وكنا قد وقفنا على أسوار تلك الكلمة التي ختم الله بها ذلك المقطع الذي تحدث عن بعض المفردات التي تحفظ للمسلم كرامته، وتقف سداً منيعاً لمن أراد أن يجرح مشاعره بكلمة نابية من غمز ولمز (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون).
ووقف بنا الحديث عند ذكر نماذج من الأمم السابقة التي ظلمت كيف كان مصيرها؟ وسنقف في هذه الحلقة ـ حسب المتاح من المساحة ـ مع بعض الأمثلة في الوقت المعاصر، فما أشبه الليلة بالبارحة، والسنن الإلهية لا تحابي أحداً.
في هذا العصر ظهر على السطح قوى قوية فظن الناس أن هذه الأمم ستبقى وتخلد إلى زوال الدنيا، وذلك بما ملكت من الجبروت، والطغيان، والتقدم التقني، وهذا بالمقياس المادي من مقومات البقاء، ولكن هناك ما هو أعظم من المقياس المادي وهو: العلاقة والتعامل مع جبار السموات والأرض الذي ـ إذا أراد شيئاً قال له: كن. فيكون ـ بما شرع هو سبحانه، وأرسل به الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -، فهناك أمم محيت من الخارطة بلمحة بصر، لماذا؟ لأنها ظلمت وتجاوزت الحد، وأهلكت الحرث والنسل، سلبت الأموال، وأزهقت الأرواح، وكتمت الأنفاس.
خذ نماذج على سبيل المثال: جيوش التتار (المغول ) الذين اجتاحوا البلاد الإسلامية، وأسقطوا دار الخلافة ببغداد، ماذا حصل لهم في معركة عين جالوت؟ ماذا حصل لألمانيا عندما قرر ذلك الزعيم الذي ظن أنه الأوحد، وأن شعبه يجب أن يقود العالم، فحارب على أساس هذه النظرية، فاهلك الملايين من البشر الذين لا ذنب لهم؟ كيف تمزقت مستعمرات بريطانيا، وهي التي لا تغيب عنها الشمس؟ فصارت تتسول موقعاً لها بين الدول الأوربية، وما عملته مع أمريكا هذه الأيام سيزيدها تمزقاً وتشتتاً - بإذن الله -. طاغية رومانيا الذي حجب أشعة نور الإسلام ردحاً من الزمن، والنهاية يشنق أمام شعبه، وتتفتت رومانيا الى دويلات. ثم كيف تفتت روسيا التي كانت تعرف بالاتحاد السوفيتي، وكان يشكل القطب الثاني على وجه الأرض، ولكن حينما ظلم وقتل واستبد،- دفن المسلمون الإسلام في صدورهم أكثر من سبعين سنة -، ماذا حصل تمزق إلى دويلات فذهبت القوة، بعدما تمرغ أنفه في التراب على أيدي ضربات الأبطال في الجهاد الأفغاني. وصدق الله حيث يقول: ( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا ) وأخيراً رأى العالم كيف تهاوى ذلك الصنم الذي كتم أنفاس الناس في العراق سنوات طويلة، حتى ظن الناس أنه لن يزول، وبلمحة بصر زال هذا النظام، وصار نهباً للغوغاء، وأسياده الذين كانوا يخيفون الناس صاروا بأمس الحاجة الى الحماية خوفاً من الموت أو السجن الذي كانوا يخوفون الناس به - فسبحان من لا يزول ملكه -!! إذن هذه سنن كونية لا تحابي أحداً، فلابد للظالم من يوم يسدد فيه ما اقترفت يداه، حتى لو بلغ من القوة ما بلغ، ولا تغرنك قوة أمريكا الآن، فهي قد أزاحت القناع عن وجهها الكالح المزيف، وبدت للعالم بوجهها الحقيقي، إذ هي وضعت أقدامها في نفق الزوال والتفكك والانهيار ـ ولا تسألني كيف سيكون؟ـ هذا بعلم الله وتقديره، المهم ما ولج نفق الظلم أحد إلا وكان الزوال يتربص به في نهايته، وإن غداً لناظره قريب.. ومن يكون قوياً ويظلم الضعفاء الذين لا يقدرون على الدفاع عن أنفسهم، ويسرق ثرواتهم وحرياتهم، يسلط عليه من هو أقوى منه، ـ ومع هذا ـ (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً ) فاطر. وأنتم يا من وقعتم في شباك الظالمين، وتقطعت بكم السبل، لكم من ربكم دعوة لا يردها، فلا تخافوا الضيعة ( ويوم يعض الظالم على يديه )، ما أقسى الندم وعض الأصابع في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون…فمتى يا ترى تعتبر؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد