بسم الله الرحمن الرحيم
نص السؤال
السلام عليكم ورحمة الله، عندي سؤال يحيرني وأرجو الإفادة.
كنت أظن أن الكلام الفاحش حرام وأعيب على أصدقائي قولهº حتى إنني هجرتهم لأجل ذلك، إلى أن جاءني أحدهم بهذه الأحاديث وقال إنها صحيحة وهي كذلك، وأرجو المعذرة على هذه الصراحة:
- قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا.
- لما أتى ماعز بن مالك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت). قال: لا يا رسول الله، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - اللفظ الصريح لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه.
-قول حمزة لأحدهم يا ابن أم أنمار مقطعة البظور.
واحتج أصدقائي بأن الصحابة كانوا يقولون ذلك فصدمت ولم أجد جوابا..فهل معهم حق؟ وجزاكم الله خيرا
نص الإجابة
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
يقول محمد سعدي الباحث الشرعي:
لا يجوز التصريح باسم العورة إلا إذا كانت هناك ضرورة أو اقتضتها المصلحة مثل الحدود فلا ينفع في الحدود الكنايات والتلميحات أو التعريضات، وعند منازلة الأعداء لإغاظتهم.
ومن المعلوم أن الإسلام دين المحاسن والأخلاق الحميدة، ومن الأمور المقررة في الشرع نهي الإسلام عن كل ما يؤذي الآخرين في القول أو في الفعل فقد نهى عن السخرية قال - تعالى -: \" لَا يَسخَر قَومٌ مِّن قَومٍ, \" ونهى عن التنابز بالألقاب قال - تعالى -: \" وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلقَابِ \" ونهى عن الغيبة قال - تعالى -: \" وَلَا يَغتَب بَّعضُكُم بَعضًا \".
بل أمر أتباعه بالتخاطب مع مخالفيهم بالحكمة والموعظة الحسنى لا بالقول الجاف الخشن قال - تعالى -: \" ادعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ \"
وقد جاء التحذير أكثر من مرة من اللسان ومن الشرور التي يجلبها اللسان على صاحبه فقال - تعالى -: \" مَا يَلفِظُ مِن قَولٍ, إِلَّا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ \"
وفي الحديث النبوي: \" أمسك عليك هذا (لسانك)\".
أما عما ذكره السيد السائل في رسالته من استخدام بعض هذه الألفاظ من التصريح باسم العورة في الحديث الذي صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" من تعزى بعزاء الجاهلية، فأعضوه بهن أبيه، ولا تكنوا. \" صححه الألباني من أحاديث مشكاة المصابيح.
وفي ذكر هن الأب هنا لفتة جميلة يذكرها ابن القيم في زاد المعاد:
وكان ذكر هن الأب هاهنا أحسن تذكيرا لهذا المتكبر بدعوى الجاهلية بالعضو الذي خرج منه وهو هن أبيه فلا ينبغي له أن يتعدى طوره. أهـ
فهذا الأسلوب قصد به النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلكم الرجل المتكبر الذي يدعو بدعوة الجاهلية ويتعصب وينتصر بعزواتهم، وهي الانتساب إليهم في الدعوة، مثل قوله: يالقيس! ياليمن! ويالهلال! ويالأسد، فمن تعصب لأهل بلدته، أو مذهبه، أو طريقته، أو قرابته، وأراد بهذا التعصب أن يفرِّق جماعة الإسلام ويتكبر على الآخرين بذكره أهله وآله فمثل هذا المتكبر ذكروه بأمر نفسه وكيف خرج من عضو أبيه ففي هذا التذكير زجر أبلغ الزجر.
فالمعاند قد ترده الكلمة الشديدة الزاجرة، وغيره ترده الكلمة الطيبة، فناسب المعاند المتكبر الذي يتعزى بعزاء الجاهلية أن يواجه بهذه الكلمة الشديدة حتى لا يعود لمثلها مرة أخرى حتى لا يسمع هذه الكلمة مرة أخرى.
فإن كان التصريح باسم العورة لا يجوز ولكن إذا اقتض الأمر هذا التصريح جاز، ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة:
من العلماء من قال: إنَّ هذا يدل على جواز التصريح باسم العورة للحاجة والمصلحة، وليس من الفحش المنهي عنه كما في حديث أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه هن أبيه ولا تكنوا رواه أحمد فسمع أبي بن كعب رجلا يقول: يا فلان فقال: اعضض أير أبيك فقيل له في ذلك، فقال بهذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أهـ
أما في موقف ماعز وحديث رجمه فهناك ضرورة اقتضت أن يصرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - باللفظ الصريح ولا يكني عنه وذلك لأن الرسول في مقام تطبيق حدٍ, على معترف بالزنا فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من ماعز ألا يعترف على نفسه إلا بفعل قد كان منه صراحة لا من أمر قريب منه أو بعيد.
وفي لفظ لأبي داود: أنه شهد على نفسه أربع مرات كل ذلك يعرض عنه فأقبل في الخامسة... قال \" حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ \" قال نعم. قال \" كما يغيب الميل في المكحلة والرشاء في البئر؟ \" قال نعم. قال \" فهل تدري ما الزنى؟ \" قال نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا. قال \" فما تريد بهذا القول؟ \" قال: أريد أن تطهرني قال فأمر به فرجم \"
وفي لفظ للشيخين: فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: \"أبك جنون \" قال لا. قال \" أحصنت \" ؟ قال نعم. قال اذهبوا به فارجموه. فالغرض من جميع هذه السؤالات أن يدرأ الحد عن صاحبه بأدنى شبهة، فقد يكون الرجل اعترف على نفسه بالزنا، ولم يقم بحقيقة الزنا فقد يكون قام بتقبيل المرأة أو معانقته، وظنَّ أن هذا الزنا فأتى لكي يقام عليه الحد، وهو لم يقع فيه.
أما في قول أسد الله لسباع بابن مقطعة البظور، فإنه قد قال له حين النزال وحين الطعان، وفي هذا الموقف من التحام الأبطال كل منهم يحاول أن يقذف الرعب في قلب خصمه ويوهن من عزمه، ولهذا جاز أن يقول له هذا كما جاز للمحارب أن يمشي مشي المتكبرين المختالين في الحرب فقد اختال أبو دجانة أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يمسك بسيفه - صلى الله عليه وسلم - البتار فقال وهو ينظر إلى خيلائه: (إنها مشية يبغضها الله إلاّ في هذا الموطن) ولكن لما كان الغرض إغاظة العدو وإلقاء الرعب في قلوبهم جاز ذلك، كما جاز تحلية السيف بالفضة.
نخلص من هذا كله أن الأصل هو أن خلق المسلم هو الحياء ولا يجوز التصريح باسم العورة إلا إذا اقتضته الضرورة ودعت إليه المصلحة.
والله أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد