تفسير سورة القصص

رجوع
 
<div class="wrapper" style="padding:10px;">
 <h1 class="title">سورة القصص - تفسير السعدي</h1>
 
  
 <div class=Section1 dir=RTL>
  
 <p><h1>&quot; تلك آيات الكتاب المبين &quot; </h1></p>
  
 <p>&quot; تِلْكَ &quot; الآيات المستحقة للتعظيم والتفخيم &quot;
 آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ &quot; لكل أمر يحتاج إليه العباد, من معرفة ربهم,
 ومعرفة حقوقه, ومعرفة أوليائه وأعدائه, ومعرفة وقائعه وأيامه, ومعرفة ثواب
 الأعمال, وجزاء العمال. <br>
 فهذا القرآن قد بينها غاية التبيين, وجلَّالها للعباد, ووضحها. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون &quot; </h1>
  
 <p>ومن جملة ما أبان, قصة موسى وفرعون, فإنه
 أبداها, وأعادها في عدة مواضع. <br>
 وبسطها في هذا الموضع فقال: &quot; نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ
 مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ &quot; . <br>
 فإن نبأهما غريب, وخبرهما عجيب. <br>
 &quot; لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ &quot; فإليهم يساق الخطاب,
 ويوجه الكلام. <br>
 حيث إن معهم من الإيمان, ما يقبلون به, على تدبُّر ذلك, وتلقِّيه بالقبول
 والاهتداء, بمواقع العبر, ويزدادون به إيمانا, ويقينا, وخيرا إلى خيرهم. <br>
 وأما من عداهم, فلا يستفيدون منه, إلا إقامة الحجة عليهم, وصانه اللّه عنهم, وجعل
 بينهم وبينه حجابا أن يفقهوه. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح
 أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين &quot; </h1>
  
 <p>فأول هذه القصة &quot; إِنَّ
 فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ &quot; في ملكه وسلطانه, وجنوده, وجبروته,
 فصار من أهل العلو فيها, لا من الأعلين فيها. <br>
 &quot; وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا &quot; أي: طوائف
 متفرقة, يتصرف فيهم بشهوته, وينفذ فيهم ما أراد من قهره, وسطوته. <br>
 &quot; يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ &quot; وتلك
 الطائفة, هم: بنو إسرائيل, الذين فضلهم اللّه على العالمين, الذين ينبغي له أن
 يكرمهم ويجلهم. <br>
 ولكنه استضعفهم, بحيث إنه رأى أنهم لا منعة لهم تمنعهم مما أراده فيهم. <br>
 فصار لا يبالي بهم ولا يهتم بشأنهم, وبلغت به الحال, إلى أنه &quot;
 يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ &quot; خوفا من أن
 يكثروا, فيغمروه في بلاده, ويصير لهم الملك. <br>
 &quot; إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ &quot; الذين لا
 قصد لهم في صلاح الدين, ولا صلاح الدنيا, وهذا من إفساده في الأرض. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم
 الوارثين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَنُرِيدُ
 أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ &quot; بأن نزيل عنهم مواد الاستضعاف, ونهلك من قاومهم, ونخذل من ناوأهم. <br>
 &quot; وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً &quot; في الدين, وذلك لا
 يحصل مع استضعاف, بل لا بد من تمكين في الأرض, وقدرة تامة. <br>
 &quot; وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ &quot; للأرض, الذين
 لهم العاقبة في الدنيا قبل الآخرة. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا
 يحذرون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ &quot; فهذه الأمور كلها, قد تعلقت بها إرادة اللّه, وجرت بها مشيئته. <br>
 وكذلك نريد أن &quot; وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ &quot; وزيره
 &quot; وَجُنُودَهُمَا &quot; الذين بهم صالوا وجالوا,
 وعلوا وبغوا &quot; مِنْهُمْ &quot; أي: من هذه الطائفة
 المستضعفة. <br>
 &quot; مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ &quot; من إخراجهم من
 ديارهم, ولذلك كانوا يسعون في قمعهم, وكسر شوكتهم, وتقتيل أبنائهم, الذين هم محل
 ذلك. <br>
 فكل هذا قد أراده اللّه, وإذا أراد أمرا, سهل أسبابه, ونهج طرقه. <br>
 وهذا الأمر كذلك, فإنه قدر وأجرى من الأسباب - التي لم يشعر بها لا أولياؤه ولا
 أعداؤه - ما هو سبب موصل إلى هذا المقصود. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم
 ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين &quot; </h1>
  
 <p>فأول ذلك, لما أوجد اللّه رسوله موسى, الذي جعل استنقاذ هذا الشعب
 الإسرائيلي على يديه وبسببه, وكان في وقت تلك المخافة العظيمة, التي يذبحون بها
 الأبناء, أوحى إلى أمه, أن ترضعه, ويمكث عندها. <br>
 &quot; فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ &quot; بأن أحسست أحدا
 تخافين عليه منه أن يوصله إليهم. <br>
 &quot; فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ &quot; أي نيل مصر, في وسط
 تابوت مغلق. <br>
 &quot; وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ
 وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ &quot; . <br>
 فبشرها بأنه سيرده إليها, وأنه سيكبر ويسلم من كيدهم, ويجعله اللّه رسولا. <br>
 وهذا من أعظم البشائر الجليلة, وتقديم هذه البشارة لأم موسى, ليطمئن قلبها, ويسكن
 روعها, فكأنها خافت عليه, وفعلت ما أمرت به, ألقته في اليم, وساقه اللّه تعالى. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان
 وجنودهما كانوا خاطئين &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ &quot; فصار من
 لقطهم, وهم الذين باشروا وجدانه. <br>
 &quot; لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا &quot; أي:
 لتكون العاقبة والمآل من هذا الالتقاط, أن يكون عدوا لهم وحزنا يحزنهم, بسبب أن
 الحذر لا ينفع من القدر, وأن الذي خافوا منه من بني إسرائيل, قيض اللّه أن يكون
 زعيمهم, يتربى تحت أيديهم, وعلى نظرهم, وبكفالتهم. <br>
 وعند التدبر والتأمل, تجد في طي ذلك من المصالح لبني إسرائيل, ودفع كثير من الأمور
 الفادحة بهم, ومنع كثير من التعديات قبل رسالته بحيث إنه صار من كبار المملكة. <br>
 وبالطبع لا بد أن يحصل منه مدافعة عن حقوق شعبه هذا, وهو هو ذو الهمة العالية
 والغيرة المتوقدة. <br>
 ولهذا وصلت الحال بذلك الشعب المستضعف - الذي بلغ بهم الذل والإهانة, إلى ما قص
 اللّه علينا بعضه - أن صار بعض أفراده, ينازع ذلك الشعب القاهر العالي في الأرض:
 كما سيأتي بيانه. <br>
 وهذا مقدمة للظهور, فإن اللّه تعالى من سنته الجارية, أن جعل الأمور تمشي على
 التدريج, شيئا فشيئا, ولا تأتي دفعة واحدة. <br>
 وقوله &quot; إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا
 خَاطِئِينَ &quot; أي: مجرمين, فأردنا أن نعاقبهم على إجرامهم, ونكيد لهم,
 جزاء على مكرهم وكيدهم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو
 نتخذه ولدا وهم لا يشعرون &quot; </h1>
  
 <p>فلما التقظه آل فرعون, حنَّن اللّه عليه امرأة فرعون الفاضلة الجليلة,
 المؤمنة &quot; آسية &quot; بنت مزاحم &quot;
 وَقَالَتِ &quot; : هذا الولد &quot; قُرَّةُ عَيْنٍ لِي
 وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ &quot; . <br>
 أي أبقه لنا, لِتقرَّ به أعيننا, ونسر به في حياتنا. <br>
 &quot; عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا &quot; أي:
 لا يخلو, إما أن يكون بمنزلة الخدم, الذين يسعون في نفعنا وخدمتنا أو نرقيه درجة
 أعلى من ذلك, نجعله ولدا لنا, ونكرمه, ونجله. <br>
 فقدَّر اللّه تعالى, أنه نفع امرأة فرعون, التي قالت تلك المقالة. <br>
 فإنه لما صار قرة عين لها, وأحبته حبا شديدا, فلم يزل لها بمنزلة الولد الشقيق,
 حتى كبر, ونبأه اللّه وأرسله, بادرت إلى الإسلام والإيمان به, رضى اللّه عنها,
 وأرضاها. <br>
 قال اللّه تعالى هذه المراجعات والمقاولات, في شأن موسى: &quot;
 وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ &quot; ما جرى به القلم, ومضى به القدر, من وصوله
 إلى ما وصل إليه. <br>
 وهذا من لطفه تعالى, فإنهم لو شعروا, لكان لهم وله, شأن آخر. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على
 قلبها لتكون من المؤمنين &quot; </h1>
  
 <p>ولما فقدت موسى أمه, حزنت حزنا شديدا, وأصبح فؤادها فارغا من القلق,
 الذي أزعجها, على مقتضى الحالة البشرية, مع أن اللّه تعالى نهاها عن الحزن والخوف,
 ووعدها برده. <br>
 &quot; إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ &quot; أي: بما في
 قلبها &quot; لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا &quot; فثبتناها,
 فصبرت, ولم تبد به. <br>
 &quot; لِتَكُونَ &quot; بذكر الصبر والثبات &quot; مِنَ الْمُؤْمِنِينَ &quot; فإن العبد إذا أصابته مصيبة,
 فصبر وثبت, ازداد بذلك إيمانه, ودل ذلك, على أن استمرار الجزع مع العبد, دليل على
 ضعف إيمانه</p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَقَالَتِ &quot; أم موسى &quot; لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ &quot; أي: اذهبي فقصي الأثر عن أخيك,
 وابحثي عنه, من غير أن يحس بك أحد, أو يشعروا بمقصودك. <br>
 فذهبت تقصه &quot; فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا
 يَشْعُرُونَ &quot; أي: أبصرته على وجه, كأنها مارة لا قصد لها فيه. <br>
 وهذا من تمام الحزم والحذر, فإنها لو أبصرته, وجاءت إليهم قاصدة لظنوا بها, أنها
 هي التي ألقته, فربما عزموا على ذبحه, عقوبة لأهله. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه
 لكم وهم له ناصحون &quot; </h1>
  
 <p>ومن لطف اللّه بموسى وأمه, أن منعه من قبول ثدي امرأة, فأخرجوه إلى
 السوق, رحمة به, ولعل أحدا يطلبه. <br>
 فجاءت أخته, وهو بتلك الحال &quot; فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ
 عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ &quot; .
 <br>
 وهذا جُلُّ غرضهم, فإنهم أحبوه حبا شديدا, وقد منعه اللّه من المراضع فخافوا أن
 يموت. <br>
 فلما قالت لهم أخته, تلك المقالة المشتملة على الترغيب, في أهل هذا البيت, بتمام
 حفظه وكفالته, والنصح له, بادروا إلى إجابتها, فأعلمتهم, ودلتهم على أهل هذا
 البيت. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق
 ولكن أكثرهم لا يعلمون &quot; </h1>
  
 <p>&quot; فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ &quot; كما وعدناها بذلك &quot; كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا
 تَحْزَنَ &quot; بحيث أنه تربى عندها, على وجه تكون فيه آمنة مطمئنة, تفرح
 به, وتأخذ الأجرة الكثيرة على ذلك. <br>
 &quot; وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ &quot; فأريناها
 بعض ما وعدناها به عيانا, ليطمئن بذلك قلبها, ويزداد إيمانها, ولتعلم أنه سيحصل
 وعد اللّه, في حفظه, ورسالته. <br>
 &quot; وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ &quot; فإذا
 رأوا السبب متشوشا, شوش ذلك إيمانهم, لعدم علمهم الكامل, أن اللّه تعالى يجعل المحن
 والعقبات الشاقة, بين يدي الأمور العالية, والمطالب الفاضلة. <br>
 فاستمر موسى عليه الصلاة والسلام عند آل فرعون, يتربى في سلطانهم, ويركب مراكبهم,
 ويلبس ملابسهم. <br>
 وأمه بذلك مطمئنة, قد استقر أنها أمه من الرضاع, ولم يستنكر ملازمته إياها, وحنوه
 عليها. <br>
 وتأمل هذا اللطف من اللّه, وصيانة نبيه موسى من الكذب في منطقه, وتيسير الأمر,
 الذي صار به التعلق, بينه وبينها, الذي بان للناس, أنه هو الرضاع, الذي بسببه
 يسميها أُمَّا, فكان الكلام الكثير منه ومن غيره في ذلك كله, صدقا وحقا. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ &quot; من القوة والعقل
 واللب, وذلك نحو أربعين سنة في الغالب. <br>
 &quot; وَاسْتَوَى &quot; فكملت فيه تلك الأمور &quot; آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا &quot; أي: حكما يعرف به
 الأحكام الشرعية, ويحكم به بين الناس, وعلما كثيرا. <br>
 &quot; وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ &quot; في عبادة
 اللّه المحسنين, لخلق اللّه, يعطيهم علما وحكما, بحسب إحسانهم, ودل هذا على كمال
 إحسان موسى عليه السلام. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان
 هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى
 فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا
 &quot; إما وقت القائلة, أو غير ذلك من الأوقات,
 التي بها يغفلون عن الانتشار. <br>
 &quot; فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ &quot; يتخاصمان
 ويتضاربان &quot; هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ &quot; أي من بني
 إسرائيل &quot; وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ &quot; كالقبط. <br>
 &quot; فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ
 عَدُوِّهِ &quot; لأنه قد اشتهر, وعلم الناس أنه من بني إسرائيل, واستغاثته
 لموسى, دليل على أنه بلغ موسى عليه السلام مبلغا, يخاف منه, ويرجى من بيت المملكة
 والسلطان. <br>
 &quot; فَوَكَزَهُ مُوسَى &quot; أي: وكز الذي من عدوه,
 استجابة لاستغاثة الإسرائيلي. <br>
 &quot; فَقَضَى عَلَيْهِ &quot; أي: أماته من تلك الوكزة,
 لشدتها, وقوة موسى. <br>
 فندم موسى عليه السلام على ما جرى منه, و &quot; قَالَ هَذَا مِنْ
 عَمَلِ الشَّيْطَانِ &quot; أي: من تزيينه, ووسوسته &quot;
 إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ &quot; فلذلك أجريت ما أجريت بسبب عداوته
 البينة, وحرصه على الإضلال. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم
 &quot; </h1>
  
 <p>ثم استغفر ربه &quot; قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ
 نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ &quot; خصوصا
 للمخبتين إليه, المبادرين للإنابة والتوبة, كما جرى من موسى عليه السلام. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; قَالَ &quot; موسى &quot; رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ &quot; بالتوبة والمغفرة,
 والنعم الكثيرة &quot; فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا &quot; أي:
 معينا ومساعدا &quot; لِلْمُجْرِمِينَ &quot; أي: لا أعين
 أحدا على معصية. <br>
 وهذا وعد من موسى عليه السلام, بسبب منة اللّه عليه, أن لا يعين مجرما, كما فعل في
 قتل القبطي. <br>
 وهذا يفيد أن النعم, تقتضي من العبد فعل الخير, وترك الشر. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه
 قال له موسى إنك لغوي مبين &quot; </h1>
  
 <p>لما جرى منه قتل الذي هو من عدوه &quot; فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ &quot; هل
 يشعر به آل فرعون, أم لا؟ وإنما خاف, لأنه قد علم, أنه لا يتجرأ أحد على مثل هذه
 الحال, سوى موسى, من بني إسرائيل. <br>
 فبينما هو على تلك الحال &quot; فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ
 بِالْأَمْسِ &quot; على عدوه &quot; يَسْتَصْرِخُهُ &quot; على
 قبطي آخر. <br>
 &quot; قَالَ لَهُ مُوسَى &quot; موبخا على حاله &quot; إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ &quot; أي: بين الغواية, ظاهر
 الجراءة. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن
 تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون
 من المصلحين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ &quot; موسى &quot; بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا &quot; أي:
 له وللمخاصم المستصرخ لموسى, أي: لم يزل اللجاج بين القبطي والإسرائيلي, وهو
 يستغيث بموسى, فأخذته الحمية, حتى هم أن يبطش بالقبطي. <br>
 &quot; قَالَ &quot; له القبطي زاجرا له عن قتله: &quot; يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ
 إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ &quot; لأن من
 أعظم آثار الجبار في الأرض, قتل النفس بغير حق. <br>
 &quot; وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ &quot; وإلا,
 فلو أردت الإصلاح, لحلت بيني وبينك, من غير قتل أحد. <br>
 فانكف موسى عن قتله, وارعوى, لوعظه وزجره. <br>
 وشاع الخبر بما جرى من موسى في هاتين القضيتين, حتى تراود ملأ فرعون, وفرعون على
 قتله, وتشاوروا على ذلك. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك
 ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين &quot; </h1>
  
 <p>فقيض اللّه, ذلك الرجل الناصح, وبادر إلى
 الإخبار لموسى بما اجتمع عليه رَأْيُ ملإهم. <br>
 فقال: &quot; وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى
 &quot; أي: ركضا على قدميه, من نصحه لموسى, وخوفه أن يوقعوا به, قبل أن
 يشعر. <br>
 &quot; قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ
 &quot; أي: يتشاورون فيك &quot; لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ
 &quot; عن المدينة &quot; إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ
 &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين &quot; </h1>
  
 <p>فامتثل نصحه &quot; فَخَرَجَ
 مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ &quot; أن يوقع به القتل, ودعا اللّه. <br>
 &quot; قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ &quot; فإنه
 قد تاب من ذنبه وفعله غضبا, من غير قصد منه للقتل, فَتَوعُّدُهُمْ له, ظلم منهم
 وجراءة. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل &quot;
 </h1>
  
 <p>&quot;
 وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ &quot; أي:
 قاصدا بوجهه مدين, وهو جنوبي فلسطين, حيث لا ملك فيه لفرعون. <br>
 &quot; قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ
 &quot; أي: وسط الطريق المختصر, الموصل إليها, بسهولة ورفق, فهداه اللّه
 سواء السبيل, فوصل إلى مدين. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم
 امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً
 مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ &quot; مواشيهم, وكانوا
 أهل ماشية كثيرة &quot; وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ &quot; أي:
 دون تلك الأمة &quot; امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ &quot; غنمهما,
 عن حياض الناس, لعجزهما عن مزاحمة الرجال, وبخلهم, وعدم مروءتهم, عن السقي لهما. <br>
 &quot; قَالَ &quot; لهما موسى &quot; مَا
 خَطْبُكُمَا &quot; أي: ما شأنكما بهذه الحالة. <br>
 &quot; قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ &quot; أي:
 قد جرت العادة أنه لا يحصل لنا سقي حتى يصدر الرعاء مواشيهم, فإذا خلا لنا الجو,
 سقينا. <br>
 &quot; وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ &quot; أي: لا قوة له على
 السقي, فليس فينا قوة, نقتدر بها, ولا لنا رجال, يزاحمون الرعاء. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير
 فقير &quot; </h1>
  
 <p>فرق لهما موسى عليه السلام ورحمهما &quot; فَسَقَى لَهُمَا &quot; غير طالب منهما الأجر, ولا له قصد,
 غير وجه اللّه تعالى. <br>
 فلما سقي لهما, وكان ذلك وقت شدة حر, وسط النهار, بدليل قوله: &quot;
 ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ &quot; مستريحا لتلك الظلال بعد التعب. <br>
 &quot; فَقَالَ &quot; في تلك الحالة, مسترزقا ربه &quot; رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
 &quot; . <br>
 أي: إني مفتقر للخير, الذي تسوقه إليَّ,, وتيسره لي. <br>
 وهذا سؤال منه بحاله, والسؤال بالحال, أبلغ من السؤال بلسان المقال. <br>
 فلم يزل في هذه الحالة, داعيا ربه متملقا. <br>
 وأما المرأتان, فذهبتا إلى أبيهما, وأخبرتاه بما جرى. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر
 ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين &quot; </h1>
  
 <p>فأرسل أبوهما, إحداهما إلى موسى, فجاءته &quot; تَمْشِي
 عَلَى اسْتِحْيَاءٍ &quot; . <br>
 وهذا يدل على كرم عنصرها, وخلقها الحسن, فإن الحياء من الأخلاق الفاضلة, وخصوصا في
 النساء. <br>
 ويدل على أن موسى عليه السلام, لم يكن فيما فعله من السقي, بمنزلة الأجير والخادم,
 الذي لا يستحى منه عادة, وإنما هو عزيز النفس, رأت من حسن خلقه, ومكارم أخلاقه, ما
 أوجب لها الحياء منه. <br>
 &quot; قَالَتِ &quot; له: &quot; إِنَّ
 أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا &quot; أي: لا
 لِمَنٍّ عليك, بل أنت الذي ابتدأتنا بالإحسان, وإنما قصده أن يكافئك على إحسانك. <br>
 فأجابها موسى. <br>
 &quot; فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ &quot; من
 ابتداء السبب الموجب لهربه, إلى أن وصل إليه &quot; قَالَ &quot; مسكنا
 روعه, جابرا قلبه: &quot; لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ
 الظَّالِمِينَ &quot; أي: ليذهب خوفك وروعك, فإن اللّه نجاك منهم, حيث وصلت
 إلى هذا المحل, الذي ليس لهم عليه سلطان. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 قَالَتْ إِحْدَاهُمَا &quot; أي: إحدى ابنتيه &quot; يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ &quot; أي: اجعله أجيرا عندك,
 يرعى الغنم ويسقيها. <br>
 &quot; إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ
 &quot; أي: إن موسى, أولى من استؤجر, فإنه جمع القوة والأمانة, وخير أجير
 استؤجر, من جمعهما, القوة, والقدرة, على ما استؤجر عليه, والأمانة فيه بعدم
 الخيانة. <br>
 وهذان الوصفان, ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملا, بإجارة أو غيرها. <br>
 فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما, أو فقد إحداهما. <br>
 وأما باجتماعهما, فإن العمل يتم ويكمل. <br>
 وإنما قالت ذلك, لأنها شاهدت من قوة موسى عند السقي لهما, ونشاطه, ما عرفت به
 قوته, وشاهدت من أمانته وديانته, وأنه رحمهما في حالة, لا يرجى نفعهما, وإنما قصده
 بذلك, وجه اللّه تعالى. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني
 حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot; قَالَ &quot; صاحب مدين
 لموسى &quot; إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ
 هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي &quot; أي تصير أجيرا عندي &quot; ثَمَانِيَ حِجَجٍ &quot; . <br>
 أي: ثماني سنين. <br>
 &quot; فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ &quot; تبرع
 منك, لا شيء واجب عليك. <br>
 &quot; وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ &quot; فأحتم
 عشر السنين, وما أريد أن أستأجرك, لأكلفك أعمالا شاقة, وإنما استأجرتك, لعمل سهل
 يسير, لا مشقة فيه &quot; سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ
 الصَّالِحِينَ &quot; فرغبه في سهولة العمل, وفي حسن المعاملة. <br>
 وهذا يدل على أن الرجل الصالح, ينبغي له أن يحسن خلقه, مهما أمكنه, وأن الذي يطلب
 منه, أبلغ من غيره. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على
 ما نقول وكيل &quot; </h1>
  
 <p>&quot; قَالَ &quot; موسى عليه
 السلام - مجيبا له فيما طلبه منه -: &quot; ذَلِكَ بَيْنِي
 وَبَيْنَكَ &quot; أي هذا الشرط, الذي أنت ذكرت, رضيت به, وقد تم فيما بيني
 وبينك. <br>
 &quot; أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ
 &quot; سواء قضيت الثماني الواجبة, أم تبرعت بالزائد عليها &quot;
 وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ &quot; حافظ يراقبنا, ويعلم ما
 تعاقدنا عليه. <br>
 وهذا الرجل, أبو المرأتين, صاحب مدين, ليس بشعيب النبي المعروف, كما اشتهر عند
 كثير من الناس, فإن هذا, قول لم يدل عليه دليل وغاية ما يكون, أن شعيبا عليه
 السلام, قد كانت بلده مدين, وهذه القضية, جرت في مدين, فأين الملازمة بين الأمرين؟
 وأيضا, فإنه غير معلوم, أن موسى أدرك زمان شعيب, فكيف بشخصه؟!! ولو كان ذلك الرجل
 شعيبا, لذكره اللّه تعالى, ولسمته المرأتان. <br>
 وأيضا فإن شعيبا, عليه الصلاة والسلام, قد أهلك اللّه قومه بتكذيبهم إياه. <br>
 ولم يبق إلا من آمن به. <br>
 وقد أعاذ اللّه المؤمنين به, أن يرضوا لبنتي نبيهم, بمنعهما عن الماء, وصد
 ماشيتهما, حتى يأتيهما رجل غريب, فيحسن إليهما, ويسقي ماشيتهما. <br>
 وما كان شعيب, ليرضى أن يرعى موسى عنده, ويكون خادما له, وهو أفضل منه, وأعلى
 درجة, إلا أن يقال: هذا قبل نبوة موسى, فلا منافاة. <br>
 وعلى كل حال, لا يعتمد على أنه شعيب النبي, بغير نقل صحيح عن النبي صلى اللّه عليه
 وسلم, واللّه أعلم. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال
 لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون
 &quot; </h1>
  
 <p>&quot; فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ &quot; يحتمل أنه قضى الأجل الواجب, أو الزائد عليه, كما هو الظن بموسى,
 ووفائه, اشتاق إلى الوصول إلى أهله, ووالدته, وعشيرته, ووطنه. <br>
 وظن من طول المدة, أنهم قد تناسوا ما صدر منه. <br>
 &quot; وَسَارَ بِأَهْلِهِ &quot; قاصدا مصر &quot; آنَسَ &quot; أي: أبصر &quot; مِنْ جَانِبِ
 الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي
 آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
 &quot; وكان قد أصابهم البرد, وتاهوا الطريق. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من
 الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي
 الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى
 إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ &quot; فأخبر
 بألوهيته, وربوبيته. <br>
 ويلزم من ذلك, أن يأمره بعبادته, وتألهه, كما صرح به في الآية الأخرى &quot; فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا
 موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين &quot; </h1>
  
 <p>&quot; وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ &quot; فألقاها &quot; فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ &quot; تسعى
 سعيا شديدا, ولها سورة مُهِيلة &quot; كَأَنَّهَا جَانٌّ &quot; ذَكَرُ
 الحيات العظيم. <br>
 &quot; وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ &quot; أي: يرجع,
 لاستيلاء الروع على قلبه. <br>
 فقال اللّه له: &quot; يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ
 مِنَ الْآمِنِينَ &quot; وهذا أبلغ ما يكون في التأمين, وعدم الخوف. <br>
 قإن قوله: &quot; أَقْبِلْ &quot; يقتضي الأمر بإقباله,
 ويجب عليه الامتثال. <br>
 ولكن قد يكون إقباله, وهو لم يزل في الأمر المخوف, فقال: &quot;
 وَلَا تَخَفْ &quot; أمر له بشيئين, إقباله, وأن لا يكون في قلبه خوف. <br>
 ولكن يبقى احتمال, وهو أنه, قد يقبل وهو غير خائف, ولكن لا تحصل له الوقاية والأمن
 من المكروه, فلذلك قال: &quot; إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ &quot; فحينئذ
 اندفع المحذور من جميع الوجوه. <br>
 فأقبل موسى عليه السلام, غير خائف, ولا مرعوب, بل مطمئنا, واثقا بخبر ربه, قد
 ازداد إيمانه, وتم يقينه. <br>
 فهذه آية, أراه اللّه إياها, قبل ذهابه إلى فرعون, ليكون على يقين تام, فيكون أجرا
 له, وأقوى وأصلب. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من
 الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين &quot; </h1>
  
 <p>ثم أراه الآية الأخرى فقال: &quot;
 اسْلُكْ يَدَكَ &quot; أي: أدخلها &quot; فِي جَيْبِكَ
 تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ &quot; فسلكها وأخرجها, كما ذكر
 اللّه تعالى. <br>
 &quot; وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ &quot; أي
 ضم جناحك وهو عضدك إلى جنبك ليزول عنك الرهب والخوف. <br>
 &quot; فَذَانِكَ &quot; أي: انقلاب العصا حية, وخروج اليد
 بيضاء من غير سوء. <br>
 &quot; بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ &quot; أي: حجتان قاطعتان
 من اللّه. <br>
 &quot; إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا
 فَاسِقِينَ &quot; فلا يكفيهم مجرد الإنذار وأمر الرسول إياهم, بل لا بد من
 الآيات الباهرة, إن نفعت. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 قَالَ &quot; موسى عليه السلام, معتذرا من ربه, وسائلا
 له المعونة على ما حمله, وذاكرا له الموانع, التي فيه, ليزيل ربه ما يحذره منها. <br>
 &quot; رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا &quot; أي: &quot; فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِي وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ
 مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا ءا &quot; أي: معاونا ومساعدا &quot; يُصَدِّقُنِي &quot; فإنه مع تضافر الأخبار, يقوى الحق &quot; إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما
 بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون &quot; </h1>
  
 <p>فأجابه اللّه إلى سؤاله فقال: &quot; سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ &quot; أي: نعاونك به
 ونقويك. <br>
 ثم أزال عنه محذور القتل, فقال: &quot; وَنَجْعَلُ لَكُمَا
 سُلْطَانًا &quot; أي: تسلطا, وتمكنا من الدعوة, بالحجة, والهيبة الإلهية
 من عدوهما &quot; فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا &quot; . <br>
 وذلك بسبب آياتنا, وما دلت عليه من الحق, وما أزعجت به من باشرها ونظر إليها. <br>
 فهي التي بها حصل لكما السلطان, واندفع بها عنكم, كيد عدوكم, وصارت لكم أبلغ من
 الجنود, أولي الْعَدَدِ والْعُدَدِ. <br>
 &quot; أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ &quot; وهذا
 وعد لموسى في ذلك الوقت, وهو وحده فريد, وقد رجع إلى بلده, بعد ما كان شريدا. <br>
 فلم تزل الأحوال تتطور, والأمور تنتقل, حتى أنجز له موعوده, ومكنه من العباد
 والبلاد, وصار له ولأتباعه, الغلبة والظهور. </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما
 سمعنا بهذا في آبائنا الأولين &quot; </h1>
  
 <p>فذهب موسى برسالة ربه &quot; فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى
 بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ &quot; واضحات الدلالة على ما قال لهم, ليس فيها
 قصور, ولا خفاء. <br>
 &quot; قَالُوا &quot; على وجه الظلم, والعلو, والعناد &quot; مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى &quot; كما قال فرعون
 في تلك الحال, التي ظهر فيها الحق, واستعلى على الباطل, واضمحل الباطل, وخضع له
 الرؤساء العارفون حقائق الأمور &quot; إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ
 الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ &quot; (هذا, وهو الذكي غير الزكي الذي بلغ
 من المكر والخداع والكيد, ما قصه اللّه علينا وقد علم &quot; مَا
 أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ &quot; ولكن
 الشقاء غالب. <br>
 &quot; وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ
 &quot; وقد كذبوا في ذلك, فإن اللّه أرسل يوسف, قبل موسى كما قال تعالى &quot; وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا
 زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ
 يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ
 مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ &quot; . </p>
  
 <h1 dir=RTL style='text-align:right;direction:rtl;unicode-bidi:embed'>&quot; وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة
 الدار إنه لا يفلح الظالمون &quot; </h1>
  
 <p>&quot;
 وَقَالَ مُوسَى &quot; حين زعموا أن الذي جاءهم به
 سحر وضلال, وأن م