إنَّ غزوة بدرٍ, الكبرى مليئةٌ بالدٌّروسِ والعِبَرِºوذلك لكثرةِ أحداثِهاºولأنَّها أولُ معركةٍ, بين الحقِّ والباطلِ، ومِن هذه الدٌّروسِ والعِبَرِ مَا يَلِي:
1. العمل بقاعدة جزاء السيئة سيئة مثلها،إذ طردت قُرَيشٌ المؤمنين،وصادرت أموالَهم،فاعتراض عيرها لأخذ ما معها من أموال,كان عدلاً لاظُلمَ فيه.
2. الأخذُ بمبدأ الدفاعِ عن النَّفسِ عَمَلاً بقولِهِ-تعالى-:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصرِهِم لَقَدِيرٌ}سورة الحج(39).
3. لا إثمَ ولا عقابَ على تركِ المندوبِ من الأقوالِ والأعمالِºإذ لم يعتب على الذينَ لم يخرجُوا إلى غزوةِ بدرٍ,،لكونِ الطلبِ كَانَ نَدباً لا وجُوبَاً.
راجع: \"هذا الحبيب محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- يا محب \" صـ (239).
4. ما فعله النَّبيٌّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-من مبدأ الشٌّورى مع أصحابِهِ,جَعَلَهم صَفَّاً وَاحِداً أمام العدو،فقد توحَّدت الجبهةُ الإسلاميةُ تماماً،ولم يعد هناكَ خوفٌ من نُشُوبِ خلافٍ, بين الذين خرجُوا للحصولِ على ما في القافلةِ،ولم يخرجوا للقتال،ولم يعد هناك داعٍ, للتفكير في موقف أهل المدينة من قرارِ خوضِ المعركةِ بعد أن تكلَّم باسمهم أحدُ زعمائِهم مُؤيِّداً ما يعملُهُ الرَّسُولُ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-دُونَ أن يُخالِفَهُ أحدٌ من الأنصارِ،ويكون بذلك قد تقرر موقفُ الأنصارِ عُمُوماً من السِّياسةِ الخارجيةِ للدولةِ الإسلاميةِ.ونستطيع بعد ذلك أن نقول: إنَّ المسملين كانُوا ملتفين حولَ قيادتِهم،مُؤيِّدين لها في كُلِّ خُطوةٍ, تتخذها حيالَ المعركةِ، كذلكَ كانَ الجنودُ متآخينَ مُتحابينَ،غايتُهم واحدةٌ وهدفُهم واضحٌ.
5. راجع: \"تأملات في سيرة الرَّسُول \" صـ (131).
6. وجوب مُراعاة العهود والمواثيق والالتزام بها، تجلَّى هذا في طلب النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- بيانَ موقفِ الأنصارِ من القتالِ معه فيما لو حدث قتالٌ بعدَ نجاةِ العيرِ.
7. بيانُ فضلِ أبي بكرٍ,, وعمرَ, والمقدادِ بن عمروٍ,, وسعدِ بن معاذ،تجلَّى ذلك من كلماتهم التي قالُوها لرَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-عند طلبِهِ المشورةَ مِن أفرادِ أصحابِهِ،حيثُ قَرَّت بذلك عينا النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-.
8. من ضروريات الحرب بثٌّ العيونِ للتعرفِ على تحركاتِ العدو،وعلى أماكن وجودِهِ،وتقدير قواته،وحزر ما قوته،ومعرفة مدى ما تقدر عليه.
9. مشروعية استعمال الرٌّموز والمعاريض والتورية في الكلام في حالة الحرب والتعمية على العدو، وقطع الطرق عليه،والحيلولة بينه وبين المرافق التي قد ينتفع بها في شأن غاراته،والزحف بقواته.
10. تقرير مبدأ:لا مُوالاة بين الكافر والمؤمن،إذ قاتلَ الرجلُ ولدَهُ,وقاتل أباه,وقاتل ابنَ عمِّه في المعركةِ.
11. تجلِّي بعضِ الآياتِ التي تدلٌّ على نبوةِ سيدنا محمَّدٍ,،وذلك يتجلَّى من تأييدِ اللهِ له،وقتال الملائكة معه،وإصابة جيش المشركين بكاملة بالتمزق والهزيمةºعندما أخذ حفنةً من الحصا فرمى بها المشركين،وانقلاب العصا سيفاً صارماً في يد عُكَّاشة بن محصن,قاتل به طوال حياته عندما دفعه النَّبيٌّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-إليه.
12. خذلان الشيطان إخوانه من المشركين،إذ فرَّ هَارِبَاً لمَّا رأى الملائكةَ في ساحةِ المعركةِ بعدَ أن أجارَهم,ودَخَلَ المعركةَ مَعَهُم.
13. بيانُ هَلَاكِ المستهزئينَ مِصدَاقاً لقولِ اللهِ-تعالى-لرسولِهِ-وهو في مكة-:{إنا كفيناك المستهزئين}سورة الحجر(95)،إذ هَلَكَ بالمعركةِ جُلٌّهم كأبي جهلٍ,,وعُتبة،و أمية,والوليد وعُقبة بن أبي مُعَيط.
14. وجوبُ ردِّ الخلافِ إلى اللهِ-عَزَّ وجَلَّ-،والرَّسُولِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- في كُلِّ ما يشجرُ بين المسلمِ والمسلمِ،إذِ الخلافُ الذي تَمَّ في شأنِ الغنائمِ رُدَّ إلى اللهِ والرَّسُولِ,وقَضَى اللهُ-تعالى-فيه بما هُو العدلُ والخيرُ.
15. مشروعيةُ فداءِ الأسرى,أو قتلِهم,أو المنِّ عليهم،إذ رُدَّ هذا إلى الإمامِ يحكمُ بما فيه خيرٌ للإسلامِ والمسلمينَ.
16. موافقةُ عُمَرَ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-رَبَّه في أسرى بدرٍ,،إذ كان قتلُهم أولى من فدائِهم.
17. تجلِّى الرحمةِ المحمديةِ في وصيَّتِهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- بالأسرى خيراً،وبيان مدى طاعةِ أصحابِهِ لَهُ–صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-.
18. تقريرُ مبدأ الجوارِ في الإسلامِ،وأنَّ المسلمين يُجيرُ عليهم أدناهم،والمرأةُ في الجوارِ كالرَّجُلِ سَوَاءٌ.
19. بيان ما كان عليه العَرَبُ في الجاهلية من بعض الكمالات والأخلاق،كالأمانةِ والنَّجدةِ والفقه.
راجع: \"هذا الحبيب محمد-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-يا محب\" صـ (239-241).
20. إنَّ التأميلَ في الآخرةِ هو بِضاعةُ الأنبياءِ،وهل لأصحاب العقائد وقادة الحق من راحةٍ, إلا في جنات عدن،حيث الحياة الكاملة والنعيم التام,فقد خرج رَسُولُ اللهِ من مكانه الذي أُعدَّ له فحرَّض الصحابة قائلاً:\"والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجلٌ، فيُقتل صابراً مُحتسباً، مُقبلاً غيرَ مدبرٍ,، إلا أدخله اللهُ الجنَّةَ\".ابن هشام (3/175)تاريخ الطبري(2/33).
21. استجابةُ اللهِ-عَزَّ وجَلَّ-في هذه الغزوة المباركة دعوةَ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-على مُشركي قُرَيش،كما في حديثِ ابنِ مسعودٍ, في إلقاءِ المشركين سَلَى الجَزُورِ على ظهر النَّبيِّ الكريم-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,وهو يُصلِّي عند البيتِ،فَقَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-:\"اللهم عليك بقُرَيش\" ثلاثاً مرات.ثُمَّ سَمَّى:\" اللهم عليك بأبي جهل،وعليك بعُتبة بن ربيعة,وشَيبة بن ربيعة،والوليد بن عُتبة،وأُمية بن خَلَف،وعُقبة بن أبي مُعَيط \".صحيح مسلم،(3/1418)(1794)،كتاب الجهاد والسير،باب مالقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين. فقُتِلَ هؤلاء الستةُ يومَ بدرٍ,، وأقرَّ اللهُ-عَزَّ وجَلَّ-عينَ نبيِّهِ بهلاكِهم,وتحقق قولُهُ-عَزَّ وجَلَّ-:{إنَّا كفيناك المستهزئين} سورة الحجر(95).
راجع:\"وقفات تربوية \"صـ (193).
22. لقد أثَّرت هذه الغزوةُ بالنبسة للدعوة،فقد انضمت أعدادٌ جديدةٌ للإسلامِ في المدينةِ وبعض الشخصيات من مكَّة وحَتَّى بدر،فقد كان عبدُ الله بن أُبي يقود معسكرَ الكفار في المدينةِ،وأما بعد نصر بدر فقد اتجه إلى الإسلامِ أعداد من المنافقين،أسلموا وحَسُن إسلامُهم، وأسلم عُمير بن وهب- شيطان قُرَيش-،وأبو عَزيز بن عُمير-صاحب لواء المشركين-يدخل في الإسلام بعدما بهره خلق المسلمين في تعاملهم معه،والسائب بن عبيد أسلم يوم بدر. راجع:\"فقه السير النبوية \"منير الغضبان صـ (434).
23. الذين شاركوا في معركة بدر من المسلمين هم أفضلُ المسلمينºلقولِ الرَّسُولِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-:\"لعلَّ الله اطَّلع على أهلِ بدرٍ,،فقال:اعملُوا ما شئتُم،فقد وجبت لكم الجَنَّة،أو قد غفرتُ لكم \". البخاري، الفتح، كتاب المغازي, باب فضل من شهد بدراً رقم (3983)..وجاء جبريلُ إلى النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,فَقَالَ:\"ما تعدٌّون أهلَ بدرٍ, فيكم،قال:من أفضلِ المسلمينَ\" أو كلمةً نحوها,قَالَ:\"وكَذَلِكَ مَن شَهِدَ بَدرَاً مِنَ المَلَائِكَةِ \". البخاري، الفتح- كتاب المغازي- باب شهود الملائكة بدراً رقم (3992).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
تقديرا للمجهودات المبذولة
21:16:51 2021-11-12