مواجهة الأمور بالسلبية والصمت.. خيانة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله - عز وجل -: إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور (38) (الحج) صدق الله العظيم.

أبدأ بهذه الآية الكريمة لأقول إن رب العالمين استخدم صيغة المبالغة\"خوان\"ليصف فيها المعتاد على الخيانة، وربطها بالكفر، فصار من يحمل صفة الخائن كافراً في الوقت نفسه.

ولو نظرنا إلى الخيانة لرأينا أنها ليست نوعاً واحداً، بل إنها على أنواع ولكل منها نتائجه مثل:

 

أولاً: الخيانة ضمن الأسرة، ويندرج في سياقها:

1 الخيانة الزوجية المرتبطة بالزنى.

2 عقوق الوالدين، وهو نوع من الخيانة.

3 تقصير الآباء تجاه مسؤولياتهم الأسرية مما يؤدي إلى سوء التربية وإهمال الأبناء وتفكيك أو تهديم العائلة.

4 سوء المعاشرة الزوجية، سواء كان سببها الرجل أو المرأة وهو ما يدفع لتحطيم وحدة الأسرة.

 

ثانياً: الخيانة في العمل، والأمثلة على ذلك كثيرة مثل:

1 خيانة التكليف، كأن يكلَّف مدرس بتعليم صف معين، فيأتي إلى الحصة المدرسية دون أن يحضر الدروس أو يحول الصف إلى صف هزلي، أو لا يهتم بالنتائج التي يحققها الطلاب ولا يبحث عن أسبابها لإصلاح الأخطاء.

2 خيانة الثقة، كأن تذهب إلى (ميكانيكي) لإصلاح سيارتك وبعد ساعة يسلمك السيارة على أنه قد تم إصلاحها وما تكاد تسير بها مسافة معينة حتى تتعطل وتربك السير وتربكك وقد تؤدي إلى حوادث سير خطيرة، فهذا نوع من أنواع الخيانة في العمل.

3 خيانة سر المهنة، وقد باتت هناك قوانين تحاسب في بعض الاختصاصات على هذا النوع من الخيانة، فالطبيب الذي يذيع أسرار مرضاه، والمحامي الذي يفشي أسرار زبائنه، ورجل الدين الذي يؤتمن على المشكلات العائلية عند المسلمين أو على أسرار الاعتراف عند المسيحيين، كل هؤلاء إذا أساؤا إلى السرية الشخصية لحياة الآخرين وهي أمانة لديهم صاروا خائنين.

4 إفشاء السر الصناعي، وهو أمر بات ظاهرة في العالم يدور حوله الصراع ويتسبب أحياناً بالحروب، فبعض الدول تقوم مخابراتها بمتابعة ما يجري من تطور تكنولوجي عند الآخرين.

وقبل سنتين، اضطرت إحدى طائرات التجسس الأمريكية للهبوط في الصين، فرفضت الصين إعادة الطائرة إلا بعد مفاوضات طويلة، وكانت الإطالة فرصة لمعرفة الأسرار الصناعية لتقنيات هذه الطائرة.

 

ثالثاً: الخيانة بالتعامل مع العدو:

وهنا يمكن القول إن كل عمل يساعد العدو، سواء كان كبيراً أو صغيراً، هو خيانة، وهذه الخيانة ليست جديدة، ففي عهد الرسول ص حصلت هذه الخيانة وربما من الأليق أن نسميها الزلة عندما أرسل الصحابي البدري حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه -رسالة إلى الكفار يخبرهم فيه بعزم الرسول ص السير إلى مكة لفتحها، وفي ذلك نزل صدر سورة الممتحنة يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء (الممتحنة:1).

ومن ذلك أيضاً، مساعدة العدو بالفكر: كالدراسات التي يجريها بعض طلاب العالم الثالث والدول الإسلامية في الجامعات الغربية عن بلادهم وأوضاعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها بحيث تظهر نقاط الضعف في مجتمعاتهم، فيستفيد العدو من هذه الدراسات الممولة من مؤسسات علمية في الظاهر لكنها تتبع المخابرات في المضمون وتقدم كمنح أو مساعدات، فعندما يمول بحث ما لا بد من أن يكون ذا فائدة للجهة التي مولته، والشاب العربي أو المسلم مقابل الحصول على درجة الدكتوراه يقدم للعدو معلومات مجانية، فمساعدة العدو بالفكر خيانة يجب ألا نتهاون فيها.

ومن ذلك أيضاً مساعدة العدو بالإعلام: وهذه مسألة خطيرةº لأن الإعلام إما أن يرفع المعنويات أو يحطمها، وأحياناً لا يكون الكذب لصالح القضية، ولهذا فإننا عندما نستمع اليوم إلى ما يجري في العراق علينا أن نميز، وأن نصنف المحطات، وأن نحسن اختيار الخبر، وأن نعرف مقدار الشك في كل خبر وإلا وقعنا ضحية الإعلام.

مساعدة العدو بالتخطيط أو بالتمويل: دون الدخول في التفاصيل، فإن هذا الأمر قائم والكل يعرف ذلك.

مساعدة العدو بالسلطة: بمعنى أن يكون المرء في موقع المسؤولية كالعالم المسؤول عن الإفتاء في بلد ما فيقول كلاماً يساعد العدو بطريقة غير مباشرة ويبرر عدوانه ولذا قيل:\"زلة العالِم زلة للعالَم\"لأن العالِم عندما يبدي آراء خاطئة عن حسن نية فكل من يتبعه ويأخذ برأيه سيسير وفق هذه الآراء الخاطئة وتكون المسألة كارثة، وطبعاً هناك من لا يفعل ذلك عن حسن نية بل يضع سلطته في خدمة العدو أحياناً. على أن هناك إلى جانب هذه الأنواع من الخيانة بالفعل خيانة من أنواع أخرى مثل:

 

رابعاً: الخيانة بالتقصير:

وعلى سبيل المثال، إذا عرفنا أن العدو الصهيوني يجهز للعدوان على لبنان، ويلهينا في المرابع الليلية ولم نعد لمواجهة هذا العدوان فهذه خيانة.

وفي هذا المجال أقول إن حجب العلم عمن يحتاجون إليه، وحجب المال عن خدمة الأمة، وحجب الدور لدى من يملكه عن توظيفه في مجتمعه، كلها أنواع من الخيانة. وتحضرني حول هذه المسألة كلمات لأحد أصدقاء والدي، وكان قنصلاً فخرياً لسورية في مصر حين سألته عن سبب خروجه من منزله تحت المطر لزيارة والدي وهو في سن متقدمة فقال لي: الزكاة ليست فقط في المال، فهناك زكاة العلم، وزكاة الجاه، وزكاة الصحة، ومجيئي اليوم جزء من زكاة صحتي.

يبقى أن نقول إننا وصلنا إلى بيت القصيد، وهو أن هناك مفهوماً إسلامياً أساسياً للخيانة قد أهملناه طويلاً وهو: الخيانة باللاعمل، وللنظر إلى الواقع اليوم: ماذا نفعل ونحن نرى هذه الحرب على أرضنا؟ إننا نجلس أمام التلفاز، نتطلع إلى ما تلتقطه عدسات الكاميرا، فإذا كانت المشاهد مأساوية نلعن فلاناً أو الدولة الفلانية، وإذا أعجبتنا النتيجة بدأنا بالتصفيق!!

ماذا فعلنا لمن هم في أرض المعركة؟ وهذا كلام ينطبق على العالم الإسلامي كله وليس علينا. فقط: نقرأ الصحف، نسمع الإذاعات، نتفرج على أجهزة التلفاز ومحطاتها الأرضية والفضائية، أما العمل الإيجابي فغير موجود!! إن هذا الصمت أو السلبية خيانة، فالخيانة ليست فقط في كل ما ذكرنا، بل في مواجهة الواقع بالسلبية والصمت والعجز نوع من الخيانة، ونسأل الله العافية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply