بسم الله الرحمن الرحيم
أسماء بنت أبى بكر
نسبها
أَسمَاءُ بِنتُ أَبِي بَكرٍ, عَبدِ اللهِ بنِ أَبِي قُحَافَةَ عُثمَانَ التَّيمِيَّةُ
أُمٌّ عَبدِ اللهِ القُرَشِيَّةُ، التَّيمِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، ثُمَّ المَدَنِيَّةُ.
وَالِدَةُ الخَلِيفَةِ عَبدِ اللهِ بنِ الزٌّبَيرِ، وَأُختُ أُمِّ المُؤمِنِينَ عَائِشَةَ، وَآخِرُ المُهَاجِرَاتِ وَفَاةً.
قَالَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ أَبِي الزِّنَادِ: كَانَت أَسمَاءُ أَكبَرَ مِن عَائِشَةَ بِعَشرٍ,.
وَتُعرَفُ: بِذَاتِ النِّطَاقَينِ.
هَاجَرَت حَامِلاً بِعَبدِ اللهِ., وَشَهِدَتِ اليَرمُوكَ مَعَ زَوجِهَا الزٌّبَيرِ., رَوَت عِدَّةَ أَحَادِيثَ. وَعُمِّرَت دَهراً.
صَنَعتُ سُفرَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيتِ أَبِي حِينَ أَرَادَ أَن يُهَاجِرَº فَلَم أَجِد لِسُفرَتِهِ وَلاَ لِسِقَائِهِ مَا أَربِطُهُمَا.
فَقُلتُ لأَبِي: مَا أَجِدُ إِلاَّ نِطَاقِي.
قَالَ: شُقِّيهِ بِاثنَينِ، فَاربِطِي بِهِمَا.
قَالَ: فَلِذَلِكَ سُمِّيَت: ذَاتُ النِّطَاقَينِ.
عَن أَسمَاءَ، قَالَت:
لَمَّا تَوَجَّهَ النَّبِيٌّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مِن مَكَّةَ، حَمَلَ أَبُو بَكرٍ, مَعَهُ جَمِيعَ مَالِهِ - خَمسَةَ آلاَفٍ,، أَو سِتَّةَ آلاَفٍ, - فَأَتَانِي جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَد عَمِيَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَد فَجَعَكُم بِمَالِهِ وَنَفسِهِ.
فَقُلتُ: كَلاَّ، قَد تَرَكَ لَنَا خَيراً كَثِيراً.
فَعَمَدتُ إِلَى أَحجَارٍ,، فَجَعَلتُهُنَّ فِي كُوَّةِ البَيتِ، وَغَطَّيتُ عَلَيهَا بِثَوبٍ,، ثُمَّ أَخَذتُ بِيَدِهِ، وَوَضَعتُهَا عَلَى الثَّوبِ، فَقُلتُ: هَذَا تَرَكَهُ لَنَا.
فَقَالَ: أَمَا إِذ تَرَكَ لَكُم هَذَا، فَنَعَم.
عَن أَسمَاءَ، قَالَت:
أَتَى أَبُو جَهلٍ, فِي نَفَرٍ,، فَخَرَجتُ إِلَيهِم، فَقَالُوا: أَينَ أَبُوكِ؟
قُلتُ: لاَ أَدرِي -وَاللهِ- أَينَ هُوَ؟
فَرَفَعَ أَبُو جَهلٍ, يَدَهُ، وَلَطَمَ خَدِّي لَطمَةً خَرَّ مِنهَا قُرطِي، ثُمَّ انصرفُوا.
فَمَضَت ثَلاَثٌ، لاَ نَدرِي أَينَ تَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِذ أَقبَلَ رَجُلٌ مِنَ الجِنِّ يَسمَعُونَ صَوتَهُ بِأَعلَى مَكَّةَ، يَقُولُ:
جَزَى اللهُ رَبٌّ النَّاسِ خَيرَ جَزَائِهِ * رَفِيقَينِ قَالاَ خَيمَتَي أُمِّ مَعَبدِ
تَزَوَّجَنِي الزٌّبَيرُ، وَمَا لَهُ شَيءٌ غَيرُ فَرَسِهِº فَكُنتُ أَسُوسُهُ، وَأَعلِفُهُ، وَأَدُقٌّ لِنَاضِحِهِ النَّوَى، وَأَستَقِي، وَأَعجِنُ، وَكُنتُ أَنقُلُ النَّوَى مِن أَرضِ الزٌّبَيرِ الَّتِي أَقطَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَأسِي، وَهِيَ عَلَى ثُلُثَي فَرسَخٍ,.
فَجِئتُ يَوماً وَالنَّوَى عَلَى رَأسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ نَفَرٌ، فَدَعَانِي، فَقَالَ: (إِخّ، إِخّ)، لِيَحمِلَنِي خَلفَهُº فَاستَحيَيتُ، وَذَكَرتُ الزٌّبَيرَ، وَغَيرَتَهُ.
قَالَت: فَمَضَى.
فَلَمَّا أَتَيتُ، أَخبَرتُ الزٌّبَيرَ، فَقَالَ: وَاللهِ، لَحَملُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِن رُكُوبِكِ مَعَهُ!
قَالَت: حَتَّى أَرسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكرٍ, بَعدُ بِخَادِمٍ,، فَكَفَتنِي سِيَاسَةَ الفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعتَقَنِي.
وَعَنِ ابنِ الزٌّبَيرِ، قَالَ: نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ فِي أَسمَاءَº وَكَانَت أُمٌّهَا يُقَالُ لَهَا: قُتَيلَةُ، جَاءتهَا بِهَدَايَاº فَلَم تَقبَلهَا، حَتَّى سَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.
فَنَزَلَت: {لاَ يَنهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِين لَم يُقَاتِلُوكُم فِي الدِّينِ...}
وَفِي (الصَّحِيحِ): قَالَت أَسمَاءُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أُمِي قَدِمَت، وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟
قَالَ: (نَعَم، صِلِي أُمَّكِ).
عَن هِشَامٍ,، أَنَّ عُروَةَ قَالَ:
ضَرَبَ الزٌّبَيرُ أَسمَاءَ، فَصَاحَت بِعَبدِ اللهِ ابنِهَا، فَأَقبَلَ، فَلَمَّا رَآهُ، قَالَ: أُمٌّكَ طَالِقٌ إِن دَخَلتَ.
فَقَالَ: أَتَجعَلُ أَمِّي عُرضَةً لِيَمِينِكَ!
فَاقتَحَمَ، وَخَلَّصَهَا.
قَالَ: فَبَانَت مِنهُ.
عَن هِشَامِ بنِ عُروَةَ: أَنَّ الزٌّبَيرَ طَلَّقَ أَسمَاءَº فَأَخَذَ عُروَةَ، وَهُوَ يَومَئِذٍ, صَغِيرٌ.
عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ,، سَمِعتُ ابنَ الزٌّبَيرِ يَقُولُ:
مَا رَأَيتُ امرَأَةً قَطٌّ أَجوَدَ مِن عَائِشَةَ وَأَسمَاءَº وَجُودُهُمَا مُختَلِفٌ: أَمَّا عَائِشَةُ، فَكَانَت تَجمَعُ الشَّيءَ إِلَى الشَّيءِ، حَتَّى إِذَا اجتَمَعَ عِندَهَا وَضَعَتهُ مَوَاضِعَهَ، وَأَمَّا أَسمَاءُ، فَكَانَت لاَ تَدَّخِرُ شَيئاً لِغَدٍ,.
قَالَ ابنُ أَبِي مُلَيكَةَ: كَانَت أَسمَاءُ تَصدَعُ، فَتَضَعُ يَدَهَا عَلَى رَأسِهَا، وتقول: بِذَنبِي، وَمَا يَغفِرُهُ اللهُ أَكثَرُ.
عَن فَاطِمَةَ بِنتِ المُنذِرِ: أَنَّ أَسمَاءَ كَانَت تَمرَضُ المَرضَةَ، فَتَعتِقُ كُلَّ مَملُوكٍ, لَهَا.
قَالَ الوَاقِدِيٌّ: كَانَ سَعِيدُ بنُ المُسَيِّبِ مِن أَعبَرِ النَّاسِ لِلرٌّؤيَا، أَخَذَ ذَلِكَ عَن أَسمَاءَ بِنتِ أَبِي بَكرٍ,، وَأَخَذَت عَن أَبِيهَا.
عن شُعَيبُ بنُ طَلحَةَ، عَن أَبِيهِ:
قَالَت أَسمَاءُ لابنِهَا: يَا بُنَيَّ، عِش كَرِيماً، وَمُت كَرِيماً، لاَ يَأخُذكَ القَومُ أَسِيراً.
قَالَ هِشَامُ بنُ عُروَةَ: كَثُرَ اللٌّصُوصُ بِالمَدِينَةِº فَاتَّخَذَت أَسمَاءُ خِنجَراً زَمَنَ سَعِيدِ بنِ العَاصِ، كَانَت تَجعَلُهُ تَحتَ رَأسِهَا.
قَالَ عُروَةُ: دَخَلتُ أَنَا وَأَخِي - قَبلَ أَن يُقتَلَ - عَلَى أُمِّنَا بِعَشرِ لَيَالٍ,، وَهِيَ وَجِعَةٌ.
فَقَالَ عَبدُ اللهِ: كَيفَ تَجِدِينَكِ؟
قَالَت: وَجِعَةٌ.
قَالَ: إِنَّ فِي المَوتِ لَعَافِيَةً.
قَالَت: لَعَلَّكَ تَشتَهِي مَوتِيº فَلاَ تَفعَل.
وَضَحِكَت، وَقَالَت: وَاللهِ، مَا أَشتَهِي أَن أَمُوتَ حَتَّى تَأتِيَ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيكَ: إِمَّا أَن تُقتَلَ فَأَحتَسِبُكَº وَإِمَّا أَن تَظفَرَ فَتَقَرَّ عَينِي، إِيَّاكَ أَن تُعرَضَ عَلَى خُطَّةٍ, فَلاَ تُوَافِقَ، فَتَقبَلُهَا كَرَاهِيَةَ المَوتِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا عَنَى أَخِي أَن يُقتَلَ، فَيَحزُنُهَا ذَلِكَ.
وَكَانَت بِنتَ مائَةِ سَنَةٍ,.
موقفها من مقتل ابنها و وفاتها
قَالَت: لَستُ لَكَ بِأُمٍّ,، وَلَكِنِّي أُمٌّ المَصلُوبِ عَلَى رَأسِ الثَّنِيَّةِ، وَمَا لِي مِن حَاجَةٍ,º وَلَكِن أُحَدِّثُكَ:
سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: (يَخرُجُ فِي ثَقِيفٍ, كَذَّابٌ، وَمُبِيرٌ).
فَأَمَّا الكَذَّابُ فَقَد رَأَينَاهُ - تَعنِي: المُختَارَ - وَأَمَّا المُبِيرُ فَأَنتَ.
فَقَالَ لَهَا: مُبِيرُ المُنَافِقِينَ.
حَدَّثَنَا أَبُو المُحَيَّاةِ يَحيَى بنُ يَعلَى التَّيمِيٌّ، عَن أَبِيهِ، قَالَ:
دَخَلتُ مَكَّةَ بَعدَ قَتلِ ابنِ الزٌّبَيرِ بِثَلاَثٍ, وَهُوَ مَصلُوبٌ، فَجَاءت أُمٌّهُ عَجُوزٌ طَوِيلَةٌ عَميَاءُ، فَقَالَت لِلحَجَّاجِ: أَمَا آنَ لِلرَّاكِبِ أَن يَنزِلَ.
فَقَالَ: المُنَافِقُ.
قَالَت: وَاللهِ مَا كَانَ مُنَافِقاً، كَانَ صَوَّاماً، قَوَّاماً، بَرّاً.
قَالَ: انصَرِفِي يَا عَجُوزُ، فَقَد خَرِفتِ.
قَالَت: لاَ -وَاللهِ- مَا خَرِفتُ مُنذُ سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: (فِي ثَقِيفٍ, كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ...) الحَدِيثَ.
و روى:
أَنَّ الحَجَّاجَ دَخَلَ عَلَى أَسمَاءَ، فَقَالَ: إِنَّ ابنَكِ أَلحَدَ فِي هَذَا البَيتِ، وَإِنَّ اللهَ أَذَاقَهُ مِن عَذَابٍ, أَلِيمٍ,.
قَالَت: كَذَبتَ، كَانَ بَرّاً بِوَالِدَتِهِ، صَوَّاماً، قَوَّاماً، وَلَكِن قَد أَخبَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ سَيَخرُجُ مِن ثَقِيفٍ, كَذَّابَانِ، الآخَرُ مِنهُمَا شَرُّ مِنَ الأَوَّلِ، وَهُوَ مُبِيرٌ.
قِيلَ لابنِ عُمَرَ: إِنَّ أَسمَاءَ فِي نَاحِيَةِ المَسجِدِ - وَذَلِكَ حِينَ صُلِبَ ابنُ الزٌّبَيرِ - فَمَالَ إِلَيهَا، فَقَالَ:
إِنَّ هَذِهِ الجُثَثَ لَيسَت بِشَيءٍ,، وَإِنَّمَا الأَروَاحُ عِندَ اللهِº فَاتَّقِي اللهَ، وَاصبِرِي.
قالت: وَمَا يَمنَعُنِي، وَقَد أُهدِيَ رَأسُ يَحيَى بنِ زَكَرِيَّا إِلَى بَغِيٍّ, مِن بَغَايَا بَنِي إِسرَائِيلَ.
عَنِ ابنِ أَبِي مُلَيكَةَ، قَالَ:
دَخَلتُ عَلَى أَسمَاءَ بَعدَ مَا أُصِيبَ ابنُ الزٌّبَيرِ، فَقَالَت:
بَلَغَنِي أَنَّ هَذَا صَلَبَ عَبدَ اللهِº اللَّهُمَّ لاَ تُمِتنِي حَتَّى أُوتَى بِهِ، فَأُحَنِّطَهُ، وَأُكَفِّنَهُ.
فَأُتِيَت بِهِ بَعدُ، فَجَعَلَت تُحَنِّطُهُ بِيَدِهَا، وَتُكَفِّنُهُ بَعدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهَا.
وَمِن وَجهٍ, آخَرَ - عَنِ ابنِ أَبِي مُلَيكَةَ -: وَصَلَّت عَلَيهِº وَمَا أَتَت عَلَيهِ جُمُعَةٌ إِلاَّ مَاتَت
وفاتها
عَنِ الرٌّكَينِ بنِ الرَّبِيعِ، قَالَ:
دَخَلتُ عَلَى أَسمَاءَ بِنتِ أَبِي بَكرٍ, وَقَد كَبِرَت، وَهِيَ تُصَلِّي، وَامرَأَةٌ تَقُولُ لَهَا: قُومِي، اقعُدِي، افعَلِي - مِنَ الكِبَرِ -.
مَاتَت بَعدَ ابنِهَا بِلَيَالٍ,، وَكَانَ قَتلُهُ لِسَبعَ عَشرَةَ خَلَت مِن جُمَادَى الأُولَى، سَنَةَ ثَلاَثٍ, وَسَبعِينَ.و كَانَت خَاتِمَةُ المُهَاجِرِينَ وَالمُهَاجِرَاتِ.