(الحلقة الثانية)
فمقاصد القصص القرآني وأهدافه مثل شجرة ذات فروع وأوراق وأزهار فمثل انتفاع الجهلة منها بالظواهر، أما العلماء والحكماء فانتفاعهم بها عن طريق الثمار. وهذا هو المهم والمبتقى فصغار العلماء يبحثون في الآثار، وفي كتب التاريخ· يقول أحدهم أين قوم عاد؟ أين آثار ثمود؟ وهل نجد في آثار المصريين ذكر يوسف؟ وهل حقيقة؟ كان يوسف وزير المالية ويدير الأمور؟ فبينما هؤلاء يضيعون أوقاتهم في ذلك عسى أن يعثروا على ضالتهم المنشودة فيؤمنون بالطائفة الحكيمة تعرض عن هذا وتقول· هذه أشجار وأزهار جاءت لمواعظنا نحن آمنا بها، والإيمان لن يكفينا فلا بد من اليقين، وأين هو اليقين؟ إنهم يجدون هذا اليقين في ثنايا القصص القرآني.
هود عليه السلام يقول: إن كل دابة أخذ الله بناصيتها، وفي يوسف ليست قصته هي كل شيء فالدنيا كلها آيات، فاليقين والرقي في الدنيا والآخرة، إنما يكون بالتوجه للمقاصد والثمرات لا للأغصان والزهرات· ولذلك ختم الله تعالى سورة يوسف بأن في قصصهم عبرة لأولي الألباب. إشارة إلى أن الناس قسمان: أولي الألباب، وأولي قشور.
فأولى الألباب يعمدون إلى لب هذه القصص، وأهل القشور يرجعون إلى قشور العلوم، كعلم الآثار في المتاحف وغير ذلك.
أما أهم الأهداف التي سيقت من أجلها القصة فهي: إثبات الوحي والرسالة. فمحمد صلى الله عليه وسلم لم يكن كاتباً ولا قارئاً، ولا عرف عنه أنه ذهب إلى معلم أو التقى بأحبار اليهود والنصارى. ثم جاء هذا القصص في القرآن وبعضه جاء في دقة وإسهاب، كقصص إبراهيم ويوسف وموسى وعيسى فوردوها في القرآن جاء دليلاً على أنه وحي يوحى.
وقد نص القرآن الكريم على هذا الفرض نصاً، فقد جاء في مقدمات بعض القصص، أو في أعقابها. فقد جاء في أول سورة يوسف قوله تعالى: {إنا أنزلناه قرآناً عربياَ لعلكم تعقلون (2)نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين(3)} [يوسف] .
وجاء في سورة القصص - قبل عرض قصة موسى قوله تعالى: {وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين (44)ولكنا أنشأنا قروناً فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاوياً في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين (45)وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكم رحمة من ربك لتنذرقوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون(46) } [القصص] .
وجاء في سورة آل عمران: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون(44)} [آل عمران] . وجاءت في سورة ص قبل عرضه لقصة آدم: {قل هو نبأ عظيم(67) أنتم عنه معرضون (68) ما كان لي علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون (69) إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذيرمبين(70) إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين(71)} [ص] .
كذلك جاء في سورة هود بعد الحديث عن نوح عليه السلام: {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنتولا قومك من قبل هذا(49) } [هود].
- وكان من أهداف القصة القرآنية: بيان أن الدين كله من عند الله تعالي من عهد نوح عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن المؤمنين كلهم أمة واحدة، والله ربهم جميعاً، وكثيراً ما وردت قصص كثيرة مجتمعة في صورة واحدة معروضة بطريقة خاصة، لتؤيد هذه الحقيقة.
ولما كان هذا غرضاً أساسياً في الدعوة، وفي بناء التصور الإسلامي فقد تكرر مجيء هذا القصص، على هذا النحو مع اختلاف في التعبير لتثبيت هذه الحقيقة وتوكيدها في النفوس.
فضرب لذلك مثلا بما جاء في سورة الأنبياء، قال تعالى: {ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراُ للمتقين (48) الذين يخشون ربهم وهم من الساعة مشفقون (49) وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون(50) } [الأنبياء].·
وقال تعالى: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين (51) إذ قال لأبه وقومه ماهذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون(52) قالوا وجدنا لها آباءنا لها عابدين (53) } إلى قوله تعالى}وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين (70) ونجيناه ولوط إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين (71)ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً وكلاً جعلنا صالحين(72) [الأنبياء].
{وّدّاوٍ,دّ وّسٍ,لّيًمّانّ إذً يّحًكٍ,مّانٌ فٌي الًحّرًثٌ إذً نّفّشّتً فٌيهٌ غّنّمٍ, القّوًمٌ وّكٍ,نَّا لٌحٍ,كًمٌهٌمً شّاهٌدٌينّ (87) فّفّهَّمًنّاهّا سٍ,لّيًمّانّ وّكٍ,لاَ آتّيًنّا حٍ,كًما وّعٌلًما وّسّخَّرًنّا مّعّ دّاوٍ,دّ الًجٌبّالّ يٍ,سّبٌَحًنّ وّالطَّيًرّ وّكٍ,نَّا فّاعٌلٌينّ (97)} [الأنبياء] .
{ولٌسٍ,لّيًمّانّ الرٌَيحّ عّاصٌفّة تّجًرٌي بٌأّمًرٌهٌ إلّى الأّرًضٌ التٌي بّارّكًنّا فٌيهّا وكٍ,نَّا بٌكٍ,لٌَ شّيًءُ عّالٌمٌينّ (18)} [الأنبياء] .
{وأّيٍَ,وبّ إذً نّادّى رّبَّهٍ, أّنٌَي مّسَّنٌيّ الضٍَ,رٍَ, وأّنتّ أّرًحّمٍ, الرَّاحٌمٌينّ (38) فّاسًتّجّبًنّا لّهٍ, فّكّشّفًنّا مّا بٌهٌ مٌن ضٍ,رَُ وآتّيًنّاهٍ, أّهًلّهٍ, ومٌثًلّهٍ,م مَّعّهٍ,مً رّحًمّة مٌَنً عٌندٌنّا وذٌكًرّى لٌلًعّابٌدٌينّ (48)} [الأنبياء] .
{فّاسًتّجّبًنّا لّهٍ, فّكّشّفًنّا مّا بٌهٌ مٌن ضٍ,رَُ وآتّيًنّاهٍ, أّهًلّهٍ, ومٌثًلّهٍ,م مَّعّهٍ,مً رّحًمّة مٌَنً عٌندٌنّا وذٌكًرّى لٌلًعّابٌدٌينّ (48) وإسًمّاعٌيلّ وإدًرٌيسّ وذّا الكٌفًلٌ كٍ,لَِ مٌَنّ الصَّابٌرٌينّ (58) وأّدًخّلًنّاهٍ,مً فٌي رّحًمّتٌنّا إنَّهٍ,م مٌَنّ الصَّالٌحٌينّ (68)} [الأنبياء].
{وذا النٍَ,ونٌ إذ ذَّهّبّ مٍ,غّاضٌبا فّظّنَّ أّن لَّن نَّقًدٌرّ عّلّيًهٌ فّنّادّى فٌي الظٍَ,لٍ,مّاتٌ أّن لاَّ إلّهّ إلاَّ أّنتّ سٍ,بًحّانّكّ إنٌَي كٍ,نتٍ, مٌنّ الظَّالٌمٌينّ (78) فّاسًتّجّبًنّا لّهٍ, ونّجَّيًنّاهٍ, مٌنّ الغّمٌَ وكّذّلٌكّ نٍ,نجٌي المٍ,ؤًمٌنٌينّ (88)} [الأنبياء].
{وزّكّرٌيَّا إذً نّادّى رّبَّهٍ, رّبٌَ لا تّذّرًنٌي فّرًدا وأّنتّ خّيًرٍ, الوّارٌثٌينّ (98) فّاسًتّجّبًنّا لّهٍ, ووّهّبًنّا لّهٍ, يّحًيّى وأّصًلّحًنّا لّهٍ, زّوًجّهٍ, إنَّهٍ,مً كّانٍ,وا يٍ,سّارٌعٍ,ونٍ, فٌي الخّيًرّاتٌ ويّدًعٍ,ونّنّا رّغّبا ورّهّبا وكّانٍ,وا لّنّا خّاشٌعٌينّ (09)} [الأنبياء].
{والَّتٌي أّحًصّنّتً فّرًجّهّا فّنّفّخًنّا فٌيهّا مٌن رٍَ,وحٌنّا وجّعّلًنّاهّا وابًنّهّا آيّة لٌَلًعّالّمٌينّ (19)} [الأنبياء] .
ومن خلال هذا الاستعراض الطويل يتأكد لنا روعة وأصالة هذه الأهداف وتميزها من الأغراض الأخرى يأتي عرضا وفي ثناياه.
وفي هذا بيان أن أصول الأديان إنما هي من عند الله تعالى فالرسل جميعاً أرسلهم الله تعالي مبشرين ومنذرين داعين الناس إلى توحيد الله تعالى وإقراره به وعبادته وحده دون سواه من أول البشر آدم إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي هذا توجيه لأفكار المشركين المعاندين لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بأن رسول الله ليس بدعا من الرسل، وإنما هو كسائر غيره من المرسلين الذين سبقوه على هذا الطريق.
- كما أن من أجل أهداف القصة القرآنية، بيان أن الدين كله موحد الأساس، فضلاً على أنه من عند الله تعالى الإله الواحد، وتبعاً لهذا كانت ترد قصص كثير من الأنبياء مجتمعة كذلك مكررة فيها العقيدة الأساسية، وهي الإيمان بالله الواحد على نحو ما جاء في سورة الأعراف.
{ولّقّدً أّرًسّلًنّا نٍ,وحا إلّى قّوًمٌهٌ فّقّالّ يّا قّوًمٌ اعًبٍ,دٍ,وا اللَّهّ مّا لّكٍ,م مٌَنً إلّهُ غّيًرٍ,هٍ, (32)} [المؤمنون] .
قال تعالى: {وإلّى عّادُ أّخّاهٍ,مً هٍ,ودا قّالّ يّا قّوًمٌ اعًبٍ,دٍ,وا اللَّهّ مّا لّكٍ,م مٌَنً إلّهُ غّيًرٍ,هٍ, أّفّلا تّتَّقٍ,ونّ (56)} [الأعراف] .
{وإلّى ثّمٍ,ودّ أّخّاهٍ,مً صّالٌحا قّالّ يّا قّوًمٌ اعًبٍ,دٍ,وا اللَّهّ مّا لّكٍ,م مٌَنً إلّهُ غّيًرٍ,هٍ, (37)} [الأعراف] .
{وإلّى مّدًيّنّ أّخّاهٍ,مً شٍ,عّيًبا قّالّ يّا قّوًمٌ اعًبٍ,دٍ,وا اللَّهّ مّا لّكٍ,م مٌَنً إلّهُ غّيًرٍ,هٍ, ّ (58)} [الأعراف] .
فهذا التوحيد هو أساس العقيدة، يشترك فيه جميع الأنبياء في جميع الأديان، وترد قصصهم مجتمعة في هذا السياق لتأكد هذا المعنى وذلك الغرض.
هذا التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة شرك هو شرع الله تعالى لجميع الأنبياء والمرسلين، وفي هذا يقول الحق تبارك وتعالى: {شّرّعّ لّكٍ,م مٌَنّ الدٌَينٌ مّا وصَّى بٌهٌ نٍ,وحا والَّذٌي أّوًحّيًنّا إلّيًكّ ومّا وصَّيًنّا بٌهٌ إبًرّاهٌيمّ ومٍ,وسّى وعٌيسّى أّنً أّقٌيمٍ,وا الدٌَينّ ولا تّتّفّرَّقٍ,وا فٌيهٌ (31)} [الشورى] .
وفي هذا الهدف بيان أن دين الله تعالى واحد ولكن أهل الشرك ابتعدوا بشركهم عن توحيد الله تعالى الخالص فلذلك استحقوا عقاب الله وانتقامه منهم.
هذا وسنكمل بقية الأهداف إن شاء الله تعالى وقدره فيما بعد، والله ولي التوفيق .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد