طلحة بن عبيد الله
أَحَدُ العَشَرَةِ المَشهُودِ لَهُم بِالجَنَّةِ، لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.
كَانَ مِمَّن سَبَقَ إِلَى الإِسلاَمِ، وَأُوذِيَ فِي اللهِ، ثُمَّ هَاجَرَ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ غَابَ عَن وَقعَة بَدرٍ, فِي تِجَارَةٍ, لَهُ بِالشَّامِ، وَتَأَلَّمَ لِغَيبَتِهِ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِسَهمِهِ، وَأَجره.
كَانَت يَدُهُ شَلاَّءَ مِمَّا وَقَى بِهَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَومَ أُحُدٍ,.
يوم أحد
قَالَ ابنُ أَبِي خَالِدٍ,: عَن قَيسٍ,، قَالَ:
رَأَيتُ يَدَ طَلحَةَ الَّتِي وَقَى بِهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَومَ أُحُدٍ, شَلاَّءَ.
عَن جَابِرٍ,، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ,، وَوَلَّى النَّاسُ، كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِي نَاحِيَةٍ,، فِي اثنَي عَشَرَ رَجُلاً، مِنهُم طَلحَةُ، فَأَدرَكَهُمُ المُشرِكُونَ.
فَقَالَ النَّبِيٌّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: (مَن لِلقَومِ؟).
قَالَ طَلحَةُ: أَنَا.
قَالَ: (كَمَا أَنتَ).
فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا.
قَالَ: (أَنتَ).
فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ التَفَتَ، فَإِذَا المُشرِكُونَ.
فَقَالَ: (مَن لَهُم؟).
قَالَ طَلحَةُ: أَنَا.
قَالَ: (كَمَا أَنتَ).
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ: أَنَا.
قَالَ: (أَنتَ).
فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَم يَزَل كَذَلِكَ حَتَّى بَقِيَ مَعَ نَبِيِّ اللهِ طَلحَةُ.
فَقَالَ: (مَن لِلقَومِ؟).
قَالَ طَلحَةُ: أَنَا.
فَقَاتَلَ طَلحَةُ قِتَالَ الأَحَد عَشَر، حَتَّى قُطِعَت أَصَابِعُهُ.
فَقَالَ: حَسِّ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: (لَو قُلتَ: بِاسمِ اللهِ، لَرَفَعَتكَ المَلاَئِكَةُ وَالنَّاسُ يَنظُرُونَ).
ثُمَّ رَدَّ اللهُ المُشرِكِينَ.
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: (لَقَد رَأَيتَنِي يَومَ أُحُدٍ, وَمَا قُربِي أَحَدٌ غَيرَ جِبرِيلَ عَن يَمِينِي، وَطَلحَةَ عَن يَسَارِي).
عَن عَائِشَةَ، وَأُمِّ إِسحَاقَ بِنتَي طَلحَةَ، قَالَتَا:
جُرِحَ أَبُونَا يَومَ أُحُدٍ, أَربَعاً وَعِشرِينَ جِرَاحَةً، وَقَعَ مِنهَا فِي رَأسِهِ شَجَّةٌ مُرَبَّعَةٌ، وَقُطِعَ نِسَاهُ -يَعنِي العِرقَ- وَشُلَّت أُصبُعُهُ، وَكَانَ سَائِرُ الجِرَاحِ فِي جَسَدِهِ، وَغَلَبَهُ الغَشيُ، وَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مَكسُورَة رَبَاعِيَتُهُ، مَشجُوجٌ فِي وَجهِهِ، قَد عَلاَهُ الغَشيُ، وَطَلحَةُ مُحتَمِلُهُ يَرجعُ بِهِ القَهقَرَى، كُلَّمَا أَدرَكَهُ أَحَدٌ مِنَ المُشرِكِينَ، قَاتَلَ دُونَهُ، حَتَّى أَسنَدَهُ إِلَى الشِّعبِ.
شهيد يمشى على قدمين
عَن جَابِرٍ,، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: (مَن أَرَادَ أَن يَنظُرَ إِلَى شَهِيدٍ, يَمشِي عَلَى رِجلَيهِ، فَليَنظُر إِلَى طَلحَةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ).
عَن مُوسَى وَعِيسَى ابنَي طَلحَةَ، عَن أَبِيهِمَا:
أَنَّ أَصحَابَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا لأَعرَابِيٍّ, جَاءَ يَسأَلُهُ عَمَّن قَضَى نَحبَهُ: مَن هُوَ؟
وَكَانُوا لاَ يَجتَرِؤُونَ عَلَى مَسأَلَتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يُوَقِّرُونَهُ، وَيَهَابُونَهُ.
فَسَأَلَهُ الأَعرَابِيٌّ، فَأَعرَضَ عَنهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعرَضَ عَنهُ، ثُمَّ إِنِّي اطَّلَعتُ مِن بَابِ المَسجِدِ -وَعَلَيَّ ثِيَابٌ خُضرٌ-.
فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَينَ السَّائِلُ عَمَّن قَضَى نَحبَهُ؟).
قَالَ الأَعرَابِيٌّ: أَنَا.
قَالَ: (هَذَا مِمَّن قَضَى نَحبَهُ).
عَن عَائِشَةَ بِنتِ طَلحَةَ، عَن عَائِشَةَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: (مَن سَرَّهُ أَن يَنظُرَ إِلَى رَجُلٍ, يَمشِي عَلَى الأَرضِ، قَد قَضَى نَحبَهُ، فَليَنظُر إِلَى طَلحَةَ).
عن على رضى الله عنه
سَمِعتُ مِن فِيِّ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (طَلحَةُ وَالزٌّبَيرُ جَارَايَ فِي الجَنَّةِ).
طلحة الخير
ابتَاعَ طَلحَةُ بِئراً بِنَاحِيَةِ الجَبَلِ، وَنَحَرَ جزُوراً، فَأَطعَمَ النَّاسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: (أَنتَ طَلحَةُ الفَيَّاضُ).
عَن مُوسَى بنِ طَلحَةَ، عَن أَبِيهِ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ, سَمَّاهُ النَّبِيٌّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: طَلحَةَ الخَيرَ، وَفِي غَزوَةِ ذِي العَشِيرَةِ: طَلحَةَ الفَيَّاضَ، وَيَومَ خَيبَرَ: طَلحَةَ الجُودَ.
عَن مُوسَى، عَن أَبِيهِ:
أَنَّهُ أَتَاهُ مَالٌ مِن حَضرَمَوتَ سَبعُ مَائَةِ أَلفٍ,، فَبَاتَ لَيلَتَهُ يَتَمَلمَلُ.
فَقَالَت لَهُ زَوجَتُهُ: مَا لَكَ؟
قَالَ: تَفَكَّرتُ مُنذُ اللَّيلَةِ، فَقُلتُ: مَا ظَنٌّ رَجُلٍ, بِرَبِّهِ يَبِيتُ وَهَذَا المَالُ فِي بَيتِهِ؟
قَالَت: فَأَينَ أَنتَ عَن بَعضِ أَخِلاَّئِكَ؟ فَإِذَا أَصبَحتَ، فَادعُ بِجِفَانٍ, وَقِصَاعٍ,، فَقَسِّمهُ.
فَقَالَ لَهَا: رَحِمَكِ اللهُ، إِنَّكِ مُوَفَّقَةٌ بِنتُ مُوَفَّقٍ,، وَهِيَ أُمٌّ كُلثُوم بِنتُ الصِّدِّيقِ.
فَلَمَّا أَصبَحَ، دَعَا بِجِفَانٍ,، فَقَسَّمَهَا بَينَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ، فَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ, مِنهَا بِجَفنَةٍ,.
فَقَالَت لَهُ زَوجَتُهُ: أَبَا مُحَمَّدٍ,! أَمَا كَانَ لَنَا فِي هَذَا المَالِ مِن نَصِيبٍ,؟
قَالَ: فَأَينَ كُنتِ مُنذُ اليَوم؟ فَشَأنُكِ بِمَا بَقِيَ.
قَالَت: فَكَانَت صُرَّةً فِيهَا نَحوُ أَلفِ دِرهَمٍ,.
وجَاءَ أَعرَابِيُّ إِلَى طَلحَةَ يَسأَلُهُ، فَتَقَرَّبَ إِلَيهِ بِرَحِمٍ,.
فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ لَرَحِمٌ مَا سَأَلَنِي بِهَا أَحَدٌ قَبلَكَ، إِنَّ لِي أَرضاً قَد أَعطَانِي بِهَا عُثمَانُ ثَلاَثَ مَائَةِ أَلفٍ,، فَاقبَضهَا، وَإِن شِئتَ بِعتُهَا مِن عُثمَانَ، وَدَفَعتُ إِلَيكَ الثَّمَنَ.
فَقَالَ: الثَّمَن. فَأَعطَاهُ.
عَن طَلحَةَ بنِ يَحيَى، حَدَّثَتنِي جَدَّتِي سُعدَى بِنتُ عَوفٍ, المُرِّيَّةُ، قَالَت:
دَخَلتُ عَلَى طَلحَةَ يَوماً وَهُوَ خَاثِرٌ.
فَقُلتُ: مَا لَكَ، لَعَلَّ رَابَكَ مِن أَهلِكَ شَيءٌ؟
قَالَ: لاَ وَاللهِ، وَنِعمَ حَلِيلَةُ المُسلِمِ أَنتِ، وَلَكِن مَالٌ عِندِي قَد غَمَّنِي.
فَقُلتُ: مَا يَغُمٌّكَ؟ عَلَيكَ بِقَومِكَ.
قَالَ: يَا غُلاَمُ! ادعُ لِي قَومِي، فَقَسَّمَهُ فِيهِم.
فَسَأَلتُ الخَازِنَ: كَم أَعطَى؟
قَالَ: أَربَعَ مَائَةِ أَلفٍ,.
موقعة الجمل
لَمَّا خَرَجَ طَلحَةُ، وَالزٌّبَيرُ، وَعَائِشَةُ لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثمَانَ، عَرَّجُوا عَن مُنصَرَفِهِم بِذَاتِ عِرقٍ,، فَاستَصغَرُوا عُروَةَ بنَ الزٌّبَيرِ، وَأَبَا بَكرٍ, بنَ عَبدِ الرَّحمَنِ، فَرَدٌّوهُمَا.
قَالَ: وَرَأَيتُ طَلحَةَ، وَأَحَبٌّ المجَالِسِ إِلَيهِ أَخلاَهَا، وَهُوَ ضَارِبٌ بِلِحيَتِهِ عَلَى زَورِهِ، فَقُلتُ:
يَا أَبَا مُحَمَّدٍ,! إِنِّي أَرَاكَ وَأَحَبٌّ المجَالِسِ إِلَيكَ أَخلاَهَا، إِن كُنتَ تَكرَهُ هَذَا الأَمرَ فَدَعهُ.
فَقَالَ: يَا عَلقَمَةَ! لاَ تَلُمنِي، كُنَّا أَمسِ يَداً وَاحِدَةً عَلَى مَن سِوَانَا، فَأَصبَحنَا اليَومَ جَبَلَينِ مِن حَدِيدٍ,، يَزحَفُ أَحَدُنَا إِلَى صَاحِبِهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنِّي شَيءٌ فِي أَمرِ عُثمَانَ مِمَّا لاَ أَرَى كَفَّارَتَهُ إِلاَّ سَفكَ دَمِي، وَطَلَبَ دَمِهِ.
والَّذِي كَانَ مِنهُ فِي حَقِّ عُثمَانَ تَمَغفُلٌ وَتَأليبٌ، فَعَلَهُ بِاجتِهَادٍ,، ثُمَّ تَغَيَّرَ عِندَمَا شَاهَدَ مَصرَعَ عُثمَانَ، فَنَدِمَ عَلَى تَركِ نُصرَتِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- وَكَانَ طَلحَةُ أَوَّلَ مَن بَايَعَ عَلِيّاً، أَرهَقَهُ قَتَلَةُ عُثمَانَ، وَأَحضَرُوهُ حَتَّى بَايَعَ.
استشهاده
التَقَى القَومُ يَومَ الجَمَلِ، فَقَامَ كَعبُ بنُ سُورٍ, مَعَهُ المُصحَفُ، فَنَشَرَهُ بَينَ الفَرِيقَينِ، وَنَاشَدَهُمُ اللهَ وَالإِسلاَمَ فِي دِمَائِهِم، فَمَا زَالَ حَتَّى قُتِلَ.
وَكَانَ طَلحَةُ مِن أَوَّلِ قَتِيلٍ,.
وَذَهَبَ الزٌّبَيرُ لِيَلحَقَ بِبَنِيهِ، فَقُتِلَ.
عَن عَوفٍ,، حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءَ، قَالَ:
رَأَيتُ طَلحَةَ عَلَى دَابَّتِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَيٌّهَا النَّاسُ أَنصِتُوا، فَجَعَلُوا يَركَبُونَهُ وَلاَ يُنصِتُونَ.
فَقَالَ: أُفٍّ,! فَرَاشُ النَّارِ، وَذُبابُ طَمَعٍ,.
عَن حَكِيمِ بنِ جَابِرٍ, قَالَ:
قَالَ طَلحَةُ: إِنَّا دَاهَنَّا فِي أَمرِ عُثمَانَ، فَلاَ نَجِدُ اليَومَ أَمثَلَ مِن أَن نَبذُلَ دِمَاءنَا فِيهِ، اللَّهُمَّ خُذ لِعُثمَانَ مِنِّي اليَومَ حَتَّى تَرضَى.
عَن قَيسٍ,، قَالَ:
رَأَيتُ مَروَانَ بنَ الحَكَمِ حِينَ رَمَى طَلحَةَ يَومَئِذٍ, بِسَهمٍ,، فَوَقَعَ فِي رُكبَتِهِ، فَمَا زَالَ يَنسَحٌّ حَتَّى مَاتَ.
رَأَى عَلِيُّ طَلحَةَ فِي وَادٍ, مُلقَى، فَنَزَلَ، فَمَسَحَ التٌّرَابَ عَن وَجهِهِ، وَقَالَ: عَزِيزٌ عَلَيَّ أَبَا مُحَمَّدٍ, بِأَن أَرَاكَ مُجَدَّلاً فِي الأَودِيَةِ تَحتَ نُجُومِ السَّمَاءِ، إِلَى اللهِ أَشكُو عُجَرِي وَبُجَرِي.
قَالَ الأَصمَعِيٌّ: مَعنَاهُ: سَرَائِرِي وَأَحزَانِي الَّتِي تَمُوجُ فِي جَوفِي.