تفسير سورة الفرقان

رجوع
 
<div class="wrapper" style="padding:10px;">
 <h1 class="title">سورة الفرقان - تفسير السعدي</h1>
 
  
 <div class=Section1 dir=RTL>
  
 <p><h1>&quot; تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا
 &quot; </h1></p>
  
 <p>هذا بيان لعظمته
 الكاملة, وتفرده بالوحدانية من كل وجه, وكثرة خيراته وإحسانه, فقال: &quot;
 تَبَارَكَ &quot; أي: تعاظم, وكملت أوصافه, وكثرت خيراته, الذي من أعظم خيراته
 ونعمه, أن &quot; نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ &quot; الفارق بين الحلال والحرام,
 والهدى والضلال, وأهل السعادة من أهل الشقاوة. <br>
 &quot; عَلَى عَبْدِهِ &quot; محمد صلى الله عليه وسلم الذي كمل مراتب العبودية,
 وفاق جميع المرسلين. <br>
 &quot; لِيَكُونَ &quot; ذلك الإنزال للفرقان على عبده &quot; لِلْعَالَمِينَ
 نَذِيرًا &quot; . <br>
 ينذرهم بأس الله ونقمه, ويبين لهم, مواقع رضا الله من سخطه. <br>
 حتى إن من قبل نذارته, وعمل بها, كان من الناجين في الدنيا والآخرة, الذين حصلت
 لهم السعادة الأبدية, والملك السرمدي. <br>
 فهل فوق هذه النعمة, وهذا الفضل والإحسان, شيء؟ فتبارك الذي هذا بعض إحسانه
 وبركاته. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في
 الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ &quot; أى: له التصرف فيهما وحده, وجميع من فيهما, مماليك وعبيد له, مذعنون
 لعظمته, خاضعون لربوبيته, فقراء إلى رحمته, الذي &quot; لَمْ
 يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ &quot; . <br>
 وكيف يكون له ولد, أو شريك, وهو المالك, وغيره مملوك, وهو القاهر, وغيره مقهور,
 وهو الغني بذاته, من جميع الوجوه, والمخلوقون, مفتقرون إليه, فقراء من جميع
 الوجوه؟!! وكيف يكون له شريك في الملك, ونواصي العباد كلهم بيديه, فلا يتحركون أو
 يسكنون, ولا يتصرفون, إلا بإذنه, فتعالى الله عن ذلك, علوا كبيرا. <br>
 فلم يقدره حق قدره, من قال فيه ذلك, ولهذا قال: &quot; وَخَلَقَ
 كُلَّ شَيْءٍ &quot; شمل العالم العلوي, والعالم السفلي, من حيواناته,
 ونباتاته, وجماداته. <br>
 &quot; فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا &quot; أي: أعطى كل مخلوق
 منها, ما يليق به, ويناسبه من الخلق, وما تقتضيه حكمته من ذلك, بحيث صار كل مخلوق,
 لا يتصور العقل الصحيح, أن يكون بخلاف شكله, وصورته المشاهدة. <br>
 بل كل جزء وعضو من المخلوق الواحد, لا يناسبه غير محله, الذي هو فيه. <br>
 قال تعالى: &quot; سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي
 خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى &quot; . <br>
 وقال تعالى: &quot; رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ
 خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون
 لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا &quot; </h1>
  
 <p>ولما بين كماله وعظمته, وكثرة إحسانه, كان ذلك مقتضيا لأن يكون وحده,
 المحبوب المألوه, المعظم, المفرد بالإخلاص وحده, لا شريك له - ناسب أن يذكر بطلان
 عبادة ما سواه فقال: &quot; وَاتَّخِذُوا &quot; إلى قوله &quot; وَلَا نُشُورًا &quot; . <br>
 أي: من أعجب العجائب, وأول الدليل على سفههم, ونقص عقولهم. <br>
 بل أدل على ظلمهم, وجراءتهم على ربهم, أن اتخذوا آلهة بهذه الصفة وبلغ من عجزها,
 أنها لا تقدر على خلق شيء, بل هم مخلوقون, بل بعضهم مما عملته أيديهم. <br>
 &quot; وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا
 &quot; أي: لا قليلا ولا كثيرا, لأنه نكرة في سياق النفي فتعم. <br>
 &quot; وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا
 &quot; أي: بعثا بعد الموت. <br>
 فأعظم أحكام العقل, بطلان إلهيتها, وفسادها, وفساد عقل من اتخذها آلهة, وشركاء
 للخالق لسائر المخلوقات, من غير مشاركة له, في ذلك الذي بيده النفع والضر, والعطاء
 والمنع, الذي يحيي ويميت, ويبعث من في القبور, ويجمعهم يوم النشور. <br>
 وقد جعل لهم دارين, دار الشقاء, والخزي, والنكال, لمن اتخذ معه آلهة أخرى. <br>
 ودار الفوز والسعادة, والنعيم المقيم, لمن اتخذه وحده, معبودا. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون
 فقد جاءوا ظلما وزورا &quot; </h1>
  
 <p>ولما قرر بالدليل القاطع الواضح, صحة
 التوحيد وبطلان ضده, قرر صحة الرسالة, وبطلان قول من عارضها واعترضها فقال: &quot; وَالَّذِينَ كَفَرُوا &quot; إلى &quot;
 إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا &quot; . <br>
 أي: وقال الكافرون بالله, الذي أوجب لهم كفرهم, أن قالوا في القرآن والرسول: إن
 هذا القرآن كذب, كذبه محمد, وإفك, افتراه على الله, وأعانه على ذلك قوم آخرون. <br>
 فرد الله عليهم ذلك, بأن هذا مكابرة منهم, وإقدام على الظلم والزور, الذي لا يمكن,
 أن يدخل عقل أحد, وهم أشد الناس معرفة بحالة الرسول صلى الله عليه وسلم, وكمال
 صدقه, وأمانته, وبره التام, وأنه لا يمكنه, لا هو, ولا سائر الخلق, أن يأتوا بهذا
 القرآن, الذي هو أجل الكلام وأعلاه, وأنه لم يجتمع بأحد يعينه, على ذلك, فقد جاءوا
 بهذا القول ظلما وزورا. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا
 &quot; </h1>
  
 <p>ومن جملة أقاويلهم فيه, أن قالوا: هذا الذي
 جاء به محمد &quot; أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا &quot; أي:
 هذا قصص الأولين وأساطيرهم, التي تتلقاها الأفواه, وينقلها كل أحد, استنسخها محمد &quot; فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا &quot; وهذا
 القول منهم, فيه عدة عظائم: منها: رميهم الرسول, الذي هو أبر الناس وأصدقهم,
 بالكذب, والجرأة العظيمة. <br>
 ومنها: إخبار عن هذا القرآن, الذي هو أصدق الكلام وأعظمه, وأجله, بأنه كذب
 وافتراء. <br>
 ومنها: أن في ضمن ذلك, أنهم قادرون أن يأتوا بمثله, وأن يضاهي المخلوق الناقص من
 كل وجه, للخالق الكامل من كل وجه, بصفة من صفاته, وهي الكلام. <br>
 ومنها: أن الرسول, قد علمت حاله, وهم أشد الناس علما بها, أنه لا يكتب, ولا يجتمع
 بمن يكتب له, وقد زعموا ذلك. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا
 رحيما &quot; </h1>
  
 <p>فلذلك رد عليهم ذلك بقوله &quot; قُلْ أَنْزَلَهُ
 الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ &quot; أي: أنزله
 من أحاط علمه بما في السماوات, وما في الأرض, من الغيب والشهادة, والجهر والسر,
 لقوله: &quot; وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ
 بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ &quot; .
 <br>
 ووجه إقامة الحجة عليهم, أن الذي أنزله, هو المحيط علمه بكل شيء فيستحيل ويمتنع,
 أن يقول مخلوق, ويتقول عليه, هذا القرآن, ويقول: هو من عند الله, وما هو من عنده,
 ويستحل دماء من خالفه, وأموالهم, ويزعم أن الله قال له ذلك. <br>
 والله يعلم كل شيء, ومع ذلك فهو يؤيده وينصره على أعدائه, ويمكنه من رقابهم
 وبلادهم, فلا يمكن أحدا أن ينكر هذا القرآن, إلا بعد إنكار علم الله. <br>
 وهذا لا تقول به طائفة من بني آدم, سوى الفلاسفة الدهرية. <br>
 وأيضا, فإن ذكر علمه تعالى العام, ينبههم,: ويحضهم على تدبر القرآن, وأنهم لو
 تدبروا, لرأوا فيه, من علمه وأحكامه, ما يدل دلالة قاطعة, على أنه لا يكون إلا من
 عالم الغيب والشهادة. <br>
 ومع إنكارهم للتوحيد والرسالة من لطف الله بهم, أنه لم يدعهم وظلمهم, بل دعاهم إلى
 التوبة والإنابة إليه, ووعدهم بالمغفرة والرحمة, إن هم تابوا, ورجعوا فقال: &quot; إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا &quot; أي: وصفه المغفرة, لأهل
 الجرائم والذنوب, إذا فعلوا أسباب المغفرة, وهي: الرجوع عن معاصيه, والتوبة منها. <br>
 &quot; رَحِيمًا &quot; بهم, حيث لم يعاجلهم بالعقوبة, وقد
 فعلوا مقتضاها. <br>
 وحيث قبل توبتهم بعد المعاصي, وحيث محا, ما سلف من سيئاتهم, وحيث قبل حسناتهم,
 وحيث أعاد الراجع إليه بعد شروده, والمقبل عليه بعد إعراضه, إلى حالة المطيعين
 المنيبين إليه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل
 إليه ملك فيكون معه نذيرا &quot; </h1>
  
 <p>هذا من مقالة المكذبين للرسول, الذين قدحوا في رسالته. <br>
 وهو: أنهم اعترضوا بأنه, هلا كان ملكا أو ملكا, أو يساعده ملك, فقالوا: &quot; مَالِ هَذَا الرَّسُولِ &quot; أي: ما لهذا الذي ادعى
 الرسالة؟ تهكما منهم واستهزاء. <br>
 &quot; يَأْكُلُ الطَّعَامَ &quot; وهذا من خصائص البشر,
 فهلا كان ملكا, لا يأكل الطعام, ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر. <br>
 &quot; وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ &quot; البيع والشراء,
 وهذا - بزعهم - لا يليق بمن يكون رسولا. <br>
 مع أن الله قال: &quot; وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ
 الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي
 الْأَسْوَاقِ &quot; . <br>
 &quot; لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ &quot; أي: هلا
 أنزل معه ملك يساعده ويعاونه. <br>
 &quot; فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا &quot; وبزعمهم أنه غير
 كاف للرسالة, ولا بطوقه وقدرته القيام بها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن
 تتبعون إلا رجلا مسحورا &quot; </h1>
  
 <p>&quot; أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ &quot; أي: مال مجموع من غير تعب. <br>
 &quot; أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا &quot; فيستغني
 بذلك عن مشيه في الأسواق لطلب الرزق. <br>
 &quot; وَقَالَ الظَّالِمُونَ &quot; حملهم على القول,
 ظلمهم لا اشتباه منهم. <br>
 &quot; إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا &quot; هذا,
 وقد علموا كمال عقله, وحسن حديثه, وسلامته من جميع المطاعن. <br>
 ولما كانت هذه الأقوال منهم, عجيبة جدا, قال تعالى: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ &quot; وهي: هل كان ملكا, وزالت عنه خصائص البشر؟ أو معه ملك, لأنه غير قادر
 على ما قال, أو أنزل عليه كنز, أو جعلت له جنة تغنيه عن المشي في الأسواق, أو أنه
 كان مسحورا. <br>
 &quot; فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا &quot; قالوا:
 أقوالا متناقضة, كلها جهل, وضلال, وسفه, ليس في شيء منها هداية, بل ولا في شيء
 منها أدنى شبهة, تقدح في الرسالة. <br>
 فبمجرد النظر إليها وتصورها, يجزم العاقل ببطلانها, ويكفيه عن ردها. <br>
 ولهذا أمر تعالى بالنظر إليها, وتدبرها, والنظر: هل توجب التوقف عن الجزم للرسول
 بالرسالة والصدق؟ ولهذا أخبر أنه قادر على أن يعطيه خيرا كثيرا في الدنيا فقال: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها
 الأنهار ويجعل لك قصورا &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ &quot; أي: خيرا مما قالوا. <br>
 ثم فسره بقوله: &quot; جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
 وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا &quot; مرتفعة مزخرفة. <br>
 فقدرته ومشيئته, لا تقصر عن ذلك, ولكنه تعالى - لما كانت الدنيا عنده في غاية
 البعد والحقارة - أعطى منها أولياءه ورسله, ما اقتضته حكمته منها. <br>
 واقتراح أعدائهم بأنهم, هلا رزقوا منها رزقا كثيرا جدا, ظلم وجراءة. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا &quot; </h1>
  
 <p>ولما كانت تلك الأقوال, التي قالوها, معلومة
 الفساد, وأخبر تعالى أنها لم تصدر منهم لطلب الحق, ولا لاتباع البرهان, وإنما صدرت
 منهم تعنتا وظلما, وتكذيبا بالحق, قالوا ما في قلوبهم من ذلك, ولهذا قال: &quot; بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ &quot; . <br>
 والمكذب المتعنت, الذي ليس له قصد في اتباع الحق, لا سبيل إلى هدايته, ولا حيلة في
 مجادلته وإنما له حيلة واحدة, وهي نزول العذاب به, فلهذا قال: &quot;
 وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا &quot; أي: نارا
 عظيمة, قد اشتد سعيرها, وتغيظت على أهلها, واشتد زفيرها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا &quot; </h1>
  
 <p>&quot; إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ &quot; أي: قبل وصولهم, ووصولها إليهم &quot; سَمِعُوا لَهَا
 تَغَيُّظًا &quot; عليهم &quot; وَزَفِيرًا &quot; تقلق
 منهم الأفئدة, وتتصدع القلوب, ويكاد الواحد منهم, يموت خوفا منها, وذعرا, قد غضبت
 عليهم, لغضب خالقها, وقد زاد لهبها, لزيادة كفرهم وشرهم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ
 &quot; أي: وقت عذابهم, وهم في وسطها, جمع في مكان
 بين ضيق المكان, وتزاحم السكان وتقرينهم بالسلاسل والأغلال. <br>
 فإذا وصلوا لذلك المكان النحس, وحبسوا في أشر حبس &quot; دَعَوْا
 هُنَالِكَ ثُبُورًا &quot; دعوا على أنفسهم بالثبور, والخزي والفضيحة,
 وعلموا أنهم ظالمون معتدون, قد عدل فيهم الخالق, حيث أنزلهم بأعمالهم هذا المنزل,
 وليس ذلك الدعاء والاستغاثة بنافعة لهم, ولا مغنية من عذاب الله. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا &quot; </h1>
  
 <p>بل يقال لهم: &quot; لَا
 تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا &quot; أي:
 لو زاد ما قلتم أضعاف أضعافه, ما أفادكم إلا الهم, والغم, والحزن. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء
 ومصيرا &quot; </h1>
  
 <p>لما بين جزاء الظالمين, ناسب أن يذكر جزاء المتقين فقال: &quot; قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ &quot; إلى &quot;
 وَعْدًا مَسْئُولًا &quot; . <br>
 أي: قل لهم - مبينا لسفاهة رأيهم, واختيارهم الضار على النافع - &quot;
 أَذَلِكَ &quot; الذي وضعت لكم من العذاب &quot; خَيْرٌ
 أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ &quot; التي زادها
 تقوى الله, فمن قام بالتقوى, فالله قد وعده إياها. <br>
 &quot; كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً &quot; على تقواهم &quot; وَمَصِيرًا &quot; موئلا يرجعون إليها, ويستقرون فيها,
 ويخلدون دائما أبدا. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ &quot; أي ما يطلبون
 وتتعلق به أمانيهم ومشيئتهم, من المطاعم, والمشارب اللذيذة, والملابس الفاخرة,
 والنساء الجميلات, والقصور العاليات, والجنات, والحدائق المرجحنة والفواكه, التي
 تسر ناظريها وآكليها, من حسنها, وتنوعها, وكثرة أصنافها, والأنهار التي تجري في
 رياض الجنة, وبساتينها, حيث شاءوا يصرفونها, ويفجرونها أنهارا من ماء غير آسن,
 وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه, وأنهارا من خمر لذة للشاربين وأنهارا من عسل مصفى,
 وروائح طيبة, ومساكن مزخرفة, وأصوات شجية, تأخذ من حسنها, بالقلوب, ومزاورة
 الإخوان, والتمتع بلقاء الأحباب. <br>
 وأعلى من ذلك كله, التمتع بالنظر إلى وجه الرب الرحيم, وسماع كلامه, والحظوة
 بقربه, والسعادة برضاه, والأمن من سخطه, واستمرار هذا النعيم ودوامه, وزيادته على
 ممر الأوقات, وتعاقب الآنات &quot; كَانَ &quot; دخولها
 والوصول إليها &quot; عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا &quot; يسأله
 إياها, عباده المتقون بلسان حالهم, ولسان مقالهم. <br>
 فأي الدارين المذكورتين, خير وأولى بالإيثار؟ وأي العاملين, عمال دار الشقاء, أو
 عمال دار السعادة, أولى بالفضل والعقل, والفخر, يا أولي الألباب؟ لقد وضح الحق,
 واستنار السبيل, فلم يبق للمفرط عذر, في تركه الدليل. <br>
 فنرجوك يا من قضيت على أقوام بالشقاء, وأقوام بالسعادة, أن تجعلنا ممن كتبت لهم
 الحسنى وزيادة. <br>
 ونستعيذ بك اللهم, من حالة الأشقياء, ونسألك المعافاة منها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي
 هؤلاء أم هم ضلوا السبيل &quot; </h1>
  
 <p>يخبر تعالى عن حالة المشركين وشركائهم يوم القيامة, وتبريهم منهم,
 وبطلان سعيهم فقال: &quot; وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ &quot; أي:
 المكذبين المشركين &quot; وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
 فَيَقُولُ &quot; الله مخاطبا للمعبودين على وجه التقريع لمن عبدهم: &quot; أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا
 السَّبِيلَ &quot; هل أمرتموهم بعبادتكم, وزينتم لهم ذلك, أم ذلك من تلقاء
 أنفسهم؟ </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن
 متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 قَالُوا سُبْحَانَكَ &quot; نزهوا الله عن شرك
 المشركين به, وبرأوا أنفسهم من ذلك. <br>
 &quot; مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا &quot; أي: لا يليق بنا,
 ولا يحسن منا, أن نتخذ من دونك منه أولياء, نتولاهم, ونعبدهم, وندعوهم. <br>
 فإذا كنا محتاجين ومفتقرين إلى عبادتك, ومتبرين من عبادة غيرك, فكيف نأمر أحدا
 بعبادتنا؟ هذا لا يكون. <br>
 أو, سبحانك &quot; أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ
 &quot; وهذا كقول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام &quot;
 وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ
 اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا
 يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ
 عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ
 أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ
 اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ &quot; الآية. <br>
 وقال تعالى: &quot; وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ
 لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ
 أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ
 بِهِمْ مُؤْمِنُونَ &quot; , &quot; وَإِذَا حُشِرَ
 النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ &quot; .
 <br>
 فلما نزهوا أنفسهم, أن يدعوا لعبادة غير الله, أو يكونوا أضلوهم, ذكروا السبب
 الموجب لإضلال المشركين فقالوا: &quot; وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ
 وَآبَاءَهُمْ &quot; في لذات الدنيا وشهواتها, ومطالبها النفسية. <br>
 &quot; حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ &quot; اشتغالا في لذات
 الدنيا, وانكبابا على شهواتها, فحافظوا على دنياهم, وضيعوا دينهم &quot;
 وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا &quot; أي: بائرين لا خير فيهم, ولا يصلحون
 لصالح, لا يصلحون إلا للهلاك والبوار. <br>
 فذكروا المانع من اتباعهم الهدى, وهو التمتع في الدنيا, الذي صرفهم عن الهدى. <br>
 وعدم المقتضي للهدى, وهو: أنهم لا خير فيهم. <br>
 فإذا عدموا المقتضي, ووجد المانع, فلا تشاء من شر وهلاك, إلا وجدته فيهم. <br>
 فلما تبرأوا منهم, قال الله توبيخا وتقريعا للمعاندين: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم
 منكم نذقه عذابا كبيرا &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ &quot; إنهم
 أمروكم بعبادتهم, ورضوا فعلكم وأنهم شفعاء لكم عند ربكم. <br>
 كذبوكم في ذلك الزعم, وصاروا من أكبر أعدائكم, فحق عليكم العذاب. <br>
 &quot; فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا &quot; للعذاب عنكم بفعلكم,
 أو بفداء, أو غير ذلك. <br>
 &quot; وَلَا نَصْرًا &quot; لعجزكم, وعدم ناصركم. <br>
 هذا حكم الضالين المقلدين الجاهلين, كما رأيت, أسوأ حكم, وشر مصير. <br>
 وأما المعاند منهم, الذي عرف الحق وصدف عنه, فقال في حقه: &quot;
 وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ &quot; بترك الحق ظلما وعنادا &quot;
 نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا &quot; لا يقادر قدره, ولا يبلغ أمره. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في
 الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا &quot; </h1>
  
 <p>ثم قال تعالى جوابا لقول المكذبين: &quot; مَالِ هَذَا
 الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ &quot; . <br>
 فما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام, وما جعلناهم ملائكة, فلك فيهم أسوة. <br>
 وأما الغنى والفقر, فهو فتنة, وحكمة من الله تعالى, كما قال: &quot;
 وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً &quot; الرسول فتنة للمرسل
 إليهم, واختبار للمطيعين من العاصين, والرسل فتناهم بدعوة الخلق, والغنى فتنة
 للفقير, والفقر فتنة للغني. <br>
 وهكذا سالر أصناف الخلق في هذه الدار, دار الفتن والابلاء والاختبار. <br>
 والقصد من تلك الفتنة &quot; أَتَصْبِرُونَ &quot; فتقومون
 بما هو وظيفتكم اللازمة الراتبة, فيثيبكم مولاكم, أم لا تصبرون فتستحقون المعاقبة؟
 &quot; وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا &quot; يرى ويعلم أحوالكم
 ويصطفي من يعلمه يصلح لرسالته, ويختصه بتفضيله, ويعلم أعمالكم فيجازيكم عليها, إن
 خيرا فخير, وإن شرا فشر. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى
 ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا &quot; </h1>
  
 <p>أي: قال المكذبون للرسول, المكذبون بوعد الله ووعيده, الذين ليس في
 قلوبهم خوف الوعيد, ولا رجاء لقاء الخالق. <br>
 &quot; لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى
 رَبَّنَا &quot; أي: هلا نزلت الملائكة, تشهد لك بالرسالة, وتؤيدك عليها,
 أو تنزل رسلا مستقلين, أو نرى ربنا, فيكلمنا, ويقول: هذا رسولي فاتبعوه؟ وهذا
 معارضة للرسول, بما ليس بمعارض, بل بالتكبر والعلو والعتو. <br>
 &quot; لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ &quot; حيث
 اقترحوا هذا الاقتراح, وتجرأوا هذه الجرأة. <br>
 فمن أنتم يا فقراء, ويا مساكين, حتى تطلبوا رؤية الله, وتزعموا أن الرسالة, متوقف
 ثبوتها على ذلك؟ وأي كبر أعظم من هذا؟. <br>
 &quot; وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا &quot; أي: قسوا وصلبوا
 عن الحق, قساوة عظيمة. <br>
 فقلوبهم أشد من الأحجار, وأصلب من الحديد, لا تلين للحق, ولا تصغى للناصحين. <br>
 فلذلك لم ينجع فيهم وعظ ولا تذكير, ولا اتبعوا الحق, حين جاءهم النذير. <br>
 بل قابلوا أصدق الخلق وأنصحهم, وآيات الله البينات, بالإعراض والتكذيب. <br>
 فأي عتو أكبر من هذا العتو؟!! ولذلك, بطلت أعمالهم, واضمحلت, وخسروا أشد الخسران. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot; يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ
 لِلْمُجْرِمِينَ &quot; وذلك أنهم لا يرونها, مع
 استمرارهم, على جرمهم وعنادهم, إلا لعقوبتهم, وحلول البأس بهم. <br>
 فأول ذلك عند الموت, إذا تنزلت عليهم الملائكة, قال الله تعالى: &quot;
 وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ
 بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ
 الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ
 عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ &quot; . <br>
 ثم في القبر, حيث يأتيهم منكر ونكير, فيسألانهم, عن ربهم, ونبيهم, ودينهم, فلا
 يجيبون جوابا ينجيهم, فيحلون بهم النقمة, وتزول عنهم بهم الرحمة. <br>
 ثم يوم القيامة, حين تسوقهم الملائكة إلى النار, ثم يسلمونهم لخزنة جهنم, الذين
 يتولون عذابهم, ويباشرون عقابهم. <br>
 فهذا الذي اقترحوه, وهذا الذي طلبوه, إن استمروا على إجرامهم لا بد أن يروه
 ويلقوه. <br>
 وحينئذ يتعوذون من الملائكة, ويفرون, ولكن لا مفر لهم. <br>
 &quot; وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا &quot; &quot; يَا
 مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ
 السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ &quot;
 . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ &quot; أي: أعمالهم التي رجوا أن تكون خيرا لهم, وتعبوا فيها. <br>
 &quot; فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا &quot; أي: باطلا
 مضمحلا, قد خسروه, وحرموا أجره, وعوقبوا عليه, وذلك لفقده الإيمان, وصدوره عن مكذب
 لله ورسله. <br>
 فالعمل الذي يقبله الله, هو ما صدر من المؤمن المخلص, المصدق للرسل, المتبع لهم
 فيه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا &quot; </h1>
  
 <p>أي: في ذلك اليوم الهائل, كثير البلابل &quot;
 أَصْحَابُ الْجَنَّةِ &quot; الذين آمنوا بالله, وعملوا صالحا, واتقوا ربهم
 &quot; خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا &quot; من أهل النار &quot; وَأَحْسَنُ مَقِيلًا &quot; أي: مستقرهم في الجنة, وراحتهم
 التي هي القيلولة, هو المستقر النافع, والراحة التامة, لاشتمال ذلك, على تمام
 النعيم, الذي لا يشوبه كدر. <br>
 بخلاف أصحاب النار, فإن جهنم مستقرهم &quot; سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا
 وَمُقَامًا &quot; وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل, فيما ليس في الطرف
 الآخر منه شيء, لأنه لا خير في مقيل أهل النار ومستقرهم, كقوله &quot;
 آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا &quot; </h1>
  
 <p>يخبر تعالى عن عظمة يوم القيامة, وما فيه من الشدة والكروب, ومزعجات
 القلوب فقال: &quot; وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ
 &quot; وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه, من فوق السماوات, فتنفطر له
 السماوات, وتشقق, وتنزل الملائكة كل سماء, فيقفون صفا صفا, إما صفا واحدا محيطا
 بالخلائق, وإما كل سماء, يكونون صفا, ثم السماء التي تليها صفا وهكذا. <br>
 القصد أن الملائكه - على كثرتهم وقوتهم - ينزلون محيطين بالخلق, مدعنين لأمر ربهم,
 لا يتكلم منهم أحد, إلا بإذن من الله. <br>
 فما ظنك بالآدمي الضعيف, خصوصا, الذي بارز مالكه بالعظائم, وأقدم على مساخطه, ثم
 قدم عليه بذنوب وخطايا, لم يتب منها, فيحكم فيه الملك الخلاق, بالحكم الذي لا
 يجور, ولا يظلم مثقال ذرة, ولهذا قال: &quot; وَكَانَ يَوْمًا
 عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا &quot; لصعوبته الشديدة, وتعسر أموره عليه. <br>
 بخلاف المؤمن, فإنه يسير عليه, خفيف الحمل. <br>
 &quot; يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا
 وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا &quot; </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا &quot; </h1>
  
 <p>وقوله &quot; الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ &quot; أي:
 يوم القيامة &quot; الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ &quot; لا يبقى
 لأحد من المخلوقين, ملك ولا صورة ملك, كما كانوا في الدنيا. <br>
 بل قد تساوت الملوك ورعاياهم, والأحرار, والعبيد, والأشراف وغيرهم. <br>
 ومما يرتاح له القلب, وتطمئن به النفس, وينشرح له الصدر, أنه أضاف الملك في يوم
 القيامة, لاسمه &quot; الرحمن &quot; الذي وسعت رحمته كل
 شيء, وعمت كل حي, وملأت الكائنات, وعمرت بها الدنيا والآخرة, وتم بها كل ناقص,
 وزال بها كل نقص. <br>
 وغلبت الأسماء الدالة عليه, الأسماء الدالة على الغضب, وسبقت رحمته غضبه وغلبته,
 فلها السبق والغلبة. <br>
 وخلق هذا الآدمي الضعيف, وشرفه, وكرمه, ليتم عليه نعمته, وليتغمده برحمته. <br>
 وقد حضروا في موقف الذل, والخضوع, والاستكانة بين يديه, ينتظرون ما يحكم فيهم, وما
 يجري عليهم, وهو أرحم بهم من أنفسهم, ووالديهم, فما ظنك بما يعاملهم به. <br>
 ولا يهلك على الله, إلا هالك, ولا يخرج من رحمته, إلا من غلبت عليه الشقاوة, وحقت
 عليه كلمة العذاب. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ &quot; بشركه وكفره,
 وتكذيبه للرسل &quot; عَلَى يَدَيْهِ &quot; تأسفا, وتحسرا,
 وحزنا, وأسفا. <br>
 &quot; يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا
 &quot; أي طريقا بالإيمان به, وتصديقه واتباعه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا &quot; </h1>
  
 <p>&quot; يَا
 وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا &quot; وهو الشيطان الإنسي, أو الجني. <br>
 &quot; خَلِيلًا &quot; أي, حبيبا مصافيا, عاديت أنصح الناس
 لي, وأبرهم بي, وأرفقهم بي. <br>
 وواليت أعدى عدو لي, الذي لم تفدني ولايته, إلا الشقاء والخسار والخزي, والبوار. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي &quot; حيث زين له, ما هو عليه من الضلال, بخدعه وتسويله. <br>
 &quot; وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا &quot; يزين
 له الباطل, ويقبح له الحق, ويعده الأماني, ثم يتخلى عنه, ويتبرأ منه, كما قال
 لجميع أتباعه, حين قضي الأمر, وفرغ الله من حساب الخلق &quot;
 وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ
 الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ
 سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا
 أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي
 كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ &quot; الآية. <br>
 فلينظر العبد لنفسه وقت الإمكان, وليتدارك الممكن قبل أن لا يمكن. <br>
 وليوال من ولايته, فيها سعادته, وليعاد من تنفعه عداوته, وتضره صداقته. <br>
 والله الموفق. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَقَالَ الرَّسُولُ &quot; مناديا
 لربه, وشاكيا له إعراض قومه عما جاء به, ومتأسفا على ذلك منهم: &quot;
 يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي &quot; الذي أرسلتني لهدايتهم وتبليغهم. <br>
 &quot; اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا &quot; أي
 قد أعرضوا عنه, وهجروه, وتركوه, مع أن الواجب عليهم, الانقياد لحكمه, والإقبال على
 أحكامه, والمشي خلفه. <br>
 قال الله مسليا لرسوله, ومخبرا, أن هؤلاء الخلق, لهم سلف, صنعوا. <br>
 كصنيعهم, فقال: </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ
 الْمُجْرِمِينَ &quot; أي من الذين لا يصلحون
 للخير, ولا يزكون عليه, يعارضونهم, ويردون عليهم, ويجادلونهم بالباطل. <br>
 من بعض فوائد ذلك, أن يعلو الحق على الباطل, وأن يتبين الحق, ويتضح اتضاحا عظيما
 لأن معارضة الباطل للحق, مما تزيده وضوحا وبيانا, وكمال استدلال, وأن نتبين ما
 يفعل الله بأهل الحق من الكرامة, وبأهل الباطل من العقوبة. <br>
 فلا تحزن عليهم, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات. <br>
 &quot; وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا &quot; يهديك, فيحصل لك
 المطلوب, ومصالح دينك ودنياك. <br>
 &quot; وَنَصِيرًا &quot; ينصرك على أعدائك, ويدفع عنك كل
 مكروه, في أمر الدين والدنيا, فاكتف به, وتوكل عليه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت
 به فؤادك ورتلناه ترتيلا &quot; </h1>
  
 <p>هذا من جملة مقترحات الكفار, الذي توحيه إليهم أنفسهم فقالوا: &quot; لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً &quot; وأي
 محذور من نزوله على هذا الوجه؟, بل نزوله على هذا الوجه أكمل وأحسن. <br>
 ولهذا قال: &quot; كَذَلِكَ &quot; أنزلناه متفرقا &quot; لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ &quot; لأنه كلما نزل عليه شيء
 من القرآن, ازداد طمأنينة وثباتا, وخصوصا عند ورود أسباب القلق, فإن نزول القرآن
 عند حدوث السبب, يكون له موقع عظيم, وتثبيت كثير, أبلغ مما ل