أبو عبدالله محمد بن يوسف السنوسي

المغرب

نسبه ومولده :

   هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عمر شعيب السنوسي، وبه اشتهر نسبة لقبيلة بالمغرب، الحسني، نسبة للحسن بن علي بن أبي طالب من جهة أم أبيه، مولده بعد الثلاثين وثمانمائة بسنتين (832ﻫ).
 

نشأته :

   نشأ الإمام السنوسي خيرا مباركا فاضلا صالحا، تربى وأخذ العلم بداية عن أبيه أبي يعقوب يوسف، عالم تلمسان وصالحها وزاهدها وكبير علمائها الشيخ العلامة المتفنن الصالح الزاهد العابد المحقق المقرئ الخاشع، ثم بعده على خيرة علماء عصره أخذ عنهم علم المعقول والمنقول وأدب الولاية، فانتفع بعلمهم وببركة دعائهم، فتصدر لمجالس العلم وأدى ما تلقاه منها على أحسن وجوه الأداء.
 

شيوخه :

   فمن جملة الشيوخ الذين أخذ عنهم:
أبو يعقوب يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي، وأبو الحسن علي بن محمد السنوسي الشهير بالتالوتي الأنصاري (ت895ﻫ)، ومحمد بن الحسن بن مخلوف بن مسعود المزيلي الراشدي، أبوعبد الله الشهير بـ: أبركان، (ت868ﻫ/1464م)، ومحمد بن قاسم بن تُوزتْ وقيل تومرت، التلمساني السنوسي، وأبو الحسن علي بن محمد البسطي القرشي الشهير بالقلصادي الأندلسي (ت891ﻫ)، ونصر الزواوي التلمساني،
 ومحمد بن أحمد بن عيسى المغيلي الشهير بالجلاب التلمساني. (ت875ﻫ)، أبو الحجاج يوسف بن أحمد بن محمد الشريف الحسني، وأبو عبد الله محمد بن العباس العبادي الشهير بـ"ابن العباس" (ت871ﻫ)، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحباك. (ت868ﻫ)، وأبو القاسم الكنابشي البجائي، وإبراهيم بن محمد بن علي اللنتي التازي (ت866ﻫ)، وأبو زيد عبد الرحمن الثعالبي، وأبو العباس أحمد بن عبد الله الجزائري الزواوي (ت884ﻫ).
 

تلاميذه :

   - وأخذ عنه العلم جماعة منهم : محمد بن إبراهيم بن عمر بن علي، أبو عبد الله الملالي نسبته إلى بني ملال بالمغرب، التلمساني (898ﻫ/1492م)، ومحمد بن أبي الفضل بن سعيد بن صعد وبه عرف التلمساني الفقيه العالم المحصل العلامة، توفي بمصر سنة (901ﻫ)، وبلقاسم بن محمد الزواوي (ت922ﻫ)، ومحمد بن أبي مدين التلمساني (ت915ﻫ)، ومحمد بن محمد بن العباس التلمساني، الشهير بـ "أبي عبد الله" الشيخ الفقيه النحوي العالم (كان حيا في حدود سنة (920ﻫ)، وأبو عبد الله محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي، التلمساني توفي سنة (909ﻫ)، وأحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشهير بزروق، توفي رحمه الله بتكرين من قرى مصراتة من عمل طرابلس الغرب في صفر عام تسعة وتسعين وثمانمائة (899ﻫ)، ومحمد بن عبد الرحمن الحوضي، الفقيه الأصولي التلمساني، العالم الشاعر المكثر، توفي في ذي القعدة عام عشرة وتسعمائة بتلمسان (ت910ﻫ).
 

آراؤه العقدية:

   لا يمكن في هذه الترجمة المختصرة الوقوف على جميع آراء الإمام السنوسي العقدية، ولكن نعطي فكرة فقط عنها، وكما يقال: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
   تحدث الإمام السنوسي عن قضية الصفات، حيث يقرر أن مذهب أهل السنة قاطبة: هو جعل  الأحكام السبعة المعنوية [كونه تعالى حيّا عَليما مُريدا قَادرا سميَعا بَصيرا مُتكلما] ملازمة لصفات أخرى، وجودية تقوم بذاته تعالى تسمى صفات المعاني: وهي القدرة والارادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام".
    بعد أن قرر هذا، رد على المعتزلة المنكرين لصفات المعاني، والفلاسفة المنكرين لجميع الصفات، منبها في ذلك على الاحتياط في الإطلاقات اللفظية المتعلقة بالصفات، بحيث إنه لا يصح أن نطلق عليها في العبارة، أنها غير ذاته، أو مخالفة لها، أو أن يقال أنها عين الذات، لِما يوهمه الأولان من صحة العدم والمفارقة، ولِما يقتضيه الثالث من نفي الصفات واتحادها مع الذات.
   أما مذهب الإمام السنوسي في مسألة وجوب النظر، فإنه عند شرحه رحمه الله لبيت متن الجزائرية الحادي والعشرين: 
    من وَاجبٍ أولاً قصدٌ إلى نظرٍ     *****     صَحِيحٍ معنى بلا نقصٍ ولا خللٍ
حكى اختلاف المتكلمين في أول واجب على البالغ العاقل، فذكر سبعة أقوال وهي:
1.  أنه معرفة الله تعالى هي أصل المعارف الدينية وهو قول أبي الحسن الأشعري.
2.  أنه النظر الموصل إليها وهو مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني.
3.  أنه أول جزء من النظر
4.  أنه القصد إلى النظر الصحيح، عزي للقاضي واختاره ابن فورك وإمام الحرمين.
5.  أنه التقليد.
6.  أنه النطق بالشهادتين 
7.  أنه الشك وقال به أبو هاشم من المعتزلة.
    فضعف جميع تلك الأقوال ما عدا الأول والرابع وعقب على ذلك بقوله "فلم يبق من هذه الأقوال السبعة سالما من التضعيف سوى القول الأول الذي يقول: أول واجب المعرفة، والقول الرابع الذي يقول أول قول واجب القصد إلى النظر، ثم إذا تأملت في هذين القولين وجدتهما غير مختلفين في المعنى، لأن أحدهما أراد الأولية باعتبار المقاصد، فلهذا قال: أول واجب المعرفة، والآخر أراد باعتبار ما يشتغل به المكلف ويطلب به على الإطلاق، فلهذا قال: أول واجب القصد إلى النظر".
    واستدل على وجود الله تعالى بقضية حدوث العالم فقال رحمه الله: "وبالجملة فالطريق إلى معرفة وجوده تعالى، هو معرفة حدوث العالم، وهو كل ما سوى الله تعالى، ومرجع الأدلة على حدوثه – وإن كثرت وتنوعت – إلى الاستدلال بحدوث أحد المتلازمين على حدوث الأخر".
    ونأتي لصفة الكلام، وما ارتبط بها من المسائل، لنجد الإمام السنوسي يحد الكلام كعادته في تحديد معاني الألفاظ أولا، ثم تناول مسائله ثانيا، فيحده بأنه، "صفة قديمة معبر عنه بالعبارات المختلفات، مباين لنفسه لجنس الحروف والأصوات، منزه عن التقديم والتأخير، والتجدد والسكوت، واللحن، والإعراب، وسائر التغيرات، متعلق بما تعلق به العلم من المتعلقات".
    وقد سلك في إثبات هذه الصفة مسلك الاستدلال من العقل والنقل، فدليل العقل يتمثل في أن "كل حي فهو قابل للكلام وضده، ومهما لم يتصف بالكلام وجب أن يتصف بضده، لكن ضده آفة ونقيصة، ومولانا جل وعز منزه عن الآفات والنقائص فوجب إذا أن يتعين الكلام".
   وأما من جهة النقل، والذي اعتبره أقوى الدليلين، فقد نقل حكاية الإمام الرازي لإجماع الأنبياء والرسل على كونه تعالى متكلما، وحكاية الإمام التلمساني إجماع المسلمين على ذلك أيضا في الجملة وإن اختلفوا في تفسير الكلام.
   ولإثبات الكلام النفسي القديم ساق الآية،﴿ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً﴾، مؤكدا على أن سوق الآية إنما هو "على سبيل التقوية لإثبات الكلام النفسي القديم بسماع موسى عليه السلام له، وإلا فإنكار الكلام النفسي وحصره في الحروف والأصوات واضح البطلان عقلا ونقلا، ولا شك أنه إذا ثبت الكلام النفسي ثم وجدنا في الكتاب والسنة إسناد الكلام إليه تعالى وجب علينا أن نعتقد ظاهره، وأن المراد من ذلك إنما هو كلامه القديم القائم بذاته، إذ التعرض لإخراج اللفظ عن ظاهره من غير موجب بدعة".
   ثم خص الإمام السنوسي رؤية الباري جل وعلا بفصل الجائزات، مبينا أن هذا الجواز راجع إلى تعلق الرؤية بفعل من أفعاله تعالى، إذ يستحيل عليه أن يتصف بصفة جائزة لما عرف من وجوب الوجود لذاته وجميع صفاته.
وشرح معنى كون الرؤية جائزة بقوله : "أنه يجوز عقلا أن تتعلق قدرته تعالى بإيجادها لخلقه، فيخلقها لهم على وفق مراده، ويجوز عقلا أن لا يخلقها لهم، لا يستحيل في حقه تعالى خلقها ولا يجب".
    ثم حكى خلاف المعتزلة في ذلك، موردًا لأدلَّة أهل السنة على جواز رؤية الباري تعالى، وأنهم احتجوا على جوازها بالعقل والنقل.

أخلاقه:

   كان رحمه الله حسن الخلق متواضعا رقيق القلب رحيما متبسما في وجه من لقيه مع إقبال وحسن كلام لينا هينا حتى في مشيه، يقول عنه تلميذه الملالي: ما رأيت أحسن خلقا منه، ولا أوسع صدرا ولا أكرم نفسا وأعطف قلبا وأحفظ عهدا منه، يوقر الكبير ويقف مع الصغير ويتواضع للضعفاء، مع شفقته على الخلق وقضاء حوائجهم عند السلطان، والصبر على إذايتهم، وكان مجبولا على الحياء حليما كثير الصبر وربما يسمع ما يكره فيتعامى عنه ولا يؤثر فيه، بل يبتسم حينئذ وهذا شأنه في كل ما يغضبه، لا يلقي له بالا، ومع ذلك لا يحقد على أحد ولا يعبس في وجهه إذا لقيه يفاتح من تكلم في عِرضه بكلام طيب وإعظام، ولا يلومه حتى يعتقد أنه صديقه، وبلغ من شفقته أنه مر به ذئب يجري معه الكلاب والصياد، ثم حبسته الكلاب، وذبح، فوصل إليه ملقى على الأرض فبكى وقال لا إله إلا الله أين الروح التي يجري بها، وكان يقول: ينبغي للإنسان أن يمشي برفق، وينظر أمامه لئلا يقتل دابة في الأرض، ويتغير إذا رأى من يضرب حمارا  ضربا عنيفا، ويقول للضارب ارفق يا مبارك، وينهى المؤدبين عن ضرب الصبيان، وفي مرض موته أتاه بعض علماء عصره ممن يذمه فطلب منه أن يسمح له في إساءته فغفر له ودعا له، وسمعه الملالي يثني كثيرا على رجلين من علماء عصره ممن يذمونه ويسيئون إليه، وكان يصلح بين الخصمين ويقضي الحوائج، كتب بعض الأيام ثلاثين كتابا بلا فترة قال كلفني بها إنسان وما قدرت على رده، ومن صبره كثرة وقوفه مع الخلق ولا يفارق الرجل حتى ينصرف، وربما مازح بعض أصحابه فلا تجد أحسن منه حينئذ، لا يرفع صوته، بل يعتدل فيه ويصافح الناس ولا يلبس لباسا مخصوصا يعرف به. 
   وكان ينهى عن القدح في الصالحين أو ذريتهم أو قرابتهم، يقول في إحدى وصاياه: "وليكن اعتناؤك يا أخي بمن تأخر من الصالحين... أكثر من اعتنائك بمن تقدم منهم وذلك لأوجه... الرابع: أن فيه تخلصا مما عليه أهل الزمن من القدح بمن عاصرهم من الصالحين، أو عاصرهم من بعض ذريتهم والقرابة إليهم، وهذا خلق ذميم جدا.
وكان رحمه الله بريئا من التعصب، حيث نجده يقول في تتمة وصيته السابقة، بعد أن وصف خلق الطعن في المعاصرين من الصالحين بأنه مذموم جدا: "وقد نال منه أهل المغرب خصوصا أهل بلدنا حظا أوفر مما نال غيرهم... ويرحم الله المشارقة ما أكثر اعتناءهم بمشايخهم وبالصالحين منهم خصوصا.
 

وفاته :

   توفي رحمه الله يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأخيرة عام خمسة وتسعين وثمانمائة (895هـ) قاله تلميذه الملالي في تأليفه الذي ذكر فيه مناقبه، وسيرته وما ظهر من كراماته في حياته وبعد مماته، سماه «المواهب القدوسية في المناقب السنوسية»، إذ كل النصوص الواردة في المصادر التي ترجمت للإمام السنوسي مقتبسة منه.