قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن الوليد بن نويفع, عن كريب مولى ابن عباس, عن ابن عباس, قال: بعثت بنو سعد بن بكر ضِمَام بن ثعلبة وافداً إلى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فقدم عليه, فأناخ بعيرَهُ على بابِ المسجدِ فعقلَهُ, ثم دخل على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وهو في المسجد جالسٌ في أصحابِهِ, فقال\" أيكم ابنُ عبد المطلب؟ فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (أنا ابنُ عبد المطلب), فقال: محمد؟ فقال: (نعم), فقال: يا ابن عبد المطلب إني سائلك ومُغلِظٌ عليك في المسألةِ, فلا تجدنَّ في نفسِك, فقال: (لا أجدُ في نفسي, فَسَل عَمَّا بَدَا لَكَ), فقال: أنشدك الله إلهك, وإله أهلك, وإله من كان قبلك, وإله من هو كائِنٌ بعدك, آلله بعثك إلينا رسولاً؟ قال: (اللهم نعم), قال: فأنشدك الله إلهك, وإله من كان قبلك, وإله من هو كائن بعدك, آلله أمرك أن نعبده لا نشرك به شيئاً, وأن نخلعَ هذه الأندادَ التي كان آباؤنا يعبدون؟ فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (اللهم نعم), ثم جعل يذكرُ فرائضَ الإسلام فريضةً فريضةً: الصلاة, والزكاة, والصيام, والحج, وفرائض الإسلام كُلَّها, ينشده عند كُلِّ فريضةٍ, كما نشدَه في التي قبلها حَتَّى إذا فرغَ, قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, وسأؤدي هذه الفرائض, وأجتنب ما نهيتني عنه, لا أزيدُ ولا أنقُصُ, ثم انصرف راجعاً إلى بعيرِهِ, فقال رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- حين ولَّى: ((إن يَصدُق ذُو العَقِيصَتَينِ يَدخُلِ الجَنَّةَ(1))), وكان ضِمام رجلاً جلداً أشعرَ ذا غديرتين, ثم أتى بعيره, فأطلق عِقالَهُ, ثم خرجَ حَتَّى قَدِمَ على قومِهِ, فاجتمعُوا عليه, وكان أوَّلَ ما تكلَّم به أن قالَ: بئستِِ اللاتُ والعُزَّى, فقالوا: مَه يا ضِمام, اتَّقِ البرصَ, والجنونَ والجُذامَ. قال: ويلكم, إنهما ما يضرانِ ولا ينفعانِ, إنَّ الله قد بعث رسولاً, وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتُم فيه, وإني أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ, وإني قد جئتُكم من عندِهِ بما أمركم به, ونهاكم عنه فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضرتِهِ رجلٌ ولا امرأةٌ إلا مُسلماً.
قال ابن إسحاق: فما سمعنا بوافدِ قومٍ, أفضل مِن ضِمام بن ثعلبة(2).
والقصة في \" الصحيحين \" من حديث أنس بنحو هذه(3).
قدوم طارق بن عبد الله وقومه على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-
ذكر البيهقي أنَّ رجلاً يُقال: له طارق بن عبد الله, قال: إني لقائم بسوق المجاز إذ أقبل رجلٌ عليه جُبَّةٌ له, وهو يقول: \"يا أيها النَّاسُ! قولُوا لا إله إلا الله تُفلحوا\", ورجلٌ يتبعُهُ يرميه بالحجارةِ, يقولُ: يا أيٌّها النَّاسُ! إنه كذَّابٌ لا تُصدِّقُوه, فقلتُ من هذا؟ فقالوا: هذا غلامٌ من بني هاشم الذي يزعم أنه رَسُولُ اللهِ, قال: قلتُ: مَن هذا الذي يفعل به هذا؟ قال: هذا عمٌّهُ عبد العزى, قال: فلمَّا أسلم النَّاسُ وهاجروا خرجنا من الرَّبَذةِ نريد المدينة نَمتَارُ من تَمرِهَا, فلما دنونا من حيطانِها ونخلِها, قلنا: لو نزلنا فلبسنا ثياباً غيرَ هذه, إذا رجلٌ في طِمرين(4) له, فسلَّمَ, وقالَ:(مِن أين أقبل القومُ؟) قلنا: مِنَ الرَّبَذَةِ. قال: (وأين تريدون؟), قلنا: نريد هذه المدينةَ, قال: (ما حاجتكم فيها؟) قلنا: نمتارُ من تمرِها, قال(5): ومعَنا ظعينةٌ(6) لنا, ومعنا جمل أحمر مخطوم, فقال: (أتبيعون جملَكم هذا ؟) قالوا: نعم بكذا وكذا صاعاً من تمرٍ,, قال: فما استوضعنا مما قلنا شيئاً, فأخذ بخطام الجمل فانطلق, فلمَّا توارى عنا بحيطان المدينة ونخلِها, قلنا: ما صنعنا والله ما بعنا جملنا ممن نعرف, ولا أخذنا له ثمناً, قال تقول المرأة التي معنا: والله لقد رأيتُ رجلاً كأن وجهه شقة القمر ليلة البدر, أنا ضامنةٌ لثمنِ جملِكم.(7) وفي روايةِ ابنِ إسحاقَ, قالتِ الظَّعينةُ: فلا تَلاوموا, فلقد رأيتُ وجه رجلٍ, لا يغدرُ بكم, ما رأيت شيئاً أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهِهِ, فبينما هم كذلك إذ أقبل رجلٌ, فقال: أنا رسولُ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-إليكم, هذا تمرُكم, فكُلوا, واشبعُوا, واكتالُوا, واستوفُوا فأكلنا حَتَّى شبعنا, واكتلنا واستوفينا, ثم دخلنا المدينةَ, فدخلنا المسجدَ, فإذا هو قائمٌ على المنبر يخطبُ الناسَ, فأدركنا من خطبتِهِ, وهو يقولُ: (تصدَّقوا فإنَّ الصدَقَةَ خَيرٌ لكم, اليَدُ العُليا خيرٌ من اليد السٌّفلى, أُمَّكَ وأَبَاك وأُختَكَ وأخَاكَ وأدنَاكَ أدنَاك(8)) إذ أقبل رجلٌ من بني يربوع, أو قال من الأنصار, فقال: يا رَسُولَ اللهِ! لنا في هؤلاء دماء في الجاهلية, فقال: (إنَّ أُمَّاً لا تَجني عَلَى وَلَدٍ,(9)) ثلاثَ مَرَّاتٍ,(10).
في قدوم وفد تُجيب(11) على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-
قدم على رَسُول اللهِ–صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وفد تُجِيب، وهم من السَّكُون، ثلاثة عشر رجلاً, قد ساقوا معهم صدقاتِ أموالهم التي فرض الله عليهم, فَسُرَّ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بهم وأكرم منزلهم, وقالوا: يا رَسُول اللهِ سقنا إليك حق الله في أموالنا, فقال رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-:(رُدٌّوها فاقسموها على فقرائكم) قالوا: يا رَسُول اللهِ ما قدمنا عليك إلا بما فَضَل عن فقرائنا. فقال أبو بكر: يا رَسُول اللهِ ما وفدٌ من العرب بمثل ما وفد به هذا الحي من تُجيب. فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (إن الهدى بيد الله -عز وجل-, فمن أراد به خيراً شرح صدره للإيمان)، وسألوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- أشياء فكتب لهم بها, وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن, فازداد رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-فيهم رغبة, وأمرَ بلالاً أن يُحسن ضيافتَهم فأقاموا أياماً, ولم يُطيلوا اللَّبثَ, فقيل لهم: ما يُعِجلُكم ؟ فقالوا: نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وكلامِنَا إياه وما ردَّ علينا. ثم جاؤوا إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-يُودِّعونه, فأرسل إليهم بلالاً, فأجازهم بأرفع ما كانَ يُجيز به الوفود. قال: (هل بقي منكم أحدٌ ؟) قالوا: نعم. غلام خلَّفناه على رِحالنا هو أحدُثنا سِنَّاً قال: (فأرسلوه إلينا), فلما رجعوا إلى رحالهم قالوا للغلام: انطلق إلى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فاقض حاجتك منه, فإنا قد قضينا حوائجنا منه وودَّعنَاه فأقبلَ الغلامُ حَتَّى أتى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فقال: يا رَسُول اللهِ إني امرؤ من بني أَبذَى -قال الواقدي: هو أبذى بن عدي، وأم عدي تُجيب بنت ثَوبان بن سُليم بن مَذحِج، وإليها يُنسبون- يقول الغلام: من الرهط الذين أتوك آنفاً فقضيتَ حوائجهم, فاقضِ حاجتي يا رَسُول اللهِ. قال: (وما حاجتك؟), قال: إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي, وإن كانوا قدموا راغبين في الإسلام, وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم, وإني والله ما أعملني(12) من بلادي إلا أن تسأل الله -عز وجل- أن يغفر لي, ويرحمني, وأن يجعل غناي في قلبي, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وأقبل إلى الغلام: (اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه), ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه, فانطلقوا راجعين إلى أهليهم, ثم وافوا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في الموسم بمنى سنة عشر فقالوا: نحن بنو أبذى, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (ما فعل الغلام الذي أتاني معكم؟) قالوا: يا رَسُول اللهِ ما رأينا مثله قط, ولا حُدثنا بأقنعَ منه بما رزقه الله, لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر ولا التفت إليها. فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعاً)(13) فقال رجل منهم أو ليس يموت الرجل جميعاً يا رَسُول اللهِ ؟ فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (تَشَعَّبٌّ أهواؤه وهمومُه في أودية الدنيا, فلعلَّ أجلَه أن يُدركَه في بعض تلك الأودية, فلا يبالي الله -عز وجل- في أيها هلك). قالوا: فعاش ذلك الغلام فينا على أفضل حال وأزهدِه في الدنيا وأقنعِه بما رُزق, فلما توفي رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- ورجعَ من رجعَ من أهل اليمن عن الإسلام, قام في قومه فذكرهم الله والإسلام, فلم يرجع منهم أحد, وجعل أبو بكر الصديق يذكره ويسأل عنه حَتَّى بلغه حاله وما قام به فكتب إلى زياد بن لبيد يوصيه به خيراً(14).
قدوم وفد بني سعد هذيم من قضاعة على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-
قدم على رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ -بنو سعد هذيم، من قضاعة في سنة تسع.
ذكره الواقدي عن ابن النعمان عن أبيه من بني سعد هذيم, قال: قدمت على رَسُول اللهِ- صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-وافداً في نفر من قومي, وقد أوطأ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- البلاد غلبةً وأذَاخَ(15) العربَ, والنَّاسُ صنفان, إما داخل في الإسلام راغب فيه, وإما خائف من السيف, فنزلنا ناحية من المدينة, ثم خرجنا نؤمٌّ المسجدَ, حَتَّى انتهينا إلى بابه, فنجدُ رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- يُصلَّي على جنازة في المسجد, فقمنا خلفَه ناحيةً, ولم ندخل مع النَّاس في صلاتهم, حَتَّى نلقى رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- ونبايعه, ثم انصرف رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فنظرَ إلينا, فدعا بنا فقال: (من أنتم ؟) فقلنا: من بني سعدِ هُذيم, فقال: (أمسلمون أنتم؟), قلنا: نعم. قال: (فهلا صَلَّيتم على أخيكم؟) قلنا: يا رَسُول اللهِ ظننا أن ذلك لا يجوز لنا حَتَّى نبايعك, فقال رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: (أينما أسلمتم فأنتم مسلمون), قالوا: فأسلمنا وبايعنا رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-على الإسلام, ثم انصرفنا إلى رِحالنا, قد خلَّفنا عليها أصغرَنا, فبعثَ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-في طلبنا, فأُتي بنا إليه, فتقدَّمَ صاحبُنا إليه فبايَعه على الإسلام. فقلنا: يا رَسُول اللهِ إنه أصغرُنا وإنه خادُمنا. فقال: (أصغر القوم خادمهم, بارك الله عليه) قال: فكان والله خيرَنا وأقرأنا للقرآن, لدعاء رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-له, ثم أمَّرهَ رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-علينا, فكان يَؤمٌّنَا, ولما أردنا الانصراف أمرَ بلالاً فأجازَنا بأواقٍ, من فضة, لكلَّ رجل منا, فرجعنا إلى قومنا, فرزقهم الله الإسلام(16).
1 - رواه الحاكم في مستدركه، (3/55) وقال هذا صحيح.
2 - راجع: سيرة ابن هشام 2/ 573، 575. وابن سعد 1/ 299. وأخرجه أحمد وغيره .
3 - البخاري، الفتح( 1/ 179) رقم (63) كتاب العلم، باب ما جاء في العلم وقوله تعالى\" وقل ربي زدني علما\".
4 - طمرين بكسر الطاء : أي ثوبين خلقين أو كساءين باليين من غير الصوف.
5 - القائل هو طارق بن عبد الله.
6 - الظعينة: امرأة في هودج سميت بذلك ولو كانت في بيتها لأنها تصير مظعونة أي يظعن بها زوجها.
7 - راجع: الدلائل : للبيهقي 5/381.
8 - رواه الطبري في المعجم الكبير، (8/314).
9 - أخرجه الحاكم في \" المستدرك\" 2/ 611 وقال الأرنؤوط في زاد المعاد: وسنده قابل للتحسين وصححه ووافقه الذهبي.
10 - انظر : زاد المعاد في هدي خير العباد 3/ 649- 650.
11 - بضم التاء وفتحها: بطن من كندة.
12 - ما أعملني : ما حثني وساقني.
13 - الطبقات الكبرى 1/ 323، وفيها \" أن نموت\". والسيرة الشامية 6/ 434-435.
14 - راجع: عيون الأثر في فنون الشمائل والمغازي والسِّير. 2/ 329- 330.
15 - أذاخ: بالذال المعجمة: قهر واستولى.
16 - راجع: عيون الأثر 331-331.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد