لا يزال الحديث بنا على ضفاف هذه السورة المباركة, وقد بدأنا الحديث في الحلقة الماضية عن نماذج من طوائف الظالمين في الزمن الغابر، وماذا حل بهم من العقوبة نتيجة الظلم والطغيان والجور. وذكرنا قوم نوح - عليه الصلاة والسلام -. النموذج الثاني من الظالمين: فرعون صاحب النظرية الفرعونية الشهيرة: ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) فقد كانت بداية أمره أنه احتقر موسى - عليه الصلاة والسلام - عندما قال له بازدراء واحتقار وتعجب مذكراً بما فعل له يوم كان صغيراً: ( ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين ) تأمل الآية, ألا تشم رائحة الاحتقار والتعالي مع الغمز واللمز؟ كم هم أولئك الذين يفعلون ذلك عندما يمنحون الناس شيئاً من حطام الدنيا الفانية؟ ألم نعطكم؟ ألم نفعل لكم؟ ألم.. ألم.. فماذا كانت نتيجة صلف هذا الطاغية المتكبر الذي تجاوز كل السدود وتجاوز الممكن، وغير الممكن، وتخطى أسوار العقل، ونادى في قومه الضعفاء الذين قهرهم وظلمهم عندما قال: أنا ربكم الأعلى؟ كم هم أولئك الذين ساروا على دربة دون أن يعلنوها صريحة؟ فماذا كانت النتيجة التي حلت بهذا الطاغية؟ إن الله - القوي العزيز الجبار - أخذه على قوته وهو بين جنده عندما تبع موسى في البحر فظن أنه لاحق به، وقادر عليه، فأخذه الله وجنوده الذين كان يحتمي بهم، ويظلم بهم، ويستمد من قوتهم بطشه وقوته، فظن انه لا يقدر عليه أحد, ولكن ساعة الحقيقة تفضح ملامح القوة ( فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) القصص. تأمل مفردة (فنبذناهم ) ألا تلاحظ التحقير له من لدن العزيز القوي القاهر؟ وهذا إنذار لأولئك الطغاة الذين يسيرون على هذا الطريق بأن هذا مصيرهم.
هذه أمثلة حية لبعض الأمم السابقة التي خلد القرآن ذكرها لتكون أية لمن يأتي بعدها من الأمم اللاحقة ـ ولكن الملفت للنظر أن كثيراً من الأمم والناس لا يتعضون, فهم في غيهم سادرون، ويرون الحوادث المهلكة وزوال العروش وهلاك الطغاة وكأن الأمر لا يعنيهم البتة, كأن بينهم وبين الله واسطة ـ خذ مثالاً على ذلك:ـ الله - سبحانه وتعالى - قد ذكّر قريش ولفت نظرهم لما كذبوا واحتقروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وآذوه، وقالوا له: أنت ساحر وكذاب، وأنك تريد تفريق جماعتنا، وتسفه آلهتنا إلى غير ذلك من قاموس الشتائم المعلبة في دوائر الاستخبارات القرشية في ذلك الوقت,حتى وصل بهم الحال من الغمز إلى أن غيروا اسمه من محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى مذمم إمعاناً في الغمز واللمز والتحقير, فقال الله لهم محذراً عن التمادي بهذا الطريق الوعر الذي عاقبته وخيمة, وهو جرس إنذار لكل من سيأتي من بعدهم, فالله - سبحانه وتعالى - يذكرهم بما حل بقوم يمرون عليهم عندما يذهبون في تجارتهم في الصيف, وهم قوم لوط, الذين ظلموا أنفسهم وتجاوزا الحد، وانتكست فطرهم, فقال الله لهم ـ أي لقريش ـ: ( ثم دمرنا الآخرين وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل أفلا تعقلون) الصافات) فإذا كنتم تمرون على ديارهم بالليل وبالنهار، وترون آثار العذاب الذي حل بهم، ورغم ذلك لا تتعضون, لأن قريش أمعنت في غيها, فماذا حصل؟ بلال بن رباح - رضي الله عنه -, الذي احتُقِر, مكنه الله من أمية بن خلف, وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - مكنه الله من أبي جهل. وهكذا هم الظلمة الذين يحتقرون الناس، أو يعتدون عليهم لهم ساعة لا يفلتهم فيها العذاب. وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
أحبتي في الحلقة القادمة - إن شاء الله - نسلط الضوء على بعض الأمم المعاصرة التي ظلمت ماذا كان مصيرها؟ والسلام عليكم ورحمة الله ويركاته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد