ذكر ابن سعد عن أبي وَجزَة السعدي قال: لما رجع رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-من تبوك, وكانت سنة تسع، قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلاً, فيهم خارجة بن حصن, والحر بن قيس ابن حصن, وهو أصغرهم, على ركاب عجاف، فجاؤوا مُقرّين بالإسلام، وسألهم رَسُول اللهِ–صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، عن بلادهم، فقال أحدهم: \"يا رَسُول اللهِ أسنَتَت بلادُنا، وهلكت مواشينا، وأجدب جنابُنا، وغرث عيالنا فادع الله لنا، فصعد رَسُول اللهِ- -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ--المنبر ودعا فقال: (اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت. اللهم اسقنا غيثاً مُغيثاً مَرِيَّاً مَريعاً طَبَقاً واسعاً عاجلا ً غير آجل، نافعاً غير ضار. اللهم اسقنا سُقيا رحمة ولا سُقيا عذاب, ولا هدم، ولا غرق، ولا محق. اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء(1))، قال: فمطرت فما رأوا السماء سَبتاً، فصعد رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- المنبر فدعا فقال: (اللهم حوالينا ولا علينا, على الآكام, والظِراب, وبطون الأودية, ومنابت الشجر(2))، فانجابت السماء عن المدينة انجياب الثوب(3). وقال أبو الربيع بن سالم في كتابه المسمى بـ\" الاكتفاء في مغازي رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-ومغازي الثلاثة الخلفاء\" ولما رجع رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-من تبوك قدم عليه وفد بني فَزَارة بضعةَ عشر رجلاً، فيهم خارجةُ بن حصن، والحُرٌّ بن قيس بن حِصن ابن أخي عُيينة بن حصن، وهو أصغرهم، فنزلوا في دار رملة بنت الحارث, وجاؤوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- مقرين بالإسلام, وهم مُسنتون(4) على ركاب عجاف, فسألهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عن بلادهم فقال: أحدهم يا رَسُول اللهِ أَسنَتَت بلادُنا, وهلكت مواشينا, وأجدب جَنَابُنَا, وغَرِثَ(5) عيالُنَا فادعُ لنا ربَّك يُغيثنا, واشفع لنا إلى ربك, وليشفع لنا ربك إليك, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (سبحان الله ويلك هذا! أنا أشفعُ إلى ربي-عز وجل-فمن ذا الذي يشفعُ ربٌّنا إليه؟ لا إله إلا هو العظيم, وسع كرسيه السماوات والأرض, فهي تّئِطُ(6) من عظمته وجلاله, كما يَئط الرَّحل الجديد). وقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (إن الله-عز وجل-ليضحكُ من شَفَقِكم وأَزلِكُم(7) وقُربِ غياثِكُم). فقال الأعرابي: يا رَسُول اللهِ ويضحك ربنا -عز وجل-؟ قال: (نعم). فقال الأعرابي: لن يَعدِمَكَ من ربِّ يضحكُ خيرٌ. فضحكَ النَّبيّ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-من قوله, وصعد المنبر فتكلم بكلمات, وكان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا رفعُ الاستسقاء فرفع يديه حَتَّى رؤي بياض إبطيه, وكان مما حُفظ من دعائه: (اللهم اسق بلادك, وبهائمك, وانشر رحمتك, وأحي بلدك الميت. اللهم اسقنا غيثاً مُغِيثاً مَرِيئاً مَرِيعاً طبقاً واسعاً, عاجلاً غير آجل, نافعاً غير ضار, اللهم سُقيا رحمة لا سقيا عذاب, ولا هدم, ولا غَرَق, ولا محق. اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء)(8).
قدوم وفد بني أسد على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-
قدم عليه-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد بني أسد, عشرة رهط, فيهم وابصة بن معبد, وطُليحة بن خُويلد, ورَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-جالس في المسجد مع أصحابه, فسلَّموا وتكلَّموا، فقال متكلمهم: يا رَسُول اللهِ إنا شهدنا أنَّ اللهَ وحدَه لا شريك له وأنَّكَ عبدُه ورسولُه, وجئناك يا رَسُول اللهِ ولم تبعث إلينا بعثاً(9), ونحن لمن وراءنا. قال محمد بن كعب القرظي: فأنزل الله على رسوله -عليه الصلاة والسلام-: {يَمُنٌّونَ عَلَيكَ أَن أَسلَمُوا قُل لَّا تَمُنٌّوا عَلَيَّ إِسلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنٌّ عَلَيكُم أَن هَدَاكُم لِلإِيمَانِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ} (17) سورة الحجرات. وكان مما سألوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عنه يومئذٍ, العِيافةُ(10) والكِهانة وضربُ الحصى, فنهاهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عن ذلك كله فقالوا: يا رَسُول اللهِ إن هذه أمور كنا نفعلُها في الجاهلية. أرأيتَ خصلةً بقيت؟ قال: (وما هي؟) قالوا : الخط(11). قال: (عُلِّمَهُ نبيٌّ من الأنبياء فَمن صادفَ(12)مثلَ علمِه عَلِمَ).(13)
قدوم وفد بهراء على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-
ذكر الواقدي عن كريمة بنت المقداد, قالت: سمعت أمي ضُبَاعة بنت الزبير بن عبد المطلب, تقول: قدم وفد بهراء من اليمن على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهم ثلاثة عشر رجلاً, فأقبلوا يقودون رواحلَهم حَتَّى انتهوا إلى باب المقداد, ونحن في منازلنا ببني جَديلة, فخرج إليهم المقداد فرَّحبَ بهم فأنزلَهم, وجاءهم بجفنة من حَيسٍ,(14) كنَّا قد هيَّأناها قبلَ أن يَحِلٌّواº لنجلسَ عليها. فحملَها أبو مَعبد المقداد-وكان كريماً-على الطعام, فأكلوا منها, حَتَّى نهلوا, وُردَّت إلينا القصعةُ وفيها أُكَلٌ, فجمعنا تلك الأُكلَ في قصعة صغيرة, ثم بعثنا بها إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مع سِدرةَ مولاتي, فوجَدَته في بيت أم سلمة, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (ضُباعة أرسلت بهذا؟) قالت سدرة: نعم يا رَسُول اللهِ! قال: (ضعي) ثم قال: (ما فعل ضيف أبي معبد؟) قلت: عندنا, قالت: فأصاب منها رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أكلاً هو ومن معه في البيت, حَتَّى نَهِلوا(15) وأكلت معهم سِدرَةُ, ثم قال: (اذهبي بما بقي إلى ضيفِكم) قالت سدرة: فرجعت بما بقي في القصعة إلى مولاتي. قالت: فأكل منها الضيف ما أقاموا, نُردِّدُهَا عليهم وما تغيضُ(16), حَتَّى جعل الضيفُ يقولون: يا أبا مَعبد! إنك لتُنهِلنا من أحبِّ الطعام إلينا, وما كُنَّا نقدر على مثل هذا إلا في الحِين, وقد ذُكر لنا أن بلادكم قليلةُ الطعام إنما هو العُلَقُ(17) أو نحوُه, ونحن عندك في الشِّبع. فأخبرهم أبو معبد بخبر رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أنه أكل منها أُكَلاً وردَّهَا, فهذه بركة أصابع رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فجعلَ القومُ يقولون: نشهد أنه رَسُول اللهِ, وازدادوا يقيناً, وذلك الذي أرادَ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فتعلَّموا الفرائضَ وأقاموا أياماً, ثم جاؤوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يودَّعُونه وأمَر لهم بجوائزهم, وانصرفوا إلى أهليهم(18)
قدوم وفد عُذرة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-
قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد عذرة في صفر سنة تسع, اثنا عشر رجلاً, فيهم جمرة بن النعمان, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(من القوم ؟) فقال مُتكلِّمُهم: مَن لا تُنكر, نحن بنو عذرة, إخوة قصي لأمه, نحن الذين عضدوا قصياً, وأزاحوا من بطن مكة خزاعةَ وبني بكر, ولنا قراباتٌ وأرحامٌ. قال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (مرحباً بكم وأهلاً ما أعرفني بكم), فأسلموا, وبشرهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بفتح الشام وهربِ هرقل إلى ممتنع من بلاده, ونهاهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-عن سؤال الكاهنة, وعن الذبائح التي كانوا يذبحونها, وأخبَرهم أن ليس عليهم إلا الأُضحية, فأقاموا أياماً بدار رملة, ثم انصرفوا وقد أُجيزوا(19) .
قدوم وفد بَلِيّ(20) على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-
قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد بَلِيّ في ربيع الأول من سنة تسع, فأنزلهم رُويفع بن ثابت البلوي عنده, وقَدِمَ بهم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وقال: هؤلاء قومي, فقال له رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (مرحباً بِكَ وبِقَومِكَ), فأسلموا, وقال لهم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (الحمدُ لله الذي هَداكم للإسلاَم فكُلٌّ من مات على غَيرِ الإسلامِ, فَهُوَ في النَّارِ), فقال له أبو الضبيب-شيخ الوفد-: يا رَسُول اللهِ إن لي رغبة في الضيافة فهل لي في ذلك أجر؟ قال: (نعم وكل معروف صَنَعتَه إلى غَنِي أو فَقِير فَهُوَ صَدَقَة) قال: يا رَسُول اللهِ ما وقت الضِيافة؟ قال: (ثَلاَثَة أيامٍ, فما كان بعد ذلك فهو صدقةٌ, ولا يحل للضَّيفِ أن يُقِيم عِندَكَ فَيُحرِجَك), قال: يا رَسُول اللهِ أرأيت الضالة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض؟ قال: (هي لك أو لأخيك أو للذئب) قال فالبعير ؟ قال: (ما لك وله دعه حَتَّى يجده صاحبه), قال رويفع: ثم قاموا فرجعوا إلى منزلي فإذا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يأتي منزلي يحمل تمراً فقال: (استعن بهذا التمر), وكانوا يأكلون منه ومن غيره, فأقاموا ثلاثاً, ثم ودعوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وأجازهم ورجعوا إلى بلادهم(21).
قدوم وفد ذي مرة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-
قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد ذي مرة ثلاثة عشر رجلاً, رأسُهم الحارث بن عوف. فقالوا: يا رَسُول اللهِ إنا قومُك وعشيرتُك, نحن قوم من بني لؤيّ بن غالب, فتبسم رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وقال للحارث: (أين تركت أهلك؟) قال بسَلاَح(22) وما والاها. قال: (وكيف البلاد ؟) قال: والله إنا لمُسنتون, ما في المال(23) مُخُّ, فادع الله لنا. فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(اللهم اسقهم الغيث) فأقاموا أياماً, ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم, فجاؤوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-مُودِّعينَ له, فأمر بلالاً أن يجيزَهم فأجازَهم بعشرِ أواقٍ, فضَّة, وفضَّل الحارثَ بن عوف أعطاه اثنتي عشرة أوقية, ورجعوا إلى بلادهم, فوجدوا البلادَ مطيرةً فسألوا: متى مطرتم ؟ فإذا هو ذلك اليوم الذي دعا رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فيه وأخصبت بعد ذلك بلادهم(24).
1 - انظر: فتح الباري، (2/ 505).
2 - البخاري، الفتح، كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في المسجد الجامع، رقم الحديث(1013)(2/581-582)
3 - راجع : طبقات ابن سعد1/297.
4 \" مسنتون\": مُجدبون.
5 - \" وغَرِثَ عيالنا\" : جاعوا.
6 - \" تئط\" : من الأطيط، وهو صوت الرَّحل.
7 - أي من إشفاقكم وضيقكم.
8 - راجع: عيون الأثر في فنون الشمائل والمغازي والسِّيرة 2/332-333.
9 - الطبقات الكبرى 1/ 297.
10 - العِيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها.
11 - \"الخط\" : ضرب الرمل، وهو نوع من الكهانة منهي عنهº كما بين ذلك النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم في الصلاة- باب تحريم الكلام في الصلاة- 5/23 فقال: فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه.
12 - \" فمن صادف\" : في صحيح مسلم:\" فمن وافق\" قال النووي رحمة الله تعالى: اختلف العلماء في معناه، فالصحيح أن معناه: من وافق خطه فهو مباح له، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة، فلا يُباح، والمقصود أنه حرامº لأنه لا يُباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها... صحيح مسلم بشرح النووي 5/ 23.
13 - عيون الأثر في فنون الشمائل والمغازي والسِّيرة 2/ 333-334.
14 - \" حَيس\": طعام متخذ من التمر والأقط والسمن.
15 - \" نَهِلُوا\" طعموا.
16 - \"تغيض\": تنقص.
17 - العُلَقُ\": جمع عُلقة، وهي البُلغة من الطعام.
18 - راجع: الطبقات الكبرى 1/ 331.
19 - راجع: الطبقات الكبرى 1/332.
20 - بفتح الباء وكسر اللام وياء مشددة، والنسبة إليها: بلوي نسبة إلى بلي بن عمر بن الحاف بن قضاعة، وانظر:\" شرح المواهب\" 4/57، وابن سيد الناس 2/252.
21 - انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد 3/657-658. وابن سعد1/330.
22 - \" بسلاَح\": كسَحَاب، موضع بأسفل خيبر.
23 - \" وما في المال مخُّ\" : كناية عن ذهاب مواشيهم بالقحط.
24 - راجع: عيون الأثر في فنون الشمائل والمغازي والسِّير. 2/ 336.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد