بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي اهتدى بهديه ورحمته المهتدون، وضلّ بعدله وحكمته الضالون، ((لَا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ (23) سورة الأنبياء))، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقّ جهاده، وتركنا على المحجّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وسلّم تسليماً كثيراً:
طمس الحقائق، وما أدراك ما طمس الحقائق!!
كيد قديم منذ عهده - صلى الله عليه وسلم - يطمسون الحقيقة، ويعلنون غيرها ويسمونها بغير أسمائها، سلسلة متصلة حتى يومنا هذا ولكن الأشنع في طمس الحقائق في هذا الزمان أن طمس الحقائق أصبحت بطريقة منظمة، ومكائد مخططة بعد أن كانت في عهده - صلى الله عليه وسلم - يقوم بها أفراد معدودين كشفهم الله - جل وعلا – لنبيه، وعدهم - صلى الله عليه وسلم - لحذيفة - رضي الله عنه -.
أما في ذا الزمان فالأمر مختلفº حيث أصبح لطمس الحقائق منظرون ومدربون، ومؤسسات بل وجامعات يتخرج آلاف من الناس على العمل على طمس الحقيقة، وتغليف الباطل وتزيينه بأغلفة براقة تخدع أعين الدهماء من الناس حتى يروا الحسن قبيحاً، والقبح حسناً.
إن المتأمل في حلقاتُ الكيدِ بالمسلمين يرى أنها تتتابَع، ومكرُ المتربِّصين يتسارع، وقِوى الحقّ والباطل تتصارع، وصدق الله إذ يقول: ((وَكَذَلِكَ جَعَلنَا لِكُلّ نبي عَدُوّاً مّنَ ٱلمُجرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبّكَ هَادِياً وَنَصِيراً ))، ((وَكَذَلِكَ جَعَلنَا لِكُلّ نبي عَدُوّاً شَيَـٰطِينَ ٱلإِنسِ وَٱلجِنّ يُوحِى بَعضُهُم إِلَىٰ بَعضٍ, زُخرُفَ ٱلقَولِ غُرُوراً وَلَو شَاء رَبٌّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرهُم وَمَا يَفتَرُونَ)).
وتأتي على الأمّة الفواجعُ والزّوابع لتُظهر دخيلةَ أهل طمس الحقائق، وسوءَ طويَّتهم، وتكشفَ رداءَ المداوَرة، وتمزِّق ثوبَ المراوغة، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلاً: ((أَم حَسِبَ ٱلَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخرِجَ ٱللَّهُ أَضغَـٰنَهُم وَلَو نَشَاء لأَرَينَـٰكَهُم فَلَعَرَفتَهُم بِسِيمَـٰهُم وَلَتَعرِفَنَّهُم في لَحنِ ٱلقَولِ وَٱللَّهُ يَعلَمُ أَعمَـٰلَكُم))، ويأتي الهجومُ المعلَن، والعداء المبطَّن على الإسلام وعلمائه وأهله، وأسُسِه وثوابته، ومناهجِه وبلاده مِن ذوي الفكر المقبوح، والتوجٌّه المفضوحº ليؤكِّد بجلاءٍ, أنَّ مِن بين صفوف الأمّة أدعياء أخفياءَ، كاذبون في الولاء والانتماء، سلكوا مسالكَ عدائيّة، وطرحوا في تضاعيف الصّحف أفكاراً علمانيّة لا دينيّة، شمَخَ كلٌّ واحدٍ, منهم بأنفٍ, من الجهل طويل، واحتسى مِن قيح الخُبث وقبيح الأباطيل، ونطق بالزّور وافترى الأقاويل.
قومٌ بُهت دنَّسوا وجهَ ما كتبوا عليه من قِرطاس، ولطَّخوه بعقائدِ الشكِّ والجُحود والوسواس، مقالاتٌ شوهاء، وكلِمات عرجاء، وحماقاتٌ خرقاء،. وسبحان ربي إذ يقول: ((وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون))، بعد هذه المقدمة إليكم أيها النجباء بعض الصفات الخبيثة لأهل طمس الحقائق، أخبرنا بها العالم بما تخفى الصدور، الذي لا تخفى عليه خافيه في الأرض ولا في السماء - سبحانه وتعالى - حتى يحذر المؤمنين منهم، ويكونوا على بينه من أمرهم:
1- يدّعون أنهم مؤمنون والله يكذبهم ويقول: ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤمِنِينَ )).
2- يدعون أنهم مُصلِحُونَ والله يكذبهم ويقول: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُم لَا تُفسِدُوا فِي الأَرضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحنُ مُصلِحُونَ)).
3- يدعون أنهم هم على الحق وأن غيرهم سفهاء، ولذلك إذا أدعو الإيمان قالوا: أَنَصِيرُ نَحنُ وَهَؤُلَاءِ بِمَنزِلَةِ وَاحِدَة، وَعَلَى طَرِيقَة وَاحِدَة، وَهُم سُفَهَاء؟ والله يكذبهم ويقول: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُم آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤمِنُ كَمَا آمَنَ السٌّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُم هُمُ السٌّفَهَاءُ وَلَكِن لَا يَعلَمُونَ)).
4- يظهرن بوجهين، ويتكلمون بلسانين، ويمشون بين الفريقين كالشاة حائرة بين القطيعين، تميل إلى هذا القطيع تارة، وإلى ذاك أخرى، مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، يظهرون الإيمان وَالمُوَالَاة وَالمُصَافَاة غُرُوراً مِنهُم لِلمُؤمِنِينَ، وَنِفَاقاً وَمُصَانَعَة وَتَقِيَّة، وَلِيُشرِكُوهُم فِيمَا أَصَابُوا مِن خَير وَمَغنَم، \" وَإِذَا خَلَوا إِلَى شَيَاطِينهم \" يَعنِي إِذَا اِنصَرَفُوا وَذَهَبُوا وَخَلَصُوا إِلَى شَيَاطِينهم يعنى سَادَتهم وَكُبَرَاؤُهُم وَرُؤَسَاؤُهُم من رؤوس الكفر وقياداته، وصناع الفساد، وأنصار الباطل، ودعاة الفتنةº قَالُوا إِنَّا مَعَكُم إِنَّمَا نَحنُ مُستَهزِئُونَ، والله يفضحهم ويكشف خبث نياتهم فيقول - جل وعلا -: ((وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوا إِلَى شَيَاطِينِهِم قَالُوا إِنَّا مَعَكُم إِنَّمَا نَحنُ مُستَهزِئُونَ)) (( الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُم فَإِن كَانَ لَكُم فَتحٌ مّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَم نَكُن مَّعَكُم وَإِن كَانَ لِلكَـٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَم نَستَحوِذ عَلَيكُم وَنَمنَعكُم مّنَ المُؤمِنِينَ )).
5- شجعان في السلم فإذا جد الجد لاذوا بغيرهم (( يَحسَبُونَ كُلَّ صَيحَةٍ, عَلَيهِم ))، خوافون جبناء (( لَو يَجِدُونَ مَلجَئاً أَو مَغَـٰرَاتٍ, أَو مُدَّخَلاً لَّوَلَّوا إِلَيهِ وَهُم يَجمَحُونَ )).
6- يظهرون أنهم لا يريدون إلا الحسنى، فيدافعون عن المرأة تحت مسمى حاجاتها وحقوقها وهم ينشدون في الحقيقة التفسخ الأخلاقي بزعمهم تحرير المرأة، لتخرج فتقود السيارة والطيارة والدبابة، و لابد لها من بطاقة، يريدون أن تفسخ المرأة حياءها، وأن يحل المجتمع رباط الأخلاق باسم الترفيه والسياحة، أو عبر مسلسلات تهدم الدين والخلق، والله يفضح مخططهم ويقول - جل وعلا -: (( وَلَيَحلِفَنَّ إِن أَرَدنَا إِلاَّ الحُسنَىٰ وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّهُم لَكَـٰذِبُونَ)).
7- يدعون الوطنية والعمل لخير الوطن، ويروجونه تحت شعار حب الوطن، ويسارعون عند أي حادثة لإبراز ما في قلوبهم من غلٍ, وحقد، ويعجبون بقولهم: ((وَيُشهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا في قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدٌّ الخِصَامِ )).
8- ادعاء التغاضي والتسامح مع من استهزأ بآيات الله، فإذا جلس جالسهم مجلساً يسمع فيه آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها يسكت ويتغاضى ملتمساً لنفسه أعذاراً، ومدعياً أنه صوت من التسامح واللباقة، والدهاء والكياسة، وسعة الأفق وحرية الرأي، وما درى أن هذه هي الهزيمة تدب في أوصاله، وتنخر في فؤاده، وما فرق بين حرية الفكر وجريمة الكفر: ((وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم في الكِتَـٰبِ أَن إِذَا سَمِعتُم ءايَـٰتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُستَهزَأُ بِهَا فَلاَ تَقعُدُوا مَعَهُم حَتَّىٰ يَخُوضُوا في حَدِيثٍ, غَيرِهِ إِنَّكُم إِذاً مّثلُهُم إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ المُنَـٰفِقِينَ وَالكَـٰفِرِينَ في جَهَنَّمَ جَمِيعاً )).
9- يأتون بظواهر العبادات خالية جوفاء من الإيمان والخشوع، وقد قام بهم الرياء وهو أقبح مقام، وقعد بهم الكسل وهو بئس القعيد ((وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَوٰةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءونَ النَّاسَ وَلاَ يَذكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ))، تكاسلاً وثقلاً، وشحاً وبخلاً، لا يرجون ثواباً، ولا يخشون عقاباً، فيهم من تلبس بالغش والخديعة حتى أصبح لا يؤمن جانبه، لا يبالي أن يخلف وعداً، وينكث عهداً، ولا يتورع عن ظلم الغير أو الاستيلاء على الأموال والحقوق العامة والخاصة، لا يزغه إيمان ولا حياء عن الخيانة فيما ائتمن عليه، يخادع الناس بكلامه ولطافة خلقه، ولكن بخلاف ما يظهر، قد امتلأ قلبه حقداً وغلاً ومراوغة، يبيع دينه بعرض من الدنيا، ويهدر كرامته في سبيل غرض شخصي، أو حاجة دنيوية غير مبالٍ, بحرمة فعله، وعظيم إثمه ((إِذ يَقُولُ المُنَـٰفِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُم )).
10- لا يعتبرون من الفتن، ولا يرجعون عند الكوارث، ولا يستفيدون من الحوادث، يصف الله حالهم بقوله - جل وعلا -: ((أَوَلاَ يَرَونَ أَنَّهُم يُفتَنُونَ في كُلّ عَامٍ, مَّرَّةً أَو مَرَّتَينِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُم يَذَّكَّرُونَ )).
11- الأيمان الكاذبة مركبهم، والحلف الفاجر وقايتهم (( وَيَحلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ وَهُم يَعلَمُونَ))، ويقول الله - تعالى- فيهم: (( اتَّخَذوا أَيمَـٰنَهُم جُنَّةً )).
12- الاتصال بأعداء الله وأعداء المؤمنين، ويودون لو تولى العدو أمر المسلمين، وتصرف في شؤونهم ودولهم، وأن تكون الغلبة له، وإلى هذا يشير - سبحانه وتعالى -: ((بَشّرِ ٱلمُنَـٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُم عَذَاباً أَلِيماً ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلكَـٰفِرِينَ أَولِيَاء مِن دُونِ ٱلمُؤمِنِينَ ))، هذه بعض صفات أهل طمس الحقائق، وأجزم أن هناك صفات أخرى ولكن يكفى من السوار ما أحاط بالمعصم.
أيها الإخوة: إن بلية الإسلام بهم - كما يقول الإمام شمس الدين ابن القيم رحمه الله - شديدة، لأنهم منسوبون إليه وهم أعداؤه على الحقيقة، يخرجون عداوته في كل قالب، حتى ليظن الجاهل أنهم على علم وإصلاح، فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه، وكم من حصنٍ, قد قلعوا أساسه وخربوه، وكم من علم طمسوه، وكم من لواء مرفوع قد وضعوه، وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول رأسه ليقلعوها، استعان بهم الشيطان على الفتن والتحريش في تاريخ الإسلام العريض، وما كثر القتل، وتعددت الأهواء، وانتشرت المذاهب الباطلة، والسبل الضالةº إلا بما وضعوه من التفسيرات المنحرفة، والتأويلات المتعسفة، وما عبثوا به من المصطلحات، وزيفوا من المبادئ، وفي أخبار الزنادقة ومن لف لفهم ممن يظهر الإسلام ويبطن الكفر ما يدل على عظيم البلاء، وخطر الابتلاء، فلا يزال الإسلام وأهله في محنة وبلية، ما أكثرهم وهم الأقلون، وما أجبرهم وهم الأذلون، وما أجهلهم وهم المتعلمون: ((وَيَحلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُم لَمِنكُم وَمَا هُم مّنكُم وَلَـٰكِنَّهُم قَومٌ يَفرَقُونَ ))، فالله وحده المستعان على ما يصفون، وعليه التكلان فيما يجترؤون.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد