لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى


  بسم الله الرحمن الرحيم

\"يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفواً غفوراً\" (النساء: 43)

 

القراءات:

قرأ حمزة والكسائي وخلف العاشر ((لمستم)) بحذف الألف التي بعد اللام، على إضافة الفعل، والخطاب للرجال دون النساء، على معنى: مس اليد الجسد، قال ابن مسعود وابن عمر: المراد باللمس هنا: الإفضاء باليد إلى الجسد، وببعض جسده إلى جسدها، وقرأ الباقون ((لامستم)) بإثبات ألف بعد السين وذلك على المفاعلة التي لا تكون إلا من اثنين[1]

 

سبب النزول:

روى ابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدموا فلاناً فقرأ ((قل يا أيها الكافرون. ما أعبد ما تعبدون. ونحن نعبد ما تعبدون. )) فأنزل الله ((يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)).

 

سبب النزول: ((ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا)):

روى ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب أن رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم فيردون الماء ولا يجدون مراًت غلا في المسجد فأنزل الله ((ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا)) قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: ويشهد لصحة ما قاله يزيد بن أبي حبيب - رحمه الله تعالى -ما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: {سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر} وهذا قاله في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم - علماً منه أن أبا بكر - رضي الله عنه - سيلي الأمر بعده ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيراً للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين فأمر بسد الأبواب الشارعة على المسجد إلا بابه - رضي الله عنه -. [2]

 

المناسبة:

ذكر الله - تعالى -مشهداً من مشاهد القيامة في يقوله: ((فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً * يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض)) فهذا مقام يقوم العبد فيه لله رب العالمين، وفي هذه الآية مقام آخر يقوم العبد فيه لله رب العالمين، فلا بد أن يكون حاضر القلب والعقل، فقد مدح الله المؤمنين بقوله ((قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون))[3]

 

وأنتم سكارى: جمع سكران، من السكر وهو السد، نهي عن الصلاة حال السكر، وقال بعضهم: لا يكن منكم سكر يمنع قرب الصلاة، إذ المرء مأمور بالصلاة، فكأنها تقتضي النهي عن السكر وعن سببه وهو الشرب.

 

حتى تعلموا ما تقولون: حتى تعود إليكم عقولكم فتعلمون ما تقرؤون، ويظهر من هذا أن السكران لا يعلم ما يقولº فأخذ بعض الناس من هذا أن السكران لا يلزم طلاقه ولا إقراره[4] قال النسفي - رحمه الله تعالى -: وفيه دليل على أن ردة السكران ليست بردةº لأن قراءة سورة الكافرين بطرح اللامات كفر ولم يحكم بكفره حتى خاطبهم باسم الإيمان وما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتفريق بينه وبين امرأته ولا بتجديد الإيمان ولأن الأمة اجتمعت على أن من أجرى كلمة الكفر على لسانه مخطئاً لا يحكم بكفره[5].

 

ولا جنباً: بإنزال أو إيلاج..

 

إلا عابري سبيل: مسافرين أو مارين بالمسجد..

 

من الغائط: أصله المكان المنخفض، وهو هنا كناية عن الحدث الخارج من المخرجين، وهو العذرة والريح والبولº لأن من ذهب إلى الغائط يكون منه هذه الأحداث الثلاثة…

 

أو لامستم النساء: قيل الجماع وما دونه من التقبيل واللمس باليد وغيرها، وهو قول مالك، فعلى هذا ينتقض الوضوء باللمس الذي هو دون الجماع على تفصيل في المذهب، وقيل: ما دون الجماع، وقد قال بذلك عمر بن الخطاب، وقيل: الجماع فلا يكون ما دون الجماع ناقضاً للوضوء[6].

 

إن الله كان عفواً: بالترخيص والتيسير

 

غفورا: عن الخطأ والتقصير

 

من فوائد الآية:

1. اشتداد تحريم الخمر وقت حضور الصلاةº لتضمنه مفاسد عظيمة من بينها ذهاب الخشوع الذي هو لب الصلاة وروحها ومقصودها.

 

2. يؤخذ منها منع الدخول في الصلاة في حال النعاس المفرط الذي لا يشعر معه صاحبه بما يقول ويفعل.

 

3. فيه إشارة إلى أنه ينبغي لمن أراد الصلاة أن يقطع عنه كل شاغل يشغل فكره كمدافعة الأخبثين، والتوق لطعام ونحوه.

 

4. الحث على حضور القلب في الصلاة.

 

5. تحريم دخول المسجد على الجنب إلا مرورا.

 

6. المنع يزول إذا اغتسل الجنب.

 

7. في الآية دليل على أن التيمم لا يرفع الحدثº لأن الله سمى المتيمم جنبا.

 

8. الإشارة إلى القاعدة المتفق عليها وهي أن المشقة تجلب التيسير.

 

9. إباحة التيمم حال عدم الماء وحال المشقة باستعماله، وحد المرض الذي يجوز فيه التيمم عند مالك هو أن يخاف الموت أو زيادة المرض أو تأخر البرء، وحد السفر هو الغيبة عن الحضر سواء كان مما تقصر فيه الصلاة أم لا.

 

10. وجوب طلب الماء عند دخول الوقتº لأنه لا يقال: لم يجد لمن لم يطلب.

 

11. مشروعية التيمم وقد أجمع على ذلك العلماء.

 

12. يشترط لجواز التيمم عدم الماء أو التضرر باستعماله.

 

13. التيمم يكون بالصعيد الطيب وهو كل ما تصاعد على وجه الأرض، ولو لم يكن له غبار.

 

14. محل المسح في التيمم هو الوجه جميعه واليدين إلى الكوعين كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.

 

15. لا بد من المسح مع القصد، فلو هبت الريح وحملت تراباً ووقف الإنسان أمامها لم يجزئه.

 

16. كثير عفو الله - عز وجل - ورحمته بعباده المؤمنين.

 

-----

1- المغني في القراءات العشر 1/412

2- تفسير ابن كثير 1/430

3- في رحاب التفسير 1/ 927

4- التسهيل لعلوم التنزيل 1/192

5- مدارك التنزيل وحقائق التأويل 1/226

6- التسهيل لعلوم التنزيل 1/194

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply