الحمد لله وبعدº لازلنا مع سلسلةِ الدفاعِ عن أئمةِ المذاهبِ الأربعةِ، والردِ على ما تشدق به أهلُ البدعِ من نسبةِ أمورٍ, إليهم هي أوهى من بيتِ العنكبوتِ كما قال - تعالى -: \" وَإِنَّ أَوهَنَ البُيُوتِ لَبَيتُ العَنكَبُوتِ لَو كَانُوا يعلَمُونَ \" [العنكبوت: 41]، وهذه القصص التي يوردونها على أهل السنة والجماعة لأمرين:
الأمر الأول: التسويغ لأنفسهم بما يقومون به من البدع باسم الدين.
الأمر الثاني: التلبيس على العامة بأن أئمة المذاهب قاموا بهذه الأمور فلماذا النكير عليهم زعموا -؟.
ولقد تصدى علماء أهل السنة ولله الحمد - لمثل هذه الشبهات والقصص المكذوبة بتفنيدها، ونقضها من أساسها.
والقصة التي بصدد ذكرها هي حوارٌ حدث بين الإمامِ مالك والخليفةِ أبي جعفر في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، جعلها أهل البدع دليلا على استقبال قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - حال الدعاء عنده، ويحتج بها القبوريون على جواز التوسل به - صلى الله عليه وسلم - بعد موته عند قبره.
نَصُ القِصَّةِ:
روى القاضي عياض في \" الشفا \" (2/595 596) بسنده فقال: حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري، وأبو القاسم أحمد بن بَقِي الحاكم، وغير واحد، فيما أجازُونيهº قالوا: أنبأنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دِلهاتº قال: حدثنا أبو الحسن علي بن فِهر، حدثنا أبو بكر محمد بن الفرج، حدثنا أبو الحسن بن المُنتاب، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا ابن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في المسجد، فإن الله - تعالى -أدب قوما فقال: \" لَا تَرفَعُوا أَصوَاتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجهَرُوا لَهُ بِالقَولِ كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعضٍ, أَن تَحبَطَ أَعمَالُكُم وَأَنتُم لَا تَشعُرُونَ \" [الحجرات: 2].
ومدح قوما فقال: \" إِنَّ الَّذِينَ يَغُضٌّونَ أَصوَاتَهُم عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُم لِلتَّقوَى لَهُم مَغفِرَةٌ وَأَجرٌ عَظِيمٌ \" [الحجرات: 3].
وذم قوما فقال: \" إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكثَرُهُم لَا يَعقِلُونَ \" [الحجرات: 4].
وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً. فاستكان لها أبو جعفر، وقال: يا أبا عبد اللهº أأستقبل القبلة وأدنو أم أستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم - عليه السلام - إلى الله - تعالى -إلى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به، فيشفعك اللهº قال - تعالى -: \" وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُم جَاءُوكَ فَاستَغفَرُوا اللَّهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا \" [النساء: 64].
نَقدُ العُلَمَاءِ لِلقِصَّةِ:
• انتقد شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية نقدا جعل كل من جاء بعده عالةً عليه، فقد انتقدها من عدة أوجه:
• الوجهُ الأولُ:
نقدها من جهةِ السندِ: قال في \" الفتاوى \" (1/228): فَهَذَا كُلٌّهُ نَقَلَهُ القَاضِي عِيَاضٌ مِن كُتُبِ أَصحَابِ مَالِكٍ, المَعرُوفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ حِكَايَةً بِإِسنَادِ غَرِيبٍ, مُنقَطِعٍ, رَوَاهَا عَن غَيرِ وَاحِدٍ, إجَازَةً... فذكرها بسندها عن القاضي عياض، ثم قال: قُلت: وَهَذِهِ الحِكَايَةُ مُنقَطِعَةٌº فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ حميد الرَّازِيَّ لَم يُدرِك مَالِكًا، لَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ أَبِي جَعفَرٍ, المَنصُورِ، فَإِنَّ أَبَا جَعفَرٍ, تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ, وَخَمسِينَ وَمِائَةٍ,، وَتُوُفِّيَ مَالِكٌ سَنَةَ تِسعٍ, وَسَبعِينَ وَمِائَةٍ,. وَتُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بنُ حميد الرازي سَنَةَ ثَمَانٍ, وَأَربَعِينَ وَمِائَتَينِ وَلَم يَخرُج مِن بَلَدِهِ حِينَ رَحَلَ فِي طَلَبِ العِلمِ إلَّا وَهُوَ كَبِيرٌ مَعَ أَبِيهِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا ضَعِيفٌ عِندَ أَكثَرِ أَهلِ الحَدِيثِ، كَذَّبَهُ أَبُو زُرعَةَ، وَابنُ وارة، وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ, الأسدي: مَا رَأَيت أَحَدًا أَجرَأَ عَلَى اللَّهِ مِنهُ وَأَحذَقَ بِالكَذِبِ مِنهُ. وَقَالَ يَعقُوبُ بنُ شَبِيبَةَ: كَثِيرُ المَنَاكِيرِ. وَقَالَ النسائي: لَيسَ بِثِقَةِ. وَقَالَ ابنُ حِبَّانَ: يَنفَرِدُ عَن الثِّقَاتِ بِالمَقلُوبَاتِ. وَآخِرُ مَن رَوَى المُوَطَّأَ عَن مَالِكٍ, هُوَ أَبُو مُصعَبٍ, وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثنَتَينِ وَأَربَعِينَ وَمِائَتَينِ. وَآخِرُ مَن رَوَى عَن مَالِكٍ, عَلَى الإِطلَاقِ هُوَ أَبُو حُذَيفَةَ أَحمَدُ بنُ إسمَاعِيلَ السَّهمِيٌّ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسعٍ, وَخَمسِينَ وَمِائَتَينِ، وَفِي الإِسنَادِ أَيضًا مَن لَا تُعرَفُ حَالُهُ. ا. هـ.
وقال أيضا في \" الفتاوى \" (1/225): وَكَذَلِكَ مَن نَقَلَ عَن مَالِكٍ, أَنَّهُ جَوَّزَ سُؤَالَ الرَّسُولِ أَو غَيرِهِ بَعدَ مَوتِهِم أَو نَقَلَ ذَلِكَ عَن إمَامٍ, مِن أَئِمَّةِ المُسلِمِينَ - غَيرِ مَالِكٍ, - كَالشَّافِعِيِّ وَأَحمَدَ وَغَيرِهِمَا فَقَد كَذَبَ عَلَيهِم، وَلَكِن بَعضُ الجُهَّالِ يَنقُلُ هَذَا عَن مَالِكٍ,، وَيَستَنِدُ إلَى حِكَايَةٍ, مَكذُوبَةٍ, عَن مَالِكٍ,... وَأَصلُهَا ضَعِيفٌ. ا. هـ.
وقال أيضا في \" الفتاوى \" (1/353): وَالحِكَايَةُ الَّتِي تُذكَرُ عَن مَالِكٍ, أَنَّهُ قَالَ لِلمَنصُورِ لَمَّا سَأَلَهُ عَن استِقبَالِ الحُجرَةِ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ: \" هُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ \" كَذِبٌ عَلَى مَالِكٍ,، لَيسَ لَهَا إسنَادٌ مَعرُوفٌ.
• الوجهُ الثاني: نقدها من جهةِ نقلها عن أصحابِ مالك:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (1/228): وَهَذِهِ الحِكَايَةُ لَم يَذكُرهَا أَحَدٌ مِن أَصحَابِ مَالِكٍ, المَعرُوفِينَ بِالأَخذِ عَنهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ حميد ضَعِيفٌ عِندَ أَهلِ الحَدِيثِ إذَا أَسنَدَ، فَكَيفَ إذَا أَرسَلَ حِكَايَةً لَا تُعرَفُ إلَّا مِن جِهَتِهِ؟ هَذَا إن ثَبَتَ عَنهُ، وَأَصحَابُ مَالِكٍ, مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ بِمِثلِ هَذَا النَّقلِ لَا يَثبُتُ عَن مَالِكٍ, قَولٌ لَهُ فِي مَسأَلَةٍ, فِي الفِقهِº بَل إذَا رَوَى عَنهُ الشَّامِيٌّونَ كَالوَلِيدِ بنِ مُسلِمٍ,، وَمَروَانَ بنِ مُحَمَّدٍ, الطاطري ضَعَّفُوا رِوَايَةَ هَؤُلَاءِ، وَإِنَّمَا يَعتَمِدُونَ عَلَى رِوَايَةِ المَدَنِيِّينَ وَالمِصرِيِّينَ فَكَيفَ بِحِكَايَةِ تُنَاقِضُ مَذهَبَهُ المَعرُوفَ عَنهُ مِن وُجُوهٍ, رَوَاهَا وَاحِدٌ مِن الخُراسانِيِّينَ لَم يُدرِكهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِندَ أَهلِ الحَدِيثِ؟. ا. هـ.
• الوجهُ الثالثُ: سببُ إيرادِ القاضي عياضٍ, لها:
قال في \" الفتاوى \" (1/225 226): وَالقَاضِي عِيَاضٌ لَم يَذكُرهَا فِي كِتَابِهِ فِي بَابِ زِيَارَةِ قَبرِهِº بَل ذَكَرَ هُنَاكَ مَا هُوَ المَعرُوفُ عَن مَالِكٍ, وَأَصحَابِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي سِيَاقِ أَنَّ حُرمَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعدَ مَوتِهِ وَتَوقِيرَهُ وَتَعظِيمَهُ لَازِمٌº كَمَا كَانَ حَالَ حَيَاتِهِ وَكَذَلِكَ عِندَ ذِكرِهِ وَذِكرِ حَدِيثِهِ وَسُنَّتِهِ وَسَمَاعِ اسمِهِ. ا. هـ.
• الوجهُ الرابعُ: أن الثابتَ عن مالكٍ, خلافُ القصةِ:
قال في \" الفتاوى \" (1/353): وَهُوَ خِلَافُ الثَّابِتِ المَنقُولِ عَنهُ بِأَسَانِيدِ الثِّقَاتِ فِي كُتُبِ أَصحَابِهِ كَمَا ذَكَرَهُ إسمَاعِيلُ بنُ إسحَاقَ القَاضِي وَغَيرُهُ مِثلَ مَا ذَكَرُوا عَنهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَن أَقوَامٍ, يُطِيلُونَ القِيَامَ مُستَقبِلِي الحُجرَةِ يَدعُونَ لِأَنفُسِهِم، فَأَنكَرَ مَالِكٌ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مِن البِدَعِ الَّتِي لَم يَفعَلهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُم بِإِحسَانِ وَقَالَ: لَا يُصلِحُ آخِرَ هَذِهِ الأُمَّةِ إلَّا مَا أَصلَحَ أَوَّلَهَا.
وَلَا رَيبَ أَنَّ الأَمرَ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ، فَإِنَّ الآثَارَ المُتَوَاتِرَةَ عَن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا لَم يَكُن مِن عَمَلِهِم وَعَادَتِهِم، وَلَو كَانَ استِقبَالُ الحُجرَةِ عِندَ الدٌّعَاءِ مَشرُوعًا لَكَانُوا هُم أَعلَمَ بِذَلِكَ، وَكَانُوا أَسبَقَ إلَيهِ مِمَّن بَعدَهُم وَالدَّاعِي يَدعُو اللَّهَ وَحدَهُ. ا. هـ.
• الوجهُ الخامسُ: نقدُ شيخِ الإسلامِ لبعضِ عباراتها:
وقف شيخ الإسلام مع بعض عباراتها بشيء من التفصيل والإيضاح، فمن ذلك أنه قال (1/229 230):
مَعَ أَنَّ قَولَهُ \" وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ - عليه السلام - إلَى اللَّهِ يَومَ القِيَامَةِ \" إنَّمَا يَدُلٌّ عَلَى تَوَسٌّلِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ، وَهَذَا هُوَ التَّوَسٌّلُ بِشَفَاعَتِهِ يَومَ القِيَامَةِ، وَهَذَا حَقُّº كَمَا جَاءَت بِهِ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ حِينَ تَأتِي النَّاسُ يَومَ القِيَامَةِ آدَمَ لِيَشفَعَ لَهُم فَيَرُدَّهُم آدَمَ إلَى نُوحٍ, ثُمَّ يَرُدَّهُم نُوحٌ إلَى إبرَاهِيمَ وَإِبرَاهِيمُ إلَى مُوسَى وَمُوسَى إلَى عِيسَى وَيَرُدَّهُم عِيسَى إلَى مُحَمَّدٍ, - صلى الله عليه وسلم - فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ: \" أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا فَخرَ آدَمَ فَمَن دُونَهُ تَحتَ لِوَائِي يَومَ القِيَامَةِ وَلَا فَخرَ \"، وَلَكِنَّهَا مُنَاقِضَةٌ لِمَذهَبِ مَالِكٍ, المَعرُوفِ مِن وُجُوهٍ,:
أَحَدُهَا: قَولُهُ \" أَستَقبِلُ القِبلَةَ وَأَدعُو أَم أَستَقبِلُ رَسُولَ اللَّهِ وَأَدعُو؟ \" فَقَالَ \" وَلِمَ تَصرِفُ وَجهَك عَنهُ وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ \" فَإِنَّ المَعرُوفَ عَن مَالِكٍ, وَغَيرِهِ مِن الأَئِمَّةِ، وَسَائِر السَّلَفِ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ الدَّاعِيَ إذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أَرَادَ أَن يَدعُوَ لِنَفسِهِ، فَإِنَّهُ يَستَقبِلُ القِبلَةَ، وَيَدعُو فِي مَسجِدِهِ، وَلَا يَستَقبِلُ القَبرَ وَيَدعُو لِنَفسِهِº بَل إنَّمَا يَستَقبِلُ القَبرَ عِندَ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالدٌّعَاءِ لَهُ. ا. هـ.
وقال أيضا (1/233) بعد تقرير طويل لمذهب مالك في المسألة: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا فِي الحِكَايَةِ المُنقَطِعَةِ مِن قَولِهِ: \" استَقبِلهُ وَاستَشفِع بِهِ \" كَذِبٌ عَلَى مَالِكٍ, مُخَالِفٌ لِأَقوَالِهِ وَأَقوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَفعَالِهِم الَّتِي يَفعَلُهَا مَالِكٌ وَأَصحَابُهُ وَنَقَلَهَا سَائِرُ العُلَمَاءِ إذ كَانَ أَحَدٌ مِنهُم لَم يَستَقبِل القَبرَ لِلدٌّعَاءِ لِنَفسِهِ فَضلًا عَن أَن يَستَقبِلَهُ وَيَستَشفِعَ بِهِ يَقُولُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِº اشفَع لِي أَو اُدعُ لِي، أَو يَشتَكِي إلَيهِ مَصَائِبَ الدِّينِ وَالدٌّنيَا، أَو يَطلُبُ مِنهُ أَو مِن غَيرِهِ مِن المَوتَى مِن الأَنبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَو مِن المَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَا يَرَاهُم أَن يَشفَعُوا لَهُ، أَو يَشتَكِيَ إلَيهِم المَصَائِبَ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِن فِعلِ النَّصَارَى وَغَيرِهِم مِن المُشرِكِينَ، وَمَن ضَاهَاهُم مِن مُبتَدِعَةِ هَذِهِ الأُمَّةِº لَيسَ هَذَا مِن فِعلِ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِن المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحسَانِ، وَلَا مِمَّا أَمَرَ بِهِ أَحَدٌ مِن أَئِمَّةِ المُسلِمِينَ، وَإِن كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيهِ إذ كَانَ يَسمَعُ السَّلَامَ عَلَيهِ مِن القَرِيبِ وَيُبَلَّغُ سَلَامَ البَعِيدِ. ا. هـ.
وقال أيضا (1/239): وَمِمَّا يُوهِنُ هَذِهِ الحِكَايَةَ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا \" وَلَم تَصرِف وَجهَك عَنهُ وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ إلَى اللَّهِ يَومَ القِيَامَةِ \" إنَّمَا يَدُلٌّ عَلَى أَنَّهُ يَومَ القِيَامَةِ تَتَوَسَّلُ النَّاسُ بِشَفَاعَتِهِ، وَهَذَا حَقُّ كَمَا تَوَاتَرَت بِهِ الأَحَادِيثُ، لَكِن إذَا كَانَ النَّاسُ يَتَوَسَّلُونَ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ يَومَ القِيَامَةِ كَمَا كَانَ أَصحَابُهُ يَتَوَسَّلُونَ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّمَا ذَاكَ طَلَبٌ لِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ فَنَظِيرُ هَذَا - لَو كَانَت الحِكَايَةُ صَحِيحَةً - أَن يُطلَبَ مِنهُ الدٌّعَاءُ وَالشَّفَاعَةُ فِي الدٌّنيَا عِندَ قَبرِهِ. وَمَعلُومٌ أَنَّ هَذَا لَم يَأمُر بِهِ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا سَنَّهُ لِأُمَّتِهِ، وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحسَانِ وَلَا استَحَبَّهُ أَحَدٌ مِن أَئِمَّةِ المُسلِمِينَ لَا مَالِكٌ وَلَا غَيرُهُ مِن الأَئِمَّةِ فَكَيفَ يَجُوزُ أَن يُنسَبَ إلَى مَالِكٍ, مِثلُ هَذَا الكَلَامِ الَّذِي لَا يَقُولُهُ إلَّا جَاهِلٌ لَا يَعرِفُ الأَدِلَّةَ الشَّرعِيَّةَ، وَلَا الأَحكَامَ المَعلُومَةَ أَدِلَّتُهَا الشَّرعِيَّةُ مَعَ عُلُوِّ قَدرِ مَالِكٍ, وَعِظَمِ فَضِيلَتِهِ وَإِمَامَتِهِ، وَتَمَامِ رَغبَتِهِ فِي اتِّبَاعِ السٌّنَّةِ، وَذَمِّ البِدَعِ وَأَهلِهَا؟ وَهَل يَأمُرُ بِهَذَا أَو يَشرَعُهُ إلَّا مُبتَدِعٌ؟ فَلَو لَم يَكُن عَن مَالِكٍ, قَولٌ يُنَاقِضُ هَذَا لَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ مِثلَ هَذَا.
ثُمَّ قَالَ فِي الحِكَايَةِ: \" استَقبِلهُ وَاستَشفِع بِهِ فَيُشَفِّعك اللَّهُ \" وَالِاستِشفَاعُ بِهِ مَعنَاهُ فِي اللٌّغَةِ أَن يَطلُبَ مِنهُ الشَّفَاعَةَ كَمَا يَستَشفِعُ النَّاسُ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ وَكَمَا كَانَ أَصحَابُهُ يَستَشفِعُونَ بِهِ. ا. هـ.
فهذا هو نقد شيخ الإسلام ابن تيمية للقصة، - رحمه الله - رحمة واسعة.
• وممن نقد القصة أيضا الإمام ابن عبد الهادي في \" الصارم المنكي في الرد على السبكي \" (ص 259 267).
قال عن سندها (ص 260): ذكرها القاضي عياض ورواها بإسناده عن مالك ليست بصحيحة عنه، وقد ذكر المعترض يعني ابن عبد الهادي بالمعترض السبكي في موضع من كتابه أن إسنادها إسناد جيد، وهو مخطىء في هذا القول خطأ فاحشا، بل إسنادها إسناد ليس بجيد، بل هو إسناد مظلم منقطع، وهو مشتمل على من يتهم بالكذب وعلى من يجهل حاله، وابن حميد هو محمد بن حميد الرازي، وهو ضعيف كثير المناكير غير محتج بروايته، ولم يسمع من مالك شيئا ولم يلقه، بل روايته عنه منقطعة غير متصلة، وقد ظن المعترض أنه أبو سفيان محمد بن حميد المعمري أحد الثقات المخرج لهم في صحيح مسلم قال: فإن الخطيب ذكره في الرواة عن مالك، وقد أخطأ فيما ظنه خطأ فاحشا ووهم وهما قبيحا. ا. هـ.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد