قال أحمد الخزاعي:
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
قال الحاكم: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة حدثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري حدثنا أبو نعيم حدثنا يونس بن أبي إسحاق أنه أصحهما قول الله - عز وجل - وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون الآيات فقال أبو بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال:
ثم نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأعرابي فأكرمه
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تعهدنا ائتنا. فأتاه الأعرابي
فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما حاجتك فقال ناقة برحلها وبحر لبنها أهلي هكذا في المستدرك وفي ابن حبان ناقة نركبها وأعنز يحلبها أهلي
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عجز هذا أن يكون كعجوز بني إسرائيل
فقال له أصحابه: ما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله
فقال: إن موسى حين أراد أن يسير ببني إسرائيل ضل عنه الطريق
فقال لبني إسرائيل: ما هذا؟
قال فقال له علماء بني إسرائيل: إن يوسف - عليه السلام - حين حضره الموت أخذ علينا موثقا من الله أن لا نخرج من مصر حتى تنقل عظامه معنا
فقال موسى: أيكم يدري أين قبر يوسف؟
فقال علماء بني إسرائيل ما يعلم أحد مكان قبره إلا عجوز لبني إسرائيل.
فأرسل إليها موسى فقال: دلينا على قبر يوسف
قالت: لا والله حتى تعطيني حكمي
فقال لها: ما حكمك
قالت: حكمي أن أكون معك في الجنة. فكأنه كره ذلك
قال فقيل له: أعطها حكمها فأعطاها حكمها- في رواية ابن حبان فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها - فانطلقت بهم إلى بحيرة مستنقعة ماء فقالت: لهم انضبوا هذا الماء فلما أنضبوا
قالت: لهم احفروا فحفروا فاستخرجوا عظام يوسف فلما أن أقلوه من الأرض إذ الطريق مثل ضوء النهار}
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي
ورواه ابن حبان
فوائد من القصة:
1- تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث أنه كان ينزل بمن لا يعرف ولا يذكر فهذا الأعرابي لو كان من رجالات العرب لذكر اسمه ومن أمثلة تواضعه - صلى الله عليه وسلم -.
أن أنس - رضي الله عنه - مر على صبيان فسلم عليهم وقال: \"كان - صلى الله عليه وسلم - يفعله \"....
وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: \" آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد \"
وكان - صلى الله عليه وسلم - ينقل التراب يوم الخندق حتى أغبر بطنه صلوات ربي وسلامه عليه والأمثلة كثيرة.
2- رد الجميل لأهله حيث أن المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه عندما أكرمه هذا الأعرابي أراد أن يرد له الجميل وذلك بأمرين الأول دعوته لزيارته حيث قال له: \" أتنا تعاهدنا \" والثاني إكرامه بقوله: \" سل حاجتك \".
وقد حثنا الرسول الكريم على رد الجميل والمعروف لأهله في أحاديث وبين لنا ماذا نصنع إذا لم نكن نملك الرد المادي فقال - صلى الله عليه وسلم -: \" ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه...فإن لم تجدوا فادعوا الله له حتى تعلموا أن قد كافأتموه \" أبو داود.
وفي الطبراني الكبير: \" ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى يرى أن قد كافأتموه \".
فهذا الحديث يحثنا على رد المعروف وإذا لم نستطع فيكون الرد عن طريق الدعاء لمن أسدى لنا المعروف
وفي الحديث الأخر قال - صلى الله عليه وسلم -: \" من أولي معروفا فليذكره فمن ذكره فقد شكره ومن كتمه فقد كفره \".
3 - خطورة التفريط بالأوامر الشرعية التي كلف الله بها عبادة وخطورتها راجعة إلى الأمة اجمع فأنظر إلى الأثر الذي ترتب على بني إسرائيل لتركهم العهد الذي عليهم تجاه نبي الله يوسف انه بقاء الأمة في العذاب وعدم الهداية إلى طريق الخلاص من عذاب فرعون وتأمل أن هذا كان مع وجود القائد المصلح نبي الله موسى فالخلل قد لا يكون من عدم وجود القائد بل من عدم استجابة الأمة
فكم من عهد وعهد نقضته الأمة الإسلامية اليوم وبعد هذا تريد الخروج من هذا التيه قبل إصلاح علاقتها مع ربها هيهات هيهات \" إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ, حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم \".
4- استغلال الفرص للتوجيه والتربية والنصح فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - استغل حدث طلب الأعرابي للأعنز والبعير وقدم توجيها لهذا الأعرابي ولمن كان موجودا من الصحابة وهكذا الداعية المشفق النصوح لمن حوله يتحين الفرص لنصحهم وتوجيههم.
5- استخدام أسلوب التشويق في النصيحة حيث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر قصة العجوز بشكل مباشر بل قد لها بمقدمة \" عجز هذا أن يكون كعجوز بني إسرائيل \" ففي هذه الحالة النفس تتشوق إلى معرفة ما قصة هذه العجوز وما وجه المقارنة بينها وبين الأعرابي.
6- استثمار أبواب الخير إذا فتحت فقد يفتح الله لك بابا من أبواب الخير في لحظة فالعاقل يستغلها بأكبر قدر ممكن فهذه العجوز أتيح لها فرصة وهي حاجة موسى وبني إسرائيل لمعلومة عندها فاستغلت الفرصة.
فقد يفتح الله للمسلم مجالا بقربه من عالم فيستغله في التزود بالعلم وقد يفتح الله على شخص بباب من أبواب الدعوة يكون قريب منه في متناول يديه فليبادر إليه وقد يحين له وقت يتفرغ فيه من أعباء و أعمال الحياة فليستغله غي أبواب الخير الكثيرة.
7- عدم الأنفة من الاستفادة ممن هم أقل منك علما ومكانة وعقلا فهذا نبي الله وكليمه موسى - عليه السلام - استفاد من هذه العجوز التي لم تكن من علماء بني إسرائيل.
بل نبي الله سليمان خاطبه الهدد وقال له: \" أَحَطتُ بِمَا لَم تُحِط بِهِ \" بهذا طير وذلك نبي ولكن قد يكون عند الأقل مالا يكون عند الأعلى.
8- وجود النساء الصالحات الخيرات التي قد تعلوا هممهن على همم الكثير من الرجال
وقد قيل:
ولو كن النساء كمن ذكرن **** لفضلت النساء على الرجال
9- وأعظم درس في هذه القصة هو الحث على علو الهمة و أن على المسلم طلب معالي الأمور فهذا الأعرابي لم يطلب محرما ولا تافها بل طلب شيء من ضرورات الحياة ومع هذا وجهه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مقام ارفع ومبتغى أعلى ومنزلة أسمى
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - حاثا أمته على علو الهمة
فعن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال... فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فهو أوسط الجنة وهو أعلى الجنة وفوقه العرش ومنه تفجر انهار الجنة\" ابن حبان
وانظر إلى همّة الصديق - رضي الله عنه - لم تقنع نفسه بدخول الجنة فقط بل علت حتى بلغت لم يرض إلا بأن يدخل من أبوابها الثمانية فلله دره
فعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ثم من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان قال أبو بكر الصديق يا رسول الله ما على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة
فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم وأرجو أن تكون منهم
وهذا صحابي آخر ممن تربى على يد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - تسمو همته كهذه العجوز
فعن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال سمعت ربيعة بن كعب الأسلمي يقول ثم كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آتيه بوضوئه وبحاجته فقال سلني فقلت: مرافقتك في الجنة قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود \" أبو داود
10 وهو تنبيه أن المراد بعظام يوسف - عليه السلام - هو جسده حيث أن الله حرم على الأرض أكل أجساد الأنبياء - عليهم السلام - وقد جاء تسميت الجسد بالعظام في حديث صنع المنبر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ففي أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بدن قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبرا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك قال: بلى فاتخذ له منبرا مرقاتين\" قال ابن حجر إسناده جيد
والله اعلم.
تعليق:
أحمد الخزاعي
جزاك الله خيرا أخي على هذا الجهد ولكن أخي إليك هذا التعليق على الحديث:
قال الشيخ مقبل الوادعي في تتبعه لأوهام الحاكم التي سكت عليها الذهبي (2/477):
قال الحافظ ابن كثير (6/452) بعد هذا الحديث: هذا حديث غريب جدا، والأقرب أنه موقوف.
وقول الحاكم: على شرط الشيخين ليس بصحيح، بل لو سلم متنه من النكارة لكان على شرط مسلمº لأن البخاري لم يخرج ليونس بن أبي إسحاق السبيعي في الصحيح، كما في التقريب. ا. هـ.
وقال أيضا (2/672): قد تقدم، وهو معل، ألحقته بـ \" أحاديث معلة ظاهرها الصحة \". ا. هـ.
وقد رجعت إلى كتاب الشيخ المذكور \" أحاديث معلة ظاهرها الصحة \" ولم أجد هذا الحديث في مسند أبي موسى الأشعري.
وقد سألت الشيخ عن الكتاب المذكور عن طريق أحد الشباب عندما كان الشيخ يتعالج في إمريكا، فقال: إن الكتاب له طبعة أخرى.
وعندي تسجيل السؤال والجواب في شريط.
وأما نكارة المتن فهو واضح جدا.
وقال العراقي في تخريج الإحياء: وفيه \"لصاحبه موسى التي دلته على عظام يوسف كانت أحزم منك... الحديث\" أخرجه ابن حبان والحاكم في المستدرك من حديث أبي موسى مع اختلاف قال الحاكم صحيح الإسناد وفيه نظر.
وأورده الطبري في تفسيره موقوفا على مجاهد فقال:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عيسىº وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: \" فأتبعوهم مشرقين \" قال: خرج موسى ليلا، فكسف القمر وأظلمت الأرض، وقال أصحابه: إن يوسف أخبرنا أنا سننجى من فرعون، وأخذ علينا العهد لنخرجن بعظامه معنا، فخرج موسى ليلته يسأل عن قبره، فوجد عجوزا بيتها على قبره، فأخرجته له بحكمها، وكان حكمها أو كلمة تشبه هذا، أن قالت: احملني فأخرجني معك، فجعل عظام يوسف في كسائه، ثم حمل العجوز على كسائه، فجعله على رقبته، وخيل فرعون هي ملء أعنتها حضرا في أعينهم، ولا تبرح، حبست عن موسى وأصحابه حتى تواروا.
والنكارة في هذه الرواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قرر خصوصية للأنبياء فقال: \" إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء \".
قال الشيخ الألباني في الضعيفة (1/237):
وهو حديث صحيح... فإنه صريح في أن من خصوصيات الأنبياء أن الأرض لا تبلي أجساد الأنبياء... ا. هـ.
وجاءت العبارة: \" فلما احتفروا أخرجوا عظام يوسف \".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد