بسم الله الرحمن الرحيم
عندما تحتار وتسأل (من أنا) يقول لك الإسلام بصوت تملؤه الثقة: (أنت خليفة الله في الأرض) وحينما تتأمل الإجابة وتتوقف عند(في الأرض) تشعر بعظم المسئولية عن الأرض ومحيطها الجوي.
وحينما تسأل (كيف سأعيش) أو ما هي المهمة التي سأقوم بها بالضبط تسمع القرآن يهمس في أذنك: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) وإذا سألت (وما علاقتي بهذا الكون الفسيح) تسمع صوتا يقول لك: (إنه مسخر لك لتنعش به فكرك وتستفيد منه في معاشك) وعندما تتأمل أكثر يكشف لك الإسلام عن رابط قوي بينك والوجود فهو أخ لك في العبادة..نعم أخ لك (وإن من شيء إلا يسبح بحمده).بل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضرب لك مثلا في تبادل العواطف بين المؤمن وهذا الكون إذ يروي لك قصته ع ذلك الحجر الذي ظل يسلم عليه قبل الرسالة، وحينما يروي لك قصته مع جبل أحد(أحد جبل يحبنا ونحبه) تشعر بمدى العاطفة الرقيقة والشاعرية في التعامل مع هذا الكون ولا شك في أن هذه النظرة ستزيد الأفق الإبداعي والنظرات التأملية الثاقبة)
إن القرآن يلح علينا كثيرا بأن نكون أكثر وعيا بآيات الله، ف، ك تجد كلمات مثل: (يبصرون، يسمعون، يفقهون، يتفكرون، يعلمون، يتذكرون، يتقون) وكلها تدعو إلى إدراك هذا الوجود لنصل إلى الغاية وهي التقوى.
إن القرآن يعرض علينا قضايا كونية عديدة لتكون موضوعا للتفكر الذي يوصل إلى الإيمان بالله - عز وجل -. إذن أن غاية الفكر والإبداع الإسلاميين هي الوصول إلى إيمان وعبادة خالصة لوجهه - تعالى -.
والآن سأعرض تعريفي الخاص للتفكير وهو: (البحث عن جواهر الأشياء وجزئياتها المختلفة وعلاقاتها للوصول إلى الحقيقة المطلقة).
إن التدبر الذي يدعو إليه القرآن هو الخطوة الأولى في طريق التفكير العميق في هذا الكون، والتدبر في اصطلاحي: (البحث عن الإيحاءات الكامنة خلف الدلالات اللغوية للألفاظ) وأطلقت على هذا النوع من التدبر(التدبر الإبداعي).
دعوني الآن أقترح نوعين من التفكير ولأسمهما (التفكير النمطي) و(التفكير الإبداعي)، فالتفكير النمطي أقصد بذلك التفكير الارتجالي الذي لا يهتم بالتفصيلات ولا بالتفسيرات ومحصلته النهائية ستكون معرفة عادية يشترك فيها معظم الناس، فكل الناس يدركون أن التفاحة تسقط إلى أسفل وال تصعد ولكمن نيوتن وحده تجاوز هذا التفكير النمطي فبحث عن التفسير فتوصل إلى الجاذبية الأرضية. إذن التفكير النمطي أمكن تفسيره بهذه المعادلة:
عرض ــ(ملاحظة ارتجالية)ــ نتيجة عمومية.
أما ما اعنيه بالتفكير الإبداعي هو ذلك الذي يسأل عن التفسير، ويحلل المادة المعروضة إلى جزئيات ويحاول فهماها ضمن منظومة الكون، ويمكن تمثيله بهذه المعادلة:
عرض ـــ(ملاحظة عميقة)ـــ تفسير.
فهذا النوع يسال فيه المبدع: لماذا وكيف؟ ولنضرب مثلا لنبين الفرق بينهما، وليكن خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار.. ففي التفكير النمطي هنا يقول: (نعم إن هناك آية عظيمة في خلق هذه السماوات والأرض نغم عن هناك اختلاف بين الليل والنهار، فالنهار فيه الضوء والليل ساكن ومظلم)
ولكن التفكير الإبداعي يقودنا إلى تأمل أعمق للسماوات والأرض ويسأل عن السبب وراء اختلاف الليل والنهار ليصل إلى تفسير هذه الظاهرة بدوران الأرض حول الشمس.
وحينما يتحدث القرآن عن جريان الفلك في البحر سيقول النمطيون نعم إن الفلك تجري في البحر ولا تغرق ولكن الابداعيون يفكرون في السبب ويسالون لماذا لا تغرق الفلك إلا في الحوادث الطارئة، وبهذا يمكن الوصول الى قوانين الدفع في الموائع وقانون أرخميدس. وبهذا يصلون أيضا إلى القوانين التي تجمع ما يتعلق بالطفو ومحاولة الاستفادة منها.
والآن فنتسائل: أي هذين الطريقين مطلوب؟ وإجابتي على ذلك بان كليهما مطلوب والسبب في ذلك أن الطريق الأول هو لتأسيسي الفكرة الإيمانية الأولية وهذا الطريق يستطيع كل الناس المشي فيه. أما الطريق الثاني فهو لتأسيس الفكرة الإيمانية الثانوية عن طريق المعرفة العميقة الناتجة عن الكشوف الإبداعية.
وهنا يجب أن نذكر بقوله تعالى(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) لذلك يلح الإسلام علينا للنظر إلى الكون لا لكي نؤمن وحسب بل لنزداد تفهما للحياة واستثمارا لها ونزداد إيمانا أكثر يقينية.
لقد تحدثنا عن الإيحاءات القرآنية والآن نحن بصدد البحث في بعض الأمثلة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لتطبيق ما يمكن أن نسميه(المنهج الإبداعي).
ولنبدأ بمسالة هي أم الميتافيزيقيات (الغيبيات) إلا وهي الخلق(أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) فهذه الآية تهز كل مؤمن يقرؤها بل قرأت أن بعض الصالحين كانوا إذا سمعوها أغمي عليهم.
إن هذه الآية كافية لأن تثير فينا أسئلة فلسفية تصعب على الحصر. إن الطاقة الكامنة فيها تكفي لإحداث طفرة كبيرة في نمط تفكيرنا.. إننا معشر المؤمنين نرد على هذا التساؤل وبكل ثقة نقول: كلا لقد خلقنا لعبادتك إنا لك وإنا إليك راجعون، ولكن شخص مثل هكسلي يقول: لو جلست ستة من القردة على آلات كاتبة وظلت تضرب على حروفها ملايين السنين فلا تستبعد أن تجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبوها قصيدة لشكسبير، كذلك كان الكون الموجود الآن نتيجة لعمليات عمياء ظلت تدور في (إعادة) بلايين السنين) أي أن هكسلي يقول: (اجل لقد خلقتنا الطبيعة عبثا وليست هناك رجعة إلى الله) إذا هنالك تعارضا بين الإجابتين لذا أصبح من الضروري أن يدافع كل فريق عن فكرته.
نحن الذين قلنا كلا على أي أساس بنينا هذه الإجابة، وطالما أن السؤال الذي طرحته الآية موجه إلى البشر يعني أن بامكاننا الرد عليه وطالما أجبنا يعني أننا نثق في صدق الإجابة وعلينا أن نثبت أن احتمال أن تكون إجابتنا هو صفر، وهكذا نكون قد دخلنا مدينة الرياضيات من باب حساب الاحتمالات.
لقد حول العالم الرياضي الشهير شارلز يوجين جواي عن طريق الرياضيات أن يستخرج هذه المادة، فانتهى في أبحاثه إلى أن (الإمكان المحض) في وقوع الحادث الاتفاقي الذي من شانه أن يؤدي خلق كون إذا ما توفرت المادة هو(واحد على 10مرفوعة للاس160) وهو عدد ضئيل جدا بل يكاد يؤول إلى الصفر).
وقد ذكر وحيد الدين خان في كتابه(الإسلام يتحدى): (أن إمكان حدوث الجزيء البروتيني عن صدفة يتطلب مدة مقدارها بليون مرة عن المادة الموجود الآن في سائر الكون حتى يمكن تحريكها وضخها وأما المدة التي يمكن فيها ظهور نتيجة ناجحة لهذه العملية فهو أكثر من10مرفوعة للأس 243 سنة) وهذه المدة لحدوث جزيء بروتيني واحد عن طريق الصدفة فما بالك بهذا الكون البالغ التعقيد. وبهذا نستطيع أن نقول ما قاله عالم الأعضاء الأمريكي مارلين كريدر(إن الامكان الرياضي في توفر العلل اللازمة للخلق عن طريق الصدفة في نسبها الصحيحة هو ما يقرب من لاشيء).
لقد صغت مثل هذا السؤال لأبين إمكانية أن تتطور مثل هذه التساؤلات لتصبح كشوف علمية رائعة.
إن الفرصة أمامنا كبيرة لنقوم بدورنا الريادي لا الذي نريده نحن وحسب إنما يريده الله منا لأنه جعلنا امة وسطا وشرفنا بالشهود الحضاري على الأمم. وان فينا أناسا لهم من العقل ما يماثل العقول المبتكرة في المعسكر الآخر وقد أدهشني بحث قامت به إحدى المراكز العربية فقد كان سؤال البحث هو (ما أثر البسملة على الذبائح). إن القرآن قد منعنا عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه، لذلك سيكون السؤال الإبداعي هو(لماذا) وهذا السؤال قد قاد هؤلاء الباحثين إلى معرفة التلوث المكروبي الشديد في الذبائح غير المسمى عليها مقارنة بالأخرى الشرعية، وقد أسندت هذه الدراسة بالصور الفوتوغرافية التي تبين ذلك. والشاهد في الأمر أننا لابد أن نتصف بالكياسة، فالمؤمن كيس فطن.
وهنا لابد أن أشير إلى ذلك التأمل الناجح لأحد الأطباء حين فكر في أمر قميص سيدنا يوسف - عليه السلام - ولماذا ارتد بصيرا سيدنا يعقوب عندما ألقي في وجهه. إن التفكير النمطي الذي اقترحته يقول أنها معجزة ولكن هذا الطبيب فكر في أمر ريح يوسف وقاده هذا إلى العرق واكتشف أن في العرق مادة تشفي العيون وصمم من هذه المادة قطرة للعيون.
وهنالك الكثير من البحوث التي أجريت للتعرف على فوائد الصوم والصلاة والوضوء ولكن أكثرها إن لم يكن كلها قد قام بها أناس غيرنا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد