قال الأصمعي: \" اغتاب رجلٌ رجلاً عند قتيبة بن مسلم، فقال له قتيبة: أَمسِك ـ أَيٌّها الرجل ـ فواللهº لقد تَلَّمَظتَ بِمُضغَةٍ, طالما لَفَظَها الكِرَام \".
هذه قصة قصيرة المبنى، عظيمة المعنى، فيها من العبر والفوائد كثير، فمنها:
كريم خُلُق قتيبة بن مسلم - رحمه الله تعالى - حيث أبى أن يُغتاب أحدٌ في مجلسه، وهذا خُلُقٌ إسـلامي أصيل، غاب عن أكثر مجالسنا، حيث أصبح المغتابون يلوكون أعراض النَّاس بألسنتهم، ولا يجدون من يدفع عن الغائب، ويردع المغتاب،
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من امرئ يخذل امرأ مسلماً ـ عند موطن تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه ـ إلا خذله الله - تعالى -في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر امرأ مسلماً ـ
في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته ـ إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته).
رواه الإمام أحمد وأبو داود.
ومنها: أنَّ ردع المغتاب، والدفع عن عرض المسلم الغائب من أنجع الوسائل المانعة من تسلط المغتاب، وخوضه في أعراض المسلمين، ولو علم كلٌّ مغتابٍ, أنَّه سيجد من يدفع عن عرض أخيه المسلم بالغيبº لما تجرأ على الغيبة، ولما جاهر بها في وسط المجالس.
ومنها: أنَّ الغيبة داء تنفر منه طباع الكرام، أهل الشيم والخلق الحسن، لكونها دليل جبن، ونقص شجاعة، وإلاَّ لما احتاج صاحبها إلى التخفي، وذكر غيره في غَيبَتِهِ.
ومنها: أنَّ الغيبة داء يلازم أهل الفراغ، البعيدين عن الجدِّ، المتفرغين للهو، وإن كان ظاهرهم خلاف ذلك، وأنَّ أهل الجدِّ من أبعد النَّاس عنها، لكونهم مشغولين بإصلاح عيوبهم، وشحذ هممهم، واغتنام أوقاتهم لما هم في إقبال عليه من العمل والاجتهاد، وكان قتيبة بن مسلم - رحمه الله - منهم، لذلك مكَّنه الله في الأرض، وفتح على يديه من البلاد ما نعلم يقيناً أنَّه لو كان من أهل البطالة لما فتحها، لذلك لم يحتمل سماع مغتاب يغتاب مسلماً في مجلسه حتى نهاه وردعه.
والله الموفق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد