حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - أشدَّ الحرص على بيان الشرك والتحذير منه، وسدِّ الطرق الموصلة إليه، فحرم التماثيل، واتخاذ القبور مساجد، والطواف بها، كل ذلك لئلا تتخذ ذريعة لعبادتها من دون الله. ومع كل هذا الاهتمام النبوي ببيان التوحيد وسد الطرق الموصلة إلى الشرك، إلا أن طوائف من الأمة ضلت السبيل، وحادت عن الطريق، فاتخذت من البدع دينا لها تتعبد الله بها، وتدعو الناس إليها، وكل ذلك نتيجة حتمية للجهل بدين الله - عز وجل - والإعراض عن تعلم عقائده وأحكامه.
ومن تلك البدع التي انتشرت وغدت ظواهر خطيرة تهدد التوحيد وتقوض أركانه، بدعة الغلو في أصحاب القبور.
والقبور - كما هو معلوم - أول منازل الآخرة، ونازلها مهما عظم قدره قد انتقل بدخولها إلى دار الجزاء، وهو أحوج إلى أن يُدعَى له من أن يُدعَى، ويُحوّل قبره إلى مزار تهرق على عتباته الذبائح، ويطاف بأسواره، وتلهج الألسن بدعائه والاستغاثة به، إن كل تلك المظاهر لم يأت بها نبي الهدى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هي أمور ابتدعها الناس وألصقوها بدين الله زورا وبهتاناً.
ونحاول في هذا المقام أن نعرض لأحد هذه المظاهر فنبين حكم الشرع فيه، على أمل الحديث عن بقية هذه المظاهر المنحرفة في مقالات لاحقة، فنقول وبالله التوفيق:
يختلف حكمُ الطوافِ بالقبور تبعاً لمراد وقصد فاعله، فإن كان الطائف بالقبور معتقداً أن الطواف بها عمل يقرِّبه إلى الله - سبحانه وتعالى -، ويُتَعَبدُ الله - عز وجل - به، فهذا قد أضل الطريق من حيث أنه عَبَدَ الله بما لم يشرعه، ففعله هذا يدخل في نطاق البدعة، وعمله مردود عليه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) متفق عليه.
وإن كان الطائف بالقبور إنما يُتَقَرَبُ إلى صاحب القبر بالطواف حوله راغباً في عطائه، أو راهباً من عقابه، فهذا هو الشرك الذي أنزلت الكتب وأرسلت الرسل للنهي عنه والتحذير منهº إذ لا تصلح العبادة إلا لله - عز وجل -º ولا يجوز أن يُتَقَرَبَ إلى مخلوق مهما علا شأنه وعظم قدره بعبادة من العبادات أو بقربة من القربات، لأن ذلك من الشرك المنهي عنه، قال - تعالى -: {قُل إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ} (الأنعام: 162- 163)، فالعبادة كلها لله، ولا يجوز التقرب بأي نوع من أنواع العبادات لغير الله، سواء كان المتقرَّبُ إليه ملكاً مقرباً، أو نبياً مرسلاً، أو عبدا صالحاً.
هذا هو حكم الطواف، وهو بكل أحواله عمل غير مشروع، ويدور حكمه بين البدعة والشرك، تبعاً لنية الطائف.
فالواجب على المسلم أن يجتنب هذا الأمر كل الاجتناب، وأن يتقرب إلى الله وحده - سبحانه -، وأن يتقرب إليه بما شرع لا بالأهواء والبدع.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد