: إننا لم نزل موجودين, حتى
 يسلم لهم إنكارهم البعث, وينتقلو معهم إلى الاحتجاج على إثبات وجود الخالق
 العظيم؟. <br>
 وهنا دليل آخر, وهو: أن الذي أحيا الأرض بعد موتها, إن ذلك لمحيي الموتى, إنه على
 كل شيء قدير. <br>
 وثم دليل آخر, وهو ما أجاب به المنكرين للبعث في قوله: &quot; بَلْ
 عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ
 عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ &quot; فقال
 في جوابهم: &quot; قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ
 &quot; أي في البلى. <br>
 &quot; وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ &quot; </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; إِنْ
 هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا &quot; أي: يموت أناس, ويحيا أناس &quot; وَمَا نَحْنُ
 بِمَبْعُوثِينَ &quot; . <br>
 &quot; إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ &quot; فلهذا
 أتى بما أتى به من توحيد الله, وإثبات المعاد &quot; فَتَرَبَّصُوا
 بِهِ حَتَّى حِينٍ &quot; أي: ارفعوا عنه العقوبة بالقتل وغيره, احتراما
 له, ولأنه مجنون غير مؤاخذ بما يتكلم به. <br>
 أي: فلم يبق بزعمهم الباطل, مجادلة معه, لصحة ما جاء به, فإنهم قد زعموا بطلانه. <br>
 وإنما بقي الكلام, هل يوقعون به أم لا؟. <br>
 فبزعمهم أن عقولهم الرزينة اقتضت الإبقاء عليه, وترك الإيقاع به, مع قيام الموجب. <br>
 فهل فوق هذا العناد والكفر غاية؟!!. <br>
 ولهذا لما اشتد كفرهم, ولم ينفع فيهم الإنذار, دعا عليهم نبيهم فقال: &quot; رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ &quot; أي بإهلاكهم,
 وخزيهم الدنيوي, قبل الآخرة. <br>
 فـ &quot; قَالَ &quot; الله مجيبا لدعوته: &quot;
 عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ
 &quot; لا بالظلم والجور, بل بالعدل وظلمهم, أخذتهم الصيحة, فأهلكتهم عن
 آخرهم. <br>
 &quot; فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً &quot; أي هشيما يبسا
 بمنزلة غثاء السيل الملقى في جنبات الوادي, وقال في الآية الأخرى &quot;
 إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ
 الْمُحْتَظِرِ &quot; &quot; فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ &quot; أي:
 أتبعوا مع عذابهم, البعد واللعنة والذم من العالمين. <br>
 &quot; فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا
 كَانُوا مُنْظَرِينَ &quot; . <br>
 هذا التعبير مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم. <br>
 وفيه تهكم بهم, وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده, فيقال عنه: &quot;
 بكت عليه السماء والأرض &quot; . <br>
 ومنه ما روي &quot; أن المؤمن إذا مات, ليبكي عليه مصلاه, ومحل
 عبادته, ومصاعد عمله, ومهابط رزقه, وآثاره في الأرض &quot; . <br>
 وعن الحسن يبكي عليه أهل السماء والأرض. <br>
 &quot; وَمَا كَانُوا &quot; لما جاءهم وقت هلاكهم &quot; مُنْظَرِينَ &quot; أي: ممهلين إلى وقت آخر, بل عجل لهم
 العذاب في الدنيا. <br>
 والمعنى الإجمالي: فما حزنت عليهم السماء والأرض عندما أخذهم العذاب, لهوان شأنهم,
 لأنهم ماتوا كفارا, ولم ينظروا لتوبة, ولم يمهلوا لتدارك تقصيرهم احتقارا لهم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين &quot; </h1>
  
 <p>أي: ثم أنشأنا من بعد هؤلاء المكذبين المعاندين, قرونا آخرين, كل أمة
 في وقت مسمى, وأجل محدود, لا تتقدم عنه ولا تتأخر. <br>
 وأرسلنا إليهم رسلا متتابعة, لعلهم يؤمنون ويبينون. <br>
 فلم يزل الكفر والتكذيب, دأب الأمم العصاة, والكفرة البغاة كلما جاء أمة رسولها,
 كذبوه, مع أن كل رسول يأتي من الآيات, ما يؤمن على مثله البشر. <br>
 بل مجرد دعوة الرسل وشرعهم, يدل على حقية ما جاءوا به. <br>
 &quot; فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا &quot; بالهلاك,
 فلم يبق منهم باقية, وتعطلت مساكنهم من بعدهم. <br>
 &quot; وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ &quot; يتحدث بهم من
 بعدهم, ويكونون عبرة للمتقين, ونكالا للمكذبين, وخزيا عليهم مقرونا بعذابهم. <br>
 &quot; فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ &quot; ما
 أشقاهم!! وتعسا لهم, ما أخسر صفقتهم!!. <br>
 مر علي منذ زمان طويل, كلام لبعض العلماء لا يحضرني الآن اسمه, وهو أنه بعد موسى
 ونزول التوراة, رفع الله العذاب عن الأمم, أي: عذاب الاستئصال, وشرع للمكذبين
 المعاندين بالجهاد, ولم أدر من أين أخذه. <br>
 فلما تدبرت هذه الآيات, مع الآيات التي في سورة القصص, تبين لي وجهه. <br>
 أما هذه الآيات, فلأن الله, ذكر الأمم المهلكة المتتابعة على الهلاك. <br>
 ثم أخبر أنه أرسل موسى بعدهم, وأنزل عليه التوراة, فيها الهداية للناس. <br>
 ولا يرد على هذا, إهلاك فرعون, فإنه قبل نزول التوراة. <br>
 وأما الآيات التي في سورة القصص, فهي صريحة جدا. <br>
 فإنه لما ذكر هلاك فرعون قال: &quot; وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى
 الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ
 وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ &quot; فهذا صريح أنه آتاه
 الكتاب بعد هلاك الأمم الباغية. <br>
 وأخبر أنه أنزله بصائر للناس, وهدى ورحمة. <br>
 ولعل من هذا, ما ذكر الله في سورة &quot; يونس &quot; من
 قولة &quot; ثم بعثنا من بعده &quot; أي من بعد نوح &quot; رسلا إلى قومهم فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع
 على قلوب المعتدين ثم بعثنا من بعدهم موسى وهرون &quot; الآيات والله أعلم.
 </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين &quot; </h1>
  
 <p>فقوله &quot; ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى &quot; بن
 عمران, كليم الرحمن &quot; وَأَخَاهُ هَارُونَ &quot; حين
 سأل ربه أن يشركه في أمره فأجاب سؤله. <br>
 &quot; بِآيَاتِنَا &quot; الدالة على صدقهما وصحة ما جاءا
 به &quot; وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ &quot; أي: حجة بينة. <br>
 من قوتها, أن تقهر القلوب, وتتسلط عليها لقوتها فتنقاد لها قلوب المؤمنين, وتقوم
 الحجة البينة على المعاندين. <br>
 وهذا كقوله &quot; وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ
 بَيِّنَاتٍ &quot; ولهذا رئيس المعاندين عرف الحق وعاند &quot;
 فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ &quot; بتلك الآيات البينات &quot; فَقَالَ &quot; له &quot; فِرْعَوْنُ
 إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ
 هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ
 يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا &quot; . <br>
 وقال تعالى: &quot; وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا
 أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا &quot; . <br>
 وقال هنا &quot; ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ
 بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ &quot; كـ &quot; هامان &quot; وغيره من رؤسائهم. <br>
 &quot; فَاسْتَكْبَرُوا &a