\"مؤلف كتاب (محمد,الرسالة والرَّسُول) الدكتور نظمي لُوقا،وهو من أقباط مصر- من مدينة السويس الباسلة(1)-وكتابُهُ هذا يُذكِّرنا بأسلوب( توماس أرنولد) في كتابِهِ \"الدعوة إلى الإسلام\"، وما زَعَمَهُ من تجردٍ, وحيادٍ, وموضوعيةٍ,. أعرب (لوقا) في كتابه عن إعجابه الشَّديدِ بدينِ الإسلامِ ونبيِّ الإسلامِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ - وندد بأقوالِ وادعاءاتِ الذين يُنكرون أن يكونَ القرآنُ كلامَ اللهِ-سبحانه وتعالى-. والحقٌّ يُقَالُ: إنَّ الكتابَ حَوَى بين دفتيهِ كَلَاماً أكثرَ رقةً من الحريرِ ... ومن خلال هذا الاعتدالِ والعواطفِ الجيَّاشةِ عمدَ المؤلفُ إلى وضعِ السٌّمِّ في الدَّسَمِ وإلى الاصطيادِ في الماءِ العَكِرِº وهذه الأدلة على ذلك:
جاء في مُقدِّمةِ الكتابِ: \"إلى روح مهاتما غاندي ، الذي كان يُصلِّي بصفحاتٍ, من البرهما بوترا، وآياتٍ, من التَّوراةِ والإنجيلِ والقُرآنِ\" (ص: 7).كما أهدى كتابَهُ إلى رُوحِ (محي الدين بن عربي) من متصوفةِ الإسلامِ. (ص: 21).وقال عن إخناتون: وارتفعت في مصرَ صيحةُ التَّوحيدِ من قلب ذلك الرَّائدِ الرٌّوحيِّ الفذ إخناتون، ومن قبل صيحة إخناتون ما تضمنته أشعارُ الهنودِ في سَبَحَاتِهم الرٌّوحيةِ العَاليةِ. (ص:31).
تعـليـــــــق:
حقاً لا نرى فرقاً كبيراً بين محي الدين بن عربي وغاندي أو إخناتون، ولكن هل أقفر التاريخُ الإسلاميّ من الرِّجالِ الأعلامِ، ولم يجد لوقا مَن يُهدي إليه كتابَهُ إلا ابنَ عربيٍّ,؟!!
ومِن ثَمَّ كيف يجمع هذا القبطيٌّ بين الإسلامِ وبني قومه، والهندوسِ وغيرِهم من الكُفَّارِ والمشركين؟!
يقول في شرح وجهة نظره:\" إنَّ لُبابَ الدين كُلِّه واحدٌ عند مَن ينفذُون إلى الجوهرِ وينبذون القشورَ\" وتراه في موضعٍ, آخرَ يدافع بحرارةٍ, عن أفكارِهِº فيزعم أنَّ معانيَ سُورةِ الصَّمَدِ من القُرآنِ الكريمِ لا تختلفُ عن معاني مقالةِ اللامِ لأرسطو في تنزيه الله\".(ص: 43).وعن أسرارِ عبادةِ البقرِ يقولُ بحذرٍ, وتحفظ: \"....فاتخذ الدَّهماءُ البقرةَ معبُوداً، وإنما المراد أصلاً هو إظهارُ التعاطفِ بين الإنسانِ وإخوتِهِ في الحياةِ ممن هم أدنى منه في رُتبةِ الخلقِ،وليس في نظرهم أحرى من البقرةِ بهذا الإخاءºلأنها تخدمُ الإنسانَ,وليس له أن يخشى منها أذى (ص: 32).
وإذا كان الهندوسُ قد أظهروا التعاطفَ مع البقرِ, فلا أدري مع من يتعاطف - الدكتور لوقا- من الحيوانات؟! بل لا أدري ما علاقة مثل هذه السفاسف التي يتحدث عنها بموضوع الكتاب الذي أسماه(محمد , الرسالة والرَّسُول ) ؟!
وإذا كان الأقباط في صعيد مصر يقبلون منه قولَهُ بأن مقالة اللام لأرسطو في تنزيه الله تعالى لا تختلف عن معاني سورة الصمد في القرآن... فالمسلمون في مصر وغيرها يعلمون من غير شَكٍّ, ولا ريب بأنَّ دينَهم الذي ختم اللهُ به الأديانَ لا يُشبه أيَّ دينٍ, آخر, سواء كانَ دينَ المغضوبِ عليهم من اليهودِ أو دين الضَّالينَ من النَّصارى ، أمَّا أرسطو وسقراط ( لوقا إذا ذكر سقراط,قال سيدنا سقراط،انظر صفحة 16) ، فقد وفقا في معرفة بعض معاني الربوبية ، وهذه المعرفة لا تساوي شيئاً إذا كان الإنسانُ غيرَ منقادٍ, لله في كُلِّ أمرٍ, من أمورِ حياتِهِ.
وبعد هذا الحديث الممل عن أديان سواد الناس ودهمائهم ينتقل (لوقا) إلى الحديث عن عقيدة النصارى,فيزعم أنها للأفرادِ الأفذاذِ ، وليس لسواد الناس، وأنَّ البشرية لم تنضج لهذا الدَّور... ولم يستطع هذا السواد الارتفاعَ إلى المستوى الروحيِّ العاليِّ. (ص: 38).
وهذه عقليةُ اليهودِ في الحديثِ عن دينِهم , وليست عقليةَ النَّصارى،فهل يكون الدِّينُ عند لوقا ديناً طبقياً أو عنصرياً؟! ربما يردٌّ علينا مُحبٌّو لوقا قائلين: لقد قال المؤلِّفُ كلامَهُ في صدد نقده لعقيدةِ وتصوراتِ النَّصارى !!
وجوابنا على ذلك : إنه مدحٌ بما يُشبه الذَّمَّ,كقولِ الشَّاعرِ:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهم فلول من قراع الكتائب
ولوقا يقول : لم يستطع سوادُ الناسِ الارتفاع إلى المستوى الذي يُؤهِّلُهم لاعتناق عقيدة النصارى º لأنَّها للأفرادِ الأفذاذِ !! أمَّا الصَّعاليكُ ودَهماءُ النَّاسِ وسوادهم , فلهم عقائدُ تتناسبُ مع ما هم عليه من تخلف وهمجية !! وهذه هي أساليبُ الذين يتظاهرون بالاعتدال من المبشِّرين والمستشرقين ودُعاةِ التغريب.
ويقول عن النصرانية - أيضاً - : \" إنها تجعل المعشوقَ الأسمى الذي يتجه إليه وجدانُ كُلِّ إنسان، فيتلاشى من قلبه حُبٌّ كُلِّ معشوق سواه . ولا يبقى للحِسِّ وجاهه سلطانٌ على قلبِ ذلك المحبِّ ، ولا للطقوس قيمة \". ( ص : 37).
عند أصحاب الحلول ووحدة الوجود من النصارى وغلاة الباطنيين ليس للطقوس - أي العبادة - قيمة ... أما نحن - المسلمين - فأهم ما يميزنا عن غيرنا عبودية الله -سبحانه وتعالى - ، والاستسلام لأوامرِهِ ، واجتنابِ نواهيهِ.
وفي القسم الأخير من الكتاب يتظاهر(لوقا) بالدِّفاعِ عن الإسلام والردِّ على أعدائه، فيزعم أنَّ قُوامةَ الرَّجُلِ على المرأةِ لها سببانِ: أولهما النَّفقةُ،وثانيهما العِلمُ،وإذا كانتِ المرأةُ مُتعلِّمةً، وهي تنفقُ على زوجِها,تُصبح القوامةُ لها.(ص: 65). ولم يقل لنا (لوقا) من جاء بهذه الفتوى؟!
ويقول عن تعدد الزوجات: \" وبحسبي أن أُشيرَ- هنا - إلى ما يذهب إليه المعتزلةُ من تحريم زواجِ الرَّجُلِ بثانيةٍ, º مادامتِ الأُولى في عصمتِهِ º لما في ذلك من المضارَّةِ للزوجة , وهي سيئةٌ لا يستحسنُهَا العقلُ ... وهذا في اعتقادي من بابِ السٌّمو الذي يحضٌّ القرآنُ عليه , إذ أشارَ إلى الاكتفاءِ بواحدةٍ, خِيفةَ الظٌّلمِ الذي لا مناصَ منه في حالة التَّعددِ\". (ص: 74).
ويزعم لوقا أنَّ العدلَ مع التعدد مستحيلٌ º لأنَّهُ ليس قاصِراً على النَّفقةِ ، وإنما يشملُ النفقةَ والمحبةَ.
والخلاصة :لم يكن لُوقاً صَادِقاً فيما زَعَمَهُ مِن حيادٍ,، بل لم يكن صَادِقاً فيما ادَّعاهُ مِن محبةٍ, للرسولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ - والدِّينِ الذي ابتعثَهُ اللهُ به.
وليس في كتابِهِ موضوعيةٌ ولا علمٌ،ولا نقولُ عنه إلا ما قُلناهُ عن أرنولد وغيرِهِ من الذين يرفعون شعارَ الاعتدالِ(2).
1 - مدينة السويس مدينة مصرية تقع على \"قناة السويس\", وقد دمرها العدو الصهيوني في نكسة(1967م), وقد وقفت ببسالة وصمود أمام العدو الصهيوني , ووقعت فيها معارك طاحنة مشرفة كبدت فيها العدو الصهيوني خسائر عظيمة, ولقنته درساً لا ينساه في بسالة المسلمين في الدفاع عن أرضهم ووطنهم.
2 - راجع: كتاب \"دراسات في السِّيرة النَّبَويَّة\": محمد سرور(190-192).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد