الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
هي زينت بنت جحش بن رباب، وأمها أميمة بنت عبد المطلب .. فهي ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد هاجرت زينب إلى المدينة مع أمها .. وكانت تتمتع بالجمال .. وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجها زيد بن حارثة .. الذي كان يتبناه الرسول .. وكان الابن المتبنى يرث مثل الابن الحقيقي ..
وعندما قضى الإسلام على نظام التبني .. كان لابد أن يطلق عليه زيد اسم والده الحقيقي زيد بن حارثة بعد أن كان يعرف باسم زيد بن محمد.
لقد أراد النبي أن يزوج زيدا، واختار له ابنة عمته زينت بنت جحش وعندما طلبها أبنت أن تكون زوجة لرجل كان رقيقا وهي سليلة بني هاشم .. وكان أخوها عبد الله بن جحش هو الآخر يرفض أن يزوج أخته لزيد فما زالت هناك بقية من التقالي التي ظلت تعيش في أعماقهم.
وغضب الرسول من تصرف زينب ورفضها من اختاره لها زوجا. ونزل قوله تعالى:
{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً \"36\"} (سورة الأحزاب)
وتناهى إلى سمع زينب ما نزل على الرسول من قرآن يحذر الناس من مغبة عدم طاعة الرسول، فأرسلت إليه بموافقتها على الزواج من زيد .. ولكنها لم تكن سعيدة بهذا الزواج ..
لم تنس زينب أنها سليلة بني هاشم حتى ضاق بها ذرعا .. وكثيرا ما اشتكى من تصرفاتها معه إلى الرسول، والرسول ينصحه بالصبر قائلا له: \"أمسك عليك زوجك واتق الله\"
وجاء الوحي يعلم الرسول أن (زينب) سوف تصبح زوجة له .. وخشي الرسول من كلام الناس، وأن يقولوا أن محمدا تزوج من زوجة من كان يتخذه ولداً.
ونزل قوله تعالى:
{وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولاَ \"37\"} (سورة الأحزاب)
ويفسر هذه الآيات الإمام ابن كثير فيقول: يقول اله تعالى مخبرا نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قال لمولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه، وهو الذي أنعم الله عليه بالإسلام ومبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنعمت عليه أي بالعتق من الرق .. وكان سيدا كبيرا الشأن، جليل القدر حبيبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له الحب، ويقال لابنه أسامة الحب ابن الحب. قالت عائشة رضي الله عنها ما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلا أمره عليهم، ولو عاش لاستخلفه.
ويروي ابن كثير حديثا لأسامة بن زيد .. ويوضح مكانة زيد ابن حارثة عند رسول الله .. يقول أسامة: كنت في المسجد فأتاني العباس وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهما فقالا يا أسامة استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقلت: علي والعباس يستأذنان.
فقال صلى الله عليه وسلم: أتدري ما حاجتهما؟
قلت: لا يا رسول الله.
قال عليه الصلاة والسلام: لكني أدري ..
قال: فأذن لهما.
قالا: يا رسول الله جئناك لتخبرنا أي أهلك أحب إليك؟
قال صلى الله عليه وسلم: أحب أهلي إلي فاطمة بنت محمد.
قالا: يا رسول الله ما نسألك عن فاطمة.
قال صلى الله عليه وسلم: فأسامة بن زيد بن حارثة الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه.
ويقول ابن كثير: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها، وأمها أميمة بنت عبد المطلب وأصدقها عشرة دنانير وستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وخمسين مدا من طعام وعشرة أمداد من تمر قاله (مقاتل بن حيان) فمكثت عنده قريبا من سنة أو فوقها ثم وقع بينهما فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: \"أمسك عليك زوجك واتق الله\".
قال تعالى:
{وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه .. \"37\"} (سورة الأحزاب)
ويروي ابن كثير تفسيرا للحسن بن علي من بين ما أورد من روايات يقول فيه الحسن: إن الله أعلم ونبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها فلما آتاه زيد رضي الله عنه ليشكوها إليه قال: (اتق الله وأمسك عليك زوجك).
قال تعالى قد خبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه .. وهكذا روي عن السدي أنه قال نحو ذلك، ويروي ابن كثير حديثا عن عائشة رضي الله عنها تقول فيه: (لو كتم محمد صلى الله عليه وسلم شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله تعالى لكتم:
{وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه .. \"37\"} (سورة الأحزاب)
وقوله تعالى:
{فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها .. \"37\"} (سورة الأحزاب)
والوطر هو الحاجة والأرب .. أي لما فرغ منها وفارقها زوجناكها، وكان الذي ولي تزوجيها هو الله عز وجل ..
بمعنى أنه أحق أن يدخل عليها بلا ولي ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر
وكانت زينب تفخر على نساء النبي فتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات ـ ويورد ابن كثير كيف تفاخرت زينب وعائشة.
فقالت زينب: أن الذي نزل تزويجي من السماء.
وقالت عائشة: أنا الذي نزل عذري من السماء.
وكانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ـ \"إني لأولى عليك بثلاث: ما من نسائك امرأة تدلي بهن: أن جدي وجدك واحد، وأني أنكحنيك الله عز وجل من السماء وأن السفير جبريل عليه السلام ..
وقوله تعالى:
{لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا .. \"37\"} (سورة الأحزاب)
يفسر ذلك الإمام ابن كثير: أي أننا أبحنا لك تزويجها وفعلنا ذلك لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة تبنى زيد بن حارثة فكان يقال زيد بن محمد، فلما قطع الله تعالى هذا النسب بقوله تعالى:
{وما جعل أدعياءكم أبناءكم .. \"4\"} (سورة الأحزاب)
إلى قوله تعالى:
{أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله .. \"5\"} (سورة الأحزاب)
ثم زاد ذلك بيانا وتأكيد بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها لما طلقها زيد بن حارثة رضي الله عنه، ولهذا قال تعالى في سورة التحريم:
{وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم .. \"23\"} (سورة التحريم)
ليحترز من الابن الدعي فإن ذلك كان كثيرا فيهم. وقوله تعالى:
{وكان أمر الله مفعولا }
.. أي وكان هذا الأمر الذي وقع قد قدره الله تعالى وحتمه وهو كائن لا محالة، كانت زينب رضي الله عنها في علم الله ستصير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد بلغ من غيرة أزواج النبي من زينب، أنهم اتفقوا ذات مرة، أن تقول أي واحدة يأتي عندها الرسول بعد خروجه من عند زينب أن تسأله عما أكل عندها لأنها تشم رائحة غير طيبة؟.
وقالت له إحدى زوجاته ذلك أنها تشم رائحة المغافير ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها أنه شرب عسلا عند زينب.
فقالت له: لقد رعى نحله المغافير.
وقال له زوجاته نفس الكلام، فحرم العسل على نفسه. ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يكشف لرسوله الأمر فنزل قوله تعالى:
{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم }
وكانت زينب رضي الله عنها كثيرة العبادة .. تكثر من الصوم والصلاة ولأنها كانت تحسن دبغ الجلود فقد اتخذت من هذه الصفة وسيلة لصنع ما ينفع الناس منها .. وتبيعها وتتصدق بثمنها على الفقراء والمحتاجين.
وقالت عنها أم المؤمنين عائشة: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله، وما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم والقرابة، وأعظم صدقة وأشد بذلا لنفسها في العمل الذي تتصدق به، وتتقرب به إلى الله عز وجل.
وقد سألت إحدى نساء النبي الرسول صلى الله عليه وسلم:
ـ أينا أسرع لحوقا؟
رد خاتم الأنبياء والمرسلين:
ـ أطولكن باعا أو يدا.
وكانت أول نسائه لحوقا به صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش فقد انتقلت إلى رحاب ربها في عهد عمر بن الخطاب الذي صلى عليها ودفنت في البقيع وكان ذلك عام 20 هجرية وكان عمرها ثلاثة وخمسين عاما
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد