بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله وبعد:
ابن آدم هذا المخلوق الذي خلقه الله بيده، وكرمه وفضله على كثير من الخلائق فقال تعالى : (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ))(70) الإسراء، وهو الذي أسجد الله له الملائكة كلهم، وأدخل إبليس النار لأنه لم يسجد له قال تعالى: (( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ))(34) البقرة، وهو الذي سخر الله له ما في البر والبحر قال تعالى : (( ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم ))(65) الحج، كل هذه الصفات والميزات وهذه المرتبة العالية التي حباه الله إياها وغيرها تتوقف فجأة, ليتحول هذا الكائن إلى كائن آخر, ينزلق ويهوي في الدركات السفلى، وينسى المرتبة العليا التي وضعه الله فيها، فيرتد إلى أسفل سافلين قال تعالى : (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (4) ثم رددناه أسفل سافلين (5))) التين، ونتيجة لهذا الارتداد والنكوص يكون وضع الإنسان مخز, وحاله مؤلم, لتصل به الحالة ليتساوى مع الحيوانات، وما ذلك إلا نتيجة لبعض الصفات التي اتصف بها هذا الكائن, فبدلاً من أن يتصف بصفات يرتقي بها, اتصف بصفات جعلته يهوي ليصل إلى مرتبة التساوي مع الحيوانات, أو حتى يكون أضل منها قال تعالى : (( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون))(179) الأعراف، ولقد تكلم الله - سبحانه - عن صنفين من البشر, وجعلهم في مرتبة اثنين من الحيوانات التي تتصف بصفات يهزأ منها البشر، ويجعلونها من الصفات الخسيسة والدنيئة هما: الكلب والحمار قال تعالى : (( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين (175) ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون(176))) الأعراف، وقال تعالى : (( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين))(5) الجمعة، فأما الصنف الأول من البشر والذي يساوي صنفاً من الحيوانات وهو الكلب فقد اتصف بالصفات التالية:
1 – أن الله سبحانه أتاه الآيات ( البراهين والعلم )، واطلع على هذه البراهين, فهو يعرف الحق, ويعرف الباطل, لكنه وجد نفسه أنه ستتقيد حركته بهذا العلم، وأنه لن يعيش على هواه، فهناك قيود ومبادئ سوف تحكمه, لذلك ينسلخ من هذا العلم ويطرحه جانباً.
2 – مع أن الله - سبحانه وتعالى - أكد على أهمية العلم والتعلم, إلا أن هذا العلم لا يشفع لصاحبه إذا لم يكن مقروناً بالتزكية التي تجعله خالصاً لله رب العالمين, بالإضافة إلى التطبيق على الأرض، وقد يكون العلم وبالاً على صاحبه إذا لم يكن كذلك, وهذه هي الصفة الثانية التي وصف الله بها هذا الإنسان أنه ذو علم لكنه علم بلا خشية ولا تطبيق.
3- الصفة الثالثة في هذا الصنف من البشر هو أنه لا يميز بين العلم الذي ينفع وبين الإخلاد إلى الأرض، والتفلت من المبادئ والقيم فهو مثل الكلب لا يفرق بين مطاردته وبين عدمها فهو دائم اللهث.
وهذه الصفات الثلاثة في هذا المثال هي التي تجعل الإنسان ينحط من مرتبة \" ولقد كرمنا بني آدم \" إلى مرتبة \" فمثله كمثل الكلب\".
وأما الصنف الثاني من البشر والذين يشابهون حيواناً آخر وهو الحمار فيتصفون بالصفات التالية:
1 – هم قوم سهلت لهم سبل العلم والمعرفة لكنهم لم ينتفعوا بها فرموها وراء ظهورهم.
2 – يحفظون العلم في عقولهم لكن هذا العلم لا ينقلب إلى تطبيق نتيجة عدم فهمهم لما يحملون من علم، وعدم معرفتهم لأهميته، فهم مثل الحمار الذي لا يعرف قيمة الكتب التي تكون فوق ظهره.
وهاتين الصفتين هما اللتان تنقلان ابن آدم من مقام التكريم إلى مقام \" ثم رددناه أسفل سافلين \"، وبهذه الصفات وغيرها ينتقل الإنسان من مرتبة البشر إلى مرتبة أخرى هي الشبيهة بالحيوانات, وليس هذا غريباً فقد زودنا الله - سبحانه - بالقدرة على تمييز الخير من الشر، وأعطانا الحرية لنختار ما نريد، فإما أن نكون في مقام \" إن الإنسان لفي خسر \" أو مقام \" إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات \"، وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد