أبو الفرج ابن الجوزي

العراق

الاسم: هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، القرشي التيمي البكري البغدادي الفقيه الحنبلي الحافظ المفسر الواعظ المؤرخ الأديب المعروف بابن الجوزي، رحمه الله رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته  .

مولده:

ولد العلامة ابن الجوزي "بدرب حبيب" الواقعة في بغداد، واختلف في تاريخ ولادته:

قيل: سنة 508، وقيل سنة 509، وقيل سنة 510 هجرية، والأرجح أنه ولد بعد العشرة كما يظهر ذلك في بعض مؤلفاته في الوعظ، حيث يقول: أنه بدأ التصنيف سنة 528هـ، وله من العمر 17 سنة  ولما نقل عنه أيضا في ذيل تاريخ بغداد لابن النجار (أنه كان يقول: لا أتحقق مولدي غير أنه مات والدي في سنة 514هـ، وقالت الوالدة كان لك من العمر ثلاث سنين)  .

وعلى هذا تكون ولادته سنة 511هـ، 1117م  .

وكان أهله تجارا في النحاس، ولهذا يوجد في بعض سماعاته القديمة: عبد الرحمن بن علي الجوزي الصفار  .

نشأته:

توفي والده علي بن محمد وله من العمر ثلاث سنين، ولكن ذلك لم يؤثر في نشأته نشأة صالحة، حيث أبدله الله عمته مربية مخلصة تعطيه كل عطفها وعنايتها وتسهر على خدمته وتعليمه، فهي التي حملته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر، فتلقى منه الرعاية التامة والتربية الحسنة حتى أسمعه الحديث  .

وعلى الرغم من فراق والده في طفولته فقد ساعده في توجهه إلى طلب العلم وتفرغه لذلك ثروة أبيه الموسر، فقد ترك له من الأموال الشيء الكثير، ولهذا نراه -رحمه الله- يكثر الكلام عن نفسه في أكثر من كتاب، فيبين أنه نشأ في النعيم، ويقول في صيد الخاطر:

( فمن ألف الترف فينبغي أن يتلطف بنفسه إذا أمكنه، وقد عرفت هذا من نفسي، فإني ربيت في ترف، فلما ابتدأت في التقلل وهجر المشتهى أثر معي مرضا قطعني عن كثير من التعبد، حتى أني قرأت في أيام كل يوم خمسة أجزاء من القرآن، فتناولت يوما ما لا يصلح فلم أقدر في ذلك اليوم على قراءتها، فقلت: إن لقمة تؤثر قراءة خمسة أجزاء بكل حرف عشر حسنات، إن تناوله لطاعة عظيمة، وإن مطعما يؤذي البدن فيفوته فعل خير ينبغي أن يهجر، فالعاقل يعطي بدنه من الغذاء ما يوافقه  .

فلما بلغ ابن الجوزي رشده شعر بنفسه وبال الترف في طلب العلم، فقنع باليسير واستسهل الصعاب متحملا كل الشدائد والمحن فهمته في طلب العلم أنسته كل الترف فانكب على طلب العلم -وهو ألذ من كل لذيذ- فيقول عن نفسه: (ولقد كنت في مرحلة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما أطلب وأرجو).

كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها شربة، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم .

وقد عاش ابن الجوزي منذ طفولته ورعا تقيا زاهدا، لا يحب مخالطة الناس خوفا من ضياع الوقت، ووقوع الهفوات، فصان بذلك نفسه وروحه ووقته: يقول الإمام ابن كثير عند ترجمته له "وكان -وهو صبي- دينا منجمعا على نفسه لا يخالط أحدا ولا يأكل ما فيه شبهة، ولا يخرج من بيته إلا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان"  .

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:

لقد أعجب بشخصيته وجهده الجبار علماء أجلاء من بعده فمدحوه وأثنوا عليه: يقول ابن خلكان: (أنه كان علامة عصره وإمام وقته في الحديث وفي صناعة الوعظ صنف في فنون كثيرة) فعد بعض مؤلفاته، ثم قال: (وبالجملة فكتبه تكاد لا تعد، وكتب بخطه شيئا كثيرا، والناس يغالون في ذلك حتى يقولوا أنه جمعت الكراريس التي كتبها وحسبت مدة عمره، وقسمت الكراريس على المدة فكان ما خص كل يوم تسع كراريس)  .

وكان ابن الجوزي كثير الاطلاع ومشغوفا بالقراءة فقد حكى عن نفسه أنه طالع عشرين ألف مجلد أو أكثر، وهو ما يزال طالبا  .

يقول في صيد الخاطر: (سبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب التي تخلفت من المصنفات فليكثر من المطالعة فإنه يرى من علوم القوم وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة، وأعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم، لا ترى فيهم ذا همة عالية فيقتدي به المبتدئ ولا صاحب ورع فيستفيد منه الزاهد، فالله الله، وعليكم بملاحظة سير السلف ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، والاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم)  فقد استطاع بهذا الاطلاع الواسع أن يتفوق على كثير من معاصريه في المشاركة في عديد من العلوم والفنون، فألف في التفسير والحديث والطب والوعظ وغيرها الشيء الكثير ويبدو أن ابن الجوزي كان ماهرا في التفسير وفي التاريخ والوعظ ومتوسطا في الفقه، وأما بالنسبة إلى متون الحديث فهو واسع الاطلاع فيها لكنه غير مصيب في الحكم على الصحيح والسقيم.

يقول الذهبي عند ترجمة ابن الجوزي:

(كان مبرزا في التفسير والوعظ والتاريخ ومتوسطا في المذهب وله في الحديث اطلاع تام على متونه، وأما الكلام على صحيحه وسقيمه فما له فيه ذوق المحدثين ولا نقد الحفاظ المبرزين)  .

وقال الذهبي في "التاريخ الكبير": (لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه)  .

وفاته:

بعد أن عاش، رحمه الله، داعيا مرشدا كاتبا بارعا زاهدا مخلصا، قرابة تسعين عاما، انتقل إلى جوار ربه ببغداد. وكانت وفاته ليلة الجمعة (12 رمضان 597هـ) بين العشائين، فغسل وقت السحر، واجتمع أهل بغداد وحملت جنازته على رءوس الناس، وكان الجمع كثيرا جدا، وما وصل إلى حفرته إلا وقت صلاة الجمعة، والمؤذن يقول: الله أكبر، ودفن بباب حرب، بالقرب من مدفن الإمام أحمد بن حنبل وكان ينشد حال احتضاره يخاطب ربه:

يـــا كثـــير العفـــو عمــن

كــــثـر الــــذنب لـديـــه

جــــاءك المـــذنب يرجـــو

الصفـــح عـــن جــرم يديــه

أنـــــا ضيـــف وجــــزاء

الضيــــف إحســــان إليـــه

فرحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته ونفعنا بعلومه آمين.