تأتي المصادرُ التكميليةُ بعد القرآنِ الكريمِ والحديثِ الشَّريفِ وكتبِ السِّيرةِ المختصَّةِ من حيث الدِّقة والأهمية، وهي تكمل معالم الصٌّورة، وتملأ بعضَ الثَّغراتِ التي ظلَّت باقيةً بعدَ استيفاءِ المصادرِ الأصليةِ.
أولاً كتب معرفة الصَّحابة:
كتب معرفة الصَّحابة تترجم للجيل الذي عاش أحداثَ السِّيرةِ، فتُقدِّم معلومات تاريخية موثَّقةً، وإن كانت مُشتتةً وقليلةً، بعضُها يتناولُ أنسابَهم ,وبعضُها يتناولُ أخبارَهم، وبقية كتب التراجم والرِّجال (إضافة لكتب معرفة الصَّحابة) تفيد في التعريفِ برجالِ أسانيدِ كتبِ السِّيرةِ, مما له أثرٌ كبيرٌ في دراسةِ مواردِ تلكَ الكتبِ وفي التمكن من نقدِ أسانيدِه1.
ثانياً المؤلفات في تاريخ الحرمين الشريفين:
أفرد بعضُ العلماء كتباً خاصَّة في تاريخ مكة والمدينة وما يتعلَّق بهما من أخبار وآثار قبل الإسلام وبعده. ومن أهمِّ الكتب المطبوعة في هذا:
(تاريخ مكة) لأبي الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي (ت 250هـ). وقد قام بتحقيقِهِ الشَّيخُ رشدي الصالح ملحس. أما الكتب غير المطبوعة في تاريخ الحرمين، فمثل كتاب ابن النجار أبي عبد الله البغدادي محمد بن محمود بن الحسن ابن هبة الله: (تاريخ مكة وما جاء فيها من الآثار)، أما كتابه: (الدرة الثمينة في أخبار المدينة)، فقد نشره مُحققاً صالح محمد جمال بمكة عام 1966م بعنوان: (أخبار مدينة الرَّسُول وتاريخ مكة) للفاكهي (ت 280هـ)، وقد طبع وستنفيلد زياداته2 على الأزرقي. وله مخطوطات في بعض الخزائن. طبع مصوراً في بيروت سنة 1964. وقد حققه عبد الملك بن دهيش عام 1407هـ. و(تاريخ المدينة) لابن زبالة (ت قبل سنة 200هـ) و(تاريخ المدينة) لابن بكار (ت 256هـ). و(تاريخ المدينة) لعمر بن شبة (ت 262هـ), وقد طبعه الشيخ السيد حبيب محمود أحمد – ناظر أوقاف المدينة المنورة. بتحقيق فهيم شلتوت سنة 1399هـ/ 1979م ,وفيه مادة غزيرة في السِّيرةِ النَّبَويَّةِ.
و (شفاء الغرام بأخبار بلد الله الحرام) لمحمد بن أحمد الفاسي (ت 882هـ)، نزيل مكة ,وقد حققه في مجلدين الدكتور عمر عبد السَّلام تدمري سنة 1405هـ/ 1985م. وله أيضاً( العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين).
و(وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى) للسَّمهوديِّ (ت 922هـ), وقد طُبع أخيراً في ثلاث مجلدات، بتحقيق محمد محيي الدِّين عبد الحميد.
وتتمٌّ الاستفادةُ من هذه المؤلَّفاتِ بعد النَّظَرِ في أسانيدِها، وتمييز صحيحِها من سقيمِها، فيُعتمدُ الصَّحيحُ ويُحتجٌّ به في مسائلِ العقيدةِ والأحكامِ، وما سوى ذلك، مثل الخطط والأوصاف والآثار، فلا ضيرَ من الاستئناسِ به على ضعفِهِ3.
ثالثاً كتب الأدب والشعر :
كتب الأدب تُلقي ضَوءاً على الحياةِ الثَّقافيةِ ومُستوى المعيشةِ وأنواع الملابس والأطعمة والعادات وغير ذلك من جوانب الحياة في عصر السِّيرةِ، والشِّعرُ خاصة يُعتبرُ وثيقةً تاريخيةً مهمة حيثُ يعكسُ الحياةَ العقليةَ والاجتماعيةَ, ويُصوِّرُ المعاركَ ويُبرزُ البطولات، ويكفي هنا الإشارةُ إلى دَورِ كلٍّ, مِن حَسَّان بنِ ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رَوَاحة في تصوير بعضِ أحداثِ السِّيرةِ، ولكن ينبغي الانتباهُ إلى أنَّ كتبَ الأدب تُعنىَ بالشَّاذِّ والغريبِ والطَّريفِ4 فتدونه أكثرَ من عنايتِها بأحداثِ الحياةِ اليومية، ومن هنا نتبين خطورةَ تعميم ما فيه5،6.
اهتم المُؤلِّفين الأقدمون بالشعر المتعلِّقِ بالأحداث، على رأسهم ابنُ إسحاق وابنُ هشام، وتابعَهم في هذا الأئمةُ بمن فيهم أمثال البُخاريّ ومسلم. إلا أنهم ساقوا الشِّعرَ للاستشهاد، وينبغي الاستيثاقُ من نسبتِهِ إلى قائليه.
ومن بين أهم كتب الأدب والشعر التي تضمنت نُصوصاً نبوية، كتب الجاحظ (ت 255هـ)، مثل (البيان والتبيين) و(الحيوان). وبعض هذه النصوص صحيحٌ7 وبعضُها مكذوبٌ8. وكتب عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276هـ)، مثل: (المعارف) و(الشعر والشعراء)،وقد كان محدِّثاً كبيراً، ومن علماء القرآن والتفسير، وأديباً عظيماً، وقد عاصر أصحابَ الكتب الستة، واشترك معهم في عديدٍ, من الشٌّيوخ. وكتاب(الكامل في اللغة والأدب)، لمحمد بن يزيد المعروف بالمُبرِّدِ، وكتب أبي بكر محمد بن القاسم بن الأنباري (ت 317هـ)، مثل كتابه: (الوقف والابتداء)، و(الأضداد).
ومن أهم كتب الأدب: (الأغاني) لأبي الفرج علي بن الحسين بن محمد القرشي الأصفهانيِّ9 (ت 356هـ)، و(العقد الفريد) لأبي عمر شهاب الدِّين أحمد بن محمد بن عبد ربِّهِ بن حبيب القرطبيِّ (ت 327هـ).
وفي كتاب (الأغاني) يسوق أبو الفرج الأخبار بالإسناد في غالب الأحوال، فاطمأنَّ كثيرٌ من الباحثين إلى رواياتِهِ دُونَ النَّظَرِ في تقويمِها، ولذا كان مرتعاً خِصباً لأهلِ الأهواءِ من المستشرقين ومَن تأثَّر بهم من أبناءِ المسلمين10، أو مَن جهل المنهجَ العلميَّ لتقويمِ المصادرِ.
لقد أُعِدَّت دراساتٌ مُعتبرةٌ حولَ كتاب (الأغاني) ومُؤلِّفه،نبَّهت إلى خُطُورةِ الثِّقةِ بهما. ومِن أبرزِ هذه الدِّراسات:
1) جولة في آفاق الأغاني: بقلم الأستاذ نذير محمد مكتبي .
2) دراسة الدكتور داود سلوم في شخصية أبي الفرج الأدبية والفكرية من خلال كتابه. وفيه دراسة لمصادره وأسانيده ونصوص رواياته وأخباره..
3) دراسة شوقي أبي خليل في كتابه: (هارون الرشيد...) الفصل الذي عنوانه: (من شوَّه سيرة الرشيد؟)، ص123-133.
4) الدكتور زكي مبارك: النثر الفني في القرن الرابع الهجري، ص 288-290.
فقد تناول جانباً من شخصية أبي الفرج وأبدى رأيه في خلقِهِ الشخصيِّ وفي كتابه من حيث هدف مؤلفه. ونبَّه إلى فكرةٍ, خاطئةٍ,، وهي اقترانُ العبقريةِ بالنَّزَقِ والطَّيشِ والخروجِ على ما ألفت الجماهير من رعاية العُرفِ والدِّين.
ونبَّه إلى أنَّ الخطرَ كلَّ الخطرِ أن يطمئنَّ الباحثون إلى أنَّ لرِّوايةِ الأغاني قيمةً تاريخيةً، وأن يُبنى على أساسها ما يشاؤون من حقائقِ التَّاريخ.
ولقد نقل ابنُ كثيرٍ, رأيَ ابنِ الجوزيِّ فيه، قال (و مثلُهُ لا يُوثقُ به، فإنَّهُ يُصرِّح في كتبِهِ بما يُوجب العشقَ ويُهوِّنُ شربَ الخمر، ورُبَّما حكى ذلك عن نفسِهِ، ومَن تأمَّل كتابَهُ رأى فيه كلَّ قبيحٍ, ومُنكرٍ,، وقد روى الحديثَ عن محمد بن عبد الله بن بطيت وخلق، وروى عنه الدارقطنيٌّ وغيره..).
أما (العقد الفريد)، ففيه فوائد عن السِّيرة، ينبغي أن تُمحَّصَ كسائرِ كتبِ الأدبِ التي تجري على منوالِهِ11.
رابعاً كتب الجغرافية التَّاريخية:
كتب الجغرافية التَّاريخية تُلقي ضَوءاً على تضاريسِ الجزيرةِ العربيةِ التي دارت فيها أحداثُ السِّيرةِ, وتُبيِّنُ مُستوى المعيشة وحاصلاتها الزراعية وتُحدد المسافاتِ بين الأماكنِ وتُوضِّح توزيع العشائر.
وهكذا، فإن المصادر التكميلية تساعد على استكمال دراسة جوانب السِّيرة وإجلاء تفاصيلها ودقائقه12. وليست كتب المستشرقين أو العلمانيين من مصادر السِّيرة النَّبَويَّة فكتاباتهم للطعن فيها والتشكيك في مصادرها، وسنتطرق لذلك إن شاء الله تعالى عند كلامنا في مبحث مناهج المُؤلِّفين، والحمد لله رب العالمين.
1 - انظر : \"السِّيرة النَّبَويَّة الصحيحة\" د.أكرم ضياء العمري (71).
2 -أي زيادات الفاكهي على الأزرقي .
3 - السِّيرة النَّبَويَّة في ضوء المصادر الأصلية د. مهدي رزق الله أحمد.(40-41).
4 - مع غض النظر عن صحته أو عدمها , فربما كان الخبر موضوعاً مكذوباً , وتجد عناية فائقة به في كتب الأدبº لغرابته وطرافته فقط .
5 - أو الاعتماد عليها , كما فعل بعضهم-كطه حسين- في الاعتماد على كتاب الأغاني ,و يزيد الطين بلة أن يُعتمد الخبر الباطل في كتب الأدب مع وجود الرِّواية الصحيحة في البُخاريّ أو مسلم أو غيرهما من كتب السنة والسيرة.
6 - انظر:\" السِّيرة النَّبَويَّة الصحيحة\": د.أكرم ضياء العمري (71).
7 - مثل ما اشتهر في كتب الأدب أن النبي - –صلى الله عليه وسلم- قال: \"إن من البيان لسحراً \" , وهو حديث صحيح, رواه البخاري برقم (4749) كتاب النكاح، باب الخطبة ورواه مسلم برقم 1437 كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة.
8 - مثل ما اشتهر في كتب الأدب والبلاغة من أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: \" أنا أفصح من نطق بالضاد, بيد أني من قريش\" , ولا يصح . قال في اللآلئ معناه صحيح، ولكن لا أصل له كما قال ابن كثير وغيره من الحفاظ ، وأورده أصحاب الغريب ولا يعرف له إسناد، .... ومثله أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، أورده أصحاب الغرائب ولا يعلم من أخرجه ولا إسناده انتهى المرجع:كشف الخفاء ومزيل الإلتباس عما اشتهر منالأحاديث على ألسنة الناس للجراحي (1/232) .
9 - يُقال \" الأصبهاني\" بالنون , و\" الأصفهاني\" بالفاء, وكلاهما صحيح .
10 - مثل \" طه حسين \" الأديب المصري المعروف الذي تولى مناصب عدة في مصر , منها وزارة المعارف , ويلقب بـ\"عميد الأدب العربي\" .راجع: عودة الحجاب لمحمد بن إسماعيل المقدم(1/177-188) وللمزيد راجع كتاب طه حسين حياته وفكره في ميزان الإسلام، وكتاب محاكمة فكر طه حسين . وكلاهما للأستاذ أنور الجندي \"
11 - السِّيرة النَّبَويَّة في ضوء المصادر الأصلية د. مهدي رزق الله أحمد.(44- 46).
12 - انظر السِّيرة النَّبَويَّة الصحيحة د.أكرم ضياء العمري (71).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد