نبش في ذاكرة الدعوة والتربية ( الإقتداء بين الشمولية والاجتزاء )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الإقتداء والتشبه والمحاكاة من ضرورات الحياة ومتطلبات العيش بل ومقاصد الشرع الحكيم، إذ لا يتصور وجود شخص في أي زمان أو مكان إلا وله قدوة ومثل بوجه أو بآخر، وفي كل الميادين، والتربية والدعوة أولى بذلك من غيرها، لذا كانت التوجيهات الربانية، والتعبئة النبوية لهذا المفهوم، وهي بهذه الحيثية تكتسب أهمية وخطورة عظمتين..

 

 وقدوات المربين والدعاة أكثر من تحصر بدءا بالأنبياء ومروا بالصحابة ومن تبعهم على الجادة إلى يوم الجزاء و الحساب.

وأعظم القدوات على الإطلاق النبي الخاتم_ - عليه الصلاة والسلام - _ الذي أدبه الله وزكاه، قلبا وقالبا، سريرة وسلوكا، قولا وفعلا.. فعنده تتقازم القدوات ويتقاصر العظماء..

 

وليس أكمل من الإقتداء به والمشي على أثره وتلمس خطاه، فيما دق وجل..

 

وهذا لا يعني حصر الاقتداء فيه، ولكنه الأكمل والأسلم والأحكم..

 

أما غيره من القدوات- باستثناء الأنبياء - فهم أهل لذلك ما استظلوا بظلاله واقتبسوا من أنواره.

 

ويقع الخلل في بعض الممارسات التربوية، والمفاهيم، المتعلقة بمفهوم القدوة، حين يغيب أو يخبو قبس التفريق بين القدوة الأكمل  - عليه الصلاة والسلام -  وبين غيره، فلربما برزوا في جانب أو جوانب لكنه علي الصلاة والسلام كان له قصب السبق في كل ميدان، وفوق كل حصان.

 

ويحتاج مفهوم الإقتداء بغير النبي  - عليه الصلاة والسلام -  ممن هم أهل لذلك إلى فهم الزمان وحصر المواقف والإلمام بأغلب الجوانب في حياتهم، لتتكون صورة شاملة متوازنة عنهم..

 

فعمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - لا يزال مضرب المثل عند كل من يتعامل بالحزم والشدة ويتخذها منهجا، وحق له أن يقتدي بخليفة رسول الله.. ولكن الخلل يكمن في تحديد صلاحية إقتدائنا نحن اليوم به في هذا الجانب بإطلاق؟

 

والجواب يوضحه معرفتنا بجوانب أخرى في حياته - رضي الله عنه - من أهمها عدله العظيم وخشيته الكبيرة لله، وتعبده وتقواه التي ستحرسه من الزلل والجور، وستحميه من حظوظ النفس ونزغات الشيطان، فقبل أن نقتدي بالفاروق في شدته وحزمه فلنقتدي به في عدله وخشيته، ثم لندرس المواقف التي تعامل فيها بالحزم.. جاعلين نصب أعيننا زمانه ومجتمعه ومد قبوله لتصرفاته من عدمه مقارنين ذلك بمجتمعنا وتخليطه، حينها قد يكون الحل الأسلم العودة إلى ما كان عليه النبي الأكرم - عليه الصلاة والسلام - والعود - ولا شك _أحمد.

إنها ليست فلسفة فارغة بقدر ما هي حقيقة واقعة، يرى فيها البصير اجتزاء للمواقف من سير الأفذاذ،يسيء إلى أشخاصهم الكريمة،ويقوقع الدعوة والتربية في مواقف محدودة،والصواب أن نتعامل مع منهج متكامل شامل، وان لم يكن فلنكن مع رسول الله.

 

إنه مثال فقط لقضية الحزم والشدة في حياة الفاروق - رضي الله عنه -، و إلا فالتربية الجهادية ورمزها سيف الله و الزهد ورمزه أبو ذر والدهاء ورمزه عمرو ابن العاص وكذلك قضايا اللباس وأسلوب الكلام... كلها من هذا العشير، ومن تلك الطينة..

 

إن فقهاءنا حين منعوا من تتبع الرخص أردوا مما أرادوه بناء منهج فكري متكامل،ونحن بهذا ندعوا لبناء منهج تربوي متكامل،لا نتتبع فيها مواقف مجتزأة أو شوارد فيها احتمال، وتأويل.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply