1،2،3 انطلق


  

بسم الله الرحمن الرحيم

أما قبل:

1، 2، 3

عبارة تقال وتردد كثيراً في المحافل الترفيهية والرياضية، تعوّد الناس استعمالها سواء كانت باللغة العربية أو الإنجليزية وهي عبارة تؤجج الحماس للانطلاق، وتجعل المتلقي على أهبة الاستعداد انتظاراً لإشارة البدء.

وما هذه الأرقام إلا دلالة على رفع درجة الاستعداد درجة درجة، والبعض يستخدم أسلوباً آخر لرفع درجة العدة والاستعداد فيستخدم رقماً تنازلياً يبدأ من العشرة:

 

1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10صفر

 

وما إن تبلغ الرقم صفر إلا وينطلق المنطلق تصحبه وتصاحبه صيحات الجماهير المترقبة لذلك الانطلاق وتلك الانطلاقة.

 

الانطلاقة هنا إما مادية بحتة وإما جسدية وإما صاروخية مكوكية وإما تنافسية رياضية، ولكن ثمة ما هو أبلغ وأعمق، تلك الانطلاقة الكبرى في تطوير الذات وإكسابها المهارات وتحليتها بالملكات والمزايا والمميزات.

 

الانطلاقة الكبرى المعلنة لتغيير الذات وثورتها على واقعها إلى واقع أجمل وأكمل.

 

الانطلاقة بالنفس بها ومعها ولها استكمالاً لمحاسنها وتطهيراً لعيوبها.

 

تلكم الانطلاقة المنتظرة تنبع حين تنبع من الداخل من أعماق النفس البشرية في الداخل حيث يحدث التغيير الكبير.

 

{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ, حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم}(الرعد: من الآية11).

 

فهل ننتظر حتى يقال لنا انطلق؟!

 

أم نقول لأنفسنا بصوت مرتفع:1/2/3 انـطـــلــق.

 

أما بعد:

فاسمع وأستمع وأنصت يقول الحق - تعالى - في محكم التنزيل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالشَّمسِ وَضُحَاهَا * وَالقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيلِ إِذَا يَغشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفسٍ, وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}(الشمس: 1-8).

 

قسم تلو قسم من لدن الرب تبارك وتعالى، وربنا عظيم ولا يقسم إلا بعظيم.

 

يقول ابن عاشور - رحمه الله تعالى -:

وكل من الشمس والقمر والسماء والأرض ونفس الإنسان من أعظم مخلوقات الله ذاتاً ومعنى، الدالة على بديع حكمته وقوي قدرته.

 

كنت ولم أزل منذ بضع سنوات خلت أتأمل هذه الآيات وأقف متدبرا لمعانيها، وكنت أفهم أن هذه الأقسام من لدن الله - سبحانه وتعالى - دلالة على عظم هذه المخلوقات ولله - سبحانه - أن يقسم بما شاء من خلقه وليس للعبد ألا أن يقسم بالله وحده، حتى طالعت كلاما نفيسا للشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - جعلني أقف متأملا، حيث يقول - رحمه الله -:

أقسم - تعالى -بهذه الآيات العظيمة على النفس المفلحة وغيرها من النفوس الفاجرة...

ثم يقول: وعلى كل فالنفس آية كبيرة من آياته التي حقيقة بالأقسام بها، فأنها في غاية اللطف والخفة، سريعة التنقل والحركة، والتغير والتأثر، والانفعالات النفسية من الهم والإرادة والقصد والحب والبغض.

 

وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه، وتسويتها على هذا الوجه أية من آيات الله العظيمة. انتهى كلامه - رحمه الله -.

 

قسم تلو قسم بآيات كونية باهرة جاء ذكرها حين جاء للتقدمة والتوطئة للحديث عن أية عظيمة من آيات الله تبارك وتعالى،

 

جاء حين جاء للحديث عنك أيها الإنسان:

وممــا زادني شــرفا وتيهــا *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي *** وإن صيّرت أحمد لي نبيا

 

 وفي قوله - تعالى -: {فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}(الشمس: 8).

يقول الراغب الأصبهاني في مفرداته (مفردات غريب القران وهو كتاب جامع مانع في مجلد واحد، أوصي باقتنائه) يقول - رحمه الله -:

والإلهام إيقاع الشيء في الروع ويختص ذلك بما كان من جهة الله - تعالى -والملأ الأعلى.

والإلهام مصدر ألهم، اسم قليل الورود في كلام العرب، ولم يذكر أهل اللغة شاهدا له من كلام العرب.

ويطلق الإلهام إطلاقا خاصا ويراد به حدوث علم في النفس بدون تعليم ولا تجربة ولا تفكير.

ثم قال - تعالى -: {قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا}(الشمس: 9-10).

يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -:

ذكر فيها انقسام النفوس إلى الزكية الراشدة المهتدية، والى الفاجرة الضالة الغاوية، وذكر فيها الأصليين القدر والشرع {فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا} هذا قدره وقضاؤه، {قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا}(الشمس: 9-10). فهذا أمره ودينه.

انتهى كلامه - رحمه الله -.

 

إن التزكية أو التدسية للنفس هو قرار الإنسان ومحض إرادته بعد توفيق الله - عز وجل - وهدايته.

من أجل ذلك كان الهم والاهتمام والأهمية للبحث عن طرائق التزكية، وسبل الصلاح والإصلاح للذات الإنسانية.

وما هذه الأقسام من لدن الله في كتابه العزيز إلا دلالة على عظم هذه النفس وعظم العناية والرعاية بها ولها.

 

ولقد كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - الدعاء كثيرا كثيرا: (اللهم آت نفسي تقواها، وزكها آنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها) أخرجه احمد والنسائي وغيرهما.

إن التغيير يحدث حين يحدث في سياق الارتداد إلى الداخل والعودة إلى أعماق الذات.

فهناك في أعماق كل إنسان منا يوجد كل ما يحتاجه ذلك الإنسان من موارد ومهارات، ومزايا وملكات، ولكنها كامنة تحتاج إلى اكتشاف، أو معطلة فتحتاج إلي تفعيل، وربما كانت فاعلة فتحتاج إلى تطوير، وفي المقالات القادمة سوف نتشارك في الاكتشاف والتفعيل والتطوير فكونوا معنا فنحن معكم والله معنا ومعكم موفقا وحافظا.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply