ثقافة شبابنا في مهب الفضائيات والإنترنت


 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن جيل اليوم يحمل قيماً وأفكارا زرعتها في دماغه وسائل الإعلام ذات الأثر البليغ والفعال والتي يجب التعامل معها بحذر شديد لما فيها من مزج مركب بين الصوت والصورة وبثلاثة إبعاد مما جعلها مصدر المعلومات والقيم الأول لدى النشء الجديد.

 

لاشك إن للبث التلفزيوني الذي غزانا من كل حدب وصوب وكذلك الأفلام المسجلة على أشرطة الفيديو أو أشرطة الكمبيوتر بالإضافة إلى استخدام الإنترنت إيجابيات ظاهرة لا يمكن إنكارها وبنفس الوقت هناك سلبيات غير محدودة تقلب المفاهيم وتربي النشء على أسس غير سليمة خصوصاً إننا نعلم إن بعض ما يبث يدخل ضمن العملية التجارية لهذه المحطة أو تلك بالإضافة إلى إضاعة الوقت الطويل أمام أفلام الكرتون التي يقضي إمامها الأطفال منذ سن مبكرة جداً جل وقتهم دون فائدة تذكر ناهيك عن اكتساب بعض أنواع التصرفات والأخلاقيات غير المرغوبة خصوصاً إن أغلب تلك الأفلام صنعت من قبل ثقافات مغايرة ولم يقتصر الأمر على أن يكون إحدى فقرات البث التلفزيوني من هذا النوع بل تعداه إلى إنشاء محطات فضائية متخصصة في بث أفلام كرتون مثل محطة نغمة الفضاء space toon وغيرها التي يقضي الأطفال وكثير من الشباب والشابات حتى سن الثامنة عشرة أو أكبر أغلب وقتهم إلى درجة أن ذلك قد يعطلهم عن أداء واجباتهم والتزاماتهم الأسرية والمدرسية والاجتماعية وفي الحقيقة لم تقتصر المحطات الفضائية على ذلك الأمر المهين نسبياً مقارنة بما تبثه بعض المحطات من فقرات هابطة حتى على الحس الحيواني وأغلبها يكون موجهاً بصورة خاصة لأبناء هذا المجتمع الطيب المحافظ والأدهى والأمر أن مثل تلك القنوات وإن تم تشفيرها من قبل الرقابة «لمنع وصولها إلا أن هناك من يستطيع فك الشفرة ويبيع ذلك عن طريق المحلات المتخصصة وبأسعار منخفضة نسبياً.

 

نعم إن لوسائل التقنية الحديثة مثل التلفزيون والفيديو والإنترنت وملحقاتها آثاراً نفسية مدمرة لا تزال محل دراسة وتمحيص من قبل علماء وخبراء علم النفس والاجتماع في المجتمعات المتقدمة والذين تؤخذ توصياتهم عند بلورتها بصورة جدية أما في دول العالم الثالث ونحن من ضمن تلك الفئة فإن ذلك النوع من الدراسات التطبيقية لا وجود له وإن وجد فهو عبارة عن اجتهادات واهتمامات شخصية لا يتعد أثرها مكتب معدها وإن تعب عليها وذلك على الرغم من وجود عدد لا يستهان به من المخصصين من أساتذة الجامعات وغيرهم من المتخصصين الذين يتواجدون في العيادات النفسية وذات العلاقة في المستشفيات والذين يستقبلون أعدادا متزايدة من المرضى النفسيين دون ظهور دراسة شمولية عن الأسباب ووسائل الحد منها.

 

وعلى العموم فإن الأمراض النفسية والعنف المدني وقصور البعد الثقافي وإضاعة الوقت دون فائدة محددة وكسب سلوكيات غير محمودة كل ذلك نتاج لسلوكيات غير محسوبة آثارها تتمثل في مشاهدة ما هب ودب من خلال التلفزيون أو الفيديو أو الإنترنت أو إضاعة الوقت بألعاب الكمبيوتر وهذا يعني أن الأسرة قد تنازلت وتناست دور ما في التربية والتنشئة حيث أصبح النشء الجديد ضائعاً بين تعليمات الخدم وإضاعة الوقت أمام الشاشة الفضية وذلك تحت طائلة انشغال الوالدين أو بالأحرى تشاغلهما ذلك أن تربية الأولاد تأتي أولا قبل جميع الفعاليات الإنسانية الأخرى حتى لو كان العمل.

 

نعم إن جيل اليوم يحمل قيماً وأفكارا زرعتها في دماغه وسائل الإعلام ذات الأثر البليغ والفعال والتي يجب التعامل معها بحذر شديد لما فيها من مزج مركب بين الصوت والصورة وبثلاثة إبعاد مما جعلها مصدر المعلومات والقيم الاول لدى النشء الجديد دون مسؤولية أو حساب أو رقابة تحض على الحسن وتنهي عن السيئ. لذلك يطالب الخبراء والمتخصصون بأن تعود الأسرة إلى ممارسة دورها التربوي لمساعدة أطفالها على الخروج من مشاهدة التلفزيون بفائدة اكبر وذلك من خلال معاونتهم على أن يكونوا أكثر انتقاء لما يختارون مشاهدته من أمور إيجابية كما أن دور الرقابة يجب أن يشمل تحديد الوقت المسموح به لمشاهدة التلفزيون أما ترك الحبل على الغارب فإنه يعرض المشاهد لطيف واسع من الأفكار المتناقضة والآراء المتضاربة والعنف غير المبرمج ناهيك عن أن ذلك يصل بصورة مبعثرة إلى مخيلة الطفل مما يولد لديه عدم اليقين في كل ما يسمع حتى من والديه مما يترتب عليه وجود علاقات أسرية مضطربة ناهيك عن أن ذلك يفقد النشء القيمة المعرفية خاصة مع سيطرة برامج العنف من خلال أفلام كرتون أو غيرها مما يُبث عبر القنوات المختلفة ليس هذا فحسب بل إن ما يقدمه التلفزيون من أغان هابطة وأفكار معلبة وجاهزة وخطيرة تمنع الطفل حتى من التفكير السليم أو المشاركة مما يحول الأطفال بصورة خاصة والنشء بصورة عامة إلى مستقبل سلبي يسمع ويطيع ويقلد ما يعرض أمامه دون أدنى جهد يبذل للفرز أو الانتقاء ما لم يحول ذلك المشاهد إلى مسخ لتلك البرامج وفكر من يقفون خلفها ممن يسرهم الوصول إلى تلك النتيجة المحزنة لشباب هذه الأمة عُدة مستقبلها والتي نتباكى على عدم الإتقان أو الالتزام أو التفوق والنجاح من قبله دون البحث عن الأسباب الكامنة وراء ذلك مما ذكر آنفا أو لم يذكر.

 

نعم إن أغلب الآباء لا يمضون مع أبنائهم أكثر من نصف أو ربع ساعة يومياً بعيداً عن وسائل الترفيه والإتصال الحديثة وأهمها التلفزيون مما يؤدي إلى زيادة الاضطرابات العاطفية والسلوكية لدى الأطفال والمراهقين وذلك على امتداد الساحة العربية برمتها وتكون نتيجة ذلك الاكتئاب والقلق والاضطراب السلوكي والخوف والرهاب الاجتماعي مما يستطيع الواحد مشاهدة ضحاياه عن طريق زيارة إحدى العيادات النفسية المتخصصة والتي سبق الإشارة إليها. نعم إن التلفزيون والفيديو والإنترنت وحتى السينما والمسرح لها إيجابيات كبيرة إذا أحسن استخدامها وعوملت على أساس أنها وسائل مساندة في الوصول إلى الأفضل أما إذا ترك الأطفال والمراهقون ليشاهدوا كل ما يبث من غث وسمين فإن هذه مصيبة . ذلك أن التحكم بما تبثه تلك الوسائل صعب جداً مما ينتج عنه مسخ ثقافي غير مشرف خصوصاً أن البث يأتي من الفضاء ومن جهات غير محدودة العدد.

 

لذلك فإن الرقابة سوف تكون من خلال عنصرين أساسيين أحدهما يتمثل في رفع كفاءة الإدارات المعدة لبرامج الأطفال في محطات التلفزيون الوطنية من حيث رفع وعي العاملين بها وتوفير الكتاب والمخرجين الأكفاء والاستوديوهات المجهزة وإيجاد برامج التدريب الكافية واللازمة وذلك لرفع مستوى الأداء بين العاملين في برامج الأطفال ناهيك عن رفع مستوى وعيهم الوطني و إلمامهم بالآثار المترتبة على ما يتم بثه من برامج ليس هذا فحسب بل الاجتهاد في إنتاج برامج وأفلام متنوعة وجذابة تجعل من محطاتنا الوطنية مراكز جذب للأطفال والمراهقين مما يغنيهم عن متابعة غيرها من القنوات التي تبث كل ما هب ودب دون انتقاء أو تمحيص. إن محطات التلفزيون المحلية والفضائية يجب أن يكون لها دور تربوي يزرع في الأطفال والمراهقين من أبناء هذا الوطن الولاء والانتماء ويعلمهم معارف وسلوكيات جيدة ويزرع فيهم الفضيلة وحسن التصرف ويعمقوا فيهم قيم الخير وحب العمل والطموح والمثابرة ناهيك عن أهمية التعليم عن طريق الترفيه وجعله من أولويات تلك البرامج لما يترتب عليه من أهمية يعقد عليها هذا الوطن آماله وأحلامه، نعم إن الأمر لا يقتصر على ذلك بل إن الحرب على الإرهاب والأنانية والفساد والغلو والتطرف ونبذ الآخر يجب أن تكون في مقدمة اهتمام تلك البرامج التي يجب أن تكون موجهة ومدروسة بعناية ويشرف عليها أخصائيون في علم التربية والاجتماع والنفس ويعزز همّ المتخصصون من الأمور الأخرى من علمية وتطبيقية أخرى أو عسكرية أو أمنية، نعم إن كل ذلك إذا صرف عليه بسخاء وتم تقويمه بأسلوب علمي وأسند إلى الأكفاء سوف يقلل من الاستسلام للغزو الثقافي الغربي الذي غزانا في مأكلنا ومشربنا وأحاديثنا ومفرداتنا. دون علم أو انتباه منا فما بالك بالغزو الثقافي الذي توحد بفلذات أكبادنا من خلال برامج التلفزيون الموجهة وأفلام الفيديو المفخخة وأشرطة الكمبيوتر المشرَّكة والإنترنت الملغمة التي يقوم على بعض المواقع فيها منظمات الجريمة المنظمة مثل الاتجار بالأنفس والعقول وتهريب المخدرات والدعارة وتهريب السلاح وغسيل الأموال التي كلها تتداخل فعالياتها من خلال الكسب غير المشروع والتي على استعداد لاستخدام جميع الوسائل والسبل للوصول إلى غاياتها حتى على المدى الطويل والتي تأخذ بعين الاعتبار أن تخريب عقول النشء وسوء تربيتهم وتفككهم الاجتماعي من أيسر السبل لخلق زبائن وممولين وموالين ومراسلين ومسوقين في كل مجتمع يريدون أن يجعلوا لهم فيه موطء قدم وبالطبع فإن خير وسيلة لذلك هي وسائل الاتصال والإعلام الحديثة التي دخلت كل منزل مما سهل عليهم مهمة كانت فيما سبق من أصعب الصعوبات، لمَ لا؟ والدراسات تدل على أن كثيراً من الأطفال في المرحلة الابتدائية لدينا يقضي في مشاهدة التلفزيون أكثر مما يقضيه في المدرسة وكذلك الحال بالنسبة لطلبة المرحلة المتوسطة والثانوية وربما ينطبق الحال على بعض طلبة الجامعات والذي يدل عليه مستوى أدائهم وتحصيلهم العلمي المتدني.

 

نعم أن كثرة الارتباط بمشاهدة المحطات الفضائية والضغط على أزرار جهاز التحكم عن بعد (الرموت كنترول) وكذلك قضاءه أوقاتاً طويلة خلف شاشة الحاسب في أمور عديدة كفيل بتحويل الإنسان إلى «شخص رقمي» وهذا يعني فقدانه لكثير من الصبغات العاطفية والإنسانية ويتمثل ذلك بانقطاع صلته بالآخرين أو التواصل معهم مما يسهم في تحول الروابط الأسرية إلى روابط شكلية مما يؤدي إلى التفكك الأسري الذي بدأت تظهر بوادره في بعض المجتمعات مما يحتم إيجاد حلول توازن بين مخرجات التكنولوجيا وحاجات المجتمع العربي المسلم إلى تلك المخرجات..

 

والعجيب في الأمر ان الإفساد والتحريض لم يقتصر بثه على الجهات المعروفة التوجه والانتماء بل ان تلك الأساليب غزت محطات محسوبة على العروبة والإسلام فالتحيز واضح المعالم وان اجتهدوا في إخفائه وخدمة الإرهاب وصناعته أصبح معلماً يسمونه قصب السبق ونسميه إرهابا ذلك أنه يصب في مصلحة من فصل ثوب الإرهاب العريض الفضفاض الذي يمكن أن يُلبس لكل من لا تتوافق آراؤه وتوجهاته مع مصالح الصهيونية والإمبريالية التي ركبت على ظهر التطرف اليميني المتصهين نعم أننا اليوم نعيش أزمة إعلام تتمثل في ارتفاع صوت الإعلام التحريضي والمعتمد على الإثارة والنفخ في السلبيات مهما صغرت وغض الطرف عن الايجابيات مهما كبرت وهم إن لم يجدوا سلبيات في الحاضر ذهبوا إلى الماضي لعلهم يجدون فيه ما يشبع نزعتهم التحريضية والتشويهية مستهدفين استغفال شبابنا.

 

وعلى أية حال فإننا اليوم مطالبون بأن نكون أكثر وعياً لحماية أجيالنا القادمة والحالية من الوقوع صيداً لتلك المحطات التي تتعمد الشتم الصريح والمبطن وهذا لا يتم ما لم نقم بصنع إعلام فاعل يفي بمتطلبات الأطفال والمراهقين وكذلك الراشدين الذين إن لم يجدوا في إعلامهم ما يجذبهم إليه استمعوا مرغمين إلى غيره ممن لا يلتزم بمقومات الإعلام الصادق الذي يقوم على مبدأ دس السم في العسل واستخدام أسلوب مسترقي السمع من السماء والقائم على دمج قليل من الصدق مع كثير من الكذب حتى يزينه ويمرره ويقنع من يسمعه.والله المستعان.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply