أحوالنا والتربية (3/3)


             

بسم الله الرحمن الرحيم

7ـ ماذا تفعل لو...؟

أولاً: جاءك ابنُك يطلعُك على درجة اختباره، وقد نقص درجةً فيه أو أكثر.

أ ـ أمتدِح الجوانب الإيجابيّة المضيئة في نتيجة ابني: \"ما شاء الله، ممتاز لأنك أجبت على كذا وكذا، أنت الآن على الطريق الصحيح، فاستمرّ وسترى نتيجة مجهودك، بل وتكون الأوّل في الامتحان القادم بعون الله، بارك الله فيك يا بنيّ، وهذه قبلةٌ منّي في جبينك الطاهر..

 

ب ـ أقول له: \"لماذا نقصت درجتُك؟ هل قصّرنا في شيء نحوك أيها المهمل اللعّاب؟ أم أنه ينقصُك عضوٌ عن باقي الخلق؟ أنت لا تفهم، لا عقلَ لديك، لماذا فلان يطلع عليك الأوّل؟ أما تستحي؟ أما تخجل؟ أما.. أما..؟؟

 

ثانياً: اعتاد ابنُك التأخّرَ في نومه، وتريد أن ينام مبكراً.

أ ـ أجلسُ معه جلسةً ودّيّةً أخويّة، أحدِّثه عن أنسب ساعات النوم، وما لها من فوائد عظيمة على الصحّة والعطاء، أهيئ له جوّاً جميلاً هادئاً مريحاً لنومه، لا أجعلُه ينام نهاراً لأكثر من ساعة أو ساعةٍ, ونصف.

ب ـ أقول: قم.. نم، سأعلّقك..، سأجلدُك إن لم تنم، سأحضر لك الدكتور يعطيك الحقنة، سيأتي العفريت الآن ويأكل المستيقظين.

 

ثالثاً: يخطئ وهو يأكلº فيقع الطعامُ على ملابسه.

أ ـ أدعُه يأكل، ولا أُشعِرُه أنَّا ننظرُ إليه، أتركُه يشعر بالخطأ بنفسه عندما ينسكب الطعامُ على ثوبهº و إلا فيمكنُ توجيهه برفق ولين في غير وقت الأكل بطريقة \" ما رأيك لو فعلنا كذا؟ بيّن لي طريقة كذا؟\".

ب ـ أُمطره أنا ووالدتُه بوابلٍ, من الشتائم والتعليمات: \" افعل..، لا تفعل.. \".

 

رابعاً:  أنه لا يذاكر، ولا يؤدّي واجباتِه المدرسيّة.

أ ـ أستخدم معه أسلوب التوجيه الهادئ غير المباشر:

ـ \"تعال يا بُنيّ نشرب كوباً من الشاي معاً\".

ـ وأثناءه: \" كيف حالك؟ أخبارك في المدرسة؟ يا سلام.. أشعر أنك ستحقق آمالنا فيك، أتمنى أن تكون أحسن منِّي ومن كل شباب الدنيا، الطريق الجميل للوصول إلى هذا الهدف الجميل.. المذاكرة وحل الواجبات، لتحصل على شهادة عالية.. تستطيع معها أن تواصل السير نحو القمة\".

ـ أشرح له كيفية المذاكرة، واستخدام الورقة والقلم، والتخطيط، وتنظيم الوقت، وأنه لا بد من التعب..ليصل إلى ما يحب.

 

ومن تكن العلياءُ همةَ نفسه     فكل الذي يلقاه فيها مُحبَّبُ 

 

ب ـ أصرخ بأعلى صوتي: \" أنت لن تنفع..، فاشل..، ضائع \"، \"على راحتك، أنا عملت ما عليّ، وفرت لك البيت.. المكتب.. الكتب.. المدرسة.. المدرسين، هل ينقصك شيء آخر؟ تُفلح أو لا تُفلح.. أنت حُر، من ينفع ينفع نفسه \".

 

خامسا ً: حدث مثلاً وأنت تعبر بابنك الصغير الطريقَ إلى المدرسة، توقّف منك فجأةً وأصرَّ أن يعبرَه بمفرده.

أ ـ أقول له: \" ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، يا بني: كنت أساعدك في قطع الشارع عندما كنتَ صغيراً، والآن أريد أن تساعدني في عبوره، مرةً أنا ومرةً أنت \".

ب ـ أصيح في وجهه: \" امش يا غبي.. الله يقطعك.. \" ستتسبب لنا في مصيبة.

أجذبه من يده جذبةً شديدة، يخضع بدنه الضعيف لسلطان قهري وجبروتي، ولم أستطع إخضاع عقله بسلطان الحجة والإقناع والاحترام.

 

سادساً: حدثت فجوة كبيرة بين الابنة وأمّها، البنت تغلق على نفسِها باب غرفتها، كثيرةَ الشرود،  دائمةَ الاكتئاب.

أ ـ تدخلُ الأمٌّ إلى ابنتها: \" تعالي يا بنيتي، هناك برنامج جميل في الطبخ، هيا نشاهده معاً\".

\"هيه.. متى سنأكل من يدك الحلوة صينية حلويات؟\".

\" الله.. هذه أجمل صينية حلويات ذقتُها في حياتي.. \".

تفتح الأم مع ابنتها مواضيع عن قصص بعض البنات في مثل سنها، أو عن نفسها، وكيف أن البنت إذا واجهت مشكلة، ولم تحك لأحد حريص عليها فستتصرف تصرفاً خطأ، وأفضل صديقة للبنت أمها، فالأم تتمنى أن تكون بنتها أفضل منها..

وهكذا.. تنشأ صداقةٌ عميقة بين الأم وابنتها بأمثال هذه التصرفاتº لتصل الأم إلى أن تحكي لها ابنتُها كلَّ مشاكلها، وعندها ما أسهل العلاج!.

ب ـ تتركُها أمها، تقول لنفسها: نحن مشغولون، وهذه طبيعة مرحلتها تلك، وسوف تعالجها الأيام..

 

سابعاً: ابني يسأل عن أي شيء، وفي أي وقت، وبأي كيفية:

ـ أين الله؟.

ـ من أين جئتُ؟.

ـ لماذا نموت؟.

ـ هل يمكن أن أدخن مثلك يا أبي؟.

ـ أين تذهب الشمس آخر النهار؟.

أ ـ أقابل أسئلة طفلي بكل احترام وتقدير، وأجيب عن أسئلته بكل وضوح وصِدق، وبما يحتملُه عقله:

ـ الله سبحانه وتعالى في السماء، وهو ليس مثلنا، وليس كمثله شيء.

ـ أنت كنت في بطن أمك، وعندما كبرت في بطنها، وأمكن أن تعيش وحدك خرجت إلى الدنيا.

ـ نحن ضيوفٌ على هذه الأرض، خلَقَنا الله لعبادته، ونصرةِ دينه، والاستمتاع بحياتنا، وعند نهاية الأجل الذي كتبه الله لناº يأتينا الموت، لنذهب بعده لملاقاة خالقنا، ليحاسبَنا على أعمالنا، فإن عمِلنا خيراً أدخلَنا الله الجنة، وهي أجمل من كل ما رأته أعينُنا..، ومن يعمل سوءاً فسيغضب منه ربٌّنا -جل شأنه-.

ـ أنا مخطئ في تدخيني هذا، فالتدخين حرامº لأنه مُضرُّ بصحتنا، لكن ضحك عليّ أصدقاء السوء، وجعلوني أعتاده، وهاأنذا أحاول التخلص منه، فلتدعُ لي يا بني أن يوفقني الله لذلك، واحذر أن يخدعك أحد..

ـ أحضرُ لابني كرةً ومصباحاً، أبين له عمليّاً أن الشمسَ في النصفِ الآخر من الكرة الأرضية.

ب ـ أم سأقول له في غضب: أنت \" صداع\".. \" إزعاج \"، هل ترى عندنا وقت.. أو فينا \" رأس \" لتفاهاتك هذه؟.

ـ أو أدعه يتكلم وكأنه يكلم نفسه، وأنا مشغول في حديث أو مشاهدة.

ـ أو أؤجله: سوف تعرف عندما تكبر.

 

ثامناً: يبكي كثيراً، بسبب وبدون سبب، في البيت وفي السوق، بالليل والنهار..

أ ـ أجلسُ معه جلسة ودية في وقت سروره، أحدثه:\" يا بني، المبالغة في الحزن والبكاء ضررها عظيم، وخطرها كبير، وهذه الدنيا لا تستحق منا أن نحزن على شيء فيها، فما بالنا وأنت إنسان مسلمٌ قويُّ شجاع..؟ تسلِّم أمرك لله، ولا تجزع من شيء، ثم ليس من الضروريّ أن كل إنسان يحصل عل كل ما يريد\".

أعقدُ معه اتفاقية على عدم البكاء، وأذكِّره بها بين الحين والآخر، مع محاولة تفادي أسباب بكائه.

وإذا رأينا طفلاً يبكي في الحديقة، أقول له: ما رأيك في هذا الطفل؟ إذا كان يبكي بدون سبب؟.

ب ـ أضربُه بقسوة وعنف، وأسبٌّه وأهدده، أو أتركه يبكي كما يشاء، وأتجاهله حتى ينتهي وقتما يشاء، أو لا ينتهي، لا يهم، فقد مللتُ منه.

 

تاسعاً: يُكثر الحركة، يجري ويقفز، يشاكس ويعاند، يُكسِّر ويخرِّب، يضرب إخوته وزُوَّاره.

أ ـ أعلمُ جيداً أن الحركة والنشاط مهمان لنمو الطفل سليماً، وهذا أفضلُ من التقوقع والانطواء، فالمشاكس كثير الحركة يصبح طبيعيّاً عندما يكبر، ولكن:

ـ أفرِّغ نشاطه وطاقته فيما يفيد كالألعاب البدنية والعقلية الشيقة.

ـ أنصحه - بهدوءٍ, - بالهدوء، وأؤكد ذلك في بيوت الآخرين بالذات..

فأنت تتحملهº أما الآخرون فلا.

ـ أحذِّرُه - مع شيء من الشدة- من الإساءة للآخرين، ومن ضربهم، بعد أن أفصلَ بين المتشاجرين.

ـ أدعو له بالهداية والسكينة.

ب ـ أضربه وأسبه وألعنه..، وأدعو عليه، وأقيِّده مهدداً متوعداً.

 

عاشراً: يكذب دائماً، بداعٍ, وبغير داعٍ,.

أ ـ أنصحه بأسلوبٍ, غير مباشر، أحكي له حكاياتٍ, عن الصدق وجزائه، والكذبِ وعاقبته. ـ أعدّ آياتِ وأحاديثَ شريفةٍ,، وأقدمها له مشروحةً شرحاً ميسَّراًº مثل قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) [التوبة: 119]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: \" إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البرَّ يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يُكتبَ عند الله صدِّيقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً \"[متفق عليه].

ـ إذا كذب ثم اعترف بالحقيقة لا أعاقبه، فالصادق لا يعاقب، وأسعى لتقوية شخصيته، وعلاج جبنه ليزول دافع الكذب عنده.

ـ أحرص على علاج من يقتدي به طفلي من داء الكذب.

ب ـ أنفعل عليه إذا كذب، أعاقبه أشدَّ العقاب، أناديه دائماً: يا كذاب، وأجعل إخوته ينادونه: يا كذاب، أذكره بين الحين والآخر بمواقف كذبه، سيصبح بعد قليل، أكبر كذابٍ, بلا حرج.

 

الحادي عشر: جبان رِعديد، يخاف من النملة، يرتعب من \"الصرصار\"، لا يتحمل النزول إلى البحر، يستحيل أن يمشي أو ينام في الظلام، وإذا أخطأ ولو خطأً يسيراً غير مقصود زاغ بصره، واصفرَّ لونه, وارتعشت أطرافه.

أ ـ أحكي له حكاياتٍ, عن الشجاعة، وبخاصة شجاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام (رضي الله عنهم).

ـ أعوده على الملاهي، وأتدرَّج معه في الألعاب، أدخل معه غرفةً مظلمة، وأتركه دقيقة ثم أعود، أركب معه الحصان والقارب والأتوبيس النهريّ، أدربه على رياضات مناسبة.. تبث الثقة في نفسه، كألعاب الدفاع عن النفس، أعمل على زيادة جرعة الإيمان في قلبه.

ب ـ آمره أمراً بالشجاعة، أناديه دوماً: \"تعال يا جبان.. رح يا جبان\"، أسخر من جبنه أمام إخوته وأصدقائهº بل وأجعل منه لعبة بالقيام بحركاتٍ, تُظهر جبنه، كأن أُلقي عليه شيئاً فجأةº لنتسلى ونضحك عليه.

 

الثاني عشر: أنانيّ طماع، لا يقبل أن يلمسَ لعبتَه أحد، يريد الحلوى له أكثر من إخوتهº بل ونصيبه من الطعام، وفي الملعب يستأثر بالكرة.

يحب نفسه، يريد أن يكون المقدَّم دائماً أو الوحيد، حتى في العطف والحنان والحب.

أ ـ أبين له فضل الحب للآخرين كما يحب لنفسه.

ـ أضرب له الأمثلة في الأخوة والإيثار، وما أكثرها وأروعها في تاريخنا!.

ـ أعلِّمه العطاء وأمرِّنه عليه، أُحضرُ لعبةً لأخيه الأصغر، وأجعله يُهديه هو إياها، أعطيه مالاً يضعه في صندوق التبرعات، ثم أشجعه أن ينفق في ذلك من مصروفه الخاصّ، وأنتبه إلى مجالات العطاء الأخرى، كبذل الوقت والجهد، وكعمل حساب الآخرين في اللعب.

ـ وأبين له جزاء العطاء والبذل، وكيف أن الله يعوضه بما هو أفضل مما أعطاه في الدنيا والآخرة.

ب ـ أعاقبه على طمعه، أُرجئ تربيتَه حتى يكبر، أعيِّره: يا طماع..، يا بخيل..، يا أنانيّ.

 

ثالث عشر: انطوائيّ، مسكين، لا يجيد التعامل مع الآخرين، يؤثر الوحدة والانعزال، وإذا اختلط بالآخرين أخذ لنفسه ركناً قصيّاً وقبع فيه، لا يسمع، لا يرى، لا يتكلم.

أ ـ أهتم لهذه المشكلة، أبحث عن أسبابها، وأسعى جادّاً لعلاجها.

ـ أتحدث معه كثيراً، وأستنطقُه.

ـ آخذه معي في غالب مجالسي، أُجلسه بجواري، أُشجِّعُه على الحديثِ وتقديم المواهب.

ـ أدفعه إلى الاختلاط بأترابه من أبناء العائلة والأصدقاءº بزيارتهم أو استزارتهم، أو الخروج معهم إلى الملاهي، ويمكن أن أتركه معهم وأنصرف إذا كان موثوقاً فيهم، مع مراقبة تصرفاته من بعيد.

ب ـ أتجاهله وأتجاهل مشكلتَه: \" عندما يكبر سيتغير، وعموماًº الوحدة خيرٌ من جليس السوء\".

ـ أو أضعه وسط الأطفال المشاكسين غير المؤدبين ليقتدي بهم.

فمع أيِّ الفريقين نحن؟!.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply