محمد علي فركوس

الجزائر

أوَّلًا: اسمه ومولده:

أبو عبد المعزِّ محمَّد علي بن بوزيد بن علي فركوس القُبِّي، نسبةً إلى القُبَّة القديمة بالجزائر (العاصمة) التي وُلد فيها بتاريخ: ٢٩ ربيعٍ الأوَّل ١٣٧٤ﻫ الموافق ﻟ: ٢٥ نوفمبر ١٩٥٤م متزامنا مع اندلاع الثورة التحريرية في الجزائر ضدَّ الاستعمار المحتل الفرنسيِّ الغاشم.

ثانيًا: نشأته العلمية:

نشأ الشيخ ـ حفظه الله ـ في محيطٍ عِلميٍّ وبيت فضلٍ وحُبٍّ للعلم وأهله، فكان لذلك أثرُه الواضح في نشأته العلمية، حيث تدرَّج في تحصيل مدارك العلوم بالدراسة ـ أوَّلًا ـ على الطريقة التقليدية، فأخذ نصيبَه مِن القرآن الكريم وشيئًا مِن العلوم الأساسية في مدرسةٍ قرآنيةٍ على يد الشيخ محمَّد الصغير معلم، ثمَّ الْتحق بالمدارس النظامية الحديثة التي أتمَّ فيها المرحلةَ الثانوية، وبالنظر إلى عدم وجود كلِّيَّاتٍ ومعاهدَ في العلوم الشرعية آنذاك واصل دراستَه النهائية بكلِّية الحقوق والعلوم الإدارية، إذ كانت أقربَ كلِّيَّةٍ تُدرَّس فيها جملةٌ مِن الموادِّ الشرعية، ولا يزال ـ طيلةَ مرحلته الجامعية ـ تشدُّه رغبةٌ مؤكَّدةٌ وميولٌ شديدٌ للاستزادة مِن العلوم الشرعية والنبوغ فيها، فأكرمه الله تعالى بقَبوله في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، حيث وجد ضالَّتَه في هذا البلد الأمين.

ثالثًا: أبرز المشايخ الذين استفاد منهم:

في أثناء مرحلته الدراسية بالمدينة النبوية استفاد مِن أساتذةٍ وعلماءَ كرامٍ ـ ملازمةً ومجالسةً وحضورًا ـ، سواءٌ في الجامعة الإسلامية أو في المسجد النبويِّ الشريف، ومِن أشهرهم:

١ـ الشيخ: عطيَّة محمَّد سالم ؒ القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة النبوية والمدرِّسُ بالمسجد النبويِّ: حضر بعضَ مجالسه في شرح «الموطَّأ» للإمام مالكٍ ؒ.

٢ـ الشيخ عبد القادر شيبة الحمد: أستاذ الفقه والأصول في كلِّيَّة الشريعة.

٣ـ الشيخ أبو بكرٍ الجزائري: المدرِّس بالمسجد النبويِّ وأستاذ التفسير بكلِّيَّة الشريعة.

٤ـ محمَّد المختار الشنقيطي ؒ (والد الشيخ محمَّد): أستاذ التفسير بكلِّيَّة الشريعة، ومدرِّس كتب السُّنَّة بالمسجد النبويِّ.

٥ـ الشيخ عبد الرؤوف اللَّبدي: أستاذ اللغة بكلِّيَّة الشريعة.

كما استفاد مِن كبار العلماء والمشايخ أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ حمَّاد بن محمَّد الأنصاريِّ رحمهما الله تعالى مِن خلال المحاضرات.

وكان حريصًا على حضور المناقشات العلمية للرسائل الجامعية التي كانت تُناقَش بقاعة المحاضرات الكبرى بالجامعة الإسلامية مِن قِبَل الأساتذة والمشايخ الذين لهم قدمٌ راسخةٌ في مجال التحقيق ورحلةٌ طويلةٌ في البحث العلميِّ، وقد أكسبه ذلك منهجيةً فذَّةً في دراسة المسائل العلمية ومناقشتها.

رابعًا: رجوعه إلى بلده:

حدَّثنا الشيخ ـ حفظه الله ـ يومًا عن طلبه للعلم بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، فكان ممَّا قاله: «كنت إذا استفدتُ فائدةً فرحت بها فرحًا عظيمًا وتمنَّيتُ لو استطعتُ أن أطير بها إلى الجزائر لأبلِّغها للناس ثمَّ أرجع إلى المدينة». ومثل سائر المصلحين الذين إذا حصَّلوا الرصيدَ الكافيَ مِن علوم الشريعة رجعوا إلى أوطانهم داعين إلى الحقِّ ومحذِّرين ممَّا يخالفه استقرَّ الشيخ ـ حفظه الله ـ في وطنه الجزائر بعد عودته مِن المدينة النبوية سنة: (١٤٠٢ﻫ ـ ١٩٨٢م)، فكان مِن أوائل الأساتذة بمعهد العلوم الإسلامية بالجزائر العاصمة الذي اعتُمد رسميًّا في تلك السنة، وقد عُيِّن فيه ـ بعد ذلك ـ مُديرًا للدراسات والبرمجة.

وفي سنة: (١٤١٠ﻫ ـ ١٩٩٠م) انتقل إلى جامعة محمَّد الخامس بالرباط لتسجيل أطروحة العالمية العالية (الدكتوراه)، ثمَّ حوَّلها ـ بعد مُدَّةٍ مِن الزمان ـ إلى الجزائر، فكانت أوَّلَ رسالة دكتوراه دولة نوقشت بالجزائر العاصمة في كلِّية العلوم الإسلامية، وذلك سنة (١٤١٧ﻫ ـ ١٩٩٧م). ولا يزال إلى يوم الناس هذا مدرِّسًا بهذه الكلِّيَّة، مُسَخِّرًا وقتَه وجُهدَه لنشر العلم ونفعِ الناس والإجابة عن أسئلتهم.

خامسًا: نشاطه العلميُّ:

لم تكن كلِّيَّة العلوم الشرعية منبرَه العلميَّ والتربويَّ الوحيد في الدعوة إلى الله تعالى، بل كانت المساجدُ بيوتُ الله مأوى طلبة العلم المتوافدين إليه، فأتمَّ شرح «روضة الناظر» لابن قدامة المقدسيِّ ؒ في علم الأصول بمسجد «الهداية الإسلامية» بالقبَّة (العاصمة)، كما أتمَّ شرح «مبادئ الأصول» لابن باديس بمسجد «الفتح» بباب الوادي (العاصمة)، ودَرَّس «القواعد الفقهية» بمسجد «أحمد حفيظ» ببلكور (العاصمة)، وأقام مجالس علميةً متنوِّعةً أجاب فيها عن عِدَّة أسئلةٍ في مختلف العلوم والفنون جُمعت له في أشرطةٍ وأقراصٍ سمعية، إلى أن حال بينه وبين تحقيق المزيد مِن النشاط المسجديِّ عائقٌ إداريٌّ مِن الجهات الوصيَّة مَنَعه مِن الاستمرار بالنظر إلى الظروف الصعبة التي كانت تعيش فيها الجزائر في تلك الفترة، فانتقل إلى إقامة حلقاتٍ على رصيف الشارع المجاور لبيته، ثمَّ إلى المكتبة المجاورة لمسجد «الهداية الإسلامية» بالقبَّة كلَّ يومٍ بعد صلاتَيِ الفجر والعصر، ثمَّ ما لبث أن انتشرت الإنترنت في ربوع الجزائر، فكان له قصب السبق في إنشاء موقعه الدعويِّ الرسميِّ على هذه الشبكة، ثمَّ عمل على تأسيس مجلَّة «الإحياء» الصادرة مِن موقعه الرسميِّ توسيعًا لمجال دعوته وتعميمًا للخير والنفع.

نسأل اللهَ تعالى أن يُقَوِّيَه على طاعته، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته يومَ لا ينفع مالٌ ولا بنونٌ إلاَّ من أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ.

سادسًا: مؤلَّفاته العلمية:

للشيخ ـ حفظه الله ـ كتبٌ تنوَّعت بين تحقيقٍ وتأليفٍ وشرحٍ، وتمتاز مؤلَّفاتُه بالأسلوب العلميِّ الرصين الذي يغلب عليه الطابع الأصوليُّ، وعباراته دقيقةٌ وهادفةٌ خاصَّةً الفقهية والأصولية، وتأصيلاته للمسائل مؤسَّسةٌ مِن منطلق اكتشافه لمنشإ الخلاف وسببه، وهو مدركٌ عزيزٌ، الأمر الذي استحسنه متتبِّعو مؤلَّفاتِه مِن المشايخ والطلبة وتلقَّوْه بالرضى والقبول:

أمَّا تحقيقاته فيلتزم فيها ـ في الجملة ـ ما يلتزم به أهل التحقيق لكتب التراث، ويؤدِّي فيها المقصدَ مِن التحقيق والدراسة كما شهد له المتخصِّصون مِن أهل التحقيق، ويمكن عرضُ بعض الكتب المحقَّقة والمؤلَّفات والشروح على النحو التالي:

ـ تحقيق: «تقريب الوصول إلى علم الأصول» لأبي القاسم محمَّد بن أحمد بن جُزَيٍّ الكلبيِّ الغرناطيِّ، المتوفَّى سنة (٧٤١ﻫ).

ـ تحقيق: «الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل» للإمام أبي الوليد الباجيِّ المتوفَّى سنة (٤٧٤ﻫ).

ـ تحقيق: «مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول» ويليه: كتاب «مثارات الغلط في الأدلَّة» للإمام أبي عبد الله محمَّد بن أحمد الحسنيِّ التلمسانيِّ (٧٧١ﻫ ـ ١٣٧٠م).

ـ «ذوو الأرحام في فقه المواريث».

ـ «مختاراتٌ من نصوصٍ حديثيةٍ، في فقه المعاملات المالية».

ـ «الفتح المأمول شرح مبادئ الأصول» للشيخ عبد الحميد بن باديس المتوفَّى سنة (١٣٥٩ﻫ).

ـ «الإنارة شرح كتاب: الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معرفة الدليل».

ـ «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام».

وله من السلاسل العلمية:

١ـ سلسلة «ليتفقَّهوا في الدين»: طُبع منها:

ـ طريق الاهتداء إلى حكم الائتمام والاقتداء.

ـ المُنية في توضيح ما أشكل مِن الرقية.

ـ فرائد القواعد لحلِّ معاقد المساجد.

ـ محاسن العبارة في تجلية مُقْفَلات الطهارة.

ـ الإرشاد إلى مسائل الأصول والاجتهاد.

ـ مجالس تذكيريةٌ على مسائل منهجيةٍ.

ـ أربعون سؤالًا في أحكام المولود.

ـ العادات الجارية في الأعراس الجزائرية.

ـ العمدة في أعمال الحجِّ والعمرة.

٢ـ سلسلة «فقه أحاديث الصيام»: طُبع منها:

ـ حديث تبييت النيَّة.

ـ حديث النهي عن صوم يوم الشكِّ.

ـ حديث الأمر بالصوم والإفطار لرؤية الهلال.

ـ حديث حكم صيام المسافر ومدى أفضليته في السفر

٣ـ سلسلة «توجيهات سلفية»: طُبع منها:

ـ المنطق الأرسطيُّ وأثر اختلاطه بالعلوم الشرعية.

ـ شرك النصارى وأثرُه على أمَّة الإسلام.

ـ تربية الأولاد وأُسُس تأهيلهم.

ـ العلمانية: حقيقتها وخطورتها.

ـ نصيحةٌ إلى طبيبٍ مسلمٍ ضمن ضوابط شرعيةٍ يلتزم بها في عيادته.

ـ الإخلاص بركة العلم وسرُّ التوفيق.

ـ الإصلاح النفسيُّ للفرد أساسُ استقامته وصلاحِ أمَّته، ومعه: نقدٌ وتوضيحٌ في تحديد أهل الإصلاح وسبب تفرُّق الأمَّة.

ـ منهج أهل السنَّة والجماعة في الحكم بالتكفير بين الإفراط والتفريط ومعه: «نقدٌ وتوضيحٌ: السلفية منهج الإسلام، وليست دعوة تحزُّبٍ وتفرُّقٍ وفسادٍ».

ـ حكم الاحتفال بمولد خير الأنام ♥.

ـ دعوى نسبة التشبيه والتجسيم لابن تيمية، وبراءتُه مِن ترويج المُغْرِضين لها.

ـ الصراط في توضيح حالات الاختلاط.

ـ توجيه الاستدلال بالنصوص الشرعية على العذر بالجهل في المسائل العقدية.

ـ الجواب الصحيح في إبطال شبهاتِ مَن أجاز الصلاةَ في مسجدٍ فيه ضريحٌ.

ـ تحرِّي السداد في حكم القيام للعباد والجماد.

ـ منصب الإمامة الكبرى، أحكامٌ وضوابط.

وللشيخ ـ حفظه الله ـ مقالاتٌ نُشرت ضمن أعدادٍ مِن مجلَّة «منابر الهدى» ومجلَّة «الإصلاح» وإجاباتٌ عن أسئلةٍ واردةٍ مِن قُرَّاء المجلَّتين بمنبر الفتاوى، وكذا الواردة من منتديات «التصفية والتربية» فضلًا عن الكلمات الشهرية والمقالات الأصولية والفقهية والنصائح السلفية بموقعه الرسميِّ الذي أصدر مجلَّةً ناطقةً باسمه موسومةً ﺑ:«الإحياء».

وقد ناقش الشيخ ـ حفظه الله ـ العديدَ مِن أطروحات الدكتوراه ورسائل الماجستير على المستوى الجامعيِّ كما أشرف على أطروحاتٍ ورسائل أخرى، وهي مرتَّبةٌ على موقعه الرسميِّ.

سابعًا: معالم شخصية الشيخ ـ حفظه الله ـ:

من أبرز معالم شخصية الشيخ ـ حفظه الله ـ:

١ـ دعوته إلى التوحيد والسنَّة ونبذُه ما يُضادُّهما:

فإنَّ أعظمَ ما يدعو إليه الدعاةُ هو الدعوة إلى الأصلين الشريفين والمنبعين الصافيَيْن وهما دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المختصرة في قولهم: ﴿أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ﴾ [المؤمنون: ٣٢]، وكذا التنفير ممَّا يخدشهما ويضادُّهما مِن الشركيات والبِدَع، فالأولى تقدح في التوحيد والثانيةُ في المتابعة، وقد كرَّس الشيخ ـ حفظه الله ـ وقتَه وطاقته لتحقيق ذلك، ولقي في سبيل ذلك معاداةً وأذًى شديدين مِن المخالفين والمناوئين المبغضين لدعوة الحقِّ إلى أن وصل بهم الحقدُ إلى أن شنُّوا حملاتٍ مسعورةً مِلْؤُها الكذبُ والزور وبترُ الكلام في الصحف اليومية لتشويه سمعته وتأليب العامَّة عليه، ولكنَّ ذلك لم يَثْنه عن السير على منهج دعوة الأنبياء، ولا زالت فتاواه ورسائلُه على ما كانت عليه مِن صفاء العقيدة وسلامة المنهج.

٢ـ دفاعه عن العقيدة السلفية وعلمائها الداعين إليها:

إنَّ الدعوة إلى الكتاب والسنَّة يَلزم منها نصرةُ ما تضمَّنته مِن عقيدةٍ بالأسلوب القويم، وردُّ تشويهات الشانئين لها والداعين إليها تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖ﴾ [التوبة ٧١]، وقوله ﷺ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» [البخاري (٢٤٤٣)]، ولم يخرج الشيخُ ـ حفظه الله ـ عن هذا المنهج، فقد كتب عدَّةَ مقالاتٍ وأصدر مؤلَّفاتٍ ينافح فيها عن العقيدة السليمة ويناصر فيها علماءَها، ولمَّا تناهى إلى أسماعه أنَّ بعض الحاقدين يشوِّه صورةَ شيخ الإسلام ابن تيمية ؒ ويتَّهمه بتشبيه صفات الله تعالى وتمثيلها، يذكر ذلك علنًا دون خشيةٍ أو خجلٍ؛ ثارت غيرتُه على العقيدة السلفية أن يلوِّثها المدَّعُون، وعلى عِرْض شيخ الإسلام أن يدنسِّه الشانئون، فبادر إلى كتابة رسالة: «دعوى نسبة التشبيه والتجسيم لابن تيمية، وبراءته من ترويج المُغْرِضين لها» دَحَض فيها الشبهَ وأزال الأوهام المثارة حول الموضوع.

ودفاعه عن الشيخ الألباني ؒ مِن تهمة الإرجاء معروفٌ ومشهورٌ، وفي «مجالس التذكير» منشورٌ، فجزاه الله ومَن سَبَقه بالعلم والفضل خيرًا.  

٣ـ رجوعه إلى الحقِّ والانصياع له:

لا شكَّ أنه لا أحد إلَّا ويؤخذ مِن قوله ويُردُّ إلَّا رسول الله ﷺ، وعدمُ الاستنكاف مِن الرجوع إلى الحقِّ خُلُقٌ فاضلٌ يزيد النبيلَ نبلًا والفاضلَ فضلًا ورفعةً، وممَّا عايشناه مِن الشيخ ـ حفظه الله ـ قبولُه للنقد وتواضُعُه للحقِّ وعدمُ استكباره عن الرجوع إلى الصواب إذا ظهر له، ولا أدلَّ على ذلك ممَّا كتبه بيده في مقالته «تنبيهٌ واستدراكٌ» لمَّا استُدرِك عليه بعضُ الكلمات الموهِمة قائلًا: «ففي مَطلع صفحة (٥٨) في ركن «فتاوى شرعية» من مجلَّة «الإصلاح» الصادرة عن دار الفضيلة للنشر والتوزيع في عددها (١٠) والمؤرَّخة ﺑ رجب/ شعبان ١٤٢٩ﻫ، الموافق ﻟ: جويلية/ أوت ٢٠٠٨م، جاء في نصِّ الفتوى الثانية الموسومة ﺑ «عدم فاعلية السبب الوضعيِّ بنفسه» عباراتٌ مُجملةٌ تحتاج إلى توضيحٍ وتنبيهٍ، وأخرى مجانبةٌ للصواب تحتاج إلى استدراكٍ ورجوعٍ إلى الحقِّ».

وكم مِن مسألةٍ يستشكلها بعضُ طُلَّابه ويراجعونه فيها فإذا ظهر له صوابُ المعترض أذعن إلى الحقِّ ورجع إلى الصواب، وذلك شأنُ المنصِف المتجرِّد، نحسبه كذلك والله حسيبُه.

ثامنًا: علاقته بالعلماء وطلبة العلم:

إنَّ ممَّا نشهد به على ما رأيناه مِن شيخنا ـ حفظه الله تعالى ـ هو حسنُ أخلاقه وسَمْته، وتواضعُه مع طلبة العلم، ورحمتُه بهم كالوالد مع ولده، يقرِّبهم إليه ويبسط لهم المسائلَ ويؤصِّلها لهم، ويعلِّمهم الكيفيةَ المثلى في الإجابة، ويعقد لهم المجالسَ العلمية مجيبًا عن تساؤلاتهم واستفساراتهم باذلًا جهده في حلِّ إشكالاتهم مِن غير استعلاءٍ ولا كتمانٍ، وكم كنَّا نسمع منه قوله: «إني لَأرجو أن أكون درجًا يرتقي عليه طلبةُ العلم ليَعْلُوا في مدارج الكمال»، وتعاهُدُه لهم بالسؤال عنهم ومساعدتهم على قضاء حوائجهم وتوجيههم، ونصحُهم بما يفيدهم في دينهم ودنياهم، وترغيبهم في التكتُّل على الحقِّ واتِّباع منهج النبوَّة، وترهيبهم مِن التكتُّل على الباطل واتِّباع منهج الضلال، شيءٌ يعرفه الخاصُّ والعامُّ حتى أصبح عَلَمًا على شخصية الشيخ ـ حفظه الله ـ.

أمَّا العلماء فقد أثنَوْا على الشيخ وعلمِه ثناءً عَطِرًا ومِن أولئك:

ـ الشيخ عبد المحسن العبَّاد ـ حفظه الله ـ:

ففي رسالته: «رفقًا أهل السنَّة بأهل السنَّة»، فقد أوصى أن يستفيد طلَّاب العلم في كلِّ بلدٍ مِن المشتغلين بالعلم مِن أهل السنَّة، وكان ممَّن ذكره في الجزائر الشيخُ محمَّد علي فركوس.

ـ الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ:

فإنه لا يذكر الشيخَ إلَّا بالجميل كما شهد بذلك مَن يحضر مجالسَه في بيته بمكَّة المكرَّمة، وقد أفصح عن ذلك في مقالته: «حكم المظاهرات في الإسلام»، حيث قال: «وعلماء السُّنَّة في كلِّ مكانٍ يحرِّمون المظاهراتِ ـ ولله الحمد ـ، ومنهم علماء المملكة العربية السعودية، وعلى رأسهم العلَّامة عبد العزيز بن عبد الله بن بازٍ مفتي المملكة سابقًا، والعلَّامة محمَّد بن صالح العثيمين، وهيئة كبار العلماء وعلى رأسهم مفتي المملكة الحاليُّ الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، وفضيلة الشيخ صالح اللحيدان، ومحدِّث الشام محمَّد ناصر الدين الألبانيُّ، وعلماء السُّنَّة في اليمن وعلى رأسهم الشيخ مقبلٌ الوادعيُّ، وعلماء الجزائر وعلى رأسهم الشيخ محمَّد علي فركوس، رحم الله مَن مضى منهم، وحفظ الله وثبَّت على السُّنَّة مَن بقي منهم، وجَنَّب المسلمين البدعَ والفتن ما ظهر منها وما بطن».

ـ الشيخ عبد الرحمن بن ناصرٍ البرَّاك ـ حفظه الله ـ:

إذ بعد أن أطلعه بعض طلبة العلم على رسالة الشيخ: «تحرِّي السداد في حكم القيام للعباد والجماد» أبدى إعجابَه بمضمونها المتَّفِق وعقيدةَ أهل السُّنَّة والجماعة، فرغب ـ حفظه الله ـ في كتابة تقريظٍ لها، وممَّا جاء فيه: «فقد اطَّلعتُ على البحث الذي أعدَّه الشيخ محمَّد علي فركوس بعنوان: «تحرِّي السداد في حكم القيام للعباد والجماد» فوجدتُه بحثًا قيِّمًا..».

ـ الشيخ سعد بن ناصرٍ الشثري ـ حفظه الله ـ:

العضو السابق بهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية: وثناؤه على الشيخ معروفٌ لدى طلبته في دروسه، وتبليغُه سلامَه للشيخ مع الطلبة الجزائريين مشهورٌ عنه، بل صَرَّح بالثناء في بعض رسائله الخاصَّة قائلًا: «..وحيث إنَّ الدكتور فركوس مِن أفاضل علماء الشريعة علمًا وخُلقًا وسُنَّةً واحتسابًا فيما يظهر لي، وهو ممَّن يدقِّق في لفظه».

كما أثنى على الشيخ ـ حفظه الله ـ وعلى مؤلَّفاته وفتاويه الكثيرُ مِن المدرسين وطلبة العلم الأقوياء في دروسهم ومجالسهم، وينصحون بالاستفادة منه ومِن تحقيقاته العلمية المبثوثة في كتبه ومؤلَّفاته.

فجزاهم الله جميعًا خيرَ الجزاء ووفَّقهم لرضاه وزادهم.

هذا ما عرَفْناه عن الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ صدقًا لا غلوَّ فيه ولا إطراء، وإن كنَّا نعتقد أنه بشرٌ كسائر بني آدم يصيب ويخطئ، ونحسبه ـ والله حسيبه ـ لا يتعمَّد الخطأَ ولا يغشُّ السائلين، ولا يُصِرُّ عليه إن ظهر له الصوابُ في خلافه، جعل جُلَّ وقته للدعوة المبنيَّة على العلم الصحيح المؤصَّل على الوحيين الشريفين: كتاب الله وسنَّة رسوله ﷺ بفهمِ مَن سلف مِن هذه الأمَّة الذين هم خيارُها وأفضلها، لا يدعو إلى حزبيةٍ سياسيةٍ أو دينيةٍ ولا إلى قوميةٍ أو شعوبيةٍ، شعارُه قوله تعالى: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨﴾ [يوسف : ١٠٨]، يجتمع بإخوانه على اختلاف طبقاتهم العلمية على لقاءاتٍ إصلاحيةٍ، ولا يتوانى في خدمة الدين بكلِّ ما أوتي من جهدٍ وطاقةٍ.