الأحاديث الموضوعة وآثارها السيئة


 بسم الله الرحمن الرحيم

ليس هناك من شك في أن للأحاديث الضعيفة والموضوعة آثاراً سيئة ضارة عند من يعتقد صحتها ويعمل بها، لما يترتب على ذلك من الابتداع في مجال العقيدة والعبادة والمعاملات ورد الصحيح من كل ذلك تمسكاً بما اعتقد صحته وهو ليس كذلك وسأورد طرفاُ من هذه الأحاديث الموضوعة والضعيفة وأوضح مالها من آثار سيئة لمن يعتقد صحتها ويعمل بها.

 

ومن هذه الأحاديث ما يلي:

1 - \" اختلاف أمتي رحمة \":

وهذا القول مشهور جداً على أنه حديث صحيح وكثيراً ما يقال من فوق المنابر وينشر في صفحات الجرائد ويذاع في مجالس الناس ومنتدياتهم، والحقيقة أن الأمر بخلاف ذلك وهذا بيانه، ذكره العلامة الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة) ثم قال عنه: لا أصل له، ونقل ما نقله المناوي عن السبكي أنه قال: (وليس بمعروف عند المحدثين ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف ولا موضوع، وأقره الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على تفسير البيضاوي.

 

- أثره السيئ:-

قال العلامة ابن حزم في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام): (وهذا من أفسد قول يكون، لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطاً وهذا مالا يقول به مسلم، لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف وليس إلا رحمة أو سخط).

ويقول العلامة الألباني في سلسلته عقب ذكر الحديث (وإن من آثار هذا الحديث السيئة أن كثيراً من المسلمين يقرون بسببه الاختلاف الشديد الواقع بين المذاهب الأربعة، ولا يحاولون أبداً الرجوع بها إلى الكتاب والسنة الصحيحة كما أمرهم بذلك أئمتهم - رضي الله عنهم -، بل إن أولئك ليرون مذاهب هؤلاء الأئمة - رضي الله عنهم - إنما هي كشرائع متعددة، يقولون هذا مع علمهم بما بينها من اختلاف وتعارض لا يمكن التوفيق بينها إلا برد بعضها المخالف للدليل وقبول البعض الآخر الموافق له وهذا مالا يفعلون وبذلك فقد نسبوا إلى الشريعة التناقض هو وحده دليل على أنه ليس من الله - عز وجل - لو كانوا يتأملون قوله - تعالى - في حق القرآن):  [وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلافاً كَثِيراً ](النساء: 82) فالآية صريحة في أن الاختلاف ليس من الله فيكف يصح إذن جعله شريعة متبعة ورحمة منزلة؟!

ثم يتكلم الألباني كلامًا علميًا رائعًا يختمه بقوله: (وجملة القول أن الاختلاف مذموم في الشريعة فالواجب محاولة التخلص منه ما أمكن لأنه من أسباب ضعف الأمة كما قال - تعالى -: [وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحكُم ](الأنفال: 46)، أما الرضا به وتسميته رحمة فخلاف الآيات الكريمة المصرحة بذمة ولا مستند له إلا هذا الحديث الذي لا أصل له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).

 

2 - \" لو اعتقد أحدكم بحجر لنفعه \":

حكم عليه بالوضع كل من الألباني وابن تيمية وعلي القاري وابن القيم وابن حجر العسقلاني.

- أثره السيئ: -

قال العلامة ابن القيم: (هو من كلام عباد الأصنام الذين يحسنون ظنهم بالأحجار). وأقول هذا الكلام يناقض عقيدة التوحيد ويرسخ الشرك ويجعل المنفعة في الاعتقاد في عبادة الأحجار وهذا من أفسد ما يكون ولا يمكن أبدًا أن يكون هذا الكلام القبيح قد خرج من مشكاة النبوة ونطق به فم الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

 

3 - \" من عشق وكتم وعف فمات فهو شهيد \":

حكم عليه الألباني بالوضع في سلسلته وذكر حكم أهل العلم بصدده وممن حكم بوضعه العلامة ابن القيم وله في التعقيب على هذا القول الموضوع كلام نفيس جدًا يحسن إيراده.

- أثره السيئ:-

قال العلامة ابن القيم في كتابه (الفذ) زاد المعاد: (ولا تغتر بالحديث الموضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقصد الحديث السالف - فإن هذا الحديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز أن يكون من كلامه فإن الشهادة درجة عالية عند الله مقرونة بدرجة الصديقية ولها أعمال وأحوال هي شروط في حصولها وهي نوعان عامة وخاصة، فالخاصة الشهادة في سبيل الله والعامة خمس مذكورة في الصحيح ليس العشق واحدًا منها وكيف يكون العشق الذي هو شرك المحبة وفراغ عن الله وتمليك القلب والروح والحب لغيره تنال به درجة الشهادة! ؟ هذا من المحال، فإن إفساد عشق الصور للقلب فوق كل إفساد بل هو خمر الروح الذي يسكرها ويصدها عن ذكر الله وحبه والتلذذ بمناجاته والأنس به ويوجب عبودية القلب لغيره، فإن قلب العاشق متعبد لمعشوقة بل العشق لب العبودية، فإنها كمال الذل والحب والخضوع والتعظيم فكيف يكون تعبد القلب لغير الله مما تنال به درجة أفاضل الموحدين وسادتهم وخواص الأولياء!! فلو كان إسناد هذا الحديث كالشمس كان غلطًا ووهمًا ولا يحفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفظ العشق من حديث صحيح البتة).

 

4 - \" أولاد الزنى يحشرون يوم القيامة على صورة القردة والخنازير \":

حكم عليه بالوضع: العقيلي وابن الجوزي والسيوطي، وقال عنه الألباني: منكر.

أثره السيئ:-

هذا الحديث يخالف أصلاً عظيمًا من أصول الشريعة وهو عدم محاسبة إنسان على عمل آخر] وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى [(الأنعام: 164) ويقول العلامة الألباني معلقًا على هذا الحديث الموضوع:

والحديث عندي ظاهر النكارة مخالف لأصل إسلامي عظيم وهو قوله تبارك وتعالى] وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى [(الأنعام: 164) فما ذنب أولاد الزنى حتى يحشروا على صورة القردة والخنازير؟ ! ورحم الله من قال:

غيري جنى وأنا المعذب فيكم فكأنني سبابة المتندم!!

 

5 - \" لا يدخل ولد الزنى الجنة، ولا شيء من نسله إلى سبعة آباء \":

حكم عليه بالوضع: الحافظ ابن حجر والسخاوي وابن طاهر وابن القيم والألباني.

أثره السيئ:-

هذا القول كسابقه في أنه يخالف أصلا عظيمًا من أصول الشريعة وهو] وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى [(الأنعام: 164) وفيه من الجور والظلم ما يتعارض مع الشريعة العظيمة بل ويتعارض مع عدل الله - سبحانه وتعالى - وهو الذي حرم الظلم على نفسه [1].

وبعد: فما أسوأ الأحاديث الموضوعة وما أسوأ ما يترتب عليها من آثار وما أسوأ العمل بها!!!

ولاشك أن في الأحاديث المقبولة بشقيها (الصحيحة، والحسنة) غنى عن الأحاديث الموضوعة المكذوبة، ولاشك أن الشارع لم يترك أمرًا إلا وشرع فيه من الأدلة الصحيحة ما يدل عليه فما الحاجة إلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة؟ ولقد حذرت الشريعة الغراء من مغبة الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [2].

 

وهذه النماذج التي ذكرتها ما هي إلا نماذج قليلة جدًا من الكم الهائل من الأحاديث الموضوعة والمكذوبة التي يعتقد صحتها عدد غير قليل من المسلمين ومن ثم يعملون بها. فليحذر المسلمون الأحاديث الموضوعة والمكذوبة وليستفرغوا جهدهم في تحري الدقة للوصول إلى الصواب دائمًا والأمر ليس بالعسير على طلاب العلم الشرعي وأما عامة الناس فلن يعدموا العلماء الجهابذة وهم موجودون يذبون عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. [وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهدِي السَّبِيلَ]..

(الأحزاب: 4). …

 

ــــــــــــــــــــ

(1) إشارة إلى الحديث القدسي الذي ورد في صحيح مسلم مطولا وصدره (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا).

(2) انظر مقالي (مغبة الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -) بمجلة الجندي المسلم العدد رقم (63).  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply